وإذا ما اجرينا مقاربة بين عموم التهاني وما تؤكده مضامين ديننا الحنيف، فأن الرد يجب أن يكون بأحسن منها، او بمثلها على أقل تقدير، فتخيل عندما يكون من بين أصدقائك من يدعي التزاما دينيا ولا يحقق لهذه المعاني تجسيدا في الواقع، عند ذاك تهتز قناعتك بما يدعي، وقد تعيد النظر بصداقته...

جميل جدا أن تزدحم مواقع التواصل الاجتماعي بها، حتى لا تجد في الموقع الذي سجلت صفحتك الشخصية فيه موضوعا للاطلاع عليه فرط تزاحمها، وينم ذلك عن ذوق رفيع، لكن الرد على ذلك يتطلب ذوقا أرفع. وبما ان الأمانة تقتضي نسب الفكرة لصاحبها، فقد سبقني اليها الدكتور كامل خورشيد الاستاذ في جامعة الشرق الأوسط الأردنية، مع استشعاري لها منذ بدأنا نمارس جانبا من علاقاتنا الانسانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكنت تحسست من بعض ردود الأصدقاء التي ربما أرادوا بها غرضا، او جاء بعضها من غير قصد، لكنها بالعموم لا تنسجم مع تقاليد تعارفنا عليها، وأقصد بذلك تبادل التهاني بالأعياد التي لها آداب خاصة.

فقد استعرض خورشيد الوجوه المختلفة لآداب المعايدة باستخدام هذه الوسائل، واجرى لها مقاربة مع معاني معروفة من تراثنا الديني والثقافي التي اريد بها ترسيخ قيم نبيلة من شأنها تمتين نسجينا الاجتماعي، من جانبي باشرت بعملية رصد بسيطة لطريقة تبادل التهاني في عيد الأضحى المبارك، ووجدت ان غالبية تلك الطرق تغلبُ عليها أهداف العلاقات العامة بصيغها المؤسسية، وثمة فرق كبير بين العلاقات العامة والمشاعر الصادقة، فترسيخ الصداقة والقرابة والمحافظة عليها، لن تتحقق مالم يشعر الطرف المتلقي للتهنئة بصدق مشاعر المرسل، وليس تلك التهاني التي تأتي من باب اسقاط الفرض، كالتهاني العمومية، او تلك التي لا تحمل أسماء الأصدقاء، بل ترسل لكل من يوجد على الصفحة الشخصية للمرسل، او التي ترسل لجميع المسجلين في القائمة البريدية.

اشتكى لي بعض الأصدقاء من انهم ارسلوا تهاني بالأسماء لمعارفهم، لكن الرد جاء عاما ولم تذكر فيه أسمائهم، او ان الرد عبارة عن (كارت تهنئة) يحمل صورة صاحبه وما يشغله من موقع في الدولة. وكأن المرسل يريد التعريف بنفسه وليس تبادل مشاعر الحب مع الأصدقاء والأقرباء، ومثل هذا السلوك يبدد ما يراد من التهاني، وقد ينعكس سلبا على صاحبه، لما ينطوي عليه من استفزاز، اذ لا يكشف عن تواضع، ويبرز سلوكا مظهريا للطرف الآخر لا قيمة له من وجهة نظره، لأنهم يقصدون الأشخاص بذواتهم، وليس ما هم فيه من مناصب زائلة.

ان التهاني في الأعياد والمناسبات على بساطتها من حيث الشكل وعمقها من حيث المعنى لها أهداف بعينها، ولن تتحقق تلك الأهداف ما لم تكن مقنعة، فالتأثير مرحلة لاحقة للإقناع، والصدق فيها هو العامل الحاسم، ومتى ما كنت صادقا تمكنت من اقناع الآخرين والتأثير فيهم. ولذلك شُدد كثيرا على الصدق في مختلف الأدبيات الدينية والاخلاقية والفنية.

واذا ما اجرينا مقاربة بين عموم التهاني وما تؤكده مضامين ديننا الحنيف، فأن الرد يجب أن يكون بأحسن منها، او بمثلها على أقل تقدير، فتخيل عندما يكون من بين أصدقائك من يدعي التزاما دينيا ولا يحقق لهذه المعاني تجسيدا في الواقع، عند ذاك تهتز قناعتك بما يدعي، وقد تعيد النظر بصداقته، فليس من الحكمة استثمار مناسبات الأعياد لممارسة علاقات عامة، فهي لا تصلح لهذه المناسبة، فالعلاقة التي تربط بين الأصدقاء والأقرباء تختلف تماما عن عملية الترويج للنفس ورسم صورة عنها، لأن الصورة معروفة بالأصل.

واذا كان البعض يتخذ المناسبة للترويج الشخصي، فان البعض الآخر يصح عليه مثلنا القائل (عجزهم قتلهم)، فكثير من الأشخاص تحدوهم مشاعر صادقة ورغبة شديدة في تبادل التهاني مع أصدقائهم، لكنهم يتقاعسون عن كتابة الرسائل بأسماء المرسلة لهم، وخسارة هؤلاء لا تقل عن خسارة اولئك، بينما مازال كثيرون حريصون على هذه الآداب تمام الحرص، ويرون ان تبادل التهاني العمومية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تغني عن سماع صوت الأصدقاء عبر الهاتف، وهؤلاء هم المتفضلون وبهم تترسخ أكثر معاني الصداقة والقرابة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق