q
ما يزال الهيدروجين الأخضر موضع صدام بين قطبي الأعمال الأميركيين بيل غيتس وإيلون ماسك، اللذين يتبنيان آراءً مختلفةً حول هذا الوقود منخفض الكربون الذي يُنظر إليه على أنه الركيزة الأساسية المستقبلية في جهود الحياد الكربوني، غير أن تلك التقنية النظيفة تواجه العديد من التحديات التي تجعلها غير قابلة للتطبيق...
بقلم: محمد عبد السند

ما يزال الهيدروجين الأخضر موضع صدام بين قطبي الأعمال الأميركيين بيل غيتس وإيلون ماسك، اللذين يتبنيان آراءً مختلفةً حول هذا الوقود منخفض الكربون الذي يُنظر إليه على أنه الركيزة الأساسية المستقبلية في جهود الحياد الكربوني.

غير أن تلك التقنية النظيفة تواجه العديد من التحديات التي تجعلها غير قابلة للتطبيق تجاريًا -في الوقت الراهن على الأقل- مثل ارتفاع تكلفة إنتاجه من المصادر المتجددة، قياسًا بالوقود الأحفوري، وصعوبة نقله وتخزينه.

وتتراوح تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر الطاقة المتجددة في نطاق بين 3 و8 من العملة الأوروربية يورو (3.21 و8.56 دولارًا) لكل كيلوغرام، نظير ما بين 1 و2 يورو (1.07و2.14 دولارًا) لكل كيلوغرام للهيدروجين المصنع من الوقود الأحفوري، وفق بيانات منتدى الطاقة الدولي، طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي هذا الإطار، تصادم المؤسس المشارك لعملاقة البرمجيات الأميركية مايكروسوفت بيل غيتس، والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، رائدة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية إيلون ماسك، بشأن إمكان استعمال الهيدروجين بصفته حلًا من حلول الطاقة النظيفة، وفق ما أورده موقع إنرجي نيوز energy news.

سكينة الجيش السويسري

وصف غيتس -الذي يُعد داعمًا متحمسًا للهيدروجين النظيف- هذا الوقود بأنه "سكين الجيش السويسري لإزالة الكربون" بسبب تنوعه، معتقدًا أن الهيدروجين الأخضر يمكن استعماله لإزالة الكربون من مجموعة واسعة من القطاعات، من بينها الصناعة، والنقل، إلى جانب توليد الكهرباء المستدامة.

وتُعرف سكين الجيش السويسري باحتوائها على عدة أدوات ذات استعمالات متعددة، تساعد في الكثير من الحالات.

وفي المقابل، يُعد ماسك من أبرز منتقدي الهيدروجين الأخضر، واصفًا إياه بأنه "شكل غبي" لتخزين الكهرباء بالنسبة إلى السيارات، ومنتقدًا التمويلات التي تمنحها الحكومة الأميركية للشاحنات العاملة بوقود الهيدروجين.

ويتبنى غيتس وماسك وجهات نظر مختلفة حول الهيدروجين الأخضر، بسبب مصالح شركاتهما المتعارضة، إذ يستثمر الأول مليارات الدولارات في عدد من الشركات المنتجة للهيدروجين النظيف، في حين تبرز تيسلا المملوكة لقطب الأعمال إيلون ماسك رائدة في تقنية السيارات الكهربائية.

تلاسن مستمر

ليست تلك المناوشة بين إيلون ماسك وبيل غيتس بشأن الهيدروجين الأخضر هي الأولى من نوعها، إذ سبق أن تلاسن الثريان الأميركيان في شهر يوليو/تموز (2023) بشأن هذا الوقود منخفض الكربون.

فقد شارك إيلون ماسك مؤسس شركة "سبيس إكس"، تغريدة أطلقها بيل غيتس على حسابه الشخصي على موقع التدوينات المصغرة إكس ("تويتر" سابقًا)، التي يقول فيها الأول، إن "الهيدروجين النظيف الرخيص سيكون طفرة هائلة في مجال الطاقة"، وفق تقارير تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.

غير أن ماسك رد على تلك التغريدة برمز تعبيري ضاحك، معلقًا عليها بعبارة: "بيل غيتس يروج للهيدروجين''.

وقال غيتس في تغريدته، إن معظم إنتاج العالم من الهيدروجين، البالغ 70 مليون طن، يُنتَج -الآن- من الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن جعل الهيدروجين "نظيفًا'' قد يُسهم في إزالة 1.6 % من الانبعاثات الكربونية العالمية.

يُشار إلى أن إيلون ماسك الذي يتصدر -حاليًا- قائمة أغنى أغنياء العالم بصافي ثروة شخصية تبلغ قيمتها 215 مليار دولار، قد حقق معظم تلك الثروة من صناعة السيارات الكهربائية.

قضية التغيرات المناخية

رغم آرائهما المتباينة بشأن الهيدروجين الأخضر، يبدي المليارديران الأميركيان التزامًا واضحًا بإيجاد حلول لأزمة التغيرات المناخية.

وفي هذا السياق يبرز الهيدروجين المتجدد إحدى أهم التقنيات الواعدة المحتملة التي تعول عليها حكومات الدول في تحقيق أهداف الحياد الكربوني.

ويُنتَج الهيدروجين باستعمال تقنية التحليل الكهربائي التي تعمل على شطر جزيء المياه إلى هيدروجين وأكسجين، عبر مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الشمس والرياح.

ثم يٌستعمَل الهيدروجين الأخضر الناتج عن تلك العملية بطرق عدة، مثل تشغيل خلايا الوقود، وتوليد الكهرباء، أو حتى إنتاج الوقود الاصطناعي.

ويُنتَج الوقود الاصطناعي المحايد كربونيًا من عملية كيميائية مركبة تجمع بين كميات من الهيدروجين الأخضر، وأخرى من ثاني أكسيد الكربون الملتقط من الغلاف الجوي مباشرة، ويطلق عليه أسماء أخرى مثل البنزين الاصطناعي أو الوقود الكهربائي، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

تحديات قائمة

يُعد الهيدروجين الأخضر تقنية نظيفة لتوليد الكهرباء؛ إذ يمكنه أن يؤدي دورًا حاسمًا في التحول إلى اقتصاد طاقة نظيفة.

غير أنه ما يزال هناك بعض التحديات التي تعترض استعمال هذا الوقود النظيف على نطاق واسع، من بينها ارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة النقل والتوزيع.

ويقول منتقدو الهيدروجين الأخضر، إنه رغم كونه مصدرًا نظيفًا للطاقة فإنه يتسم بالتطاير في حالته الغازية، إلى جانب كونه قابلًا للاشتعال بدرجة كبيرة، وفق صحيفة نيويورك بوست الأميركية.

ونظرًا إلى كونه أقل كثافة من البنزين، يتعين ضغطه لتحويله إلى الحالة السائلة، وتخزينه في درجات حرارة منخفضة، لضمان فاعليته وكفاءته عند استعماله وقودًا للطاقة.

وعلاوة على ذلك، تُعد عملية تحويل الهيدرجين الأخضر إلى كهرباء باهظة التكلفة، وتتطلب فصله من الأكسجين، ما يتطلب كمية كبيرة جدًا من الكهرباء، وهذا بالتالي يستلزم استعمال مصادر الوقود الأحفوري.

دور الهيدروجين في خفض الانبعاثات

من الممكن أن يُسهم الهيدروجين الأخضر في تقليص مستويات الانبعاثات الكربونية، بواقع 7 مليارات طن سنويًا، شريطة استعمال هذا الوقود النظيف على نطاق واسع، حتى يمثّل خُمس الطلب العالمي على الكهرباء -وفق ما هو مُخطط له- بحلول عام 2050، وفق بيانات صادرة عن مجلس الهيدروجين في العام قبل الماضي (2021).

ويُنتَج الهيدروجين الأخضر من تفكيك جزيئات المياه عبر تقنية التحليل الكهربائي، التي تتضمن تمرير تيار كهربائي خلالها، إذ تتفكك المياه إلى هيدروجين وأكسجين، ليمكن حينها استخلاص الهيدروجين من المياه، كما ينطلق الأكسجين في الهواء، وفق ما معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

كما تزداد أهمية الهيدروجين الأخضر، لإمكان استعماله ناقلًا للطاقة، ووقودًا أخضر يُستعاض به عن الغاز الطبيعي في العمليات التجارية والصناعية.

ويمكن أن يحل الهيدروجين الأخضر محل الديزل والبنزين في السيارات، ما يدعم أهمية ذلك الوقود منخفض الكربون في تغطية الطلب المتنامي على إمدادات الكهرباء المستدامة، وما لذلك من أهمية قُصوى في تعزيز أمن الطاقة ودرء أيّ صدمات خارجية محتملة، على غرار ما حدث في أوروبا الشتاء الماضي، نتيجة شُح إمدادات الطاقة الروسية.

ومنذ عام 1975، نما الطلب العالمي على الهيدروجين بأكثر من 3 أضعاف، وما يزال استعمال هذا الوقود المستقبلي يُظهر توسعًا مطّردًا، إذ لامس نحو 49 مليون طن في عام 2021، وفق أرقام صادرة عن وكالة الطاقة الدولية في العام الماضي (2022).

ويُتوقع أن يتراوح الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر بين 500 و680 مليون طن بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، بحسب تقديرات البنك الدولي.

اضف تعليق