خلال أيام وأنا أتنقل بين ذاكرتي والصحافة العالمية لعلني أجد بين طياتها من يقيم ايجابيا شخصية أردوغان وبصراحة لم أجد من يثني على الرجل بكلمة واحدة في صالحه فهناك اجماع غريب على الحط منه كرجل دولة ليس له في سجله السياسي ما يذكر به خيرا. البعض يضعه في كفة واحدة مع بنجامين نتنياهو فكلاهما يفتقدان الاحترام والتعاطف الجماهيري لما يؤمنان به من قيم قومية ودينية وسياسية متطرفة متنافية مع المعايير الديمقراطية والانسانية السائدة في عالم اليوم. وليس مستغربا أن يرتبط الاثنان بعلاقات حميمية حتى الوله برغم ما يبدو من توترات في الظاهر هي في الغالب مصطنعة لمكاسب سياسية داخلية أما جوهر العلاقة فثابت رصين التوافقات والعامل المشترك بينهما هو الكراهية العنصرية للعرب. لكن ماهي المشتركات بين مسعود البرزاني ورجب أردوغان، فكما نعرف ان القوميين الكرد لم يختاروا معايشة الترك بل اجبروا عليها ونتحدث هنا عن القومية الكردية كإثنية وليس كحزب سياسي.

فالترك العثمانيون لم يعاملوا القوميات الاخرى التي تشكلت منها الدولة العثمانية معاملة الأخ لأخيه أو حتى معاملة الأخ الأكبر لأخيه الأصغر برغم العامل المشترك بينهما وهو الديانة الاسلامية حيث لم تتسم تلك العلاقة بقيم التسامح والمساواة التي أكدتها الديانة ذاتها، بل بالعكس شابتها أساليب التسلط والاستغلال والاستخفاف والقسوة والاحتقار واستمرت تلك الظاهرة حتى اليوم. ورغم تغير النظام السياسي وتحوله من الدولة الدينية الفاسدة المتخلفة الى الدولة العلمانية الطموحة للاندماج بالمجتمع الأوربي ابان العهد الكمالي الأتاتوركي لم تتخلص تركيا من إرثها الثقافي العثماني بل بقيت لصيقة بنزعة التسلط تجاه القوميات والأقليات غير التركية وما يرافقه من حرمان من الحقوق الانسانية.

وعندما عززت تركيا علاقاتها بالاتحاد الأوربي تعهدت بقبول قيم الاتحاد الأوربي السياسية والقانونية والمبادئ الأساسية لحقوق الانسان وتطبيق المساواة الكاملة بين القوميات واحترام ثقافاتها وعاداتها ولغاتها ومعتقداتها الدينية والسياسية لكنها انكفئت عن كل ذلك بعدما فشلت في اقناع سلطة الاتحاد الأوربي انها جادة في تحويل التعهدات التي قطعتها الى واقع. وعادت تركيا على الفور القهقرى الى أساليب الهيمنة الاستعمارية القومية على القوميات والأقليات الأخرى بدءا بقمعها الحركة القومية الكردية المتطلعة لكسب حقوقها القومية والسياسية كاملة اسوة بالدول الديمقراطية الأوربية.

وعلى الصعيد الطبقي ومع ابتعاد تركيا عن الاتحاد الأوربي ساء استغلال الطبقة العاملة وبالأخص غير التركية من قبل البرجوازية بكونه تراثا وحقا يجيز لها استغلال أبناء القوميات والديانات غير التركية ليصبح أكثر قبولا من قبل حكومة اردوغان. وحول الاعتراف بالحقوق القومية للكرد فقد تعامل أردوغان مع مشروعيتها لا بكونها حقا غير قابل للالغاء أو التجاهل، بل بكونها هبة حاكم لرعيته هو من يقرر منحها أو تعليقها متى يشاء. وبدا ذلك واضحا بعدما يأس من حصوله على عضوية الاتحاد الأوربي حيث قام بعدها في كبح الحريات السياسية النسبية التي كان قد سمح بها للمعارضة السياسية الكردية.

مسعود البرزاني وهو القومي الكردي على بينة كاملة بما يحمله أردوغان من كراهية للأكراد عامة بصرف النظر عن انتمائهم القطري فكراهية القوميين الترك من أمثال أردوغان للكرد لا تتجزأ ولا تستثني أحدا بما فيهم البرزاني نفسه.

نجاح البرزاني في اقامة جسور التعاون مع أردوغان لن تمنحه شهادة تقدير في كسب الاصدقاء فهذه ممكنة مع كل الناس الا مع سياسيين اثنين بنجامين نتنياهو ورجب طيب أردوغان فكلاهما نسخة طبق الأصل من الآخر. فحصول البرزاني على سمة دخول الى قلب أردوغان لم يتم الا على جثث أكراد تركيا أما أردوغان فلم يبادل عداءه للكرد بحب البرزاني مهما قدم هذا من الأعاطي الثمينة. وليس هذا فحسب بل ذهب البرزاني الى أبعد من ذلك بأن تبرع لأردوغان بما لا يملك بأن منحه جزء عزيزا من الوطن العراقي ليستخدمه لطعن أخوته العراقيين في الظهر.

ففي الرابع من نوفمبركانون أول من العام الحالي عقد البرزاني اتفاقا مع أردوغان سمح له بموجبه باقامة قاعدة عسكرية في ناحية بعشيقة في مدينة الموصل العراقية وتواجد قوات تركية هناك وهو حق لا يتمتع به كرئيس لاقليم كردستان. وحجة أردوغان أنه يمارس حقه في الدفاع عن الأمن التركي المهدد من قبل داعش في حين ان تواجده في تلك المنطقة قد جاء لحماية داعش من هجوم مخطط له من قبل الجيش العراقي ولتأمين خطوط نقل المنتجات النفطية المسروقة من سوريا والعراق الى تركيا وإسرائيل بعد تدمير خطوط تهريبها السابقة عبر الحدود السورية التركية. فإلى أي مدى سيستمر البرزاني في محاولاته لكسب ثقة أردوغان تماما كالفأر الذي يحاول كسب ثقة القط وفي النهاية يبقى القط قطا رغم تظاهره بالورع والتقوى.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق