المهم، تصنيع آلات ومصانع من شأنها استيعاب العاطلين، لا أن نتوسل العالم حتى يصنع لنا أبرة أو شخاطة وفي أحسن الأحوال نبتاع منه معملا للكارتون أو صناعة السجائر أو أكياس النايلون، وأن نوفر الشوارع الواسعة والنظيفة والمتقنة، قبل أن نستورد هذا الكم الهائل من السيارات الفارهة...

في مسيرة الحياة، هناك ما هو مهم، وما هو أهم، وما هو ضروري، وما هو الأكثر ضرورة، وما هو مفيد، وما هو الأكثر فائدة. الأكثر أهمية وضرورة وفائدة؛ ينبغي أن نتوقف عنده، ونعمل به، ننجزه ونتفاعل معه، بحيث يصبح هو شاغلنا الرئيس. فبناء مدرسة لتوعية التلاميذ، أهم بكثير من إقامة حفل غنائي. وإنشاء مشفى أهم من الاعتماد على الأدوية والأعشاب، وإعطاء العلاج أهم بكثير من تسكين الأمراض. وتوفير سكن لفقراء الناس، أهم من الحديث عن التقدم العمراني، وإزالة البناء العشوائي من دون إيجاد بديل. والإبقاء على أشجار النخيل المعمرة؛ أهم من اقتلاعها وانشاء (المولات).

وإعادة تأهيل مباني الأسواق المركزية المهملة منذ ربع قرن، من الأهم تحويلها إلى مدارس أو كليات أو مشافٍ، فهذا أهم بكثير من الإبقاء عليها مهجورة متآكلة.

كما أن دعم وتكريم الكفاءات والقدرات العراقية وتقديم إنتاجاتها؛ أهم بكثير من تكريم الضيوف الذين يأتون بدعوات رسمية.. يتنزهون وقد يقدمون الأغاني والمسرحيات العابرة، ثم يأخذون (المقسوم) من المكافآت ويرحلون، بينما تحرم هذه الكفاءات العراقية، ويتم إهمال منجزاتها.

وحضارتنا التي نباهي بها أنفسنا، لا تقوم على حجارة منحوتة، ولا على لوح طيني مكتوب، ولا أناء خزفيًّا جميلا.

الحضارة تقوم على قدرة المجتمع في إنتاج المعرفة الفاعلة، والدواء الشافي، والاختراع المبتكر الأصيل، والأدوات التي تخفف من عبء الإنسان، كما لا يتم تأليف كتب عن الحداثة وما بعدها، ونحن لم نعالج تفشي الأمية في واقعنا الاجتماعي.

المهم.. تصنيع آلات ومصانع من شأنها استيعاب العاطلين، لا أن نتوسل العالم حتى يصنع لنا أبرة أو شخاطة وفي أحسن الأحوال نبتاع منه معملا للكارتون أو صناعة السجائر أو أكياس النايلون، وأن نوفر الشوارع الواسعة والنظيفة والمتقنة، قبل أن نستورد هذا الكم الهائل من السيارات الفارهة.

وأن نوفر للموظفين والطلبة وسائط نقل، كما هو شأن كل البلدان التي تحترم البشر، قبل أن نتحدث عن الازدحام وجور وتعسف بعض العاملين في المرور.

ننتج ما بنا حاجة ماسة إليه من زراعة وصناعة.. ذلك أننا لا نريد أن نموت جوعا إن لم نتسول قوتنا من الخارج، ولا نريد أن نقرأ كتابا عن (الأكلات الشعبية عند الاقوام القديمة) مثلا، فهذه بلادة وسكون في التوجه نحو القراءة.

لا نريد أن نفكر أبدا بأننا نمرض اذا لم نتناول عشبة ما، تمتلئ كل أجهزة التواصل الاجتماعي بالدعاية لها وأداء القسم على فائدتها.

ليست بنا حاجة إلى وزارات ومؤسسات ودوائر غير منتجة يتثاءب فيها كل العاملين.. ولا حاجة بنا لدوائر لا تحترم الكثرة من موظفيها كما لا نريد أن يظل المواطن يدفع مبلغا لتسهيل مهمته، حتى أن أنفاسه المثقلة بالهموم والجهود.. نجد من يريد عنها ثمنا.

نحن في بلد لا تعنى دوائره لا بالمهم ولا بالأهم، وإنما تنصرف إلى ما هو هامشي وعابر يتعلق براتب لقاء دوام كسول.

دوائر تطلي الجدران وتغدق المال على المكاتب وعلى كل ما هو مظهري، وتهمل توفير عمل للعاملين فيها أو توفير كرسي يرتاح عنده مراجع مل من المراجعات، أو دورة مياه نظيفة يلجأ اليها عجوز كسيح مثقل بالأمراض.

كل شيء في هذا الواقع المريض حولنا؛ لا يعنى بالمهم فكيف يعتني بالأهم؟!

أليس هذا خللا يحيط بنا من دون دراسة، ولا منجز ولا فعل حقيقيا ينبه إلى المهم و إلى الأهم كذلك؟

ام ان كل شيء يجرب بالمقلوب في هذا البلد الذي ينام على ثروات نفطية هائلة، فيما يعيش اهله فقراء مهمشين لا يجدون قوت يومهم الا بمشقة الانفس !

هل ستبقى الأمور هكذا، تجري على كل ما هو عابر وهامشي ومهمل لحقوق الناس؟!.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق