آراء وافكار - مقالات الكتاب

السعودية وإيران

يعزو كثير من المراقبين، تفاقم حدة النزاعات المسلحة وغير المسلحة، وانتشارها في الإقليم وانسداد آفاق الحلول والتسويات السياسية لها، إلى استمرار وتفاقم الصراع السعودي الإيراني، من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان... هؤلاء يعتقدون إن انخراط البلدين في حوار ثنائي أو متعدد الأطراف، يفضي إلى تسوية أو احتواء قضايا الخلاف بينهما، من شأنه "تبريد" هذه الصراعات، وتسريع فرص إيجاد حلول سياسية.

بوريس جونسون، وزير خارجية بريطانيا، كان آخر الذي أدلوا بدلائهم في هذا الحديث، إذ اتهم الدولتين بإشعال "حروب الوكالة" وتحريك اللاعبين في الإقليم "كالدمى"، متهماً "السياسيين" باستخدام الدين وتوظيفه، وإلا كيف يمكن للدين الواحد، أن يقدم بقراءات مختلفة؟... جونسون، سعى للتخفيف من وقع تصريحاته على المملكة، وإن كان لم ينفها أو يتراجع عن مضمونها.

العلاقة الإيرانية – السعودية، كانت موضع اهتمام في "مؤتمر طهران للأمن"، الذي بدأ أعمال أمس الأول، وفيه عرض السيد علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى، على السعودية القيام بدور "بناء" في الإقليم، مشدداً أن ذلك لن يغضب إيران، بل يسعدها، وأن طهران ليست عدوة للرياض، كما تسعى الأخيرة لتصويرها.

تصريح لاريجاني، وإن فهم في إطار "اليد الممدودة" للمملكة، إلا أنه يفترض أن السعودية، بخلاف بلاده، لا تقوم بدور إيجابي بناء، وهو أمر، قوبل بعاصفة من الانتقادات السعودية غير الرسمية، كما جرت العادة، وعلى ألسنة الكتاب والمحللين المقربين من مؤسسة صنع القرار في الرياض، متهمين إيران بالقيام بدور هدام، يسعى في زعزعة استقرار دول الخليج والمنطقة، واعتماد القوة الخشنة لمد نفوذها في المنطقة.

في التراشق السياسي – الإعلامي، الذي رافق تصريحات جونسون ولاريجاني، برزت فكرة مفادها أن كلاً من إيران والسعودية، تعتقدان، أن "الطرف الآخر" إنما يعاني يواجه مأزقاً متفاقماً، اقتصادياً وسياسياً ومالياً وأمنياً، بل وأن كل فريق يعتقد أن الفريق الآخر، إنما يواجه عزلة في محيطه وعلى الساحة الدولية، وأن من الأولى له، أن يشرع في "تقديم التنازلات" لخصمه، لتفادي السيناريو الأسوأ.

والحقيقة أن التدقيق في حال البلدين المحتربين وإن بـ"الوكالة"، تشير إلى أن كليهما في يعيش مناخات أزمة متفاقمة، وأن الأفق القريب، لا يعد أيٍ منهما، بالفرج أو بحلول وشيكة لمشكلاتها الداخلية والخارجية... إيران، التي تنتظر إدارة أمريكية "صقرية" لم تستفد بعد، كما يجب من اتفاقها النووي، وهي في حالة نزف مستمر في ساحات المواجهة المفتوحة، وهي وإن خرجت من أطواق العقوبات الدولية، إلا أنها لم تنجح بعد في تطبيع علاقاتها الدولية وتجارتها مع العالم، ولديها من المشكلات والتحديات الداخلية، ما يملي عليها، التوقف ولو لحين، لمعالجتها قبل أن تتفاقم وتتحول إلى تهديد حقيقي للنظام.

في المقابل، لا يبدو أن السعودية، في وضعية أفضل، بعد أن تآكلت المكانة الاستراتيجية للنفط، واستتباعاً للدول الموّردة له، وهي تتخبط في المستنقع اليمني من دون تقدم أو اختراق يذكر، لا على الصعيد الميداني ولا على الصعيد السياسي، وضائقتها المالية والاقتصادية، تفصح عنها أرقام عن عجوزات الموازنة وسياسات التحول من دولة "ريعية" إلى "دولة جباية"، ومشاريعها في كل من بلدان الأزمات المفتوحة، ما زالت متعثرة، ولقد سبق للرئيس الأمريكي باراك أوباما أن حذر من قبل، بأن التحديات التي تجابه المملكة، ودول الخليج عموماً، تكمن في داخلها وليس من خارجها.

البلدان جرّبا حالة الاستنزاف خلال السنوات الخمس أو الست الفائتة، وكلاهما لم يفلح في تسجيل انتصارات نوعية في حرب "الإلغاء" التي اندلعت بينهما "بالوكالة"، وكلا البلدين، لديه أولويات داخلية ضاغطة جداً، قد تتحول إن لم تجر معالجتها، إلى تهديد للأمن والاستقرار... والأهم، أن ليس في أفق المنطقة، ما يشي بإمكانية انتصار محور على آخر، أو إلغاء دور بلد من قبل البلد الآخر.

ربما تفسر حالة "الإعياء" هذه، سياسة "اليد الممدودة" التي تحدث بها لاريجاني... وربما نقرأ في ثنايا الخطاب السعودي بين الحين والآخر ما يشي بذلك... وربما شجعت هذه الحالة، وسطاء عديدون للتدخل لرأب الصدع بين البلدين، من دون جدوى حتى الآن... لكن استمرار حالة النزف والتآكل، سوف تفضي إلى إنضاج شروط التسويات والمقايضات بين الجانبين لا محالة، وستجد العاصمتان نفسيهما مضطرتان للتقارب واحتواء خلافاتهما، إن لم يكن في الإطار الثنائي، فربما من ضمن صيغة أو معادلة إقليمية للأمن والتعاون، كنا تحدثنا بشأنها في مقالات سابقة، بوصفها الإطار الذي يمكن أن ينقل الإقليم برمته، من وضعية "الإفناء الذاتي" إلى رحاب التعاون الاقتصادي والأمني المفيد لكل دوله وشعوبه.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق