تُعتبر الزيارة الحالية للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الى آسيا مؤشراً آخرا لعزم الحكومة السعودية على اصلاح اقتصادها من خلال جذب الاستثمارات اليابانية والصينية. هذه الزيارة، الى جانب حزمة من التغييرات المالية في الداخل وما متوقع حدوثه من اكتتاب اولي (IPO) لسندات شركة ارامكو- الشركة الوطنية للبترول والغاز الطبيعي، كل ذلك يؤكد اعتراف المملكة بالحاجة للتخلص من الاعتماد على البترول، وهو الاعتراف الذي جاء كنتيجة لفشل السياسات السعودية من عام 2014 حتى عام 2016 والذي اجبر الرياض على القبول بحقيقة ان زمن السيطرة على اسواق البترول قد ولّى.

ان استراتيجية السعوديين اثناء حرب الانتاج كانت إبقاء إمدادات البترول تتدفق على أمل إضعاف اثنين من المنتجين الآخرين وهما ايران والولايات المتحدة. ايران كانت دائما تتمتع بالقدرة الكامنة على انتزاع السيطرة على اسواق البترول من المملكة العربية السعودية، لكن شلل العقوبات الدولية المفروضة عليها منعها من القيام بذلك، لكنها وبعد الاتفاق النووي مع الغرب اصبحت تشكل تهديدا متزايدا للمملكة السعودية.

وفي نفس الوقت، شكلت صناعة البترول الامريكية تحديا جديدا. في عام 2015، وبعد عقد من الابتكارات التكنلوجية، بما فيها استخدام اختبارات الرصد الزلزالي اللاسلكي وأتمتة مختلف وظائف منصات البترول، تكون هذه الصناعة المتطورة قد انتزعت الدور الريادي للملكة السعودية كقائد للإنتاج العالمي.

وفي ضوء تآكل حصتها من السوق، رفضت الرياض خفض الانتاج، وبدلا من ذلك قامت بزيادة العرض. وفي عام 2016 وضعت السعودية ارقام جديدة لمستويات انتاجها لكي تُبقي العرض العالمي عاليا والأسعار منخفضة. وبهذا العمل، راهنت الرياض على انها يمكنها النجاة من انهيار الاسعار بما لديها من نصف ترليون دولار من احتياطيات الصرف الاجنبي، بينما سيواجه منافساها من الامريكيين والايرانيين المزيد من الضغوط المالية والتي ستدفعهما للانسحاب من السباق. كان هذا خروجا واضحا عن الاستراتيجية السعودية في الماضي والتي فضلت خفض الانتاج لتنظيم العرض وإبقاء الاسعار مرتفعة.

غير ان حرب الانتاج النفطية السعودية كانت مكلفة، حيث ان الهبوط الحاد في اسعار البترول كانت نتيجته الإضرار بالتمويل السعودي، ففي الفترة بين عام 2014 و2016 هبط الاحتياطي السعودي من 746 بليون دولار الى 536 بليون دولار وهو الحدث الذي أفرغ خزائن المملكة كليا في غضون نصف عقد. هذا الهبوط في عائدات البترول وبالتزامن مع تصاعد تكاليف الحرب في اليمن والسخاء المفرط في نظام الإعانات وخفض الضرائب، كل ذلك قاد الى موقف لا يمكن المحافظة عليه. فكان من المدهش ان لا يوافق احد من الأعضاء الآخرين لمنظمة اوبك على خفض الانتاج عندما أعلنت الرياض وقف حربها البترولية.

ربما تكون هناك جدوى للانتاج السعودي المفرط لو ادّى لهزيمة ايران او الولايات المتحدة، ولكن بدلا من ذلك، كانت العربية السعودية هي الضحية الكبرى. وفي ضوء قساوة العقوبات المفروضة على ايران، كانت الاخيرة مجبرة على الاستفادة من اي صادرات بترولية، مهما كان الانخفاض الحاد في السعر. وبالرغم من الضرر البالغ للسعر المنخفض على منتجي الزيت الصخري الامريكي، لكن اولئك المنتجين استمروا باحتفاظهم بالمزايا التنافسية بسبب ما بحوزتهم من تكنلوجيا الاستكشاف المتطورة.

ان ضغط انخفاض الاسعار دفع المنتجين الامريكيين للتركيز كثيرا على خفض التكاليف والأتمتة وزيادة الفاعلية الكلية لكي يخفضوا سعر التعادل (سعر اللاربح واللاخسارة) breakeven. المنتجون الامريكيون هم على مسافة بعيدة امام منافسيهم في السباق في معظم انحاء العالم بما في ذلك المملكة السعودية. ذلك بسبب ان خبراء الولايات المتحدة كانوا لوقت طويل يطورون تكنلوجيات جديدة لكي يحصل المنتجون الامريكيون على المزيد من البترول من عملياتهم في الخارج. اولئك الخبراء نقلوا الآن تكنولوجياتهم الى داخل البلاد. الولايات المتحدة اصبحت واحدة من مراكز الابتكارات التكنلوجية في مجال التكسير والحفر الافقي. هذا يفسر لماذا اسست ارامكو السعودية مركزا للابحاث في مدينة هيوستن لاستكشاف استخدام انتاج الغاز والبترول اللاتقليديين.

ان السعودية، بالطبع لم يحالفها الحظ. نموها يتراجع ونسبة ديونها للمخرجات الاقتصادية تتزايد. لهذه الاسباب تتصاعد كلفة اقتراضها، اما وكالات التصنيف الأئتمانية الكبرى مثل Fitch وStandard&poor وMoody فقد خفضت التصنيف الائتماني للسعودية في عام 2016. ونتيجة لهذه الصعوبات، سعت السعودية لدعم اقتصادها بمختلف الطرق. أحد الاجراءات اللامسبوقة كانت طرح 5% من أسهم شركة ارامكو الوطنية للغاز والبترول السعودي للاكتتاب العام والذي سيحدث في العام القادم وهو سيكون أكبر طرح اولي في التاريخ. في رحلته الى اسيا، يسعى الملك سلمان لجذب المستثمرين لهذا الطرح الاولي. هونك كونك وبفعل ارتباطها بالأسواق الصينية ستعمل كجسر بين ارامكو السعودية وجيوب المستثمرين الصينيين.

ان الاصلاحات المالية في الداخل هي ايضا غير مسبوقة. انها تتضمن زيادة الضرائب غير المباشرة ورسوم التأشيرات وتخفيض خطط المشارع العامة في مجال النقل والاسكان وقطاع الرعاية الصحية. غير ان الشيء الملفت هو خطط السعودية في التحول من السنة القمرية الاسلامية التي عدد ايامها 354 يوما الى السنة الغربية الميلادية وعدد ايامها 365 يوما بما يسمح للحكومة توفير اجور عمل 11 يوم من رواتب العاملين في الدولة.

كانت العربية السعودية حتى قبل انخفاض اسعار البترول تعلم سلفا بانها في المستقبل غير البعيد ستحتاج لتنظيم وتنويع اقتصادها. وهذا ما دفعها لتطوير قطاعات جديدة غير نفطية مثل الطاقة المتجددة وصناعة الالبان. غير ان تلك السياسة بقيت تتحرك بوتيرة خجولة، حتى جاءت حرب البترول لتكشف ان التغيير البطيء لم يعد خياراً.

* الشؤون الخارجية Foreign Affairs,13 march 2017

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق