دفع الجفاف التاريخي، حسب الأمم المتحدة، 12 مليون شخص إلى حالة نقص حاد في الأمن الغذائي في إثيوبيا حيث دمر نزاع عنيف شمال البلاد أيضا، ومنذ نهاية 2021، نفق أكثر من أربعة ملايين رأس ماشية بينما يهدد الموت 30 مليونا أخرى ضعيفة وهزيلة، وأنه ليس هناك أي مؤشر إلى تحسن والجفاف سيستمر ويتفاقم...

حزم محمد حسن غوري أمره: سيبيع آخر رؤوس الماعز التي يملكها ويغادر قريته. فعلى غرار كثيرين من رعاة الماشية في شرق إثيوبيا، عليه أن يتخلى عن حياة البدو بعدما رأى الجفاف يهلك قطيعه. بحسب فرانس برس.

لم يعد هذا الراعي البالغ من العمر 32 عاما قادرا على تحمل رؤية حيواناته النافقة. ولم يبق سوى 35 من أصل 250 ماعزًا كان يملكها. وفي قريته الجل التي تقع على الحدود بين إثيوبيا والصومال، "نفق ثلثا الماشية" كما قال وهو يتنهد.

مثله، ينتظر مربو الماشية الرحل في القرن الإفريقي منذ أكثر من عامين أمطارا لا تأتي. وكانت المواسم الخمسة الأخيرة للأمطار منذ نهاية 2020 أقل من العادة وهو أمر غير مسبوق منذ أربعين عامًا على الأقل. ويبدو أن متساقطات الموسم التالي من آذار/مارس إلى أيار/مايو لن تكون كافية أيضا.

ودفع هذا الجفاف التاريخي، حسب الأمم المتحدة، 12 مليون شخص إلى حالة "نقص حاد في الأمن الغذائي" في إثيوبيا حيث دمر نزاع عنيف شمال البلاد أيضا، ومنذ نهاية 2021، نفق أكثر من أربعة ملايين رأس ماشية بينما يهدد الموت 30 مليونا أخرى "ضعيفة وهزيلة"، انتظر محمد حسن غوري وصلى، لكنه اضطر لقبول الواقع. فقد رأى أنه "ليس هناك أي مؤشر إلى تحسن والجفاف سيستمر ويتفاقم".

لذلك سيبيع الماعز قبل فوات الأوان. بهذا المبلغ الصغير، سيغادر القرية "في الأسابيع المقبلة" إلى بلدة كيلافو المجاورة على أمل أن يتمكن من تأمين احتياجات زوجته وأطفاله الأربعة ووالده الكفيف وأمه التي بترت ساقها.

أزمة إنسانية ووجودية

لكن مشروعه ما زال غامضا. فهو يتحدث عن "أعمال تجارية صغيرة" مثل كثيرين يحاولون البقاء عبر بيع الفحم أو الحطب أو البخور، وعن "تطوير (مهاراته) للعثور على فرص عمل"، وقال إنه "قرار صعب جدا.. الانتقال من حياة الراعي إلى أسلوب حياة جديد لا أعرفه (...) لكن ليس لدي خيار آخر".

أما صديقه بيليه كالبي نور (29 عاما) فهو ليس مستعدا بعد لاتخاذ الخطوة. رغم انه خسر تسعين بالمئة من قطيعه، يحرص على الاهتمام بعشرات الماعز التي بقيت، وقال بعد عودته من ساعات من المشي "لا أتقن اي عمل آخر سوى عمل الراعي المتنقل، فأنا لست متعلمًا ولا أعرف كيف أزرع"، وليتمكن من العيش، قسم هذا الشاب عائلته، فعهد بأربعة من أبنائه الثمانية إلى حماته التي تقيم على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً.

وفي المنطقة الصومالية في اثيوبيا كما في مجمل الربع الجنوبي الشرقي في البلاد، وكذلك في شمال كينيا والصومال المجاورة، يواجه عشرات الآلاف من مربي الماشية معضلة، فهم يرعون قطعانهم منذ أجيال في هذه المنطقة الجافة التي تشهد موسمين سنويين من الأمطار، بحثا عن مراع ومياه لماشيتهم. وتؤمن لهم رؤوس الماشية هذه من الأبقار والجمال والماعز الحليب واللحوم والنقود عند بيعها.

لكن منذ 2016، السنة التي شهدت آخر فصل من الجفاف، لم يجلب أمطار بمعدلات طبيعية سوى موسمين في 2017 و2018، وقد تحولت المراعي إلى غبار وجفت الآبار واضطر عدد متزايد من البدو إلى التخلي عن حياة التنقل والاكتفاء الذاتي من أجل وجود ثابت يعتمد على المساعدات الإنسانية في المدن أو في مخيمات النازحين.

تائهون

تتذكر ألاسو عبدي الماضي، وتقول "كنت سعيدة جدا في حياتي من قبل وكان لديّ أولادي، حيوانات تعطي الحليب واللحوم. كنا نتنقل بحرية من مكان إلى آخر"، ووصلت هذه السيدة السبعينية قبل أربع سنوات إلى مخيم النازحين في بيرلي بعد أن خسرت عشرة جمال و500 راس ماعز. وقالت "قررت البقاء لأنني لا أستطيع أن أفعل أي شيء وليس لدي مكان أذهب إليه"، وأوضح عبد الرزاق أحمد مسؤول منظمة إنقاذ الطفولة غير الحكومية لشرق إثيوبيا "لدينا حاليا مليون نازح في المنطقة الصومالية 20 بالمئة منهم نتيجة النزاع لكن 80 بالمئة منهم نتيجة الجفاف، وهذا العدد يرتفع يوما بعد يوم".

وأضاف أن "هؤلاء هم الذين يأتون إلى مواقع قريبة من المدن ويمكن إحصاؤهم لكن هناك أشخاص لا يذهبون إلى هناك (...) يعانون في الأحراج ولا يعرفون أين يجدون مساعدة"، وعندما لا يستقرون في مواقع حضرية، يتوه البدو الرحل في مسيرهم. ومن هؤلاء راع كان بين مدينتي كيلافو وغودي مع زوجته وابنه وحمارين وعدد من العنزات وجمل محمل بكل أغراضهم، فقد غادر قريته قبل شهرين بحثًا عن مرعى، لكن من دون جدوى. وتوفي أحد أبنائه في الطريق. وبعدما يئس قرر أن يعود إلى قريته.

سيما

اختار الصوماليون الذين يطلقون على مواسم الجفاف أسماء، كلمة "سيما" التي تعني "متطابق" بلغتهم، لهذه الموجة التي تجعل الجميع متساويين على حد قولهم، في جميع أنحاء المنطقة يتردد الحديث نفسه عن الضيق وقطعان الماشية النافقة والدعوات إلى المساعدة.

وحذر عبد الرزاق أحمد من أن "آليات البقاء استنفدت"، مشددًا على أن المنظمات غير الحكومية تكافح لسد حالة الطوارئ الإنسانية في هذه "الأزمة التي لا تنتهي". واضاف "نستعد لمستوى كارثي من الأزمة في الأشهر الستة المقبلة"، وللمرة الأولى منذ أجيال أصبحت الماشية أمرا ثانويا في هذه المنطقة.

وفي أنتالالي التي تقع على بعد حوالى أربعين كيلومترًا عن كيلافو، اختفت الحيوانات بشكل شبه كامل وتنتشر جيف في محيط القرية، وأكد أحد السكان أنه يجب الآن إنقاذ البشر. وقال مهاد أستور كاهين إن "حياة الناس الآن في خطر. غالبيتهم غادروا بسبب الجوع والذين بقوا هنا لم يبق لديهم شيء".

اضف تعليق