يتعين على الشركات أن تعمل على تحسين قدرتها على تقييم ليس فقط ما فعله شخص ما في الماضي بل وأيضا سِـماته الشخصية، ومهاراته ذات الصلة، وقدرته على التعلم. لكن استئجار العاملين لوظائف محتملة لا ينجح إلا إذا قدم مديرو الشركة وبرامجها أيضا التدريب المهني أثناء العمل...
بقلم: كريستوفر بيساريدس، أنو مادغافكار

لندن ــ كان من الصعب دائما التأكد على وجه اليقين من ملاءمة شخص ما لوظيفة بعينها إلى أن يضطلع بوظيفته ويقوم بعمله فعليا. لهذا السبب، قد تتطلب عملية التوظيف أن يتخذ كل من المرشحين للعمل وأرباب العمل قرارات عن يقين غيبي ــ وهو ما يصدق بشكل خاص اليوم، عندما يتسبب نقص العمالة والتكنولوجيات السريعة التغير في جعل ممارسات استئجار العمالة التقليدية أقل فعالية. الواقع أن الشركات تحتاج إلى عدسة جديدة لتقييم الموهبة ــ ويتعين عليها أن تعمل على تصعيد التزامها بتنمية المهارات من خلال التدريب أثناء العمل.

يجب أن تبدأ الشركات بتكوين فهم أفضل لكيفية انتقال العمال بين الوظائف وما تعنيه هذه العملية لها. في بحث حديث، فحص معهد ماكينزي العالمي الملاين من سجلات العمل غير المحددة الهوية، فضلا عن إعلانات الوظائف، عبر أربعة اقتصادات رئيسية ــ الولايات المتحدة، وألمانيا، والمملكة المتحدة، والهند ــ للتعرف على الكيفية التي تتراكم بها المهارات لدى الناس على مدار حياتهم المهنية.

وجدت الدراسة أن المهارات وملاءمة الوظائف المكتسبة من خلال الخبرة العملية ترتبط بما يقرب من نصف متوسط دخل الفرد طوال حياته. وتكون هذه الحصة أعلى كثيرا عادة بين الأشخاص الذين لا يحملون شهادات جامعية والذين تبدأ حياتهم المهنية في وظائف منخفضة الأجر. على سبيل المثال، تساهم الخبرة المهنية بأكثر من 90% من الدخل مدى الحياة بين العمال الهنود الذين بدأوا حياتهم المهنية كمشغلين لمعدات البناء، ولكن أقل من 30% بين المتخصصين في الرعاية الصحية في الهند، الذين تتحدد مكاسبهم على مدار حياتهم في المقام الأول وفقا لمدى تعليمهم.

أما عن الأشخاص الذين يستهلون حياتهم المهنية بوظائف متدنية الأجر، فإن اتخاذ خطوات مهنية استراتيجية والتعلم على طول الطريق هو السبيل الأفضل ــ والوحيد غالبا ــ إلى تحقيق دخول أعلى بمرور الوقت. أظهرت البيانات أيضا أن التنقل في سوق العمل أكبر مما يتصور كثير من الناس، حيث يبدل العامل العادي عمله كل سنتين إلى أربع سنوات. وما ينبئنا بالكثير أن 80% من كل التغيرات الوظيفية التي حدثت على مدار العقد السابق للجائحة تضمنت انتقال أشخاص من صاحب عمل إلى آخر.

وكان هذا قبل أن تؤدي "الاستقالة العظمى" إلى زيادة وعي الملايين من العمال بقوتهم ومنحهم الاستعداد للتعبير صراحة عن رغباتهم. ويتعين على أرباب الأعمال أن يعكفوا على تصميم استراتيجيات التوظيف والإبقاء على العمال وفقا لحقيقة مفادها أن الموهوبين سيبحثون دوما عن الفرص في مكان آخر. يتعلق تغيير الوظائف في النهاية بالبحث عن فرصة عمل أكثر ملاءمة. من منظور كثير من العاملين، قد يعني هذا البحث عن وظيفة تساعد في تحسين أسلوب حياتهم وجعلهم أكثر سعادة، ربما كنتيجة لمدير أكثر تعاطفا، أو قدر أكبر من المرونة، أو مسافة انتقال أقصر، أو ساعات عمل أكثر استقرارا.

لكن الدراسات الاستقصائية تُـظـهِـر أن العمال يركزون بشكل متزايد على الفرص لاكتساب مهارات جديدة والتقدم في حياتهم المهنية. من المؤشرات البالغة الأهمية أن دراسة معهد ماكينزي العالمي وجدت أن العمال الأكثر تنقلا إلى الأعلى لم يغيروا أدوارهم بشكل أكثر تكرارا فحسب؛ بل عملوا أيضا على توسيع نطاق مهاراتهم مع كل تحرك. لكن الأفراد لا يمكنهم اتخاذ خطوات وظيفية جريئة إلا إذا كان أرباب العمل على استعداد للرهان على إمكاناتهم.

من المؤسف أن هذا يضع مديري التوظيف الحذرين في موقف حرج. لا يزال أغلب أرباب العمل يستأجرون العاملين من مصادر مجربة وحقيقية وخلفيات مألوفة. وهم يدونون الأوصاف الوظيفية مع قوائم طويلة من المتطلبات ويبحثون عن المرشحين الذين يقومون بالفعل بذات المهام في شركة أخرى.

لكن البحث عن شخص يريد تكرار وظيفته الحالية في بيئة مختلفة من أجل زيادة طفيفة في الأجر قد يكون هادما للغرض منه. الواقع أن الموظفين حديثا الذين يفتقرون إلى منحنى تعليمي ــ والذين يمكن اعتبارهم مناسبين للعمل بشكل فوري ــ نادرين. بدلا من ذلك، ينبغي للشركات أن تدرك أن العديد من العمال يحاولون "ارتقاء السلم المهني" وتوسيع مجموعة خبراتهم العملية. وقد يشكل الأفراد الأكثر طموحا وقابلية للتكيف أصلا رئيسيا لأي منظمة، حتى لو بدا أنهم مرشحون غير تقليديين.

يتعين على الشركات أن تعمل على تحسين قدرتها على تقييم ليس فقط ما فعله شخص ما في الماضي بل وأيضا سِـماته الشخصية، ومهاراته ذات الصلة، وقدرته على التعلم. لكن استئجار العاملين لوظائف محتملة لا ينجح إلا إذا قدم مديرو الشركة وبرامجها أيضا التدريب المهني أثناء العمل. وعندما يحدث هذا، يصبح بوسع الشركات تحسين إنتاجيتها واحتفاظها بالموظفين مع توفير فرص النمو التي يريدها العمال ويحتاجون إليها في ذات الوقت. وقد وجد معهد ماكينزي العالمي أن أرباب العمل الذين يقدمون أداء جيدا في التعامل مع المقاييس المرتبطة بالصحة التنظيمية، والتدريب، والتقدم الداخلي يدفعون الناس إلى الأمام؛ وأن موظفيهم أكثر ميلا إلى مواصلة التنقل صعودا لبقية حياتهم المهنية. في حين تستجيب أنظمة التعليم للتحولات المستمرة في المهارات التي تحتاج إليها الشركات في مواجهة التكنولوجيات ونماذج الأعمال الجديدة، فإن المناهج تتكيف ببطء ولا تمس سوى الجيل القادم من العمال.

في الاقتصادات الأكثر ديناميكية، تضطلع الشركات بدور لا يحظى بالقدر الكافي من التقدير كحاضنات للمهارات من خلال تنمية المزيد من المواهب والقدرات التي تحتاج إليها من مجموعة العمال من ذوي الخبرة. والشركات التي تفشل في الاضطلاع بهذا الدور تجازف بدفع ذاتها إلى وضع تنافسي غير موات. لا شك أن الاستثمار في تنمية وتطوير الموظف ربما يجعله أكثر جاذبية في نظر أصحاب أعمال آخرين.

لكن الشركات يجب أن تصبح أكثر تصالحا مع التدفقات التي تحكم سوق العمل. إن خسارة إحدى الشركات لموظف جيد هي في حقيقة الأمر مكسب لشركة أخرى، وفي سوق ضخمة تتساوى هذه التحركات، مما يعود بالفائدة على أرباب العمل الأكثر استباقية وإبداعا. قد يبدو السعي إلى مضاعفة الجهود في تحسين التعلم والتطوير في وقت حيث أصبح العمال أكثر قدرة على التنقل والحركة مجافيا للبديهة والمنطق. الحق أن هذا أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.

* كريستوفر بيساريدس، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
أنو مادغافكار، شريك في معهد ماكينزي العالمي.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق