التحول الحاصل في البلاد يحاكي وبصورة جلية القناعة الجماهيرية في القوى السياسية القديمة، فلم تعد هي قطب الرحى الذي يعمل على خلق التوازنات، استطاعت القوى الصاعدة من وضع اقدامها وبثبات في المفاصل المهمة في عملية إدارة الحكومات المحلية القادمة، وقد تفسد على الزعماء القدماء حلم الحصول على مقاليد السلطة...

اثارت صورة ظهرت مؤخرا جمعت زعماء الكتل والقوائم الشيعية الفاعلة في الوسط السياسي، سخطا جماهيريا حول النتائج التي ستترتب على هذا الاجتماع ووضع خارطة جديدة للعملية السياسية، في الوقت الذي شهدت اغلب قوائمهم تراجعا كبيرا في شعبيتها، فالسؤال الملح هنا، هل ستبقى القوى التقليدية متحكمة في المشهد السياسي ام سيكون للقوى الصاعدة رأي آخر؟

ردود الأفعال بعد انتشار الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي والوكالات الإخبارية تنصب حول الجدوى من اجراء الانتخابات، طالما ان الاجتماعات عادت من جديد بين الزعماء الفرقاء في الرخاء، والأصدقاء عند الشدة، فالشدة الحالية هي انخفاض مقاعد هذه القوى وتغلب قوى أخرى عليها.

الانخفاض يعطي رسائل كثيرة أبرزها ان المواطنين جادين في عملية ابعاد القوى التقليدية عن المشهد السياسي عبر عدم التصويت وتوجيه عقوبة جماعية لها، لم تتوقع ان السخط بلغ هذه المرحلة، لكن مع ذلك كله لا تزال هي من يُهندس العملية الانتخابية وهي من تبحث في آليات التشكيل رغم هزيمتها الواقعية.

بعد إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لنتائج الانتخابات المحلية اتضحت صورة مهمة من الصور المشكلة حديثا لطبيعة المجتمع العراقي، وهي تغير مزاجية المواطنين فيما يخص المشاركة في الانتخابات من جهة، واختياره للمرشحين من جهة أخرى، وفي كلتا الحالتين يعد ذلك مؤشر مهم لطبيعة التحول السياسي في العراق.

التحول الحاصل في البلاد يحاكي وبصورة جلية القناعة الجماهيرية في القوى السياسية القديمة، فلم تعد هي قطب الرحى الذي يعمل على خلق التوازنات، استطاعت القوى الصاعدة من وضع اقدامها وبثبات في المفاصل المهمة في عملية إدارة الحكومات المحلية القادمة، وقد تفسد على الزعماء القدماء حلم الحصول على مقاليد السلطة كما تتمنى او تريد.

وفق النتائج الحالية والتي يرجح مختصون بقائها فأن القوائم الجديدة صاحبة الأغلبية المريحة امامها تحدي كبير يتمثل في كيفية التعاطي مع نتائج هذه الانتخابات، خصوصا وهنالك توجه قوي من القوى الكبرى لتقليل دور هذه القوائم في تشكيل الحكومات وفق رؤيتها الذاتية دون الرجوع اليها او استشارتها رغم تفوقها.

لكن ثمة إشكالية قد تجبر القوائم الجديدة على العودة او التقارب مع القوى التقليدية لتشكيل الحكومة، فوفق سانت ليغو لم تحصل هذه القوائم على الاريحية المريحة، وهو ما يعني الاحتكام الى مبدأ التوافق الذي سارت عليه العملية السياسية لأكثر من عقدين مضت على تغيير النظام السياسي في العراق.

دون التوافق من المؤكد ستسير العملية السياسية بطريقة عرجاء، فضلا عن صعوبة التشكيل الأساسي والانطلاق بتجاه تقديم الخدمات التي وضعت لبنتها الأولى قبل الانتخابات بسنوات، واوعدت بإكمال المسير نحو تحقيق الهدف الأهم للمحافظين القدماء الذين شرعوا بحملات مغايرة عن السابقين وحصدوا نتائج هذا التفوق.

عدم التوافق يجعل مجالس المحافظات الجديدة مُصابة بحالة من العوق التشريعي والتنفيذي، يأتي ذلك نتيجة عدم القدرة على تشريع القوانين وتنفيذها كونها جاءت بإرادة سياسية مخالفة للإرادات الأخرى.

من السابق لأوانه الجزم او التسليم لسيناريو من السيناريوهات المتوقعة، فالمفوضية العليا للانتخابات لم تحسم الامر، وقد تحدث تغييرات غير متوقعة بعد ظهور نتائج التصويت الخاص، لكن هذا لا يمنع الحديث عن المآلات الآتية، ومن سيتحكم بالمشهد القادم، هل القوى التقليدية ام الجديدة ام كلاهما؟

اضف تعليق