q
ملفات - شهر رمضان

أئمة الجنة وائمة النار

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الحادِيةُ عشَرَة (١٥)

أَئمَّة الجنَّة يتعاملُونَ معَ السُّلطةِ والحُكمِ كأَداةٍ من أَدواتِ إِقامةِ العدلِ والقسطِ أَمَّا أَئمَّةُ النَّارِ فهُم الذينَ يتعاملُونَ معَ السُّلطةِ كأَداةٍ من أَدواتِ الإِستحواذِ والتجبُّرِ والإِستكبارِ والسَّيطرةِ غَير المشرُوعةِ للتصرُّفِ بدماءِ النَّاسِ وأَرواحهِم وأَعراضهِم وعقولِهم واحتكارِ كُلِّ ما سخَّرهُ الله تعالى لعبادهِ من نِعَمٍ...

 {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.

 هذا النَّوعُ من الأَئمَّةِ يُقابلهِ نوعٌ آخر من الأَئمَّةِ المَوصُوف بقولهِ تعالى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ}.

 فكيفَ نميِّز بينَ أَئمَّة الجنَّة وأَئمَّة النَّار؟! بينَ إِمامٍ يقودُنا إِلى الجنَّة وآخرَ يقودُنا إِلى النَّارِ؟!.

 كيفَ تُميِّز بينُ الرَّسول الكريم الإِمامُ الذي يقودَك إِلى الجنَّة {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وبينَ أَبي سُفيان الإِمام الذي يقودكَ إِلى النَّارِ؟! بينَ عليٍّ والحسنِ والحُسينِ (ع) أَئمَّةٌ يقودُونَ إِلى الجنَّة وبينَ مُعاوية ويزيد أَئمَّةٌ يقودُونَ إِلى النَّارِ؟!.

 إِنَّنا نحتاجُ الإِجابةَ على هذا السُّؤَالِ وعلى مُستويَينِ؛ تاريخيّاً وحاضِراً.

 فإِمَّا تاريخيّاً فمن أَجلِ أَن نعرِفَ مِن أَينَ نأخُذَ دينِنا فالجوابُ الدَّقيقُ يُحدِّد إِتِّجاه دينكَ وعقائدكَ وأَخلاقكَ وسيرتكَ ومنهَجِكَ وسلُوكِكَ وكلَّ شيءٍ على اعتبارِ أَنَّنا ورِثنا الدِّين فنحنُ لم نشهَد أَيَّام البِعثة.

 أَمَّا الحاضِر فلقد كثُرَ [الأَئمَّة] اليَوم كما نرى ولكُلِّ واحدٍ منهُم علمٌ وشِعارٌ ومكتبٌ وموقعٌ على الشَّبكةِ العنكبوتيَّةِ ورُبَّما قناةٌ فضائيَّة، فإِذا لم ندقِّق في التَّمييزِ بينهُم فقد نتَّبع إِماماً يدعُو إِلى النَّار مِن حيثُ لا نعلَم، فالجوابُ على السُّؤَالِ مهِمٌّ حتَّى نُحسِنُ الإِختيار فالقضيَّةُ ليسَت سهلةً وإِنَّما هيَ قضيَّةُ جنَّةٍ أَو نارٍ! قضيَّةُ رِضا الله تعالى أَو سخَطهِ! قضيَّةُ حُسن العاقِبة أَو سُوء العاقِبة.

 إِنَّ التَّهاون في الإِجابةِ الدَّقيقةِ ورداءةِ الإِختيارِ بسببِ عدمِ الإِنتباهِ للجوابِ هوَ الذي قادَ شبابنا والنَّشءِ الجديدِ المُغفَّلِ إِلى الإِنخراطِ في الجماعاتِ الإِرهابيَّةِ ليمارسُوا القتلَ باسمِ الدِّينِ والذَّبحِ باسمِ الخلافةِ وحزِّ الرُّؤُوسِ باسم الإِسلام! فيما قادَ آخرُونَ للإِنخراطِ في الحركاتِ المُنحرفةِ الهدَّامةِ.

 نعودُ للسُّؤَالِ لنجيبَ عليهِ بالقَولِ؛

 إِنَّ من الفوارقِ المُهمَّةِ أَمرانِ إِثنان؛

 ١/ إِنَّ أَئمَّة الجنَّة هُم الذين يدعونكَ إِلى الحياةِ أَمَّا أَئمَّةُ النَّار فيدعُونكَ إِلى المَوتِ، على اعتبارِ أَنَّ الحياةَ {مزرعةُ الآخِرة} كما في الحديثِ الشَّريفِ.

 أَئِمَّةُ الجنَّةِ يدعونكَ لتعيشَ حياةً حرَّةً كريمةً تتمتَّعُ فيها بكُلِّ ما سخَّرهُ الله تعالى لعبادهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} و {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} و {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

 أَمَّا أَئمَّة النَّار فهُم الذينَ يدعونكَ إِلى الموتِ ليعيشُوا هُم وأُسرهِم وملَئهِم حياةَ الرَّفاهيَّة {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}.

 ٢/ إِنَّ أَئمَّة الجنَّة يتعاملُونَ معَ السُّلطةِ والحُكمِ كأَداةٍ من أَدواتِ إِقامةِ العدلِ والقسطِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} أَمَّا أَئمَّةُ النَّارِ فهُم الذينَ يتعاملُونَ معَ السُّلطةِ كأَداةٍ من أَدواتِ الإِستحواذِ والتجبُّرِ والإِستكبارِ والسَّيطرةِ غَير المشرُوعةِ للتصرُّفِ بدماءِ النَّاسِ وأَرواحهِم وأَعراضهِم وعقولِهم {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} واحتكارِ كُلِّ ما سخَّرهُ الله تعالى لعبادهِ من نِعَمٍ.

لقد رفضَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) السُّلطة عندما أَرادت [الشُّورى] مُبايعتهِ بشرطٍ يتنافى معَ الشَّرعِ والعقلِ والمنطقِ، شرطٌ يُغلِقُ بابَ الإِجتهادِ ولا يأخُذَ بنظرِ الإِعتبارِ تطوُّرِ الحياةِ مع مرورِ الزَّمنِ وتغيُّرِ حاجاتِ الأَمَّة، ولو كانَ غيرهُ لقبِلَ بأَيِّ شرطٍ يُشترَطُ عليهِ! لماذا؟! لأَنَّ السُّلطةَ عندَ الإِمام ليسَت هدفاً وإِنَّما وسيلةٌ وأَداةٌ لتحقيقِ هدفٍ أَسمى.

 إِنَّهُ (ع) الوحيدُ الذي جاءتهُ السُّلطة تزحفُ على رُكبتَيها لكنَّهُ ردَّها بالقَولِ {دَعُونِي والْتَمِسُوا غَيْرِي}.

 قَالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسِ؛ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه فَقَالَ لِي؛ مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ؛ لَا قِيمَةَ لَهَا! فَقَالَ (ع) {واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا}.

 كذلكَ فعلَ الحسنُ السِّبطُ (ع) فعندَما تركَ السُّلطة بسببِ كراهةِ النَّاسَ للتَّعامُلِ معَ الظَّرفِ الخطيرِ والحسَّاسِ بطريقةٍ سليمةٍ تستنِدُ إِلى القُرآنِ الكريمِ والخِبرةِ والتَّجربةِ وإِلى المنطقِ والعقلِ كما أَشارَ بها عليهِم الإِمامُ (ع) لم يشأ أَن يجبُرهُم على شيءٍ فسلَّمهُم لتخاذُلِهم وتثاقُلهِم إِلى الأَرضِ ولإِنهيارهِم أَمامَ عصا وجزرةِ طاغيةِ الشَّام.

 ولَو كان غيرهُ (ع) لمارسَ كُلَّ أَنواعِ القتلِ والخطفِ وعمليَّاتِ الإِغتيالِ بدسِّ السُّمِّ والحربِ العبثيَّةِ والتصفياتِ الجسديَّةِ والمُطاردةِ للإِستمرارِ بالسُّلطةِ وبأَيِّ ثمنٍ!.

 أَلم يفعل الطَّليقُ إِبنُ الطَّليقِ مُعاوية كُلَّ شيءٍ من أَجلِ أَن يُمسك بالسُّلطةِ من تلابيبِها وبِلا مُنازع؟! فقتلَ واغتالَ ودسَّ السُّمَّ وطاردَ وأَغارَ على الأَهالي والمدنييِّنَ الآمنينَ وشنَّ الحرُوب العبثيَّة، وكُلُّ ذلكَ من أَجلِ السُّلطةِ التي يعتبِرها الهدَف الأَوَّل والأَخير، إِذ لم يكُن الأَمويُّونَ يُؤمِنُونَ بشيءٍ إِسمهُ دينٌ وإِنَّما آمنُوا بالسُّلطةِ فقط!.

 فعندما وقفَ أَبو سُفيان على قبرِ سيِّد الشُّهداء حَمزة (ع) في عهدِ الخليفةِ الثَّالثِ خاطبهُ قائِلاً [إِيهٍ يا أَبا عِمارة فإِنَّ الذي نازعتَنا عليهِ أَصبحَ اليَوم بيَدِ صِبياننا]!.

 حتَّى عندما دعاهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) للمُبارزةِ وجهاً لوجهٍ في صفِّينَ لحقنِ دماءِ المُسلمينَ رفضَ ذلكَ على الرَّغمِ مِن أَنَّ الإِمام (ع) طمأَنهُ سلفاً بأَنَّ المُنتصر بالنِّزالِ سيفُوزُ بالسُّلطةِ والخِلافةِ [حَلال زَلال]!.

اضف تعليق