ملفات - شهر رمضان

الحوار وسعة الصدر لترسيخ آليات الاستيعاب

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّانيَةِ (١١)

{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ* وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ}.

لا يكفي ان تكونَ على حقٍ، فقط، لتنجحَ في اداءِ رسالتك، فللتبليغِ شروطٌ ذاتيةٌ لا ينبغي للمبلّغ ان يغفل عنها، والا فشل في رسالته.

وليس من العيب ابداً ان يعترف المرء بقصوره او عجزه في جانبٍ من جوانب شروط حمل الرسالة وتبليغها، فيطلب من الاخرين تعضيده واكمال نواقصه، وانّما العيب كلّ العيب اذا كابر الانسان ليظهر بمظهر العبقري القادر على فعلِ كلّ شيء لوحده! فيرفض التّمكين من ايِّ أحدٍ، ليفشل في حمل المسؤولية وأداء الرسالة.

لقد خلقنا الله تعالى ليكمّل بعضنا البعض الاخر، فليس من بيننا من هو كاملٌ ومتكاملٌ لا يحتاج الى معونة الاخرين ومساعدتهم، سواء على مستوى الفكرة او التنفيذ.

ولقد أشار الامام امير المؤمنين (ع) الى نظرية التّمكين، مرّة، وهو في ساحة القتال بقوله لاصحابهِ؛

{وَأَيُّ امْرِىء مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ}.

واذا كان الحوارُ والنقاشُ والجدالُ هي من ابرز أسلحة التبليغ وأداء الرسالة، فان أدواتها كلها سعة الصدر.

إننا نعيش اليوم في عالم يسمّونه بالقرية الصغيرة، اختلفت فيه الامور حدّ الانقلاب، ولسعة الانفتاح الذي نعيشه خاصّة على مستوى الفكرة والرأي والتحليل والاستنتاج، لذلك فانّ عملية الحوار للوصول الى حالة الاقناع صعبةٌ جداً، لان الآخر، أيّاً كان، تتصارعهُ افكارٌ واراءٌ كثيرةٌ جداً لا يقدر على تناسيها مثلاً او تجاوزها او رفضها بسهولةٍ ليقتنع بوجهة نظركَ انت.

وتزداد صعوبة مهمّة الحوار والجدال والإقناع عند الجيل الجديد، الذي يعيش المراهقة ويمرّ بمرحلة تشكّل القناعات، الامر الذي يحتاج اكثر فاكثر الى ان يتحلّى المُحاور بأقصى درجات سعة الصدر ليستوعب شطَطهُ وتمرّده، وأحياناً آراءه الغريبة والشاذة!.

ان واحدةً من اسباب ضياع هذا الجيل الجديد من الشباب، هو فشل الاباء والامّهات في استيعاب أفكاره وآراءه، ولذلك لسببين؛

الاوّل؛ هو انّهم يناقشون معه الامور بعقلية وأدوات الماضي، ولذلك يكره الكثير منهم حتّى الجلوس الى الوالدين ليسمعوا منهم!.

الثاني؛ هو انّهم لا يتسلّحون بسعة الصدر، ولذلك ترى الكثير من الاباء لا تدوم جلساتهم مع ابنائهم اكثر من عدة دقائق، وكذا الكثير من الامّهات مع بناتهن، فلا تمرّ الا دقائق معدودة حتى تسمع الصراخ يعلو من الاب او الام، وفي احيانٍ كثيرةٍ، ينتهي الحوار القصير جداً جداً باستخدام الايدي والارجل والركلات لإقناع الابن بوجهة نظر الاب!.

انّ على الاباء والامّهات التحلّي بسعة الصدر ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً عند حوارهم مع الأبناء ليستوعبوهم ويشملوهم برعايتهم الفكرية والثقافية، الممزوجة بالعطف والحنان والكلمة الطيبة، وبالتالي ليشعر الأبناء بانّ المنزل، دون غيره، هو الحاضنة الدافئة والمكان الحقيقي الذي يستوعب تمرّدهم وطيشهم الفكري والثقافي، والا فاذا كان البديلُ هو الشارع والمقهى، مثلاً، فان النتائج ستكون كارثيّة بدرجةٍ مرعبةٍ.

يجب ان ينتبه الاباء والامّهات الى ابنائهم، يراقبون تغذيتهم الروحية والمعنوية كمراقبتهم للتغذية الماديّة والجسديّة.

يجب ان لا يغفلوا عنهم بذريعة الانشغال بالعمل وحمل هموم الاسرة والحياة على كاهلهم، او بذريعة عدم وجود الوقت الكافي للجلوس مع الأبناء.

ليسأل الاب نَفْسَهُ، كم هو الوقت الذي يصرفه مع ابنه يومياً لتبادل الحديث والإصغاء اليه والدردشة معه؟ ثم يقارنه بالوقت الذي يصرفه على توافه الامور [جلسات البطّالين، جلسات المقاهي، جلسات الحوارات الفارغة]!.

ليكن سلاح الوالدين في الحديث مع الأبناء قول الله عزّ وجلّ {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وانّ اختيار (الاحسن) تأخذ بنظر الاعتبار الزمان والمكان وكذلك المتلقي وظروفه وقدراته.

انّ قراءة دقيقة لجوهر الاية المباركة؛ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} يمكن ان ترسم لنا خارطة طريق في العلاقة مع الاخرين، بمن فيهم الأبناء، فاللّين بالكلام وعند الحوار وسعة الصدر لاستيعاب طيش الأولاد وتمرّدهم، ومشاركتهم في الحديث بطرح الأسئلة مثلاً او استشارتهم والإصغاء الى آرائهم وتركهم يعبِّرون عن انفسهم وعمَّا يعتقدون ويفكّرون به، وعدم استخدام أساليب القمع وكذا اُسلوب الإملاء والفرض والاكراه عند التوجيه والتعليم والتربية والتزكية، ان كل ذلك يساهم بشكل فعّال في الحصول على نتائج إيجابية وحسنة من الحوار.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق