اثار تعافي مستويات اسعار النفط الخام النقاش مجددا حول ملامح السياسة النفطية للبلدان النفطية بعد اجتماع اوبك المقرر في نوفمبر تشرين الثاني في فيينا. فقد افصحت لقاءات كبار منتجي النفط الخام من داخل وخارج اوبك مؤخرا عن ضرورة تمديد خفض الإنتاج لفترة أطول، في ظل استعادة الأسواق التوازن المفقود. نظرا لنجاح استراتيجية أوبك وروسيا وتسعة منتجين مستقلين آخرين في تقليص معدلات الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا اتساقا مع مقررات الجولة الثانية لتخفيض الانتاج والممتدة من يناير كانون الثاني 2017 ولغاية مارس آذار 2018.

فقد قفزت اسعار عقود برنت ليوم الجمعة الماضي الى 60 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى لها منذ الثالث من يوليو تموز عام 2015، عقب تعليقات وزير الطاقة السعودي خالد الفالح المؤكدة على التزام المملكة بإنهاء تخمة المعروض العالمي التي اعاقت تعافي الأسعار لأكثر من ثلاثة أعوام.

وعقدت اللجنة الفنية المشتركة المكلفة بمراقبة الاتفاق اجتماعا في فيينا مؤخرا للوقوف على آخر المستجدات بشأن معدلات التقليص الفعلي لمستويات الانتاج للدول المتحالفة. وتتألف اللجنة من ممثلين عن دول الكويت وفنزويلا والجزائر (الدول الاعضاء في اوبك) بالإضافة الى روسيا وسلطنة عمان من خارج اوبك. وحضرت السعودية الاجتماع أيضا باعتبارها رئيسة لمنظمة أوبك في دورتها الحالية. واكدت لجنة مراقبة الاتفاق العالمي لخفض إنتاج النفط لوكالة رويترز بان نسبة التزام الاعضاء بالاتفاق قدرت بـ 94% في يوليو تموز الماضي، وتم اتفاق كافة الأطراف على مناقشة مصير تقليص الانتاج مجددا في اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

استهداف تخمة المخزونات العالمية

لا يزال تركيز اوبك والدول المتحالفة منصبا على خفض مخزونات النفط في الدول الصناعية إلى متوسط خمسة أعوام. وقد اشار وزير النفط السعودي قبل ايام الى إن التخفيضات التي افرزها الاتفاق النفطي الجديد امتصت فائض المعروض من المخزونات بمقدار النصف، فقد تقلص المخزون بأكثر من 180 مليون برميل ومازال هناك نحو 160 مليون برميل حسب آخر الأرقام، وهناك حاجة الى تقليص وفرة المخزونات النفطية العالمية والعودة بها الى مستويات 2.7 مليار برميل بعدما لامست عتبة 3 مليار برميل قبل شهور.

لقد ادت الجولة الاولى والثانية لاتفاقية تقليص الانتاج النفطي الى زيادة حساسية الاسعار لمفاوضات البلدان النفطية الرامية لتوجيه بوصلة الاسعار. وقد يتجه كافة الاطراف صوب تمديد الاتفاق النفطي 9 أشهر اضافية للحفاظ على المكاسب التي تحققت مؤخراً، خصوصا مع تعافي الاسعار ووصولها الى 60 دولارا للبرميل، مع ذلك، لم تتخلص السوق بعد من فائض مخزونات النفط والأسعار مازالت عند نصف مستواها في منتصف 2014.

واقترابها من عتبة 60 دولار للبرميل، فضلا على ضمان تقليص وفرة المخزونات النفطية العالمية والعودة بها الى مستويات 2.7 مليار برميل بعدما لامس عتبة 3 مليار برميل قبل شهور.

عوامل اخرى تتحكم بالأسعار

بعيدا عن اتفاق اوبك وشركائها من منتجي النفط الخام، تتحكم بالأسعار عوامل اقتصادية وجيوسياسية متعددة قد تضعف او تعزز من نتائج الاتفاق النفطي المذكور خلال الاسابيع والاشهر القليلة القادمة، لعل اهمها:

1- معدلات الطلب العالمي على النفط الخام، فقد أفصح تقرير التطورات البترولية في الأسواق العالمية والصادر عن منظمة الأوابك في شهر أكتوبر 2017 عن ارتفاع معدلات الطلب العالمي على النفط خلال شهر أغسطس اب الماضي بمقدار مليون برميل يوميا ليصل إلى قرابة 99.9 مليون برميل يوميا، وقد تدفع هذه المعدلات اسعار النفط صوب الارتفاع مجددا إذا ما تمكنت البلدان النفطية من ضبط معدلات الانتاج عند مستوياتها الجارية.

2- انحسار دور النفط الصخري في مزاحمة النفط التقليدي على الحصص السوقية نظرا لما بينته تجربة الشهور القليلة الماضية من ضعف معدلات مرونة انتاج هذا النوع من النفوط في التكيف مع التوازنات السوقية من حيث زيادة حجم الانتاج او خفضه.

3- تغذي التطورات الجيوسياسية باستمرار التقلبات الحاصلة في اسواق النفط العالمية، فقد شهدت الاسواق مؤخرا ارتفاعا ملحوظا تزامن مع النزاع النووي المتصاعد بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. ورغم ان الاحداث لازالت في إطار التهديد الاعلامي، فان الاسواق تحركت بحساسية شديدة تجاه تلك التصريحات.

4- قدم تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وخصوصا في كردستان العراق، دعما لأسواق النفط العالمية، نظرا لإيقاف إقليم كردستان ضخ قرابة 350 ألف برميل يوميا من انتاج النفط من حقلي باي حسن وأفانا الرئيسيين بسبب مخاوف أمنية من حدوث صدامات مسلحة بين الجيش الاتحادي وقوات البيشمركة.

5- لا يزال ملف العقوبات الاقتصادية وامكانية عزل النفط الايراني مجددا عن اسواق النفط العالمية يشكل هاجسا لدى اسواق النفط العالمية، وقد تصاعدت في الآونة الاخيرة تلميحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب في التخلي عن الاتفاق النووي المتعدد الاطراف الذي مهد الطريق لاستعادة إيران لكامل حصتها في سوق النفط العالمية.

تشهد اسواق النفط العالمية نمطا جديدا للأسعار قائم على التحكم بجزء كبير من معدلات المعروض النفطي وفقا لتحالفات واتفاقات جمعت كبار النفط الخام في مختلف بلدان العالم. ويبدو ان النجاح النسبي الذي تحقق لغاية الان وتعافي مستويات الاسعار الى الضعف، عن عتبة 30 دولار التي شهدتها الاسواق عام 2015 يعزز من استمرار هذه البلدان في التحالف وضبط الامدادات النفطية حفاظا على معدلات الاسعار من جهة والحيلولة دون تنامي المخزونات النفطية العالمية من جهة اخرى، خصوصا مع اعلان كبار منتجي النفط في العالم (روسيا والسعودية) عن حاجة الاسواق الى تمديد اخر لاتفاق الحصص الانتاجية، مما يمهد الطريق لاتفاق منتجي النفط في اجتماع فيينا اواخر نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

وتعتزم المملكة العربية السعودية الاستمرار في مقعد القيادة من الآن وحتى بلوغ اسواق النفط عتبة التوازن المنشود واتخاذ كافة الاجراءات لخفض المخزونات العالمية إلى المستوى الطبيعي لمتوسط خمس سنوات، وهي سياسة مغيرة تماما لسياسة حرية الاسواق التي انتهجتها المملكة في اعقاب انهيار اسعار النفط الخام عام 2014، فقد ألزمت الضغوطات المالية وتفاقم معدلات الدين العام وتآكل موارد صندوق الثروة السيادي الحكومة السعودية على الانخراط في اتفاقات نفطية متعددة الاطراف تهدف الى رفع الاسعار لمستويات قياسية جديدة.

* قسم الدراسات الاقتصادية/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق