لا يوجد امام القوى السياسية والبرلمانية الا الطريق الذي دعا اليه رئيس مجلس القضاء الاعلى وهو حل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة كونه حل يجنب العملية السياسية الوقوع في منزلقات التجاوز على التوقيتات الدستورية من جهة اذا ما شكلت الحكومة القادمة ما يفتح المجال للطعن بشرعيتها الدستورية...

تتكاثف المشاورات السياسية للاتفاق على تكليف مرشح لرئاسة الحكومة القادمة وكالعادة تطرح الاسماء ليلاً وتتغير صباحاً ولا مؤشر يدل ان من يطرح اسمه، وان كانت المشاورات فعلية على انه سيكلف فعلا!، بل حتى لو تم الاتفاق على شخصية ما من قبل الاطار التنسيقي هل سيكون مقبولا من قبل الكرد والسنة؟ وان كان مقبولا، هل تم حل عقدة رئاسة الجمهورية التي لم تحسم لغاية الان بين الحزبين الكرديين؟ اذ من المعروف ان مسألة رئاسة الجمهورية موضع خلاف وايضا ترتبط مسألة حسمها بمسألة حسم تكليف رئيس الحكومة وحسم هوية الكتلة الاكبر.

لا توجد دلالات لغاية الان على ان قوى الاطار التنسيقي منسجمة حول من سيكون رئيساً للحكومة، خاصة بعد ازمة تسريب التسجيلات، واعلان بعض قواه الانسحاب او عدم المشاركة، في الحكومة القادمة ما يعني ان هذه القوى ستكون في المعارضة وهذا يستلزم كما هو معروف سياسيا في العراق انها لن تدعم اي مرشح يطرح من قبل القوى المشاركة سواء لرئاسة الجمهورية او الحكومة ما يعني ان الاختلال في النصاب سيكون احد اهم عقبات تأمين نصاب جلسة انتخاب رئاسة الجمهورية، خاصة اذا ما دخل المستقلون في خانة القوى المعارضة داخل البرلمان وهذا مرجح كونهم يراهنون ان يكون المرشح لرئاسة الحكومة مستقلا ويمثل قواهم ورؤيتهم كما طرحت قوى الاطار والتيار قبل انسحاب الاخير من البرلمان.

كل هذه العوائق والعقد بالإمكان حللتها عبر اعادة تفعيل آلية التوافق والشراكة السياسية في المناصب والمواقع من خلال المحاصصة السياسية التي تعمل بشكل فاعل على تنضيج وترتيب الاصطفافات السياسية، لكن هنالك عقدة لم تكن موضع اعتبار من قبل القوى السياسية التي تتشاور الان وتتحاور وتتوائم وتتقاطع لغرض تسمية مرشح لرئاسة الحكومة او الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية، وقد اشار اليها السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان وهي عقدة التوقيتات الدستورية التي مضت وانتهت فعليا، فبعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات يبدأ عملياً احتساب مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب وفقا للمادة (٥٦) من الدستور لتكون اربع سنوات تقويمية من تاريخ اول جلسة، التي يتم الدعوة اليها من قبل رئيس الجمهورية وفقا لأحكام المادة (٥٤) وبعدها تطبق المادة (٥٠) المتعلقة بأداء اليمين الدستورية للفائزين ومن ثم المادة (٥٥) المتعلقة بانتخاب رئيس للمجلس ونائبيه.

كل هذه التوقيتات لغاية الان تمت وفقا للدستور، ولكن بعد انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه كان من المفترض ان يصار الى انتخاب رئيس الجمهورية وفق المادة (٧٠)، وقانون احكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم (٨) لسنة ٢٠١٢ الذي تضمنت المادة الثانية منه فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية خلال مدة (٣) ثلاثة أيام من تاريخ انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، اي بعد ثلاثة ايام من تاريخ الجلسة الأولى لمجلس النواب، وعند استكمال عملية انتخاب رئيس الجمهورية يؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية امام مجلس النواب وبحضور رئيس المحكمة الاتحادية العليا، استناداً إلى احكام المادة (١٠) من قانون احكام الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وبعدها يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا التي سمحت المحكمة الاتحادية بتسجيلها من اول جلسة للبرلمان ولغاية جلسة انتخاب رئيس الجمهورية حسب قرارها بتشكيل مجلس الوزراء خلال (١٥) يوماً من انتخابه استنادا الى المادة (٧٦ / أولاً) من الدستور، وحدد الدستور مدة ٣٠ يوما للمكلف بتشكيل الحكومة تبدأ من تاريخ التكليف لتسمية اعضاء وزارته وفق المادة (٧٦/ ثانياً) من الدستور، وإذا لم ينجح يكلف رئيس الجمهورية مرشح ثاني من نفس الكتلة خلال خمسة عشر يوماً استنادا الى المادة (٧٦/ ثالثاً) من الدستور.

وعند الانتهاء من اعداد التشكيلة الوزارية يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب ويعد حائزاً ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين وعلى المنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة وفق المادة (٧٦/ رابعاً) من الدستور.

أما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة، يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال (١٥) يوماً، وذلك وفق المادة (٧٦/ خامساً) من الدستور، وبإنتهاء هذه السياقات وفقا للتوقيتات الدستورية تستكمل عملية تشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية للدورة الانتخابية الحالية.

لكن الذي حصل ان العملية دخلت بشلل سياسي اصطدم بحاجز انتخاب رئيس الجمهورية خاصة بعد قرار المحكمة الاتحادية الذي اشترط تأمين نصاب الثلثين لعقد جلسة الانتخاب، وتم تجاوز كل هذه المدد اكثر مرة ورغم ان هذه المدد تنظيمية لكن لا يعني ذلك عدم احترامها او الالتزام بها، او تبقى مفتوحة الى اشعار آخر.

ولهذا لا يوجد امام القوى السياسية والبرلمانية الا الطريق الذي دعا اليه رئيس مجلس القضاء الاعلى وهو حل البرلمان والدعوة الى انتخابات مبكرة كونه حل يجنب العملية السياسية الوقوع في منزلقات التجاوز على التوقيتات الدستورية من جهة اذا ما شكلت الحكومة القادمة ما يفتح المجال للطعن بشرعيتها الدستورية، ويعد ايضا حلا لمواجهة الشلل السياسي الذي دخلت فيه القوى السياسية في حال طال امد تشكيل هذه الحكومة في ظل ظروف سياسية معقدة.

وقبل حل البرلمان يجب على القوى السياسية تعديل قانون الانتخابات حسب قرار المحكمة الاتحادية ليكون اكثر عدلا وتمثيلا للجميع ويتضمن العد والفرز اليدوي كذلك، والطريق لحل البرلمان سهل وفقا للدستور العراقي النافذ للعام ٢٠٠٥ في المادة (٦٤) منه، وهنالك اتجاهان في هذه المادة، الاولى: تحتاج الى تصويت البرلمان نفسه، اي الحل الذاتي بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاءه بناء على طلب من ثلث اعضاءه غير مقرون بطلب من السلطة التنفيذية، والثاني بناء على طلب السلطة التنفيذية، بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، وتصويت البرلمان على ذلك بالأغلبية المطلقة كذلك.

فوجود هذين المسارين يمهد امام البرلمان الطريق للحل الذاتي بعد استكمال متطلبات الانتخابات القادمة وتحديد موعدها، ما يعمل على تهدئة الوضع السياسي المحتقن الان، ويمثل خروجا من ازمة تشكيل الحكومة وعدم اصطدامها بالتوقيتات الدستورية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2022 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق