q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

صدق من قال

صدق الذي قال: اذا أردت يوما في بلادنا خال من التوتر، تستنشق فيه هواء نقيا، ويخلو بالك مما يعكره، واسترخاء تهدأ به أعصابك، عليك بلزم بيتك، والانزواء في ركن قصي، ففي الوحدة سعادة، وفي التأمل راحة، وكثيرا ما طرقت مسامعنا مقولات تنصحنا باعتزال الناس قدر المستطاع، خصوصا عندما نتجاوز عقدنا السادس...

لأني مؤمن بالحكمة التي تقول: (الحركة ولود والسكون عاقر) التي وردت على لسان الحسن البصري في حثه على العمل ونبذ الكسل، فغالبا ما أعزم على قضاء مشاغلي وتوفير احتياجات أسرتي بنفسي دون الاستعانة بأبنائي بالرغم من العجز الذي ينتابني بين مدة وأخرى جراء وضعي الصحي غير المستقر. ولكن ما خرجت يوما من بيتي الا وعدت منزعجا، وبعض الذي يصادفني يقشعر له حتى شعر الرأس قبل الجسد، ويرفع من مستوى السكر في الدم، فتبدو انفعالاتي واضحة، وتتمظهر شدة بعضها في سلوكي بما هو خارج طوري، حتى وُصفت بأني لست كما كنت في سنوات خلت.

أمس حاولت مسك أعصابي والتحكم بانفعالاتي ولجم لساني، فكوارثنا ليس مبعثها سوى اللسان، لذلك قيل: (مقتل المرء بين فكيه)، لأجمع مشاهداتي لكتابة هذا المقال. وأولى خطواتي كانت باتجاه أحد المنافذ لاستلام راتبي، وكان قبلي رجل متقاعد، فانتظرته ريثما ينتهي من عد نقوده بيديه المرتجفتين، فاذا بشاب في أواخر العقد الثاني من عمره يتجاوزني والمتقاعد ليسلم بطاقته لصاحب المنفذ، فسألته دون أن أشعره بسلوكه غير المقبول: هل انت موظف، فأجابني بأنه مدرس ويعمل في الاعدادية الفلانية. تصوروا هذا الذي لا يعير اهتماما للأكبر منه سنا، ويغمط حق الناس، ويقدم نفسه على حسابهم دون استئذان، هذا المدرس ائتمناه على أبنائنا في المدرسة، ونتطلع منه أن يربيهم على ما هو صحيح من القيم وفي مقدمتها النظام، وسؤالي: هل هذا المدرس استثناء ام ظاهرة، لأن اجابة السؤال يتوقف عليها تقييمنا لدور مؤسستنا التربوية والتعليمية في التنشئة ان كان فاعلا ويتقدم أم متعثرا ويتراجع ؟

صباحا وكعادتي اليومية أذهب لفرن الصمون في مسعى لتقليل التعب عن زوجتي بإعداد الخبز المنزلي، ومع ان جميع الموجودين التزموا بدورهم، الا ان شرطيا وبلا استئذان تجاوزهم ليحصل على ما يريد وسط دهشة واضحة، تبادل فيها الموجودون الأنظار، أظن ان بعضهم قال مع نفسه: هذا هو من يُفترض به حفظ النظام وتطبيق القانون الذي يضمن العدالة في المجتمع.

أنصح سواق المركبات مخلصا بالتأني عند الاستدارات، فبعض المرشحين وضعوا لافتاتهم الدعائية بما يحجب رؤية المركبة القادمة، وأغلبهم اذا لم أعمم قد خربّوا أرصفة الجزرات الوسطية لتثبيت تلك اللافتات، وهم الذين نرجو منهم اصلاح الخراب، خطر في بالي وأنا أتأمل في صورهم الملونة سؤال: لو أخضعنا المرشحين لاختبار حقيقي في السياسة والثقافة، فبرأيكم ما هي النتيجة؟

فلِمَ لا تقوم مديريات البلدية والمرور برفع لافتات المرشحين غير المبالين بسلامة الانسان وجمالية الأمكنة؟، يبدو انهما غير مباليتين أيضا، والا كيف تتأخر المرور بإصلاح اشارة ضوئية شهرين كاملين، او قيام شعب الزراعة في البلديات كل ثلاثة أشهر باقتلاع حشائش الجزرات الوسطية ومقتربات الشوارع يدويا، بينما يمكن مكافحتها بالمبيدات نهائيا.

شيء جميل أن تكون في مدننا مولات، مع التحفظ على كثرتها، ولكن كيف للمعنيين الموافقة على انشائها دون الزام أصحابها بإنشاء (كراجات) لسيارات زبائنها، فأمر طبيعي أن يتعرقل السير في الشوارع، خصوصا وان أمكنتها تقع في شوارع عامة، وفي مراكز المدن وليس في أطرافها، كل هذا وأشياء أخرى أتحرج من ذكرها رأيته (في يوم وليلة) كما تقول سيدة الغناء العربي ام كلثوم.

لذلك صدق الذي قال: اذا أردت يوما في بلادنا خال من التوتر، تستنشق فيه هواء نقيا، ويخلو بالك مما يعكره، واسترخاء تهدأ به أعصابك، عليك بلزم بيتك، والانزواء في ركن قصي، ففي الوحدة سعادة، وفي التأمل راحة، وكثيرا ما طرقت مسامعنا مقولات تنصحنا باعتزال الناس قدر المستطاع، خصوصا عندما نتجاوز عقدنا السادس، فما بقي من العمر، لا يتحمل فيه الجسد انفعالا، والدماغ توترا .

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق