صدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً مهماً يتعلق بعدم دستورية عبارة وردت في قانون الغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة رقم (28) لسنة 2019 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4566) في 9/12/2019، وهو قرار ذو ابعاد اجتماعية عميقة تتمثل في دعم احد طبقات المجتمع العراقي الهشة وهي طبقة الموظفين العموميين...

صدرت المحكمة الاتحادية العليا قراراً مهماً يتعلق بعدم دستورية عبارة وردت في قانون الغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة رقم (28) لسنة 2019 والمنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4566) في 9/12/2019، وهو قرار ذو ابعاد اجتماعية عميقة تتمثل في دعم احد طبقات المجتمع العراقي الهشة وهي طبقة الموظفين العموميين مادون الدرجات العليا (آ) و(ب) الواردة في سلم الرواتب الملحق بقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدل ولنا على هذا القرار الملاحظات الاتية:

1- عانت طبقة الموظفين العراقيين من الغبن في تحقيق العدالة والمساواة في الحصول على المستحقات المالية من الرواتب والمخصصات المالية، وتزايدت هذه الفجوة مع اقرار جملة من الامتيازات المالية للمسؤولين الحكوميين من ذوي الدرجات العليا (المدراء العامين والدرجات الخاصة) والرئاسات الثلاث، والمتتبع لمسار التشريعات المنظمة للحقوق المالية لموظفي الخدمة المدنية نلاحظ انها غير واقعية لافتقارها لدراسات اثر التشريع ولافتقارها لمرونة الاستجابة للتضخم الاقتصادي وتحقيق الرضا الوظيفي لهذه الفئة الاجتماعية، وحتى بعد عام 2003 صدر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) المرقم (30) في 8/9/2003 الخاص بإصلاح رواتب وظروف عمل موظفي الدولة الا انه لم يسعف هذه الفئة، ثم ألغي جدول الرواتب المشار إليه بالملحق (أ) من الأمر (30) لسنة 2003 وتم أحلال جدول رواتب جديد بموجب المادة (1) من القانون رقم (31) في 31/8/2007 المعدل للأمر المذكور آنفاً وتضمن تعديلات في الحدود الدنيا والعليا للرواتب والعلاوات السنوية.

إلا أن القانون المذكور لم يحقق مبدأ العدالة في توزيع الرواتب بين فئات الموظفين مما دعى مجلس الوزراء لإصدار القرار المرقم (352) لسنة 2013 لرفع رواتب الموظفين من الدرجة (العاشرة) الى الدرجة (الرابعة) وبنسبة (114 بالمئة) للدرجة العاشرة ولغاية (4 بالمئة) للدرجة الرابعة بسبب ارتفاع نسبة التضخم وتأثيره على المستوى المعيشي للموظف وفقاً للجدول الملحق به الذي يتضمن التعديل مع استثناء الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة ذات القوانين الخاصة، ثم اصدر مجلس الوزراء قراره المرقم (366) لسنة 2015 المتضمن تعديل جدول الرواتب والرسوم استجابة لتوصيات لجنة اصلاح نظام الرواتب والمخصصات لموظفي الدولة كافة المشكلة بموجب الأمر الديواني المرقم (317) لسنة 2015 باعتبار السلم الجديد يقلل نسبة الفروقات ويحقق درجة أعلى من العدالة.

الا ان هذه الاجراءات التنفيذية لم تفلح في تقليل الفجوة في الرواتب والمخصصات على المستوى الافقي والعمودي لفئات الموظفين ، مما اضطر مجلس الوزراء الى اصدار قراره المرقم (333) لسنة 2015 المتضمن الموافقة على تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء والوكلاء ومن بدرجتهم والمستشارين والمديرين وهي من ضمن القرارات الخاصة بحزمة الاصلاح المقدمة من رئاسة الوزراء والخاصة (بإصلاح نظام الرواتب والمخصصات الاستثنائية للرئاسات كافة والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين وتخفيض الحد الاعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين في الدولة) ، ثم تبلورت هذه الاجراءات التنفيذية الى تشريع قانون الغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة رقم ((28 لسنة 2019، والذي نصت المادة (9) منه على سريان احكامه على رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس مجلس الوزراء ونائبيه ورئيس مجلس القضاء الاعلى ورئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا، واعضاء مجلس النواب، والوزراء ومن هم بدرجتهم، ورؤساء الهيئات المستقلة، والمحافظين والوكلاء ومن هم في درجتهم، والمستشارين ومن هم بدرجتهم والدرجات الخاصة صعوداً والمدراء العامين ومن هم بدرجتهم، ثم حشر المشرع عبارة (والموظفين من الدرجة الثالثة صعوداً) ليشملهم بهذا القانون.

2- ان الموظفين من الدرجة الثالثة ولغاية الاولى من سلم الرواتب لا يعدون مسؤولين ولا يملكون اي امتياز مالي يميزهم عن اقرانهم من موظفي الدرجة الرابعة نزولاً للعاشرة، كما هو الحال بالنسبة للمسؤولين المشمولين بنطاق هذا القانون كالعلاج خارج العراق او تخصيص بدلات ايجار للسكن او سيارات المواكب او حمايات او تخصيص قطع الاراضي وبالتالي لا يجوز شمهولهم بنطاق هذا القانون الذي يقلص من الامتيازات المالية للمسؤولين لانهم لا يتمتعون بها اصلاً وان مثل هذا الشمول يقلص من استحقاقه القانوني خلافاً لقاعدة (الغرم بالغنم)، ولذلك تم الطعن بعدم دستورية عبارة (والموظفين من الدرجة الثالثة صعودا) الواردة بنص المادة (9) من القانون والتي حددت الفئات المشمولة بهذا القانون.

الغاء امتيازات

3- وقد تصدت المحكمة الاتحادية العليا لهذا الطعن وقررت عدم دستورية هذه الفقرة مبينة في قرارها ان الهدف من اصدار قانون الغاء الامتيازات المالية للمسؤولين في الدولة كما جاء في اسبابه الموجبة هو تخفيض النفقات والغاء امتيازات المسؤولين في الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفوارق بين ابناء الشعب العراق.

4- لجأت المحكمة الاتحادية العليا الى تحديد معنى المسؤول الوارد في القانون المذكور وهو نوع من التفسير اللغوي للتشريع الذي تلجأ اليه المحكمة الاتحادية العليا احتياطياً في معرض الفصل بعدم دستورية النص الطعين، حيث جاء في حيثيات قرارها (… وان كلمة المسؤول وفقاً لما ورد في معاجم اللغة، هو اسم مفعول سأل، وتنصرف الى معنى المحاسب، اي من تقع عليه تبعه عمل او امر، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) كما ورد بالحديث، وتنصرف الى المسؤول من رجال الدولة المنوط بع عمل تقع عليه تبعته ممن لهم مسؤوليات في جهاز الدولة، ويقصد بالمسؤولية: القدرة على التحكم والادارة والتحلي بالتفكير العقلاني ويرتبط مفهومهما بالوظيفة والمنصب، فالمسؤول هو الشخص الذي تقع على عاتقه المسؤولية ويمكنه تحمل المسؤوليات كبيرة.

اذ ان تلك الصفة تعطيه الحق في اتخاذ قرارات مهمة او اتخاذ اجراء معين دون الحاجة الى الحصول على اذن من شخص اخر، فهو يشغل منصباً وظيفياً يشارك في ممارسة السلطة، وبعبارة ادق هو من تسلم منصباً ادارياً بدرجة عليا او مسؤولية بدرجة خاصة في السلطات الاتحادية …)، وبذلك تكون المحكمة الاتحادية العليا قد ربط المسؤولية بممارسة السلطات الاتحادية وكشفت عن عيباً في الصياغة التشريعية يتمثل في استخدام المشرع مصطلح (مسؤول) وهي مصطلح غير مألوف في التشريعات العراقية، وما اضطر المحكمة لتفسير كلمة المسؤول والمسؤولية لغوياً واصطلاحياً لتتوصل الى ان المقصود بذلك الى ان المسؤول هو من تسلم منصباً ادارياً بدرجة عليا او خاصة في السلطات الاتحادية وهو تفسير سليم ويتوافق مع استقرت عليه التشريعات العراقية.

سلطات اتحادية

5- كان على المشرع من وجهة نظرنا ان يشرع قانون تحت عنوان (قانون الغاء الامتيازات المالي لذوي الدرجات العليا والخاصة في السلطات الاتحادية) اذا ان الفئات المشار اليهم في المادة (9) من القانون ماعدا (موظفي الدرجة الثالثة صعودا الى الاولى) ينطبق عليهم وصف الدرجات العليا والخاصة، وان موظفي الدرجة الثالثة لغاية الاولى صعوداً قد حشروا حشراً فجاء هذا النص مجافياً لمبدأ العدالة والمساواة في المراكز القانونية المتماثلة وهذا ما اشارت اليه المحكمة الموقرة بوضوح، حيث جاء في حيثيات قرارها (… ولا يمتد هذا الوصف ليشمل الموظفين من الدرجة الثالثة والثانية والاولى كونهم في مركز قانوني يختلف عن المراكز القانونية التي يتمتع بها المسؤولون في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية لاختلاف الامتيازات التي يتمتع بها كل منهم، ولاسيما ان الدرجة الثالثة وما بعدها صعوداً في سلم الوظيفة لا تعد من قبيل الامتيازات التي تمنح للموظف بلا ضوابط، لاستحقاق الموظف لتلك الدرجات تبعاً للتدرج الوظيفي الذي يخضع له بموجب قوانين الوظيفة العامة وشروطها القائمة على اساس الشهادة والقدم ومدة سنوات الخدمة والترفيع والعلاوة وغيرها، وبذلك فهم لا يتمتعون بالامتيازات التي يتمتع بها المسؤولين….)، وبذلك تكون المحكمة الاتحادية العليا قد اخرجت الموظفين من الدرجة الثالثة والثانية والاولى من نطاق مفهوم المسؤولين لانهم لا يتمتعون اصلاً باي امتياز عن اقرانهم يستوجب التقليص منه، كما انهم في مراكز قانونية مختلفة عن مراكز ذوي الدرجات العليا والخاصة، وبالتالي اكدت المحكمة على مبدأ المساواة في المراكز القانونية المتماثلة في الامتيازات او بالاعباء، وان ما ورد في القانون يتجافى مع النصوص الدستورية التي تؤكد ذلك مما يجعل الغاء النص المخالف امراً محتوماً.

لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى تعديل نص المادة (9) من القانون المذكور وتعديل عنوان التشريع تنفيذاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا اعلاه كونه باتاً وملزمة للسلطات كافة، كما ندعو السلطة التنفيذية لتعديل التعليمات رقم (1) لسنة 2023 والخاصة بتسهيل تنفيذ هذا القانون لأنها اغفلت الاشارة الى تقليص مخصصات الايفاد اليلية الواردة في قانون الايفاد والسفر رقم (38) لسنة 1980 المعدلة الى نسبة (50 بالمئة) خمسين بالمائة للمسؤولين ضمن هذه التعليمات … والله الموفق.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق