ادّت الثورة الهايتية الى إلغاء العبودية وتأسيس اول جمهورية سوداء في الامريكيتين. انها ايضا انهت الهيمنة الهايتية على الانتاج العالمي للسكر. اما كوبا فقد اتخذت نفس الموقف خلال القرن التاسع عشر، حيث بقي السكر حتى بعد الغاء العبودية عام 1886 هو العمود الفقري لاقتصادها وهو السلعة الاساسية للتصدير طوال القرن العشرين. انتاج السكر كان يتم بجهود العبيد في الجزر الكاريبية الاخرى وفي ولاية لوزينيا في الولايات المتحدة.

وخلال الفترة الكولنيالية في الولايات المتحدة، كان التبغ السلعة الرئيسية التي ينتجها العبيد. وفي ولايتي فرجينيا و ماريلاند خصيصا، عمل في زراعة التبغ اكبر نسبة من الافارقة العبيد الذين استُوردوا الى الولايات المتحدة قبل الثورة الامريكية.

في ولاية جنوب كورالينا جرى استخدام عمال من العبيد الافارقة في زراعة الرز والبزاليا. وبعد الثورة الامريكية خسرت فرجينيا و ماريلاند سوقهما الاوربي الاساسي، وفي غضون فترة قصيرة بعد الثورة، اصبح مستقبل العبودية في الولايات المتحدة محفوفا بالمخاطر. معظم الولايات الامريكية الشمالية ألغت نظام العبودية وحتى فرجينيا ناقشت موضوع الإلغاء في الجمعية الفرجينية.

ان اختراع محلاج القطن (وهو ماكنة تقوم بفصل بذور القطن عن الالياف) عام 1793 منح العبودية حياة جديدة في الولايات المتحدة. بين عام 1800 و1860 انتج العبيد قطنا امتد من جنوب كارولينا وجورجيا الى الاراضي الاستيطانية الجديدة في غرب المسسبي. هذا التحول في اقتصاد العبيد من أعلى الجنوب (فرجينيا و مريلاند) الى الجنوب الادنى كان مصحوبا بتحول مشابه للعبيد الافارقة نحو الغرب والجنوب الأدنى.

وبعد إلغاء تجارة العبيد عام 1808، اصبحت تجارة العبيد المحلية من مناطق أعلى الجنوب هي المصدر الرئيسي لتمدد العبيد نحو الجنوب الادنى. وفي عام 1850 جرى استخدام 1.8 مليون عبد في الولايات المتحدة في زراعة القطن من بين 2.5 مليون عبد افريقي.

ان الغالبية العظمى من العبيد الافارقة المستخدمين في الزراعة كانوا يعملون بصفة عمال زراعة. وضمن مجال الزراعة، هم مارسوا مهنا اخرى. البعض عملوا كخدام ونوادل وخادمات او خياطات او غاسلي ملابس. آخرون جرى تكليفهم للعمل كسائقي عربات وسواقين ورعاة خيول وفنانين ونجارين وحجارين وحدادين وطحانين ونساجين. كل ذلك تم كجزء من قوة العمل الزراعية.

الافارقة العبيد عملوا ايضا في المناطق الحضرية. حوالي 10% من السكان الافارقة في الولايات المتحدة عاشوا في المدن. مدن كارلستون وريشموند وسافانا وموبايل ونيويورك وفيلاديليفيا ونيواورلانس جميعها احتوت عددا لا باس به من العبيد. في المدن الجنوبية بلغ عدد العبيد تقريبا ثلث السكان. تركزت مجالات مهن العبيد في المدن الكبيرة. الخدمة المنزلية كانت هي المهيمنة لكن العبيد مارسوا اعمال النجارة والصيد والحدادة والخياطة والصباغة ومهن اخرى كالنحاسين والبحارين والخبازين والحمالين. وعلى الرغم من ان اغلبية العبيد عملوا مباشرة لمالكيهم، لكن آخرين جرى تأجيرهم للعمل خارج مالكيهم كعمال مهرة في الزراعة وفي المشاريع العامة والمشاريع الصناعية. نسبة صغيرة منهم عملوا كعبيد ودفعوا لمالكيهم نسبة من الاجور التي يتقاضونها.

الاقتصاد الزراعي في اي ولاية كان جزءا من اقتصاد سياسي قومي ودولي كبير. اقتصاد زراعة القطن، مثلا، يُنظر اليه عموما كجزء من اقتصاد اقليمي للجنوب الامريكي. وخلال عقد الثلاثينات من القرن التاسع عشر( 1830)، كان "القطن هو الملك" في الجنوب. كان ايضا ملكا في الولايات المتحدة التي كانت تتنافس لأجل قيادة الاقتصاد السياسي العالمي. كانت الصناعة المتنامية للقطن هي الاساس في اقتصاد الجنوب في فترة ما قبل الحرب الاهلية.

لكن صناعة السفن والتمويل الامريكي كانا ايضا معتمدان على القطن المنتج عبوديا. وكذلك بالنسبة لصناعة النسيج البريطانية، حيث ان القطن لم يُشحن مباشرة الى اوربا من الجنوب وانما كان يُشحن الى نيويورك ومن ثم يُنقل الى انجلترا ومراكز اخرى لصناعة القطن في الولايات المتحدة واوربا.

ومع توسع اقتصاد زراعة القطن على امتداد المناطق الجنوبية، قامت البنوك والبيوت المالية في نيويورك بتقديم القروض الرأسمالية والقروض الاستثمارية لشراء الاراضي والعبيد.

وبعد ان اصبح العبيد الافارقة في الولايات المتحدة مصدرا للعمالة الرخيصة، هم ايضا شكلوا رأسمالا اقتصاديا وسياسيا هاما في الاقتصاد السياسي الأمريكي باعتبار ان العبيد الافارقة كسلعة كانوا يمثلون شكلا قانونيا للملكية. هم فرديا وجماعيا جرى استخدامهم باستمرار كضمان في جميع انواع اجراءات الأعمال. كذلك كانوا تتم المتاجرة بهم مقابل انواع اخرى من السلع والخدمات.

ان قيمة استثمارات مالكي العبيد في عبيدهم استُخدمت لتأمين القروض لشراء اراضي اضافية او عبيد آخرين. العبيد استُخدموا ايضا لدفع الديون المستحقة. وعند حساب قيمة الملكية، يتم تضمينها القيمة المقدرة لكل عبد. هذا اصبح مصدرا للعائد الضريبي للحكومات المحلية والمركزية. الضرائب كانت ايضا تُفرض على اجراءات العبيد. سياسيا، أدخل الدستور الامريكي فقرة جعلت الافارقة العبيد رأسمالا سياسيا يصب في مصلحة المقاطعات الجنوبية.

ان ما سمي بتسوية "الثلاثة اخماس" سمحت للولايات الجنوبية بحساب عبيدها كثلاثة اخماس الشخص الواحد لأغراض حساب تمثيل الولاية في كونغرس الولايات المتحدة. وهكذا، ارتكز توازن السلطة بين الولايات المالكة للعبيد والولايات غير المالكة لهم جزئيا على تمثيل ثلاثة اخماس العبيد الافارقة في التعداد السكاني.

مالكو العبيد فُرضت عليهم الضرائب وفقا لمبدأ الثلاثة اخماس(1)، ولا ضرائب تُدفع على العبيد الذين ساعدوا الخزانة القومية. باختصار، ان نظام العبيد في الولايات المتحدة كان نظاما قوميا ارتبط في صميم الحياة الاقتصادية والسياسية.

......................................
الهوامش
(1) تسوية الثلاثة اخماس The Three-Fifths compromise اقترحها كل من جيمس ولسون و روجر شيرمان لدستور عام 1787 في الولايات المتحدة. هذه الاتفاقية احتسبت جميع العبيد في ولاية معينة بمقدار ثلاثة اخماس السكان البيض. السكان العبيد يتم احتسابهم وفق هذه النسبة لأغراض التمثيل النيابي ولأغراض الضريبة. هذه التسوية كانت نتيجة لربط نسبة الضريبة بقيمة الارض التي كان العبيد جزءا منها.

اضف تعليق