مفهوم الإمامة والتطور الدلالي

ورود لفظ إمام في لغة العرب الأولى قال النابغة:

أبوه قبله وأبو أبيه

بنو مجد الحياة على إمام

والمعنى في إمام: هو المثال

وجاء أيضا في لغتهم الإمام: الخيط الذي يمد على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه ساق البناء قال:

وخلقته حتى إذا تم واستوى

كمحّة ساقِ أو كمتن إمام

وفي الصحاح: الإمام خشبة البناء يسوى عليها البناء وإمام القبلة: - لقاءها والحادي: إمام الإبل والإمام: الطريق، والإمام بمعنى القدّام - لسان العرب، ابن منظور، ج 1 ص 214 – إلا أنها جاءت متطورة في ذلك المعنى الذي ضمنه القرآن في لفظ الإمام فقد جاء في القرآن مقروناً بمعنى الكتاب قال تعالى (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) الإسراء،الاية71.

وجاء مقروناً بالطريق الواضح قال تعالى (وأنهما لبإمام مبين) الحجر، الآية 94 وقوله تعالـــــى (وجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان،74

قال أبو عبيدة: هو واحد (إمامه) يدل على الجمع (جعلنا) كقوله:

وفي حلقكم عظماً وقد شجينا... – م ن، ج1، ص 215

وقد اعتمدنا كتب اللغة دون كتب التفسير لأهميتها في كشف التطور الدلالي اللغوي. وهكذا نشهد تطوراً دلالياً واضحاً وملحوظاً في استدراج لفظ الإمام بكل معانيه المتقدمة في لغة العرب الأولى إلى المعنى المقترن بالتقوى وبالدين والصلاة، وهو تطور صنعه النص وأشبع لفظه بهذا المعنى أو المعاني الجديدة التي لم تكن مألوفة في لغة العرب قبل الوحي.

أما الإمامة فأنها لم تكن لفظا مستقلا في لغة العرب لكنه جاء تطورا عن لفظ آخر في لغة العرب يقارن بمعنى الإمامة.

وهو لفظ ((الإٍمُّة: الحالة والإٍمّة والأُمُّةً: الشرعة والدين

قال: ابن منظور وفي التنزيل العزيز (إنا وجدنا آباءنا على أُمّةٍ)

قال اللحياني وروي عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز: إِمّةٍ

قال الفراء: قرئ إنّا وجدنا آباءنا على أمّة.. وهي مثل السّنة وقرئ على إٍمّةٍ وهي الطريقة من أمَمْت يقال: ما أحسن إمَّتهُ قال:

والإِمَّة أيضاً النعيم والملك. وأنشد عدي بن زيد

ثم بعد الفلاح – الملك

والإٍمَّةُ وارَتهُمُ هناك القبور

قال: إرادة إمامة الملك ونعيمه والإمُّةٌ والإٍمُّةٌ: الدين - م ن ج 1 ص 213

وهكذا يتدرج الفّراء في تطور مصطلح الإمامة بمعنى الملك والنعمة من الإِمَّة والأَمَّة ومن قبلها الأُمَّة بمعنى الشرعة والدين ونجد قولهم فلان لا أمّة له أي لا دين له ولا نحلة:

قال الشاعر وهل يستوي ذو أٌمّة وكفورُ؟

نجد في مصدر إمَّة والذي أشتق منه معنى الإمامة لغوياً عند الفّراء ذلك العمق الديني على مستوى اللغة في اللفظ الذي اشتقت منه كلمة الإمامة قبل النص الذي سيطورها دلالياً إلى مفهوم، وتمنحه اللغة العربية المهيأة لهذا الدور في تشكيل المفهوم صياغتها له في المصطلح – الإمامة التي جاءت عند المسلمين في رئاسة الدين والدنيا وقبلها في لغة العرب الملك والنعمة اعتمادا على قول الفرّاء.

لكن يبقى الجذر الأول لغة في اشتقاقات الإمام والإمامة هو الأَمُ، بالفتح: القصد. أَمّهُ يؤُمُّهُ أمّاً إذا قَصَدَهُ. م ن ج1 ص212-

وبذلك فأن النتيجة التي نخلص اليها ان لفظ الإمام لم يكن في لغة العرب الاولى ذي دلالة دينية بخلاف لفظ الإمامة، فاننا نجد له تلك الدلالة الدينية في مصدر إشتقاقها في لفظ أُمّة او إمّة او أَمّة. وقد قرنها اللغويون بمعنى الدين والشرعة اعتماداً على مصادرها في لغة العرب الأولى. وقد أُنيطت مهمة ذلك التطوير المفهومي للإمامة إلى النص اعتمادا على سياقات الجذر اللغوي لها.

- تطور مفهوم الإمامة الديني، الإمامة كمقولة دينية

لقد ضخ النص الأول والمؤسس مفاهيمه ومصطلحاته بقوة في حياة الأمة الناشئة على قواعده والمتكونة وفق مطالبه، وكانت هذه المصطلحات التي بدأت ألفاظاً نصية أوردها الوحي في آياته بعد أن كانت ألفاظاً أولية بشرية وعادية لاسيما مصادر الاشتقاق فيها، وكانت هذه المصطلحات تتكون أعقاب تطور مفاهيمها، وهو ماحدا بالمسلمين إلى تمييزها بين اصطلاح شرعي وآخر لغوي، ثم عبرت إلى مستوى المقولات الدينية وحينها تتأصل عقيدة في الدين وهوية في المذهب. فالمقالة يقصد بها في تراث الإسلام الأدبي والكلامي هو عقائد المسلمين ومنها جاءت تسمية مقالات الإسلاميين بمعنى عقائدهم الدينية والمذهبية وهو كتاب في عقائد أهل الإسلام وضعه أبو الحسن الأشعري تـ 330 هـ

لقد اكتسبت تلك الألفاظ الأولية والعادية بشرياً أهمية فائقة بعد أن تناولها النص الأول، وهو ما فتح أمامها إمكانات تحولها إلى مفاهيم على مستوى المعنى والى مصطلحات على مستوى اللفظ.

وقد وجدنا بعض دلالات دينية عائمة غير محددة الهوية والوضوح في تصنيف رؤيتها الدينية أو أصل نظامها الديني في المعنى الذي كشفت عنه ألفاظ أُمّة أو إمّة أو أُمّة ومصدريتها في الإمامة ثم اكتسبت وضوحاً دينياً وتطوراً دلالياً.

وكانت تدخل في جملة من المفاهيم التي صنعها النص وتحولت أيديولوجيا إلى مقولات دينية بعد أن أستنبطها العقل الإسلامي من جملة مفاهيم القرآن، بل أن هناك كلمات لم تكن على مستوى اللغة تحمل دلالة دينية مثل كلمة إمام وقد جاءت بمعنى المثال الذي لا يشترط فيه دلالة دينية محددة واضحة.

لكننا نكتشف إمكانية تداولها في السياق الاجتماعي المتاخم للديني في حياة العرب من خلال القرآن الكريم، لاسيما وأن هذه الكلمة (إمام) وردت في القرآن الكريم في صلة مباشرة بالنبي إبراهيم (ع) الذي تعده قريش وسائر عدنان من العرب الأب الأول لها، وان العرب تؤم البيت الذي بناه امتثالاً لأمر الله تعالى في جاهليتهم وإسلامهم. ومما يؤشر امكانية تداولها في ذريته من العرب العدنانيين انه قال في سؤاله إلى الله تعالى (قال: إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي) البقرة، آية 124...

لاسيما وأن ذريته من العدنانيين وكذلك ألتحق بهم اليمانيون العرب قد حفظت مناسكه في الحج وحنفياته العشر، وكان يطبع حياتها الدينية بقايا من ديانة إبراهيم الخليل (ع). وقد يكون ورد الدعاء لذريته بالإمامة في مرويات هؤلاء العرب قبل الإسلام، ولعل تعظيم العرب في الجاهلية لأهل الحرم من قريش بقية من ذلك الدعاء لذريته أو ما تتضمنه مرويات هؤلاء الجاهليين التي لم يصل لنا منها شيء، فقد كانت قريش من أهل الحمس ولها منزلة دينية سائدة في العرب.

لكن الحدث المهم في تطور كلمة الإمام في مجالها التداولي كان بعد نزول الوحي وأخذت بعدا أكثر تطوراً بعد عصر الوحي حين امتزجت بشكل جوهري مع كلمة (الإمامة) وبذلك تحولت إلى مقولة دينية حين تميزت المذاهب والفرق في الإسلام استنادا إلى تعريفها ومعيارها ومفهومها.

ولأن الإمامة مقولة دينية في عقائد المسلمين المذهبية فقد ابتدأ أبو الحسن الأشعري والملقب بشيخ أهل السنة والجماعة كتابه مقالات الإسلاميين بذكر مقولة الإمامة وذلك لأهميتها الدينية من الناحية العقائدية، ونحن نعلم شروع العقائد في الإسلام عن النص نصاً أو تأويلاً او ظهوراً او استدلالا.

وقد اختص في حديثه عنها بمقولات فرق الشيعة واستقصى القول فيها ثم أعاد ذكرها في الجزء الثاني من كتابه هذا وقد أضاف إليها مقالات فرق (أهل الإسلام) في إمامة الخلفاء بعد الرسول (ص) (أبي بكر وعمر وعثمان وعلي "عليه السلام") واختلافهم في القول بإمامتهم، ولأن الأشعري قد أدرك وبوعي منه أن كتابه في مقالات أهل الدين، او هو كتاب في مقولات دينية فأنه لم يتحدث عن الخلافة ولم يذكر فيها قولا أو في شروط من تصلح له الخلافة بل يقول وهو ينقل في رأيه مقولة أهل السنة والاستقامة كما يسميهم (كان أبو بكر الإمام بعد النبي محمد (ص) ثم عمر ثم عثمان ثم علي وان الخلافة بعد النبوة ثلاثون سنة)- مقالات الإسلاميين، ابي الحسن الاشعري ج1 ص 129- وهكذا جاء قوله في الخلافة وصفياً أكثر منه عقائدياً فهو يتحدث عن تاريخ بدليل ذكره سني الخلافة أو عمرها الزمني – الدنيوي مما يدعها أي الخلافة بمفهومها الحقيقي هي مفهوم تاريخي دنيوي في قبالة الديني في مفهوم الإمامة.

وقد ذكر قول بعض أهل السنة أن النبي "صلى الله عليه واله وسلم" نص على إمامة أبي بكر وقول من استدل منهم بنص النبي على الصلاة بإمامته بأنه نص على إمامته-م ن،ج 1،ص129- ثم قول من استدل بالنص تأويلاً دون الشورى في إمامه أبي بكر بقوله.ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون. وهم أهل اليمامة من المرتدين وأبو بكر دعاهم أو أهل فارس وعمر دعاهم دعا المسلمين إلى قتالهم) -م ن،ج2، ص-129 – وهو خلاف ما تطورت إليه عقيدة أهل السنة والجماعة في القول بالشورى والاختيار، لكنه يذكر أخيرا أن أبا بكر كان إماما بإجماع المسلمين على إمامته وعقدها له، وان عمر كان إماما بنص أبي بكر، وكان عثمان إماما باتفاق أهل الشورى عليه، وكان علي "عليه السلام" إماما بعقد أهل المدينة له. وينقل قول الأصم بإمامة معاوية لان المسلمين اجتمعوا عليه -م ن ج 2 ص292 - وحين يتحدث الأشعري عن الخلافة فأنه يعبر عنها بالإمامة. وقلما يستخدم اسمها أي اسم الخلافة.

وذلك توكيد على الصلة الدينية في مفهوم ومصطلح الإمامة وكونها مقولة دينية أكثر من مصطلح الخلافة في حمولتها الدينية. لكنه لم يجرؤ على أن يطلق لقب الإمام على احد الخلفاء. بل لم يجرؤ عامة أهل الإسلام على إطلاق هذا اللقب على احد هؤلاء الخلفاء وهو اللقب الذي اختص به الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع).

مفهوم الامامة والتطور التاريخي

لقد شهدت مفاهيم الإمامة أقصى تطوراتها هذه مع بدء التاريخ الإسلامي، أو بدء أيامه الأولى مع الإمامة، ولقد كان مفتتح التاريخ الإسلامي بعد النبي الكريم "صلى الله عليه واله وسلم" هو النزاع على الإمامة، ثم أن تاريخ الدولة الإسلامية في السلطة كله تأسس مع تاريخ الإمامة بالمعنى الدنيوي لها والمقترن بالشورى والخلافة والمستقرة بهذا الفهم في الذهن الإسلامي أو بالمعنى الديني المقترن بالنص والذي كانت صبغته ورؤيته وموقفه هو المعارضة لهذه السلطة. وإذا كانت اللغة والنص تضخ أو تزود بالعنصر التأسيسي في مفهوم الإمامة واقترانها بالدين والتقوى، فان التاريخ كان يضج بالمواقف والأحداث التي أسهمت إلى حد كبير وفاعل بتشكيل القناعات الدينية بالإمامة، فالمستوى النابض بالله تعالى في سيرة علي بن ابي طالب (ع) ذلك الإنسان الذي اختص بلقب الإمام في تاريخ الأديان، وترجمة الوحي في سلوكه ترجمة تكشف عن تماه تام بين علي والقرآن، تماه حوّل العقيدة بالإيمان به قرآناً ناطقاً حتى بلغ الغلو به في التاريخ ووقائعه وليس في النص وتأويله، لأن من قال هذا القول رأى فيه استثناءا وجودياً وليس مجرد استثناء بشرياً، كما قال به أهل العصمة أو أهل عقيدة العصمة، هذا التماهي بالوحي هو الذي جسد به إمامة الدين وهذا الاستثناء بشقية الوجودي لدى الغلاة والبشري لدى المؤمنين هو الذي يمنح حق الخلافة كاستثناء له من بين كل الصحابة والمسلمين، وقد ذكر عمر بن الخطاب أهلية علي للخلافة وأنه أحرى القوم إن وليها أن يقيم على الحق المبين من الستة المرشحين لها -الإمامة والسياسة، ابن قتيبة،ج1 ص24 -

وخلاصة التاريخ في علي (ع) انه لايشترط القول بالإمامة في علي انطلاقاً من النص حصراً، بل إن القول بإمامته جاء انبعاثاً من التاريخ ووقائعه. فالتاريخ القائل بالإمامة يظل باحثاً في صيغته الدينية في العدل الإنساني والاجتماعي والذي يجد خلاصه الدنيوي في العدل الذي رآه في سيرة علي بن أبي طالب (ع) وعرفه في سيرة أبنائه الذين ساروا على نهجه. ونستطيع أن نؤكد ان مكانة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وشخصيته وواقعة الطف التي ذهب ضحيتها إمام مقدس وخلاصة البيت النبوي كانت المحور التاريخي الذي بدأت تتضح فيه أبعاد الإمامة بشكل واضح وتتطور دلالتها الدينية عبر تطور تاريخي في انتقالها من شخص الإمام الى مفهوم الإمامة.

فقد بدأ الرفض الأيديولوجي- الإمامي بشكل عملي لكل خليفة أو إمام خارج دائرة بيت آل علي (ع) وقد اشترطت الزيدية بعد مقتل الإمام الحسين أن يكون الإمام من آل علي شاهرا للسيف، وهو تطور شهده مفهوم الإمامة في تحوله من الشخص المنصوص عليه الى المفهومي المتداول بصياغات متعددة، منها ما داخله الغلو وتحريف شخص الإمام، ومنها ما كان حليفه الاعتدال والالتزام بالشخص-الامام المنصوص عليه بالرواية الشيعية الأمامية. وقد ذكر المؤرخ أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ت 346 هـ خبر هذه الفرقة في عصره والقائلة بشخص الإمام المنصوص عليه " وان الإمامة لا تكون إلا نصاً من الله ورسوله على عين الإمام واسمه واشتهاره..... وفي سائر الاعصار لا تخلو حجة الله فيهم ظاهراً وباطناً"- مروج الذهب، أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي، ج 3 ص 224-

وهي تعكس أيضا تطور مفهوم الإمامة إلى معنى الحجة الظاهرة والحجة الباطنة، وذكر ما استدلوا به من نصوص من القرآن على قولهم في الإمامة أنها بالنص ثم ذكر قولهم "وان علياً نص على ابنه الحسن ثم الحسين والحسين على علي بن الحسين وكذلك من بعده إلى صاحب الوقت الثاني عشر" - م ن ج 3 ص 225- وهو الوقت الذي عاش فيه المسعودي في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري، ويصف المسعودي أصحاب هذه الفرقة بأنهم "أهل الإمامة من فرق الشيعة في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة" - م ن ج 3 ص 225- ثم ان تلك الإنتقالة الدينية من شخص الإمام الى مفهوم الإمامة في الحسين (عليه السلام) نستطيع أن نفسر بها تلك العقيدة الإمامية في انحصار الإمامة في ذرية الإمام الحسين عليه السلام، وقد أشارت إلى ذلك رواية محمد ابن مسلم عن الإمام محمد بن علي الباقر وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: قال سمعتهما يقولان "إن الله تعالى عوض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره" - اعلام الورى، الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ج1، ص431 -

وقد صنفهم أبو الحسن الأشعري ضمن فرق الرافضة وأطلق عليهم اسم القطعية واعتبرهم أول فرق الرافضة وقد أخرجهم عن صنف الفرق الشيعية الغالية عادا إياهم الصنف الثاني في الشيعة بعد صنف الشيعة الغالية وفق تسميته وتصنيفه ذاكراً أنهم (سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة) - مقالات الاسلاميين، م س، ج1 ص 87-88-19 وينقل قولهم في نص النبي محمد (ص) على علي بالإمامة وان علياً نص على أبنائه الحسن والحسين وان الحسن نص على الحسين وان الحسين نص على ولده علي ثم نص علي بن الحسين على ولده محمد بن علي وهكذا ينتقل النص بالإمامة من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق حتى آخر نص من الحسن بن علي على ولده محمد بن الحسن وهو الغائب المنتظر عند هذه القطعية- م ن، ج 1، ص 89-.

والأشعري بعد أن يخرجهم من الغالية فأنه يميزهم عن الكيسانية وفرقها التي خرجت بالإمامة رغم قولها بالنص إلى غير ولد فاطمة بنت النبي محمد (ص) أو الفرق التي انحرفت في سلسلة الأئمة عندها عن مسارات أو أسماء الأئمة الإثنا عشر والتي عرفت أيضا باسمهم هذه الفرقة القطعية فقيل فيها الفرقة الاثنا عشرية فيذكر الإسفراييني أن هذه الفرقة القطعية تسمى (الإثنى عشرية) -هامش مقالات الإسلاميين، ج1، ص 88-.

وقد صنف عبد القاهر البغدادي تـ 429 هـ هذه الفرقة "القطيعية" حسب ما اسماها وذكر انه يقال لهم الاثنى عشرية، صنفها ضمن فرقة الامامية المخالفة للزيدية والكيسانية والغلاة من فرق الشيعة – الفرق بين الفرق عبد القاهر بن طاهر البغدادي،ص 38، ص 47-، ويفسر تسميتهم بالإثنى عشرية لإيمانهم بالإمام المنتظر الذي هو الثاني عشر من نسبه إلى الإمام علي بن ابي طالب - م ن، ص 47-.

ولم يتم تمييزهم وتحديد مسارهم الديني إلا بعد أن تبلورت لديهم نظرية الإمامة ورسمت أبعادها بشكل كلي، ولعل الشيخ المفيد تـ 413هـ كان قد بلور تماماً النظرية الشيعية الإمامية- الاثنى عشرية وميزها عن مقالات الفرق الشيعية الأخرى من الغالية وغيرها في القرن الرابع الهجري في كتابه تصحيح الاعتقادات، ومن هنا ندرك أهمية الشيخ المفيد في التراث الديني الشيعي والعقائدي الإمامي.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com/

اضف تعليق