الاقتصاد الامريكي هو الاكبر في العالم اليوم وسيبقى كذلك لما لا يقل عن 12 سنة قادمة، قبل سنوات تنبأ الاقتصاديون ان اقتصاد الصين سيتجاوز نظيره الامريكي في الحجم في عام 2028. لكنهم عدلوا هذا التوقع بعد عاصفة الكورونا الى عام 2030. واليوم عدل هذا التوقع من جديد الى عام 2035...

في عام 1944 وقعت 44 دولة اتفاقية بريتون وودز التي خططت لاستقرار النظام الدولي العالمي وربطت سعر الذهب بالدولار (35 دولار مقابل اونس الذهب) وبهذا دشنت رسميا هيمنة الدولار على العالم كعملة الاحتياط لاغلب الصناديق السيادية في العالم.

في عام 1971 ونتيجة لتأثيرات حرب فيتنام وقضايا اخرى ارتفعت نسبة البطالة والتضخم في الولايات المتحدة واصدر الرئيس نيكسون سلسلة قرارات اوقفت مؤقتا دعم الولايات المتحدة بالذهب للدولار مما احدث صدمة مالية عالمية سميت صدمة نيكسون، ادى هذا عمليا الى انهاء اتفاقية بريتون وودز وتعويم سعر الدولار مقابل الذهب وبالتالي تعويم عملات العالم الاخرى وتم اقرار ذلك رسميا باتفاقية وقعت في جامايكا عام 1976، مع ذلك استمرت هيمنة الدولار كعملة احتياط لدى اغلب دول العالم، تعرض الدولار لهزة اخرى بعد الازمة المالية العالمية في عام 2008 لكنه استمر مهيمنا على الاقتصاد العالمي رغم ذلك.

اليوم وبعد عاصفة الكورونا الاقتصادية ورفع سعر الفائدة لمرات عديدة في الولايات المتحدة لكبح التضخم وبعد العقوبات المالية على روسيا تتجدد الدعوات لانهاء هيمنة الدولار على العالم كعملة احتياط، ومع هذه الدعوات تخرج تنبؤات اغلبها غير علمي (تبشر) بعصر جديد لا هيمنة للدولار عليه.

لفهم هذا الموضوع واستكشاف ان كان عصر الدولار قد اوشك ان ينتهي ام لا, من المفيد ان نفهم كيف حصلت هذه العملية - انهاء هيمنة عملة ما على العالم - في الماضي، قبل عام 1944, كانت العملة المهيمنة هي الجنية الاسترليني، وكان عهد هيمنة الاسترليني قد بدأ منذ عام 1815 - اي بعد نهاية حروب نابليون - واستمر حلال القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين.

لكن الاقتصاد الامريكي اصبح ومنذ عام 1890 اكبر اقتصاد في العالم متجاوزا نظيره البريطاني، كما تعرض الاقتصاد البريطاني ومعه الجنيه الاسترليني لضغوط كبيرة تسببت بها الحربين العالميتين والكساد الكبير في عام 1929 وكانت نتيجة كل ذلك خروج بريطانيا من الحرب العالمية الثانية شبه مفلسه ومدمرة - حالها حال اوروبا.

وهكذا ترجمت هيمنة الاقتصاد الامريكي الى هيمنة الدولار في النهاية. لكن هذه العملية استغرقت 54 سنة كاملة!

قبل عام 1815 وبالتحديد منذ عام 1720 كان الفرنك الفرنسي هو العملة المهيمنة على العالم، ادت الثورة الفرنسية وحروبها ثم حروب نابليون الى انهاء هيمنة الفرنك واستبداله بالجنيه الاسترليني، وقبل الفرنك الفرنسي وبالتحديد منذ عام 1640 كانت العملة الهولندية (تسمى الخولده) هي المهيمنة على العالم.

لكن اضمحلال شركة الهند الشرقية الهولندية وحروب بريطانيا مع هولندا اديا في النهاية الى استبدال العملة الهولندية بالفرنك الفرنسي، وقبل العملة الهولندية وبالتحديد في عام 1530 كانت العملة الاسبانية القديمة المسماة السكودو هي المهيمنة.

لكن احتلال هولندا لاسبانيا و تمرد كاتالونيا وانهيار الوحدة الاسبانية البرتغالية وحرب ال30 عاما كلها ادت الى استبدال العملة الاسبانية بنظيرتها الهولندية كعملة مهيمنة على العالم، واخيرا وقبل العملة الاسبانية كانت العملة البرتغالية القديمة (الريال البرتغالي) هي المهيمنة وبالتحديد منذ عام 1450، لكن ازمة ورائة العرش البرتغالي ثم توحد البرتغال واسبانيا اديا الى استبداله بالعملة الاسبانية.

من كل ذلك نستنتج ان استبدال العملة المهيمنة عالميا يحدث نتيجة اضمحلال اقتصادي وسياسي متزامن مع بروز قوى اقتصادية جديدة تترجم هيمنتها بهيمنة عملتها. هل هذه الظروف متوفرة الان لاستبدال الدولار الامريكي؟

الاقتصاد الامريكي هو الاكبر في العالم اليوم وسيبقى كذلك لما لا يقل عن 12 سنة قادمة، قبل سنوات تنبأ الاقتصاديون ان اقتصاد الصين سيتجاوز نظيره الامريكي في الحجم في عام 2028. لكنهم عدلوا هذا التوقع بعد عاصفة الكورونا الى عام 2030. واليوم عدل هذا التوقع من جديد الى عام 2035، وحتى لو افترضنا حدوث ذلك في عام 2035, فهل سيعني هذا استبدال الدولار باليوان الصيني؟

لاستبدال العملة المهيمنة في العالم, يجب ان يتفق قادة اهم واكبر اقتصادات العالم على ذلك، هل قادة العالم - بما في ذلك دول تنافس الصين مثل الهند او اليابان او حتى الاتحاد الاوروبي - على استعداد لاستبدال عملة مثل الدولار تعكس اقتصادا مستقرا ونظاما سياسيا مستقرا في دولة مثل الولايات المتحدة بعملة تعكس نظاما يمثل ديكتاتورية الحزب الشيوعي؟

وحتى لو افترضنا ان استبدال الدولار حتمي وهو ليس كذلك, فأن استبداله عادة يحدث بعملة منافسة وهذه العملة ليست اليوان الصيني بل هي اليورو.

واليورو يعاني من مشاكل جمة حيث خرج للتو من عاصفة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، نتيجة لكل ما تقدم فان الجواب الصحيح والعلمي لمسألة استبدال الدولار هو ان الدولار قد يستبدل بعملة اخرى وقد لا يستبدل. وان استبدل فان هذه العملية ستحدث ببطء وستستغرق عقودا - على الاقل ربع قرن، هذه العملية تحتاج لاجماع قادة اقتصادات العالم الكبرى لا تمنيات بعض العرب واحلام يقظتهم الغير واقعية!

.............................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق