q
نجت المدينة التي كانت تستهدف مشترين صينيين من الطبقة المتوسطة حتى الآن من المبيعات المتعثرة، والقيود على العملة الصينية، والإغلاق بسبب الوباء، تضيف مدن الأشباح هذه عبئا زائدًا على اقتصاد الصين، حيث تتعمق أزمة سوق العقارات الصينية وتتراكم الديون بعد أن كان المضاربون يراهنون على استمرار أوقات السعد...

تتواجد في أنحاء الصين عشرات المدن الجديدة المشيدة بالكامل، تحتضن المباني السكنية الشاهقة ومراكز التسوق الضخمة المقلّدة بتصرف من أوروبا والولايات المتحدة غير أنّ أحدًا من البشر لا يسكنها!

بُني ما يقرب من 50 من هذه المواقع للسكان الذين لم يأتوا إليها أبدًا، ولهذا السبب يطلق عليها "مدن أشباح". وتضم ما يصل إلى 65 مليون شقة فارغة تنتظر من يسكنها.

تضيف مدن الأشباح هذه عبئا زائدًا على اقتصاد الصين، حيث تتعمق أزمة سوق العقارات الصينية وتتراكم الديون، بعد أن كان المضاربون يراهنون على استمرار أوقات السعد، والآن أصبحوا مصدومين تحت ملايين الدولارات من القروض.

فورست سيتي

عند الاقتراب من "فورست سيتي"، المشروع العقاري الضخم بقيمة 100 مليار دولار في ماليزيا الذي تقوده شركة "كانتري غاردن"الصينية العملاقة، يضطر سائقو السيارات إلى الانعطاف بسبب جسر منهار. وفي المدينة المليئة بأشجار النخيل، شوارع وشقق ومحلات تجارية مقفرة.

نجت المدينة التي كانت تستهدف مشترين صينيين من الطبقة المتوسطة حتى الآن من المبيعات المتعثرة، والقيود على العملة الصينية، والإغلاق بسبب الوباء، والغضب العام من نفوذ الصين المتزايد في ماليزيا.

لكن مستقبلها مهدد الآن حيث تواجه المجموعة العقارية المطورة "كانتري غاردن" صعوبات مالية وترزح تحت وطأة ديون هائلة تبلغ 196 مليار دولار.

واعلنت "كانتري غاردن"، التي اعتبرت لفترة طويلة متينة ماليا، في آب/اغسطس خسائر قياسية في النصف الأول من السنة.

وحصلت السبت على مهلة تريحها مؤقتا من ضغط ديونها الطائلة، مع موافقة دائنيها في اللحظة الأخيرة على إعادة جدولة استحقاق حرج مترتب عليها، ما يسمح لها بتفادي التعثر المالي.

لكنها لم تنج تماما من الخطر، اذ تواجه الأسبوع المقبل استحقاقَي فوائد قروض بقيمة 22,5 مليون دولار لم تسددهما في آب/أغسطس. وإن عجزت عن تسديدهما، فقد تواجه وضع تعثر مالي مع انقضاء مهلة السماح الممنوحة لها لثلاثين يوما الثلاثاء.

ويؤكد الصيني تشاو بوجيان (29 عاما) من مقاطعة خنان الذي اشترى شقة من أصل 26 ألفا متاحة في فورست سيتي مقابل نحو 430 ألف دولار قبل خمس سنوات أنه يأمل في "أن تتمكن كانتري غاردن من التغلب على الصعوبات المالية التي تواجهها".

ويشير "إذا لم يأت أي شخص إلى فورست سيتي، فلن نتمكن من القيام بأعمال تجارية هنا".

وأطلق المشروع تحت مبادرة "حزام وطريق" الصينية مع شركة مملوكة جزئيا لسلطان ماليزي نافذ. ويقيم حاليا 9 آلاف شخص في فورست سيتي وهو رقم أدنى بكثير من هدفها لمتمثل بـ700 ألف مقيم.

وخلال النهار، يتنقل عمال البناء في المدينة لكن في الليل يخيم الصمت على الطريق السريع المهجور المؤلف من أربعة مسارات.

ولا يوجد سوى عدة أضواء من النوافذ عند المساء من عشرات الأبراج في المدينة.

في الشارع، واجهات متاجر مغلقة ألصق على بعضها وثائق قضائية تطالب بسداد دفعات مستحقة. بينما تتناثر القمامة على الأرضيات داخلها.

منطقة خاصة

وتقع هذه المدينة على الجانب الآخر من سنغافورة، في ولاية جوهور وكانت إحدى المقامرات الطموحة التي قامت بها الشركة الصينية العملاقة.

وأكد حارس أمن لوكالة فرانس برس أن العديد من المشترين لا يعيشون في هذه المدينة. وقاموا بشراء شقق فيها من أجل الاستثمار.

وفي صالة عرض للمشترين المحتملين، نموذج مكتمل للمدينة المقامة على أربع جزر اصطناعية، وهو أمر بعيد عن وضعها الحالي. ووضعت لافتات بالماندرين والملاي والإنكليزية.

وعارضت الحكومات السابقة منح إقامة للمستثمرين المغتربين، وانتقدت المشروع باعتباره مبنيا للأجانب فقط.

تدخل رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم لمحاولة إنقاذ مدينة فورست سيتي. واعلن إنشاء "منطقة مالية خاصة" وامتيازات تشمل معدل ضريبة دخل خاص وتأشيرات دخول متعددة.

لكن يشكك المراقبون في جدوى ذلك.

ويقول برنارد أو، كبير خبراء الاقتصاد في كوفاس لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، إن الضغط على الشركة الصينية لتسديد مستحقات دائنيها "قد يكون له تأثير على قدرتها على استكمال مشاريع عقارية في الخارج".

التعثر في السداد

وحصلت "كانتري غاردن"، إحدى أكبر مجموعات التطوير العقاري في الصين، على مهلة تريحها مؤقتا من ضغط ديونها الطائلة، مع موافقة دائنيها في اللحظة الأخيرة على إعادة جدولة استحقاق حرج مترتب عليها، ما يسمح لها بتفادي التعثر المالي.

وعجزت الشركة التي لطالما اعتُبرت متينة ماليا، عن تسديد استحقاق في مطلع آب/أغسطس قدره 22,5 مليون دولار من فوائد القروض، في وقت يواجه القطاع العقاري الصيني أزمة غير مسبوقة.

وبعد تسجيل خسائر قياسية في النصف الأول من السنة، كان يترتب عليها أن تسدد سندات قروض بقيمة 3,9 مليارات يوان (نحو 535 مليون دولار).

وأوردت وكالة بلومبرغ أن الدائنين وافقوا مساء الجمعة على تأجيل تاريخ الاستحقاق إلى 2026، خلال عملية تصويت تم تمديدها مرتين منذ الجمعة الماضي.

ولم يصدر أي إعلان عن كانتري غاردن في الوقت الحاضر.

وعلى رغم نيلها هذه المهلة الإضافية، الا أن "كانتري غاردن" التي كانت أكبر مطوّر عقاري في الصين العام الماضي، لم تنج تماما من الخطر، اذ تواجه الأسبوع المقبل استحقاقَي فوائد قروض بقيمة 22,5 مليون دولار لم تسددهما في آب/أغسطس.

وإن عجزت عن تسديدهما، فقد تواجه وضع تعثر مالي مع انقضاء مهلة السماح الممنوحة لها لثلاثين يوما.

وتخلف المجموعة عن السداد سيكون له وقع الصدمة في الأسواق وسيزيد من حدة أزمة القطاع العقاري الذي يعاني بالأساس من تبعات الأزمة الصحية وتباطؤ الاقتصاد الصيني.

وفي مؤشر على صعوبة الوضع المالي للشركة، خفضت وكالة "موديز" التصنيف الائتماني لـ"كانتري غاردن" ثلاث درجات هذا الأسبوع، مبررة قرارها الخميس بأن المجموعة "لا تملك موارد مالية كافية" لمواجهة الاستحقاقات المقبلة.

وباتت المجموعة مصنفة بدرجة "سي إيه" ما يعني "في مرحلة التخلف عن السداد أو قريبة جدا منها، مع بعض الأمل في التعافي".

وسبق أن خفضت الوكالة تصنيف كانتري غاردن في مطلع آب/أغسطس.

وكانت ديون الشركة تقدر في نهاية 2022 بنحو 1430 مليار يوان (180 مليار يورو).

وفي نهاية حزيران/يونيو كانت السيولة المتاحة للمجموعة تقدر بنحو 147,9 مليار يوان (18,6 مليار يورو)، وهو مبلغ كانت تستخدمه لإنجاز مساكن دفع الملاكون ثمنها قبل بنائها.

واستندت مجموعات التطوير العقاري الصينية لفترة طويلة على هذا النموذج من التمويل، لكن السلطات باتت تعتبر في السنوات الأخيرة أن ديونها الطائلة تطرح خطرا كبيرا على الاقتصاد والنظام المالي في الصين.

شددت بكين تدريجيا منذ 2020 الشروط لحصول هذه المجموعات على قروض، ما حدّ من مصادر تمويل الشركات التي تواجه بالأساس ديونا.

وأدى ذلك إلى تعثر عدة شركات عن السداد، وأبرزها مجموعة إيفرغراند، ما قوض ثقة المواطنين وانعكس على القطاع برمّته.

وفي حال إفلاس كانتري غاردن، فسوف يكون لذلك عواقب كبرى على النظام المالي في الصين، مع عدد هائل من المساكن غير المكتملة، ومن الشركات المزودة التي لم تُسدَد فواتيرها، وعشرات آلاف الصينيين العاجزين عن استرجاع أموالهم.

وسعيا لإنعاش قطاع لطالما مثّل ربع إجمالي الناتج المحلي الصيني، عمدت عدة مدن كبرى من بينها بكين وشنغهاي إلى تليين شروط منح قروض لقاء رهن لتمكين مزيد من العائلات من الاستفادة من هذه القروض، ما سيحفز الطلب.

من جهته، أعلن البنك المركزي خفض معدلات الفائدة قريبا على القروض لقاء رهن عقاري لمن يشتري أول مسكن له.

لكنّ الخبير الاقتصادي لاري هو من بنك "ماكواري" للاستثمار حذر بأن وطأة هذه التدابير غير مؤكدة.

ورأى أنها "لن تفضي بالضرورة إلى صفقات شراء".

ويشعر الصينيون بالقلق حيال وضعهم المالي وتراجع أسعار الأملاك العقارية ما يخفض قيمتها، والمتاعب التي تواجهها شركات التطوير العقاري.

مدينة أشباح

تبعد المدينة ثلاث ساعات بالسيارة عن العاصمة كوالالمبور وتجذب الزوار لرؤية أبراجها الضخمة أو لشراء الكحول المعفى من الرسوم الجمركية.

جاء دينيش راج رافينداران (32 عاما) المقيم في سنغافورة من أجل "المشروبات الكحولية".

ويؤكد "لن أبقى هنا، إنها مدينة أشباح. الطريق مظلم وخطير ولا توجد أضواء في الشوارع".

ومعظم الحركة في المدينة تتألف من عمال أجانب- جاء اغلبهم من بنغلادش والنيبال- من أجل حراسة الأبراج أو كنس الطرقات أو صيانة الغابات.

عند شاطىء رملي اصطناعي حيث تأتي العائلات للتنزه تحت أشجار جوز الهند، لافتة تحذر السياح المحتملين من التماسيح.

وعند برج مؤلف من 45 طابقا، يقول مسؤول إن طابقين فقط مشغولان بينما الباقي معروض للبيع.

ويؤكد نورزيواه زامري (30 عاما) من ولاية ملقا "جئت إلى هنا لقضاء عطلة بعد أن شاهدت مقاطع فيديو تيك توك".

وتابع "إذا سألتني إذا كنت سأعيش هنا، فالإجابة هي لا".

ومدينة الأشباح مصطلح يعبر عن المدينة المهجورة التي لم يعد يسكنها أحد، وعادة هذا يكون بسبب توقف النشاط الاقتصادي الذي يعتمد على المدينة أو بسبب كوارث طبيعية أو بشرية مثل الفيضانات أو الحروب، وقد يستخدم هذا المصطلح لوصف المدن المسكونة ولكن عدد سكانها قل بكثير عما كان عليه من قبل.

وأصبحت بعض مدن الأشباح مزارات سياحية مثل: مدينة بريبيات الأوكرانية، ريولايت، وتومبستون، أريزونا وباركرفيل، كولومبيا البريطانية.

وتؤثر العديد من العوامل في الهجرة عن المدن مثل نضوب الموارد الطبيعية، عدم وصول السكك الحديدية والطرق إلى هذه المدن، تحول النشاط الاقتصادي إلى أماكن أخرى، تغيير أتجاه الأنهار، والكوارث (مثل تشيرنوبيل). أو انتشار الأوبئة فمثلا تم التخلي عن بعض الأماكن في شرق ولاية أركنساس بعدما لقي أكثر 7000 شخص مصرعهم خلال وباء الأنفلونزا الأسبانية بين عامي 1918 و 1919.

يمكن أيضاً أن يسبب تلوث الأرض هجرة المدن. وهذا هو ما حدث في تايمز بيتش، إحدى ضواحي مدينة سانت لويس، حيث تعرض سكانها لدرجة عالية من الديوكسينات وتم إخلاء المدينة تماماً في عام 1983

ويمكن أيضاً أن تنشأ مدن الأشباح عند مصادرة الحكومات للأراضي لإقامة مشاريع عليها وبالتالي أجبار السكان على الرحيل. فمثلا اشترت وكالة ناسا أرضاً لبناء مركز أختبار الدفع الصاروخي. في ولاية مسيسبي (مساحتها حوالي 34 ميلا مربعا). وتم ترحيل السكان بسبب الضجيج والمخاطر المحتملة المرتبطة بأختبار الصواريخ.

مدن جديدة لم يسكنها أحد

وتتواجد في أنحاء الصين عشرات المدن الجديدة المشيدة بالكامل، تحتضن المباني السكنية الشاهقة ومراكز التسوق الضخمة المقلّدة بتصرف من أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى شبكات الطرق المترامية الأطراف، كما تتزين ساحاتها ببحيرات المياه والحدائق والأضواء. غير أنّ أحدًا من البشر لا يسكنها!

بُني ما يقرب من 50 من هذه المواقع للسكان الذين لم يأتوا إليها أبدًا، ولهذا السبب يطلق عليها "مدن أشباح". وتضم ما يصل إلى 65 مليون شقة فارغة تنتظر من يسكنها.

والسبب هو أن ملاك العقار والمضاربين والمستثمرين، يرغبون في بيعها بأسعار مرتفعة جدًا، بحيث تفوق تكلفة شراء الشقة الواحدة تكلفتها في مدن الرفاه مثل سيدني وملبورن، ولدى هؤلاء ما يكفي من الصبر لانتظار اليوم الموعود الذي تنتعش فيه سوق العقارات!

وعادة ما يتم بناء هذه المدن الجديدة في ضواحي الحواضر القائمة. والشركات المملوكة للدولة مع الشركات الخاصة هي من تنفذ هذه المشاريع، في انتظار صعود سوق العقار.

ويوضح داني مكماهون مؤلف كتاب "سور الصين العظيم للديون"، سر استمرار مشاريع بناء المدن الجديدة في الصين، التي يبدو أنها بنيت من أجل لا أحد، قائلًا: "هذه الظاهرة كانت مدفوعة إلى حد كبير بتفاقم الديون الذي بدأ بالفعل في الارتفاع بعد الأزمة المالية العالمية".

وأضاف: "إن شركات تطوير العقارات الخاصة ستقوم ببناء مساكن في الأماكن التي ينتهي بها المطاف إلى أن تصبح مدنًا أشباحًا، لأنها تؤمن بقدرة سوق العقارات الصينية على الصعود والارتفاع".

تياندوتشَنغ

تَعَد تياندوتشَنغ واحدة من عشرات المدن الصينية التي باتت تُعرَف بـ”مدينة الأشباح”، نظرًا لبنائها السريع، مقابل عزوف الصينيين عن السكن فيها، لتؤول معظم العقارات فيها إلى الأغنياء الذين يملكون القدرة على شراء بيوت فيها، وهم بالطبع يعيشون في بكين أو شانغهاي أو غيرها ولا يعيشون في مدينة الأشباح، في انتظار أن ترتفع قيمتها يومًا ما ليبيعوها أو يقومون بتأجيرها.

ليست هذه حالة استثنائية، ولا هي ظاهرة مقصورة على الصين دون غيرها، ولكنها منتشرة في العديد من البلدان النامية التي ترغب في تأسيس عواصم جديدة سريعة في سنوات قليلة، ولكن الرياح تجري أحيانًا عكس ما تشتهي السفن.

كانغباشي الجديدة-الصين

هي “دبي شمال الصين”، كما قيل عنها، والتي تم بناؤها في أطراف مدينة أوردوس بولاية منغوليا عام 2003، وقد كانت جزءًا من النمو السريع للمنطقة نتيجة وجود الثروة المعدنية فيها، ولكن قبل أن ينتقل إليها الصينيون، وقبل حتى أن تنتهي الحكومة من تعبيد الطرقات، شهدت المدينة سيلًا من المستثمرين والمهتمين بالسوق العقارية، والذين اشتروا معظم التجمّعات السكنية ليستطيعوا تحقيق الأرباح منها فيما بعد، وهو ما رفع أسعار الإيجار والتمليك بطبيعة الحال، وأدى إلى قلة الإقبال على الشراء والسكن فيها.

تباعًا، وبعد أن كان من المخطط أن تستوعب المدينة مليون نسمة، خفضت الحكومة من سقف توقعهاتها إلى 300،000 فقط يستطيعون الانتقال إليها بالفعل، لكنها تضم اليوم بالكاد 30،000 ساكن، بينما تنتشر على الطريق إليها إعلانات شركات كبرى هربت في الواقع من المدينة بعد عدم قدرتها على دفع ديونها، وتسري شائعات بأن مالكي العقارات الآن يفكّرون في جني الأرباح عبر بيع أملاكهم لمستثمرين ينوون تدميرها في الحقيقة لصالح مشاريعهم الخاصة.

تشَنغ كونغ الجديدة-الصين

بنيت تلك المدينة قرب كونمينغ، المدينة الأكبر في محافظة يونّان جنوبي غربي الصين، وهي تمتلك كل ما تحتاجه من بنية تحتية ومدارس ومستشفيات وطرقات ومكاتب حكومية، كما يجري تشييد خط ترام ليصل بينها وبين المدينة الأم، بيد أن العنصر الأهم في أي مدينة ليس موجودًا فيها: السكان!

رُغم الزحام الشديد في كونمينغ، البالغ تعدادها حوالي سبعة ملايين، ورُغم وجود حوالي 100،000 وحدة سكنية خالية في تشنغ كونغ، إلا أن أحدًا لم يسكن المدينة الجديدة، ورُغم أن الأسعار هذه المرة لم ترتفع، إلا أن السبب الرئيسي على ما يبدو هو أن سكان كونمينغ ببساطة لا يريدون الانتقال من مدينتهم التاريخية إلى تلك المدينة الجديدة، لتصبح تشنغ كونغ مدينة أشباح صينية أخرى.

كيلامبا-أنغولا

في أنغولا الغنية بالنفط، والتي تستثمر فيها الصين بقوة الآن، نشأت مدينة كيلامبا لتستوعب حوالي نصف مليون مواطن من العاصمة لواندا، وهي القريبة منها، على غرار العاصمة الجديدة التي تريد الحكومة المصرية بنائها بالقرب من القاهرة التاريخية، وقد نجح الاستثمار الصيني بالفعل في بناء مصفوفات من المباني السكنية الملوّنة بشكل جذّاب، وملأتها بالمدارس ومراكز التسوق، بيد أن الأسعار المرتفعة بالطبع لم تنجح في جذب مشترين من سكان أنغولا الفقراء، لتصبح المدينة، طبقًا لأحد مراسلي بي بي سي، مدينة أشباح خالية تمامًا من السكان، وإن كانت مليئة بالألوان الزاهية.

جَنغدونغ الجديدة-الصين

بُنيت تلك المدينة على أنقاض مزارع القمح المتاخمة لمدينة جينغجو، عاصمة ولاية هِنان الشمالية، لتصبح مدينة بضعف حجم مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في أقل من عشر سنوات، بيد أنها تعرّضت لنفس المشكلة المالية-العقارية التي جرت في كانغباشي، ورُغم أن النمو السكاني مستمر في العاصمة جينغجو، ووصل إلى 9 ملايين ويزيد، إلا أن تلك المنطقة السكنية الجديدة لا يبدو أنها قد جذبت أي من هذا التعداد المتنامي والمتزاحم، فقد أدى ارتفاع الأسعار نتيجة تكالب المستثمرين والأغنياء الراغبين في تملك القطع السكنية والاحتفاظ بها إلى وصول سعر المتر إلى 1،660 دولار، في حين يُعَد متوسط دخل الصيني في جينغجو 483 دولارًا فقط.

صدمة الازمة العقارية

تضيف مدن الأشباح هذه عبئا زائدًا على اقتصاد الصين، حيث تتعمق أزمة سوق العقارات الصينية وتتراكم الديون، بعد أن كان المضاربون يراهنون على استمرار أوقات السعد، والآن أصبحوا مصدومين تحت ملايين الدولارات من القروض.

وتسعى الصين إلى تجاوز هذا التباطؤ الاقتصادي، من خلال بناء المزيد من البنى التحتية، وتحفيز سوق العقارات، غير أن الأزمة تتفاقم بعد الصراع التجاري مع الولايات المتحدة.

لكن الأسوأ هو أن الاحتفاظ بإمدادات كبيرة من الشقق الجديدة خارج السوق، يخلق نقصًا كبيرًا في المساكن، ما يدفع أسعار المنازل "المستعملة" إلى الصعود من أي وقت مضى. الأمر الذي يجعل من الصعب للغاية على الصينيين شراء منزل وتشكيل أسرة، خاصة بالنسبة للشباب، وهذا يمكن أن يفسر سبب انخفاض معدلات الزواج في الصين إلى ما يقرب من 30٪ في السنوات الأخيرة.

ومن ثمّة، فمن المتوقع أن يؤدي الانخفاض الكبير في معدلات الزواج إلى تفاقم مشكلة الصين الديموغرافية، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض معدلات المواليد، وتقلص قوة العمل، وزيادة إعالة المتقاعدين، وهذه أخبار ليست سارة لمستقبل الصين وأسواقها المالية.

اضف تعليق