من قال لك ان العراق قوي بلون اجتماعي واحد، لا ترد عليه، الزم الصمت، فهو متخلف ولا يفقه من الأمر شيئا، او جرى غسل دماغه الفارغ بالأصل، فالحوار معه لن يفضي الى نتيجة، والجدل مع الجاهل خسارة، بل انشر فكرك النير ما استطعت، وترجمه سلوكا بيننا...

استغربتُ اهتمامه اللافت بي من دون نزلاء الفندق الذي ضم سياحا من جنسيات مختلفة، أكرمني بخدمات متميزة، وأذناه صاغيتان لكل ما أقول، وبسرعة يستجيب لما أريد، ومع انه صاحب الفندق ولديه العديد من العمال، لكنه حرص على تنفيذ طلباتي بنفسه، وعندما حدثته اغرورقت عيناه بالدموع، ومن كلامه باللهجة البغدادية شممت حنينا عصيا على الوصف للعراق، عراقي أصيل راح ضحية ما سُمي بالتبعية الايرانية، لأن جده السابع ايرانيا، فمزقت السياسة حياته المستقرة برغم من بعده عنها، فرمته الأجهزة الأمنية على الحدود مواجها المجهول، بينما بقي جزء من عائلته في العراق، ولم يتمكن من لم شملهم الا بعد تغيير النظام، فحمد الله الذي أمد بعمره لرؤية ما بقي من عياله أحياء.

تعميم فعل شخص واحد ارتكب جرما او أخل بالأمن على آلاف البشر، ويجري تشريدهم بذريعة ان اصولهم غير عراقية، فتلك لا يمكن وصفها الا بالجريمة، أظن ما حدث لا يمكن للعقل أن يتخيله. وهنا حضرني قول رسولنا الكريم (ص): (من تكلم بالعربية فهو عربي)، وهذا يعني ان للغة دورا كبيرا في تشكيل الثقافة، ولا يمكن أن نعد شخصا أجنبيا من كانت ثقافته عربية.

تابعت بشغف وانتباه شديدين حديث المرأة المسنة المنشور على اليوتيوب، ولفتتني لهجتها المشبعة بالمفردات الفراتية وتحديدا قضاء الشامية بمحافظة الديوانية، بالرغم من انها غادرت العراق مطاردة منذ أكثر من خمسين عاما، ومع انها لم تعش في البلاد الا مطلع فتوتها، لكن صدرها مكتظ بالحسرات عليه، وأظن لو كان الأمر متاحا لزارت مرابع صباها التي أنهت فيها الدراسة الابتدائية قبل أن تفر الى اسرائيل مكرهة بمساعدة مهربين أكراد، روت ما واجهته العوائل اليهودية من رعب، وبدا صدق ما تقول من اسلوب حديثها واسترسالها.

ركزتُ كثيرا على صورة والدها الذي يرتدى اليشماغ والعقال الفراتي، وكانت طريقة لبسهما تشير الى عشائر الشامية كالحميدات وآل فتلة. وقالت ان سكان المنطقة يطلقون على أبيها (السيد)، احتراما وتقديرا له، وكأن نسبه يعود لأهل البيت (ع)، ان ثقافته الفراتية أنست المجتمع ديانته التي يكن لها البعض كرها وهنا استذكرت كلام الامام علي (ع): (الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق)، لقد فشلنا في تثقيف أبنائنا على التمييز بين اليهود العرب والصهاينة المحتلين لبلادنا، سينتهي جيل اليهود العراقيين الذين تختزن ذاكرتهم حنينا للعراق، مقابل أجيال جديدة من اليهود العرب بثقافة صهيونية.

وآخر مآسينا ما جرى لإخوتنا الأيزيديين والمسيحيين على أيدي تنظيم داعش الارهابي، وبعض الذين طمعوا في بيوتهم وأملاكهم، ليُقتل من يُقتل ويفر من يفر، ورأينا ما تعرضوا له من ظلم يندى له جبين الانسانية، وقبلها عمليات التهجير المتبادلة بين الشيعة والسنة، كل ما حدث هو نتاج ثقافة الكراهية التي لم نتمكن من الصمود ازاء غزواتها المتواصلة.

خلاصة القول: من قال لك ان العراق قوي بلون اجتماعي واحد، لا ترد عليه، الزم الصمت، فهو متخلف ولا يفقه من الأمر شيئا، او جرى غسل دماغه الفارغ بالأصل، فالحوار معه لن يفضي الى نتيجة، والجدل مع الجاهل خسارة، بل انشر فكرك النير ما استطعت، وترجمه سلوكا بيننا.

لقد تمكن الذين تشبعت قلوبهم بالضغائن، والذين ظنوا انهم مالكو الحقيقة المطلقة، والذين نصبّوا أنفسهم أوصياء على المجتمع وما عداهم قاصرين، تمكنوا من حشو عقول الناس بالفاسد من الأفكار. هؤلاء من أشاع ثقافة الكراهية بين أبناء البلد الواحد بذرائع شتى، ينبشون في المعتم من الماضي لاستحضار واقعة او قول منسي لإثبات صحة أفكارهم. لا جمال للعراق ولا قوة بغير ألوانه الاجتماعية التي عُرف بها مذ وجد على البسيطة.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق