فهم الآلية الموجودة يُعتبر الخطوة الأولى في القدرة على المساعدة بعلاجها. هذا لا يتعلق بإنكار الغضب. سنشعر جميعًا بالغضب ولكن الأمر يتعلق بإيجاد طرق تمكننا من السيطرة عليه والتخفيف من وتيرته. فالغضب هو نوع معين من الحالة العاطفية التي يمكن أن تتلقى الكثير من الأحكام...

يعرف الغضب بأنّه رد فعل عاطفي على شعور بـ"تهديد حقيقي أو متخيّل، أو مستفز"، وأن ذلك قد يتراوح بين شعور معتدل بالضيق والغضب الشديد.

ويواجه غالبية الناس في الحد الأدنى موقفًا يجعلهم يستشيطون غضبًا، وقد يلجأ البعض منا إلى الإفصاح عن مشاكله لشخص آخر، بهدف التخفيف من معاناته. ولكن الخبراء لا يرون أن ذلك هو الممر الأفضل بالضرورة لمواجهة هذه الحالة، إذ "عوضًا عن التحدث بالموضوع أو الاحتفاظ به لنفسك، تتجسّد المقاربة الأفضل للموضوع بالتخفيف من حدّة هذه المشاعر".

وبينما لا يتم التعامل مع هذه الحالة على نحو ملائم، فإن ذلك قد يتسبّب بمشاكل صحية، مثل أمراض القلب الوعائية.

فالمشاعر التي تثير غيظنا، قد تستدعي لدينا استجابة جهاز الكر والفر لدى الإنسان، فتتشنج العضلات، ويرتفع معدل خفقات القلب، ويتباطأ عمل الجهاز الهضمي، خلال استعدادك للمواجهة.

تأثيرات الغضب على الصحة

 تؤثّر مشاعر الغضب سلباً على صحة الأوعية الدموية، وفق دراسة نُشرت في مجلة جمعية القلب الأمريكية.

ولفت مؤلف الدراسة الرئيسي الدكتور دايتشي شيمبو، أستاذ الطب بقسم أمراض القلب في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الأمريكية، إلى أن "بعض الدراسات السابقة ربطت مشاعر الغضب ومشاعر القلق ومشاعر الحزن بخطر الإصابة بأمراض القلب مستقبلًا".

وأشار إلى أنّ "الهدف من هذه الدراسة تتمثّل بمعرفة لماذا يحدث ذلك؟”.

في التجربة العشوائية، قسم الباحثون 280 مشاركًا وقاموا بتكلفتهم بمهمة استذكار مشاعر الغضب، أو الحزن، أو القلق، أو الحياد لمدة ثماني دقائق.

وقاس الباحثون صحة الأوعية الدموية لدى الأفراد قبل المهمة ومرات عديدة بعدها.

وأفاد شيمبو أنّ مهام الحزن والقلق لم تظهر تغيراً كبيراً في تلك المؤشرات مقارنة بالمهمة المحايدة، لكن هذا الواقع لم يسرِ على الغضب.

وقال: "يبدو أن تأثيرات الغضب الضارة على الصحة والمرض قد تؤثر على صحة الأوعية الدموية ذاتها".

وذكر الدكتور جو إيبينجر، الأستاذ المساعد في أمراض القلب ومدير التحليلات السريرية بمعهد سميت للقلب في سيدار سيناء بلوس أنجلوس، غير المشارك في البحث، أنه رغم أن البحث الجديد ليس الدراسة الأولى التي تربط بين العواطف وتأثيرات القلب والأوعية الدموية، إلا أنه يسلط الضوء على كيفية عمل هذا الارتباط.

وقال إيبينجر: "هذه واحدة من أولى الدراسات العشوائية التي تُجرى بشكل جيد، وقد أظهرت لنا الدراسات التي تمّ التحكّم فيها بالعلاج الوهمي أن ثمة تغيّرات في الأوعية الدموية لدينا تحدث بشكل حاد استجابة للمشاعر التي نشعر بها".

وقال شيمبو إنّ الباحثين في هذه الدراسة لاحظوا ثلاث طرق رئيسية يؤثر بها الغضب على صحة الأوعية الدموية.

عند الغضب، يصعب على الأوعية الدموية التوسّع استجابة لنقص التروية، أو التقييد، ما يؤثر أيضًا على العلامات الخلوية للإصابة، وقدرتها على إصلاح نفسها.

وأوضح أنه بعد المهمة التي استغرقت ثماني دقائق التي هدفت إلى إثارة الغضب، شوهدت التأثيرات على الأوعية الدموية لمدة تصل إلى 40 دقيقة.

قد لا يبدو هذا سيئًا للغاية في حد ذاته، لكن شيمبو قال إنه يجب علينا القلق بشأن التأثير التراكمي.

ولفت إلى أنه يتوقّع "أن أي شخص يغضب مرارًا وتكرارًا، فهو يُضعف الأوعية الدموية بشكل مزمن. نحن لم ندرس هذا، لكننا نتوقع أن هذه الأنواع من الإهانات المزمنة الناجمة عن الغضب قد تتسبّب بآثار ضارّة مزمنة على الأوعية الدموية".

قال إيبينجر إنّ الغضب عبارة عن مشاعر إنسانية، ولا ينبغي لك تجنب الشعور به.

وكان الدكتور بريت فورد، الأستاذ المساعد بعلم النفس في جامعة تورنتو سكاربورو، غير المشارك في البحث، أفاد لـCNN سابقًا بأن أفضل نهج هو تعلم كيفية معالجة مشاعر الغضب من دون السماح لها بالتفاقم.

ونصحت اديبورا أشواي، مستشارة الصحة العقلية السريرية المرخصة ومقرها في نيو برن بولاية نورث كارولينا في أمريكا، غير المشاركة في البحث، بطرح أسئلة على نفسك مثل: "ما الذي قد يعيق طاقتك أو أفكارك؟ ما الذي تحمي نفسك منه؟ ما الذي تحتاجه ولم تتم تلبيته"؟

وتابعت: "ما أن تدرك ذلك، يمكنك التحكم بغضبك. لم يعد الأمر يسيطر عليك الآن"، مضيفة أن هذا هو المكان الذي يمكنك من خلاله تقرير كيفية المضي قدمًا.

وقال شيمبو إن هذه الدراسة الأخيرة حول كيفية تأثير الغضب على الجسم قد تساعد على تشجيع الأشخاص الذين يعانون من الكثير من الغضب للبحث عن علاجات سلوكية.

وتكهّن بأنّه ربما تكون هناك طرق، مثل التمارين الرياضية أو الأدوية، لعلاج الآثار الضارة للغضب على الأوعية الدموية.

وأوضح إيبينجر أنّ "فهم الآلية الموجودة يُعتبر الخطوة الأولى في القدرة على المساعدة بعلاجها. هذا لا يتعلق بإنكار الغضب. سنشعر جميعًا بالغضب ولكن (الأمر يتعلق) بإيجاد طرق تمكننا من السيطرة عليه والتخفيف من وتيرته".

إدارة الغضب لا خنقه

 الانفعال والعنف والقسوة، هذه بعض العبارات السلبية التي ترتبط بالغضب.

وشرحت الدكتورة بريت فورد، الأستاذة المشاركة في علم النفس بجامعة تورنتو في كندا، أن "الغضب هو نوع معين من الحالة العاطفية التي يمكن أن تتلقى الكثير من الأحكام من قبلنا ومن قبل الآخرين".

وقالت فورد: "قد تكون تجربة هذه المشاعر مزعجة، وقد تكون مكروهه ثقافيًا، ولكننا بحاجة إلى الغضب".

ومن جهتها، أوضحت جايمي ماهلر، المعالجة واختصاصية الصدمات النفسية المقيمة في مدينة نيويورك الأمريكية: "أعتقد أن التجربة الفعلية لاعتبار الغضب سيئًا هي في الواقع واحدة من أكبر العوائق أمام معالجتنا العاطفية".

وأشارت ماهلر إلى أن البعض يقوم بسحق هذه المشاعر المفيدة وقمعها، باعتبارها غير مهمة.

ولفتت فورد إلى أن الأدلة تشير إلى أن الأقليات والنساء يواجهن ضغوطاً ثقافية خاصة لإخماد شعورهم بالغضب.

والمشاعر عادةً ما تحمل توقعات اجتماعية، و"الغضب يُعد واحدا من تلك المشاعر التي تتمتع بسيناريوهات وأعراف قوية ومحظورة بشكل كبير"، وفقا لما ذكرته فورد.

وبينما أن الكثير من الناس قد يشعرون بالحاجة إلى مقاومة شعورهم بالغضب أو إخماده، فإن خبراء الصحة النفسية يحثون على العكس. ويقولون إن الغضب أداة مهمة يجب أن نتعلم كيفية استخدامها بطريقة لطيفة وصحية ومثمرة.

وقالت ديبورا أشواي، مستشارة الصحة النفسية السريرية المرخصة ومقرها في نيو برن بولاية نورث كارولينا الأمريكية، إنه رغم أن هذا الشعور غير سار، إلا أن عواقب إنكاره قد تكون أسوأ.

وتابعت: "إذا كبرت وتعلّمت أنه غير مسموح لك... التعبير عن غضبك، فبعد فترة، ينقلب الأمر. ويتحول إلى شعور بالذنب".

ولا يُعتبر كل الغضب عذابًا وكآبة، إذ أوضحت أشواي أن عواطفنا تمثل إرشادات لدينا. والغضب يأتي بمثابة تحذير لنا.

وهذه الانفعالات من الغضب يمكن أن تنبهنا إلى انتهاك قيمنا، أو إلى الشعور بالخطر، أو الإهمال، وفقا لما أوضحته أشواي.

وقالت أشواي إنه عند التعبير عن الغضب بطريقة بناءة، يمكن أن يدفع الناس إلى الدفاع عن احتياجاتهم وآرائهم للتأكد من الاهتمام بهم.

وأشارت إلى أن الغضب "يساعد على وضع الحدود. ويساعد في الحفاظ على الذات. كما يساعد على أن نتحلى بالحزم وندافع عن أنفسنا. ويساعد في حل النزاعات، إذا تمت إدارته بشكل مناسب".

وأوضحت فورد أنه يمكن للغضب أن يدفعنا أيضًا إلى اتخاذ إجراءات بشأن الأمور التي نغضب منها، كإجراء محادثة صعبة مع صديق.

وقالت فورد: "إذا كان هناك شيء ما يعترض طريقنا ونحتاج إلى التغلب على عقبة ما، فإن الغضب يمكن أن يساعدنا في توفير الدافع للقيام بذلك".

ولكن ماذا عن الشر والعنف؟ أوضحت أشواي إنهما يرتبطان في كثير من الأحيان بالحنق، وليس الغضب، وكلاهما يختلفان.

وأوضحت ماهلر أن العنف، وضرب الحائط، ورمي صناديق القمامة جميعها أفعال سيئة، إلا أن جميعها تحدث نتيجة الغضب غير المعالج، وليس الغضب في حد ذاته.

وشرحت أشواي أن الحنق هو غضب قديم لم يعالج، قائلة: "الحنق مختلف كثيرًا لأنه لم يعد يخدم غرضًا صحيًا. بل هو أكثر تدميراً".

وإذا كنت غاضبًا، يمكنك التراجع خطوة إلى الوراء، والحصول على المعلومات، ثم اتخاذ القرار بناء على مشاعرك.

ورأت أشواي أن الأشخاص الحانقين ليس لديهم القدرة للسيطرة على عواطفهم.

وشرحت ماهلر أنه "لا يمكن الوصول إلى هذا المستوى من التعبير العاطفي، إلا إذا لم تتم معالجة الغضب لفترة طويلة جدًا".

وأضافت: "الغضب الذي يعالج قد يؤدي إلى الشفاء، ولكن الغضب الذي لا يعالج يمكن أن يؤدي إلى العنف".

كيفية معالجة الغضب

ولفتت فورد إلى أن هناك أدلة على أن الغضب المزمن والمكثف يمكن أن يؤدي إلى تدهور الصحة البدنية والنفسية. وهذا يعني أن ترك الغضب يتفاقم يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.

وقالت: "(العواطف) في الواقع ليس المقصود منها أن تدوم طويلاً، تهدف إلى مساعدتنا في إدارة لحظة معينة في بيئتنا".

وهذا هو السبب وراء أهمية البقاء مع هذا الشعور ومعالجته بشكل كامل.

وأوضحت ماهلر أن هذا ليس ممكنا دائما في لحظة الغضب، وقارنت ذلك الأمر بشخص يعاني من نوبة ذعر.

وقالت ماهلر: "لا يمكنك حقاً تبرير شعور شخص ما بالذعر، كل ما عليك فعله هو تهدئته. الأمر ذاته مع الحنق. عليك فقط تهدئة الشخص وإيصاله إلى حالة وعي أفضل".

ومن هناك، يمكنك البدء في معالجة مشاعر الغضب.

والخطوة الأولى هي السماح لهذه المشاعر بالدخول.

وأضافت ماهلر: "بدلاً من السماح لها بالتراكم، تعرف إلى مشاعرك من دون إصدار أحكام وراقبها. حتى لو كان ذلك يعني ضبط مؤقت مدته 5 دقائق لهذه الفترة، فسوف تسمح لنفسك بالشعور بالغضب".

وتابعت ماهلر: "المرحلة التالية هي محاولة فهم سبب ظهور الغضب في هذا الموقف بالذات".

وتنصح أشواي بطرح الأشخاص هذه الأسئلة على أنفسهم عند مراقبة غضبهم: "ما الذي قد يعيق طاقتك أو أفكارك؟ ما الذي تحمي نفسك منه؟ ما الذي تحتاجه ولم يتم تلبيته؟"

وأضافت: "بمجرد أن تدرك السبب، يمكنك التحكم في الغضب. إذ لم يعد يسيطر عليك"، موضحة أنه "من هذه النقطة يمكنك أن تقرر كيفية المضي قدمًا".

ويرى الدكتور دايفيد روزمارن، إنه في بعض الأحيان يبدو أن الخيار الأسهل هو قمع الغضب، لكنه ليس طريقة فعالة ومستدامة، مضيفًا أن تجاهل الغضب طويلًا، يزيد من حدته على المدى الطويل، ومحذرًا من أن خيار المضي قدمًا ليس مثمرًا لأنه لا يعالج العوامل التي أثارت حفيظة المرء في المقام الأول.

فبعض الناس سيصلون إلى حد قطع علاقتهم بكل من يثير غضبهم، مؤكدًا: "نعم، هذا الأمر قد يزيل المشاعر السلبية المقرونة بالغضب على المدى القصير، ولكن، واقعيّا، الناس ستزعجنا من وقت لآخر، ونحن بحاجة إلى تعلم كيفية التعامل مع هذا الأمر".

التعافي بالتسامح

قلة من يمكنهم القول إنّنا لم نغضب يومًا من شخص ما حدّ الشعور وكأننا لا نملك القدرة على تخطي الألم الذي سبّبه لنا.

قال عالم النفس روبرت إنرايت، الرائد في مجال علم التسامح وأستاذ علم النفس التربوي في جامعة ويسكونسن ماديسون، إذا كانت الحادثة المعنية تسبّب لك الضيق المستمر وتؤثر سلبًا على حياتك، فهذا هو المكان الذي قد تلعب فيه كلمة التسامح دورًا.

وسأل إنرايت: "ما هي طرق التعافي التي اعتمدتها"، وإذا حاولت أكثر من مرة من دون النجاح في تخطي الأسى، أود أن أقترح عليك تجربة إمكانية التسامح".

وقال إنرايت لكبير المراسلين الطبيين لدى CNN الدكتور سانجاي غوبتا في حلقة حديثة من البودكاست Chasing Life: "لكن هذا الأمر يبقى دومًا خيار المسامح".

وأوضح إنرايت، الذي يدرس التسامح منذ نحو أربعة عقود، وأحد مؤسسي المعهد الدولي للتسامح غير الربحي، إن كثيرًا من الأدلة تظهر أنّ لهذه المقاربة فوائد نفسية، تشمل الحد من الغضب والقلق والاكتئاب. وللتسامح أيضًا تأثير إيجابي على صحتنا، ضمنًا انخفاض ضغط الدم، وتحسين النوم، وانخفاض مستويات الالتهاب الناجم عن التوتر، وتقوية جهاز المناعة.

إنرايت الذي عمل مع حكومات أجنبية، وعلى مواضيع سفاح القربى والناجين من الاغتصاب، ومرضى السرطان المصابين بأمراض خطيرة، والأفراد المسجونين، والأطفال في المناطق المتضررة من الحرب، قال إن الأمر لا يتعلق بالتسامح والنسيان بل بالتسامح والتذكّر. وقال: "تذكروا بطرق جديدة، من دون ضغينة، ومن دون غضب". 

وبطبيعة الحال، "قول ذلك أسهل من فعله. ولمساعدة الناس على تنمية التسامح بوعي، قام إنرايت، مؤلف الكتب غزير الإنتاج، بتطوير نموذج آلية للتسامح عبر اتباع خطوات لتحقيق ذلك. وقال: في نهاية هذه (العملية)، أنت من تشفى". وأشار إينرايت إلى أن "التسامح يتحسن كلما مارسته أكثر. وإذا مارست التسامح في المواقف اليومية لعائلتك وجيرانك ومجتمعك، فإنك تتحسن".

ولفت إلى أنه عندما تمارس التسامح بأساليب بسيطة، فإنك في الواقع تبني إعجابًا به، وألفة معه. وعندما تواجه أمور الحياة الصعبة، تكون أكثر استعدادًا لأنك تعرف المسار، وتحبه. وقال إنّ "المسار والغفران جزء من حياتك".

ولفت إلى أنّه من الطبيعي ألا نتمكن من القفز إلى المغفرة فورًا، موضحًا أن "المغفرة تحدث عندما تهدأ قلوبنا إلى حد ما، بعدما حصلنا على فرصة للغضب. وبالنسبة لأولئك المستعدين، بعضهم سيكون كذلك، والكثيرون لن يفعلوا ذلك، يجب اختيار طريق المغفرة بحرية، ويمكن أن يكون تعافيًا عميقًا.

وأوضح إنرايت إنّ التسامح لا يعني تبرير الخطأ، بل التصالح مع الشخص الآخر، أو التخلي عن السعي لتحقيق العدالة. وأوضح أنّ "المغفرة قوامها التعامل برأفة مع أولئك الذين تصرّفوا بشكل غير عادل معك".

يتم الأمر من خلال ثلاث خطوات. الأولى عبر تنمية أنماط تفكير جديدة بمرور الوقت بشأن الشخص الذي ألحق بك الأذى.

الثانية، تتمثّل بتنمية مشاعر سلبية أقل ومشاعر أكثر إيجابية تجاه الشخص مع الوقت، وهو ما أشار إليه إنرايت بأنه "لا يمكن أن تتكون إراديًا".

أما الثالثة فتتم من خلال الانخراط بسلوكيات أقل سلبية وأكثر إيجابية تجاه الشخص. يتضمن ذلك "عدم إلحاق الأذى" بالآخر، وربما حتى استخدام كلمة جيدة خلال التحدث عن الشخص المعني أمام الآخرين.

لدى بعض الناس القدرة على المسامحة بسرعة، وحتى بشكل عفوي، لكن بالنسبة لمعظمهم، رأى إنرايت أنّ "الطريق إلى التسامح يشبه المسار الذي تقطعه كل يوم، ويمكن أن تستغرق هذه العملية وقتًا".

وللبدء في هذا المسار، اقترح اتباع المراحل الأربع: دراسة آثار ظلم الشخص عليك، والالتزام بالبدء في مسامحته، توسيع نطاق فهمك له ضمنًا معاناته وقيمته المتأصلة، وإيجاد معنى جديد لمعاناتك.

قال إنرايت: "ابدأ بالمسامحة الصغيرة مع من ألحقوا بك القليل من الأذى، ثم قم بالبناء على ذلك لمسامحة من ألحقوا أذى أعمق بك".

ولفت إلى أنه عندما تمارس التسامح يوميًا، قد تحقق مكاسب جسدية. وأوضح "عندما تمارس التسامح، فإن اللوزة الدماغية بالدماغ تقلّل من الإشارات إلى منطقة ما تحت المهاد، ما يخفف الإشارات إلى الغدد النخامية، ويقلل من مستويات الكورتيزول المفرطة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستويات القلق والاكتئاب.

قال إنرايت: عندما تتعمق في ممارسة التسامح، قد تواجه نتائج متناقضة. وأضاف: "بينما تقدم الصفات الإيجابية من اللطف وحتى الحب لمن كانوا غير عادلين، يمكنك اختبار الصفات الإيجابية المتمثلة بزيادة احترام الذات، والمزيد من الأمل في المستقبل، وتحسين العلاقات".

ولفت إنرايت إلى أنه نظرًا لأنك تقوم بتنشيط وتقوية مناطق مختلفة من دماغك، فإن ممارسة التسامح قد يساعد على حل المشاكل واتخاذ القرارات بشكل أفضل، فضلاً عن مساعدتك على تنمية التعاطف مع الآخرين، وتعميق تعافيك العاطفي. وخلص إلى أن "الشخص الذي آذاك لم يعد له سلطة عليك، لأن قلبك لم يعد يتأثر بالتصرفات السابقة لهذا الشخص".

إدارة الغضب بالصبر

عندما يتحرّك المصعد ببطء، تضغط على أسنانك، وتتذمّر متمتمًا كلمات غير مفهومة. وإذا تأخّرت بالحصول على قهوتك، أو لتوفّر طاولة تجلس إليها في مطعم، ستقترب من النادل أو المضيفة للاستفسار عن سبب التأخير.

ويمرّ كل شخص بهذه اللحظات، حين يفقد فيها صبره ولا يعود قادرًا على البقاء هادئًا أمام مواقف محبطة أو شدائد أو معاناة.

وقالت سارة شنيتكر، أستاذة مساعدة في علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة بايلور، والمشرفة على دراسة "اختبار الصبر والحياة السعيدة" عام 2012: "لدينا توقعات حول كيف يجب أن تكون عليه الأمور، والوقت المناسب للانتظار في الطابور، أو الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى مكان ما، أو كيف يجب أن يتصرّف معنا شخص آخر، أو كيف عليّ أن أشعر".

وأضافت شنيتكر أنّه "عندما يتم انتهاك هذه التوقّعات، غالبًا ما نشعر بأنّ عواطفنا اضطربت".

وقالت شنيتكر إن نفاد الصبر ليس سيئًا دائمًا، ولكن الأشخاص الذين يعانون من قلّة صبر مزمنة يمكن أن يختبروا مزيدًا من التوتر، ما يزيد من مخاطر تعرضهم لمشاكل صحية مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية، موضحة أن بعض الناس يتحلّون بالصبر أكثر من آخرين، ولافتة إلى أنه "من خلال ممارسات متعمّدة، يمكننا تطوير هذه الفضيلة لدينا، وتسهيل مهمة الانتظار على أنفسنا".

ماذا يحدث عندما ينفد صبرك؟

تنشط عواطفك، وهذا يعني أنّك في حالة استجابة جسدية كاملة. فيرتفع معدل ضربات القلب لديك. وقد تتغيّر كمية الكهرباء المنبعثة من جلدك (تسمى موصلية الجلد). كما أن الأمر يرتبط بنوع المشاعر التي قد تنتابك. هل هي مشاعر قلق من أن تتغيّب عن الاجتماع التالي إذا لم يتم إنجاز أمرًا ما في الوقت المناسب؛ وهذا أمر يختلف قليلاً عن نفاد صبرك المدفوع بالغضب. ولكن في كل الأحوال، فإن نظامك الفيزيولوجي تأهّب وبدأ بالدخول في استجابة التوتر، أي إثارة استجابة الكر أو الفر.

ويساعدنا نفاد الصبر أحيانًا على تركيز انتباهنا والتخطيط لٍسلوكنا. لكن حين لا يمكنك التحكم بموقف ما، أو ليس في مقدورك القيام بالكثير لحلّه، لا يبقى أمامك عندها سوى تعديل مشاعرك، من خلال تنظيمها واستعادة حالة الهدوء.

كيف يمكن أن يكتسب الناس مزيدًا من الصبر؟

من خلال إعادة التقويم المعرفي. فحين نعيد التفكير بالموقف من منظور مختلف، ونسأل أنفسنا عن الإيجابيات التي يمكن أن نستخرجها من هذا الموقف السلبي، فإن هذا الأمر سيساعدنا على الانتظار راهنًا، وعلى تنمية الصبر على المدى الطويل أيضًا. كما أنّ إدراكنا للمشاعر وتحديد ما نشعر به ولماذا، قد يساعدنا أيضَا.

وهناك خطوة أخرى أحب الإشارة إليها، تتعلّق بربط معاناتنا، أو انتظارنا، أو مشاكلنا بغايتنا الكبرى، أو أهداف حياتنا. عندما نسأل هل ثمة معنى لما نختبره؟ أو كيف يمكننا الاستفادة من هذا الموقف كوسيلة تساعدنا على التعامل مع هذه السلبية راهنًا؟ لقد أجرينا دراسات حول فضيلة الصبر لدى المرضى النفسيين الذين أدخلوا إلى المستشفى بسبب خطر الإقدام على الانتحار أو لمعاناتهم من اضطرابات نفسية أخرى. وتبيّن لنا أنّ من تحلّوا بالصبر كانت لديهم القدرة على التعامل مع الأزمات بفعالية أكبر. كما أنه سُجل لديهم تراجعًا في أعراض الاكتئاب.

وقد يكون التحدث عن الجهود المبذولة مع الآخرين مفيدًا أيضًا. ومن الأفضل أن تتدرّب بدلاً من المحاولة. كما أن ممارسة التأمل بانتظام، أو أن تكون أكثر يقظة، ما يعزّز من قدرتك على الصبر. كذلك يمكن تنمية الصبر لديك من خلال قدرتك على تحديد مشاعرك وتسميتها.

كيف في وسعنا تحسين خاصية الصبر لدينا في العلاقات؟

الخطوات الأساسية ستكون هي نفسها. ومن المفيد تحديد أهدافك وغاياتك من العلاقة. وعلى سبيل المثال: "كأم، أريد مساعدة هذا الشاب اليافع حتى ينمو ويصير شخصًا راشدًا وسعيدًا. وأريده أن يكون لطيفًا وكريمًا".

والتفكير فيما تحاول تلقينه على المدى الطويل قد يساعدك في الوقت الراهن. كأن تقول لنفسك: "حسنًا، هذا يشكّل جزءًا من هدفي لتعليمه الانضباط وضبط النفس، ومساعدته حتى يصير بالغًا ولطيفًا ويساهم في المجتمع. لذلك أتخلى عن الصراخ وأطبّق معه أساليب التربية الإيجابية".

هل ثمة فوائد ناجمة عن تطوير الصبر؟

الأشخاص الذين يتمتعون بصبر أعلى يميلون إلى التعاطف أكثر. وغالبًا ما تساعدك قدرتك على مراعاة وجهات نظر الآخرين والتفكير بحاجاتهم، وليس بنفسك فقط.

وتُظهر الأبحاث أنّ الأشخاص الأكثر صبرًا يتمتعون بحياة صحيّة أكبر، فهم يشعرون برضًا أكبر على حياتهم، ولديهم أمل، وتقدير للذات، ومشاعر إيجابية عمومًا. كما أنّ لديهم القدرة على المثابرة لتحقيق أهدافهم.

كم من الوقت يستغرق التدريب على تنمية الصبر؟

اكتساب الصبر يتطلّب الكثير من الوقت. وقد يستغرق الأمر بين 20 يومًا وعامًا تقريبًا لتطوير هذه الخاصية. والحلول ليست سحرية ولا تتم بين ليلة وضحاها، لكن عندما يحاول الناس التحلي بالصبر، فإنهم غالبًا ما يلحظون مكاسب أولية.

خذ نفسًا عميقًا

إن الغضب يتسبّب بارتفاع الاستثارة الفيزيولوجية لدى الإنسان، مثل ارتفاع في معدل ضربات القلب، وضغط الدم.

وللتخفيف من حدة ذلك، ينصح بأخذ نفس عميق والعد إلى 10. ومع مرور الوقت، يتدنّى مستوى الشعور بالغضب. وكلّما طالت عملية العدّ، كلما شعر الجسم بالإسترخاء.

وعند الشعور بالغضب، لابد من اللجوء إلى ممارسة التأمل ورياضة اليوغا للاسترخاء، وأنشطة أخرى.

التنفيس ليس حلًا

"التنفيس" هو الطريقة الشائعة للبوح بمشاعر الغضب التي يختبرها المرء من خلال اطلاع مقرب له على أسباب هذا الغضب. لكن، هذا الأمر يُبقي معدلات الإثارة مرتفعة لأنّ التحدث عن هذه الأسباب يستحوذ على مساحة أولوية من تفكيره.

"عندما نشارك الأصدقاء بمشاعرنا فإنهم سيصدّقون أقوالنا فقط"، وهذا الأمر يغذي مشاعر الغضب لدينا عوض منحنا شعورًا بالراحة".

مواجهة المشاكل

واذا اجتاحتنا مشاعر الغضب عند مواجهتنا لأي مشكلة، كأن يتعارض أمر ما مع تحقيق أهدافنا، أو عدم التعاطي معنا باحترام، لابد من استخدام الطاقة الناتجة عن استجابة الكر والفر لتوجيهها لحل المشكلة التي تسبّبت بهذه المشاعر.

و"إذا لم توجّه غضبك من أجل إنتاج الأمور الإيجابية، فسوف تحترق من الداخل وتُستنزف، بفعل مشاعرك الغاضبة".

ويرى الخبراء إن أسوأ مقاربة شائعة للتعامل مع الغضب، هي ممارسة رياضة الملاكمة أو تكسير الأشياء. فهو أسلوب غير ملائم للتعبير عن الذات، لأنه يقترن بمشاكل طويلة الأمد في كيفية إدارة الغضب. وهذا السلوك سيعزز الميل لدى المرء للجوء إليه كلما واجه ما قد يثير غضبه، مستقبلًا.

وفي هذا الإطار، لفت الخبير بوشمان إلى أن إدارة إحدى السجون سألته عما إذا كان يُمكن السماح للسجناء بتنفيس غضبهم من خلال ممارسة ضرب كيس الملاكمة، وهي ممارسة شائعة داخل السجون؟ فأجاب إنها فكرة "مروعة"، ويجب التخلّص منها.

وقال بوشمان: "أظهر بحثنا أن ضرب كيس الملاكمة، يزيد من احتمال الاعتداء على أشخاص حقيقيين بالضرب، وقد يشمل ذلك أبرياء"، مضيفًا أن ممارسة الرياضة البدنية مثل الجري، الذي يضخ الدم في قلبك، فكرة سيئة أيضًا. ومع ارتفاع وتيرة خفقات القلب، يحافظ غضبك على مستويات مرتفعة، وهذا الأمر يخالف ما يجب عليك القيام به من أجل السيطرة على مشاعرك.

وأشار بوشمان إلى أنه من الصعب أن تشعر بانفعالين في الوقت عينه، لذا وجه طاقتك إلى مشاعر إيجابية للتخلّص من الغضب.

وقال إن إنتاج مشاعر الحب تنجم عن معانقة من تحبهم او احتضان حيوانك الأليف. أما المواقف الطريفة فتستمد من القراءة أو مشاهدة أفلام فكاهية. وللسماح بالتعاطف، عليك دعم أحد الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة.

* المصدر: سي ان ان

اضف تعليق