عدم الثقة بالانتخابات. التوجه الى صناديق الاقتراع يتضمن الايمان بعدة امور، منها الايمان بالديمقراطية ذاتها، الثقة بالنظام السياسي، الثقة بان الانتخابات يمكن ان تحقق التغيير المنشود الخ. اذا اهتزت الثقة باية من هذه الفرضيات فقد يحجم الناخب عن الادلاء بصوته...

الانتخابات ممارسة ديمقراطية اساسية. بل هي العمود الفقري لتعريف الديمقراطية (على الاقل لدى بعض علماء السياسية مثل صامويل هنتنغتون Samuel Huntington (١٩٢٧-٢٠٠٨)، الذي قال ان الديمقراطية ماهي الا الانتخابات). والتسويغ الفلسفي للانتخابات هو عدم جواز تولي الولايات العامة (المندرجة تحت عنوان الحكم) بدون تفويض من المحكومين، باعتبار ان ولاية الحكم هي في الاصل حق شخصي لكل فرد ( على الاقل كما ذكر القران بقوله: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" وكذلك قوله:"وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ". وتعني هاتان الايتان ان الولاية سارية في كل ابناء اي مجتمع سواء كانوا مؤمنين ام كافرين). يمارس الناس ولايتهم عن طريق الانتخابات او عن طريق المشاركة المباشرة. والانتخابات بهذا المعنى والسياق حق وليست واجبا. فاذا توفرت لدى الفرد الاسباب الكافية للمشاركة فعل، وان لم تتوفر له الاسباب الكافية احجم عن المشاركة. ولا يحق لاي طرف اجبار الفرد على المشاركة او عدم المشاركة. يجب ان يتمتع المواطن الناخب بالحرية المطلقة لاختيار احد الامرين. وما سمعناه من تصريحات تهدد المشاركين بقطع الرؤوس يتعارض بالصميم مع مبادىء الديمقراطية وفي المقدمة منها الحق في تقرير المصير.

المهم في كل جولة انتخابية هناك فريق من الناخبين لا يشاركون في الانتخابات، اي يحجمون عن الذهاب الى المراكز الانتخابية للادلاء باصواتهم. وهذا من ضمن حقوقهم الديمقراطية، ولا نقاش في ذلك. كما ان من الحق المطلق للطرف الاخر ان يشارك في الانتخابات ويدلي بصوته بحرية وامان تامين.

والمهم في هذا دراسة ظاهرة العزوف عن الانتخابات دراسة علمية وليس دراسة ايديولوجية. واقصد بالدراسة العلمية اتباع المنهج العلمي في دراسة الظاهرة عن طريق تقديم فروض لتفسير ظاهرة العزوف وفحص هذه الظروف مختبريا. والمقصود بالمختبر هنا المجتمع نفسه بما فيه شريحة الذين لم يدلوا باصواتهم في الانتخابات.

هنا اضع بين ايدي الباحثين اقتراحا بدراسة وتحليل ظاهرة العزوف، بوصفها ظاهرة سياسية، يفحص الفروض التالية، مع العمل على تكميم كل فرض، اي بيان كمية او حجم كل فرض في تفسير الظاهرة.

الفروض المقترحة للدراسة:

الفرض الاول: تأثير التيار الصدري. دعا السيد مقتدى الصدر الى مقاطعة الانتخابات لاسباب ذكرها في تغريداته. ونشط اتباعه في الدعوة الى المقاطعة. وربما الضغط على بعض الناس لعدم المشاركة. ويجب ان نعرف كمية تأثير هذه الدعوة على السلوك الانتخابي للمواطنين.

الفرض الثاني: عدم الحصول على البطاقة الانتخابية. يوجد في العراق امر غريب نوعا ما وهو البطاقة الانتخابية التي تتطلب التحديث والحيازة. ومن لم يحدّث بطاقته، ولم يستلمها، لا يحق له المشاركة في الانتخابات. ويمكن الاستعاضة عن البطاقة بطرق اخرى متبعة في بعض الدول، لكن ربما تفرض خصوصية الحالة العراقية ضرورة حمل البطاقة الانتخابية.

الفرض الثالث: عدم الثقة بالانتخابات. التوجه الى صناديق الاقتراع يتضمن الايمان بعدة امور، منها الايمان بالديمقراطية ذاتها، الثقة بالنظام السياسي، الثقة بان الانتخابات يمكن ان تحقق التغيير المنشود الخ. اذا اهتزت الثقة باية من هذه الفرضيات فقد يحجم الناخب عن الادلاء بصوته.

الفرض الرابع: عدم وجود بدائل مقنعة. تمتاز الانتخابات العراقية بوجود مرشحين كثيرين. واحد حوافز الذهاب الى صناديق الاقتراع ثقة الناخب بوجود بدلاء جديرين بالانتخابات فضلا عن النقاط المذكورة في الفقرة السابقة. فاذا اقتنع الناخب بعدم وجود هؤلاء البدلاء فقد الحافز للادلاء بصوته.

الفرض الخامس: اية اسباب شخصية اخرى مثل الكسل او الانشغال الخ

اتمنى على المشتغلين بالعلوم السياسية في جامعاتنا القيام بمثل هذه الدراسة ليتوفر لنا فهم علمي لاحدى الظواهر السياسية المهمة في مجتمعنا.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق