q
على الصعيد الدولي ستحقق المصالحة مقاصد النظام الأساسي للأمم المتحدة الذي يلزم ببناء العلاقات الدولية على أساس احترام السيادة والمساواة وانتهاج الوسائل السلمية لحل المنازعات ومنع القوة أو التهديد بها، ما يسهم في بناء علاقات دولية محكومة بمبدأ حسن الجوار والانكفاء نحو سياسة أكثر حياداً في المشكلات العالمية...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات جلسته الحوارية في ملتقى النبأ الأسبوعي تحت عنوان (التصالح الدولي وأثره على الحقوق والحريات)، بحضور ومشاركات عبر شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة من المفكرين والباحثين والكتاب والأساتذة الأفاضل.

قدم الورقة الباحث في المركز الدكتور علاء الحسيني وجاء فيها:

"يعد الصلح بين الخصوم على جميع المستويات أمراً إيجابياً من شأنه أن ينهي حالة الخصومة ويتم استئناف العلاقة الإنسانية أو الودية بين جميع الأطراف، بل ان من شأنه ان يرتد بشكل نتائج تخدم الحقوق والحريات فتنتقل الدول من حالة الحرب أو التهديد بالحرب أو الإعمال العدائية إلى بناء علاقات دبلوماسية وتفتح افقاً من التعاون الدولي، يترجم إلى علاقات اقتصادية وسياسية.

ان الصلح بالعادة يعد على الصعيدين الدولي أو الوطني عقداً بين طرفين يتعهد كلاهما بالتزامات محددة، وبالغالب لا يتم التوصل إليه إلا بوساطة طرف ثالث يحمل في جعبته مساعٍ حميدة هادفاً إلى التقريب في وجهات النظر بين الخصوم أملاً في استئناف الحوار وصولاً إلى الصلح الذي لاحظناه في بعض التطبيقات، إذ تضمن التزامات على الصعيد الدبلوماسي كتعهد الدول باستئناف العلاقات خلال مدة محددة وبعداً سياسياً حين تحترم الدول السيادة الداخلية للدول الأخرى وتتجنب التدخل الهدام في شؤونها الداخلية، بما من شأنه ان يخف لهجة العداء على منصات الإعلام وتسود لغة الخطاب الهادئ.

وبالغالب يحمل الصلح الدولي أثاراً اقتصادية تتمثل باستئناف التبادل التجاري والسياحة وتبادل الخبرات وتسهل انتقال العمالة ورؤوس الأموال وتشجيع الاستثمار، وأخيراً يحمل الصلح اثاراً إيجابية حتمية على ملف حقوق الإنسان سواء مباشرة ترتد إلى موطني الدولتان المتصالحتان، أو غير مباشرة تصل إلى رعايا دول أخرى كانت حكوماتها وأنظمتها الحاكمة تشكل محوراً، أو تحالفاً مع أحد أقطاب الدول المتخاصمة، ما يعني إنهاء حالة التخاصم والانتقال إلى مرحلة التخادم، بل ان الخبراء يشيروا إلى ان العديد من دول الشرق الأوسط دخلت ومنذ عقد من السنين حالة حرب باردة ومعارك هنا وهناك بالوكالة أدت إلى تدهور خطير في ملف حقوق الإنسان وشهدنا انتهاكات خطيرة جداً واستهانة بالمواثيق الدولية الضامنة لتلك المبادئ والقيم الأساسية، وسخرت الأموال لتسليح الجماعات الإرهابية والأيدلوجية التي امتد خطرها خارج الحدود الوطنية للدول لتمثل تحدياً عالمياً على المستوى الأمني والاقتصادي، وخصصت الحكومات مبالغ هائلة لضمان التفوق العسكري في منطقة الخليج والشرق الأوسط.

لما تقدم لا يمكن إنكار الآثار الإيجابية لهذه المصالحات ان صدقت النيات على حقوق الإنسان، تتمثل في تقلص التهديدات العسكرية، واستئناف التعامل مع الحكومات أو الأنظمة القائمة في بعض دول المنطقة في سوريا ولبنان وصنعاء ما سيخفف حتماً من وطأة الحصار الاقتصادي ويوفر لأفراد الشعب جانباً من الاحتياجات الغذائية والدوائية والمعاشية الملحة، بل ان الصلح من شأنه ان يجرد الجماعات الداخلية من أسباب الاستقواء على بعض فتضطر إلى تغليب لغة الحوار والركون إلى طاولة التفاهم لحل الخلاف، إذ ستذوب شيئاً فشيئاً حالة التنافس السلبي وتعم حالة من التفاهم لإدارة الدولة بأساليب أقرب إلى المنطق الديمقراطي.

وعلى الصعيد الدولي ستحقق المصالحة مقاصد النظام الأساسي للأمم المتحدة الذي يلزم ببناء العلاقات الدولية على أساس احترام السيادة والمساواة وانتهاج الوسائل السلمية لحل المنازعات ومنع القوة أو التهديد بها، ما يسهم في بناء علاقات دولية محكومة بمبدأ حسن الجوار والانكفاء نحو سياسة أكثر حياداً في المشكلات العالمية والتوجه نحو بناء أسس الاقتصاد الوطني".

بعد ذلك تم طرح سؤالين على الحاضرين والمشاركين رقميا:

السؤال الأول/ كيف سينعكس التصالح الإقليمي أو الدولي في ملف حقوق الإنسان وحرياته على شعوب المنطقة؟

السؤال الثاني/ ما هي الضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان والحريات مع تطور ملف المصالحة بين دول معروفة بالاستبداد وشدة القبضة الأمنية؟

المداخلات

الدكتور حميد مسلم الطرفي؛ مدير منظمة الهلال الأحمر سابقا:

"تشهد العقود الأخيرة وللأسف تحول قضية حقوق الإنسان من قضية مبدئية، وقضية ضمير إنساني يسمو بقيم الحقوق الطبيعية التي ولدت مع الإنسان إلى قضية سياسية تلعب فيها المصالح، تؤججها وتخمدها حيثما تتطلب تلك المصالح، ولم تخل حتى المنظمات الدولية كالمجلس العالمي لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية من تأثيرات مصالح الدول على الملفات التي تبحثها، والشواهد كثيرة على ذلك، لعل أبرزها ما عاناه الشعب العراقي طيلة عقد الثمانينات والتسعينات من القرم المنصرم من انتهاكات صارخة لتلك الحقوق وصمت المجتمع الدولي حيال ذلك.

هل تلعب المصالحات بين الدول دوراً فاعلاً في تناول قضية الحقوق؟ بالتأكيد، فالدولة عندما تسوء علاقتها مع دولة أخرى فإنها تستخدم كل ما لديها من وسائل لتقويض نظام تلك الدولة ومنها قضية حقوق الإنسان وعندما تتحسن تلك العلاقة يتم غض الطرف عما يجري من انتهاكات. لا يمكن لكثير من الدول المسلمة ان تجاهر بما تتعرض له الأقلية المسلمة من الايغور في الصين من انتهاكات مما يعرض علاقتها مع دولة عظمى للضرر، ولا يمكن لعشرات الدول المسلمة ان تنتقد تعامل المملكة العربية السعودية مع الأقلية الشيعية لذات الغرض.

كلما كان التحرك لاستحصال الحقوق المسلوبة محلياً يعتمد على الإمكانات والقدرات الذاتية، كان ذاك أجدى وأنفع، فالاستقواء بالخارج مشروط بقراءة صحيحة وبعيدة المدى، وإلا فسيصار الى بيع تلك الحقوق وخذلان الشعوب، وهذا ما حصل للإخوة الكرد في عام 1975، عندما باع شاه إيران قضية الكرد مقابل اتفاقية الجزائر، وحصل مع العراقيين في انتفاضة شعبان عام 1991 عندما تحولت أمريكا من عدوة إلى صديقة للنظام تجهز آلياته ودبابته بالوقود وتسمع لطيرانه بضرب المنتفضين".

صلاح الجشعمي؛ محامي وناشط حقوقي:

"هذه الورقة هي مكملة لورقة سابقة عن المصالحة، وقد ذكر الباحث أن هذه المصالحات شكلية فرضها واقع دولي جديد، وأزمات دولية جديدة للحفاظ على مصالح اقتصادية وأولها مصادر الطاقة بإمداداتها وبأسعارها، أما من حيث انعكاس هذه المصالحات فنحن نعرف أن شعوب دول المنطقة تتكون من قوميات ومذاهب وأديان، وهذه الحكومات المتعاقبة الموجودة في الشرق الأوسط لعبت على هذه الأوتار للسيطرة على السلطة وامتدادها سواء على الجانب القومي أو المذهبي أو الجانب الديني.

وخشية هذه السلطات من بعضها البعض، لأنه في حال وجود النزاعات والصراعات سواء الصراعات السيادية أو صراعات الطاقة أو صراعات امتداد النفوذ، أن تستضيف الدولة بعض قطاعات هذه الدولة سواء في الجانب القومي أو المذهبي أو الديني لمد النفوذ داخل هذه الدولة، ولتحصن هذه الدول مصالحها فرضت نوعا من الدكتاتورية والظلم على نفس شعوبها، وبقي الصراع موجود بينها وبين الدول الأخرى، ومثال ذلك هو الصراع الذي كان موجودا بين العراق وإيران وهو مستمر، في استغلال الجانب المذهبي وفي الصراع على السلطة والنفوذ في العراق.

أما انعكاس هذه المصالحات على الحقوق والحريات الموجودة، فلا نرى هناك تغييرا في هذه الحقوق أو الحريات، فنرى في السعودية بعض بوادر إعطاء لمسات حقوق لبعض المذاهب الموجودة في السعودية، لكن لا ترتقي إلى مستوى الجانب الديمقراطي، مثل احترام المذاهب وأديان شعوب هذه الدول، فبقي الجانب التعسفي من قبل السلطة في هذه الدول على شعوبها وكتمان حرياتها وحقوقها الدينية أو المذهبية أو القومية خشية من تدخل الدول الأخرى، فلم ينعكس ذلك الانعكاس الواضح سوى الانعكاس الشكلي كما يُقال.

أما الضمانات لكي تتطور هذه الحقوق والحريات في هذه الدول في ظل هذه المصالحات، فإن الضمان الرئيسي هو الضمان الدولي، فالظروف الدولية نفسها تستطيع أن تجيّر الحقوق والحريات لقطاعات كبيرة من شعوب هذه الدول في المنطقة، سواء الدينية أو المذهبية أو القومية.

وفي حال اختلفت هذه الظروف الموجودة دوليا والتي فرضت واقع المصالحة على هذه الدول، سنشهد عودة على بدء إلى نظام القمع والتعسف ومصادرة الحقوق والحريات التي أعطيت في هذه الفترة لبعض الشرائح ولو بصورة شكلية. هذه هي الرؤية التي أراها وفق المعطيات الموجودة حاليا في الساحة الدولية والإقليمية".

الدكتور حميد الهلالي؛ باحث وناشط حقوقي:

هنالك نقطتان أساسيتان، فالوضع الدولي هو الذي فرض هذا الواقع، لكن ما مدى استفادة الشعوب من هذه المصالحات، نحن نعرف جميعا أن نتائج الخلاف الذي كان موجودا بين السعودية من جهة وإيران وما يتبع إيران، ولنكن أكثر قربا من هذا الموضوع، فهناك صراع طائفي سني شيعي، والصلح الذي جرى أظن أن أول فوائده هي أن نتخلص من الشد الطائفي، وإذا استطعنا التخلص من هذا الشد الطائفي فهذه نتيجة جيدة، وقد لاحظتُ مؤخرا تغيّرا بالنسبة للسعودية وقد غادروا الفكرة القديمة عن المد الوهابي وما إلى ذلك، فإذا كان هذا التغيّر مراقَب دوليا فسوف ينعكس إيجابيا على الإنسان داخل السعودية، وفي نفس الوقت يحرر هذه الشعوب من التطرف والكراهية.

في المقابل فإن إيران مقرّة بالقبول بحقوق الإنسان وبما تريده المنظومة الدولية، لأنه لا يمكن تأهيل أي مجتمع الآن إذا لم يكن مراعيا بالدرجة الأولى لهذه الحقوق، وفي تصوري أن واحدا من الضحايا سوريا، فنسبة الفقر في سوريا 75% بسبب الحصار المفروض عليها من دول الجوار، وهي الدول العربية والدول الإقليمية إضافة إلى بقية دول العالم، وبالنتيجة فإن الشعب هو الذي دفع ثمن الحصار، ولم تدفعه أي جهة ثانية.

أما بالنسبة لرؤيتي حول الصلح الذي يحدث الآن في المنطقة، فهو يصب في مصلحة الشعوب، بعضهم ذكر أنه قد يكون صلح مؤقت، لكن بالنتيجة هناك إرادة دولية، ولا يمكن أن تشذ دولة ما عن المنظومة الدولية لما يتضمنه بنود حقوق الإنسان، لذلك في تصوري أن هذه الدولة مجبرة في أن تسير في طريق الصلح شاءت أم أبت، وأعتقد بالنتيجة أنه في الأيام القادمة سوف يحدث تغيير كبير في هذا المنظور، وقد بدأت تظهر بعض البوادر داخل إيران كما نلاحظ ذلك، وداخل السعودية أيضا فهناك تخفيف من الضغوط على شعوبهم.

وفي سوريا بدأت الأمور تصبح أكثر إيجابية وفي العراق هناك تحسن نوعا ما، أفضل من الأول، وقد كان سابقا شد وتأثير في المرحلة السابقة المتشنجة التي عرفناها جميعا، لكن بدأت الأمور تتغير نحو الأفضل، لذلك بالتأكيد يصب الصلح في مصلحة الشعوب وحقوق الإنسان".

الشيخ مرتضى معاش؛ باحث في الفكر الإسلامي المعاصر:

"أبدا كلامي بمثل أو قصة تاريخية، يُقال أن هناك عشائر أو قبائل كانت تعيش على حدود دولتين متجاورتين، وكانت هذه العشائر عندما تكون علاقتها جيدة مع إحدى الدولتين يعيشون وينشطون فيها، أما إذا توترت العلاقة مع هذه الدولة فتنتقل هذه العشائر إلى الدولة الأخرى، لأن هاتين الدولتين أحداهما معادية للأخرى، فكانت العشائر تتنقل بين الدولتين حسب طبيعة علاقتها مع هذه الدولة أو تلك، فكانت العشائر تلعب على الحبلين في هذه القضية في عملية الوصول إلى سلامها الخاص.

أما إذا اتفقت هاتان الدولتان على التصالح فماذا يكون مصير هذه العشائر؟، كذلك الحال بالنسبة للشعوب في هذه المنطقة، فإنها دائما تكون ضحية الأنظمة المستبدة، في كل الأحوال سواء اختلفت أو اتفقت فيما بينها، وعندما تتفق، فإن الصلح والتصالح أمر جيد، فالحرب الباردة الموجودة في الصراعات والنزاعات تؤدي إلى عملية استنزاف للشعوب، واستنزاف مواردها، عبر العقوبات التي تفرض عليها، وارتفاع عمليات القمع والتنكيل الذي يتعرض له الشعب، وتحديد وتحجيم حرية الرأي، مما يؤثر على الشعوب ويؤدي إلى بروز نزعات قومية وطائفية.

ولكن الأنظمة المستبدة عندما تتفق، فإنها تتفق أولا على الأمن، أي وضع اتفاق أمني يتناسب مع مصالح الحاكمين، كما حدث في دول الخليج، فعندما اجتمعت واتفقت على تشكيل مجلس التعاون الخليجي وضعت الجانب الأمني أولا، وكان الشخص يعتقل في أي دولة من دول الخليج وإذا مُنع من دخول دولة معينة يمنع من دخول جميع الدول الأخرى، فطبيعة الاتفاق الأمني عندما يحدث بين الأنظمة المستبدة يكون ضد حقوق الشعوب.

والأنظمة المستبدة عدوها الرئيسي شعوبها، وكل ما تستطيع أن تقمع الشعب فهذا يصب في صالحها، فالمصالحات الحاصلة بين مختلف الأنظمة السياسية هي مصالحات براغماتية، ربما يقال واقعية أو انتهازية، لا تعبأ بالمبادئ ولا بملف حقوق الإنسان، لذلك فإن هذه المصالحات لا تفيد الشعوب ولا تنعكس عليها، ولا على مصالحها.

كذلك الأمر بالنسبة لتأثير المصالحات على الحقوق، فلا زالت بعض الدول التي دخلت في مصالحات تعدم بعض الناشطين، فالإعدامات مستمرة ولم تؤثر المصالحات على ذلك بل يمكن أن يتم الاتفاق على أن كل نظام هو حر في عملية ممارسة انتهاك حقوق الإنسان ضد شعبه، فالتصالح يتم وفق شرط عدم التدخل المتبادَل في هذا الملف.

حتى بالنسبة للولايات المتحدة، فهي أكثر من يتغاضى عن حقوق الإنسان، لاسيما عندما تدخل في ملف مصالحة، مثال عن ذلك ملفات حقوق الإنسان الموجودة الآن بيد بعض المنظمات الأمريكية والغربية هي ملفات للابتزاز، ابتزاز الشعوب والدول بمقدار ما يحصلون عليه من مكاسب، فعندما يكون لها طلب معين تقوم بنشر ملفات حقوق الإنسان كما تفعل أمريكا مع الصين في قضية الشعوب المسلمة الإيغور، هذا ملف ابتزاز واضح وإن كان قضيتهم هي حق لهذه الشعوب التي تتعرض للقمع والتنكيل والابادة.

أمريكا ترى انها تتعامل بالسياسة الواقعية، فإذا تعارضت مصالحها مع المبادئ تقدم المصالح على المبادئ، والحال ان المبادئ في ملف حقوق الإنسان هو أساسي وفق الليبرالية الغربية، لكنها تتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان عندما تصطدم مع مصالحها الاقتصادية والسياسية. فكيف يكون الأمر في الدول الاستبدادية التي يكون آخر ملف فيها هو ملف حقوق الإنسان؟

المشكلة الأساسية أن الشعوب أيضا تقع ضحية بعد التصالح بين الأنظمة، لأن هذه المصالحات وقتية، فبمجرد ما تنتهي المصالحات وينتهي مفعولها في عملية الصراع، أيضا تدخل الشعوب في دوامة ثانية من الصراعات والمشكلات والأزمات.

ما هي ضمانات حماية حقوق الإنسان؟ إنها ضمانات تعتمد على رؤية الشعوب وقدرتها على التحرك، ومبادرتها لحماية ملف حقوق الإنسان، ووجود جهات شعبية تؤمن بملف حقوق الإنسان، فالشعوب الآن أغلبها لا تؤمن بملف حقوق الإنسان، بل تؤمن بعيشها ورفاهها، الأمن قبل الحرية، الأمن قبل الحق، بل بعض الشعوب ينخرط في دوامة التوافق مع الأنظمة الحاكمة، فلا يهمها ملف حقوق الإنسان، ولكن هذا سلوك خاطئ لأن الأنظمة المستبدة دائما تقود الشعوب إلى كوارث كما حصل مع حاكم العراق السابق صدام، سكت الشعب فقاده إلى كارثة كبيرة.

لذلك فإن الشعوب هي المسؤولة عن بناء منظومة حقوق الإنسان، وعن ثقافة حقوق الإنسان، فيكون الحوار بين الشعوب والتوافق بين الشعوب له أهمية كبرى، ووجود وعي بعدم الانجرار وراء ثقافة القطيع التي تحركها اجندة الحكومات، خصوصا في عملية التجييش الطائفي أو القومي، كذلك أهمية بناء الحوارات الجادة بين النخب والمثقفين وبين المؤسسات الشعبية من أجل التقارب والتواصل أكثر، فالتواصل مهم جدا لأنه يؤثر كثيرا على المصالحة الحقيقية وحماية ملف حقوق الإنسان، فالأنظمة المستبدة تعتمد على جفاء الشعوب فيما بينها، وتستثمر هذا الجفاء في عملية إثارة الصدامات والنزاعات القومية والطائفية. فإذا كان هناك تواصل جيد ومفيد ومثمر بين الشعوب، سوف يكون غير مفيد بالنسبة للنظام الحاكم.

ولكن عندما ننظر اليوم إلى شعوبنا نجدها واقعة دائما في صلب وقعر السياسة، فنجد أن الملفات دائما مسيسة، فهذا الشعب يؤمن بحقوقه ولكنه لا يؤمن بحقوق الشعب الآخر، فهناك نوع من الازدواجية موجودة بين الشعوب، لأن هذا من طائفتي وذلك ليس منها، أو هذا من قوميتي وذلك ليس منها، هذا التسييس الممنهج يؤدي إلى نوع من الازدواجية واختلال منظومة حقوق الإنسان.

لكن حقوق الإنسان منظومة واحدة ولا يمكن تجزئتها وتحويلها إلى أجزاء متعددة منفصلة، فهذا الجزء أقبل به وأعمل به وذلك الجزء كلا، ولكن هذا غير صحيح، لأن الحقوق منظومة متكاملة، فالحق كما روي عن الإمام علي (عليه السلام):

(ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ. لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ...)، (وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ).

فحقوق الإنسان للكل، الكل عليهم حقوق للآخرين، فهي منظومة متكاملة في عملية بناء الحقوق فتصبح منظومة ثابتة وغير هشّة.

إن منظومتنا اليوم في الشرق الأوسط وفي بلادنا منظومة هشة، هلامية، ليس فيها قدرة على الصمود لمواجهة أي زلزال أو أي كارثة أو أي تغيّر سياسي أو اقتصادي يحصل في المنطقة، بسبب غياب ثقافة الحقوق غير المتجزئة، ثقافتنا ثقافة خاصة تتعلق بأناس خاصين، لذلك حتى في العراق عندما تحصل بعض الأزمات نلاحظ أن بعض الناس لهم حق وبعضهم لا يوجد لهم حق، وهذا يعني تجزئة الحقوق، وفقدان الإنصاف والعدالة، وفقدان الرؤية الجيدة لملف حقوق الإنسان. وعنه (عليه السلام): (فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ).

المهم هو الوعي، فالوعي مهم في بناء ثقافة حقوق الإنسان وترسيخها، وهو أهم ضمانة من ضمانات بقاء الحقوق وعدم دخولها في دوامة اللاشيء عندما تتفق الأنظمة أو تختلف في ما بينها".

الأستاذ أحمد جويد؛ مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

إن موضوع الصلح من الموضوعات القديمة، ولو أننا نرجع إلى عهد ظهور الإسلام هناك صلح الرسول صلى الله عليه وآله، مع الأقليات التي كانت موجودة آنذاك ومنها الصلح مع اليهود، ومنحهم على أساس هذا الصلح حقوقهم المدنية وحرياتهم الدينية وعقائدهم وعدم التعرض لهم، وهناك بوادر إيجابية كنموذج للصلح، بعدها حدث الصلح مع المشركين، في مكة في صلح الحديبية، وكان يضمن سلامة المسلمين في الأماكن التي يسطر عليها المشركون وعدم التعرض للمسلمين.

هذه هي انعكاسات الصلح بشكل مبسط في ذلك الوقت، أما ما نشاهده الآن في دول العالم ودول المنطقة، الصلح لا يتم بين الشعوب وإنما بين الأنظمة السياسية وحسب مصالحها، فكيف ما ترى الأنظمة مصالحها يكون الصلح وفي فترة من الفترات تعرضت المصالح للتراجع كما حدث بين السعودية وإيران، وتعرضت مصالح هذه الأنظمة إلى الضغط الدولي والضغط الاقتصادي وإلى ضغط داخلي من خلال أزمات مرت بها مما اضطرها إلى الدخول في عملية صلح، والصلح يأتي هنا كما يُقال (الناس على دين ملوكهم).

لذا نلاحظ أن الأعم الأغلب من الشعوب تخضع لقرارات الحاكم، وفي البداية خاصة في بعض الدول رجال الدين، حيث تم اتخاذ الغطاء المذهبي والقومي كغطاء للصراع، ففي فترة الثمانينات اتخذوا شعار الصراع القومي العربي الفارسي، وفي الفترات اللاحقة اتخذوا الصراع السني الشيعي بين هذه الدول.

هذه الصراعات هي وسائل وآليات تتخذها الأنظمة السياسية، لتجييش شعوبها وتخندقها، والشعوب المتحالفة معها في دول أخرى، وعندما وصلت هذه الأنظمة إلى أنه لابد من وجود صلح وتصالح يقود إلى مصالح اقتصادية ومصالح رفع عقوبات ومصالح تخفيف ضغط أمني وغيره، لجأوا إلى الصلح، بالنتيجة يؤدي هذا إلى شيء من الإيجابية على الأقل الآن لأن جميع الخلافات بين الأنظمة تصب جام غضبها على شيئين:

على الأقليات، وعلى المعارضين للأنظمة في داخل الدولة، الأقليات وخاصة المذهبية حيث لاحظنا خاصة في دول الخليج، قاموا بمضايقة كبيرة للطائفة الشيعية، فالسعودية أكثر الإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان أغلبها جرت على الطائفة الشيعية بسبب قضية سياسية، فسيسوا قضية الطائفية وبدأت الانتهاكات والإعدامات والزج في السجون، كما لاحظنا أيضا في البحرين، قيام ثورة لإصلاح سياسي، جهة اتهمت كعمالة لإيران، وجهة أخرى قمعت المطالبين بالإصلاح السياسي، فضحية هذه القضايا هي الأقليات والمعارضة السياسية.

وبالتالي فإن هذه الأنظمة تجد في الخلافات فرصة للقضاء على معارضيها بحجة التجسس، بحجة العمالة وحجج أخرى، وهكذا تنتقم من أتباع الطوائف والمذاهب الأخرى بحجج سياسية، لذلك نأمل أن ما نشهده اليوم في المنطقة بين بعض الدول حيث وصلت إلى أن هذه الصراعات لم تعد تصب في مصالحها السياسية والاقتصادية أو استقرار نظام الحكم فيها، وبالتالي أخذت تنتهج نهجا جديدا بدل نهج المدارس الدينية المتطرفة التابعة لها، أو مؤسسات أو ميلشيات تؤسس في دول معينة.

هذه الأمور لم تعد تعطي النتائج المرجوة منها فاضطروا اللجوء إلى قضية الصلح، وقد شاهدنا ما حدث في أوربا في بداية القرن العشرين، حربين عالميتين، جرت في البداية تحت أسباب قومية وتعززت هذه النزاعات القومية وبالتالي أدت إلى حروب أحدثت ملايين من الجرحى والقتلى والتهجير والتدمير وهذا نتيجة اختلاف إرادات بعض الزعماء أو بعض الأنظمة كي يمدوا نفوذهم يصبحوا حكاما على العالم فجيشوا الشعوب والجيوش بسبب مصالح قومية وغيرها بحجج سلب قسم من أراضيهم واستعادتها وغيرها من الذرائع.

فعلا قضية التصالح بين الأنظمة تصب بالتالي بشكل كبير على الحقوق والحريات للأقليات وحتى للشعوب بشكل إيجابي".

الأستاذ محمد الصافي؛ باحث لدى مركز الشيرازي للبحوث والدراسات:

ذكر الباحث الذي قدم هذه الورقة أن المصالحة تتم بين الأنظمة السياسية والخلاف يحدث أيضا بين الأنظمة السياسية، وليس خلافات أو مصالحات بين الشعوب، خاصة الدول الموجودة في منطقتنا حيث جميع الأنظمة غير ديمقراطية، فأما تكون ملكية، أو إمارات، أو مشايخ، وهي تدعي أنها دول لها دساتير وقوانين لكنها بالنتيجة دول تحكمها أنظمة استبدادية، وقد لاحظنا ذلك بأنفسنا.

فمجرد أن يكتب صحفي أو كاتب مقالا أو تخرج تظاهرة شعبية في مكان معين، لاحظنا أساليب القمع التي تواجَه بها، وهذا ما تعاني منه شعوب المنطقة بالمجمل حتى في تركيا، وفي لبنان أيضا التي تعتبر من الدول الديمقراطية، لذلك فإن قضية التصالح الإقليمي والدولي نتيجة هذه الصراعات التي حدثت خاصة بعد الربيع العربي، لا نريد أن نكون متشائمين أو متفائلين بشدة، لكن هي بالنتيجة تضررت من الصراعات الموجودة، مثلا سوريا تعرضت لدمار تام، بسبب الصراعات الإقليمية والدولية.

ملايين السوريين تم تهجيرهم من بلادهم بسبب الصراعات الدولية والإقليمية التي دارت على أرضها، لذلك فإن المصالحة التي تتم بين هذه الدول على الأقل تسمح لهؤلاء المهاجرين أن يعودوا إلى دولهم ومدنهم في أسوأ الأحوال، لذلك فإن المصالحة فيها مصلحة للشعوب وإن كان الثمن باهظ جدا بسبب الصراعات والنزاعات.

ان الانعكاسات الاقتصادية هي جيدة و واعدة، بالنسبة للمنطقة بشكل عام، ونلاحظ أن إصرار الجانب الإيراني في الصراع وهو طرف أساسي في المنطقة إصراره على التفاهمات مع خصومه والتقارب مع الدول العربية هو إصرار جاء نتيجة ضغوطات كبيرة على النظام الإيران بسبب الحصار الغربي وفي نفس الوقت بسبب الاستنزاف الكبير الذي حدث للإيرانيين بسبب التردي الاقتصادي.

وهذه كلها عوامل أثرت عليهم ودفعتهم نحو التصالح مع دول المنطقة، وبالعكس نلاحظ أنه لم تكن الاستجابة كبيرة من قبل الدول الأخرى تجاه مد اليد الإيرانية، فلا يزال هناك دول مترددة مثلا الجانب المصري لا تزال العلاقات باردة، وكذلك الجانب الأردني العلاقة لا تزال باردة، فقط العلاقة تطورت مع الجانب السعودي، أما العلاقات الإيرانية القطرية فهي قديمة ومستقرة تقريبا والاتفاقات كما ذكر الشيخ مرتضى معاش هي مصالحات لغرض تحقيق الأمن، أي تأمين مياه الخليج، وتأمين مصادر ومسالك الطاقة وما شابه.

بصراحة التصالح يشكل وضع إيجابي سواء على الشعوب أو على دول المنطقة، أما الضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان لشعوب المنطقة، فالحقيقة لا توجد ضمانات مع الأنظمة الموجودة في المنطقة لحماية الحقوق والحريات، فكما ذكر الأستاذ أحمد جويد بخصوص الحريات والحقوق في المنطقة، فإنها أصبحت في السعودية أفضل من السابق، أي في السنوات العشر الماضية، فهل حدث هذا بسبب تغير عقلية النظام؟، كلا التغيير لم يكن بسبب تغير عقلية النظام، ولكن بسبب انفتاح النظام، لأنه يريد أن يكسب أكبر عدد من الشعوب في المنطقة، والاستثمارات الجديدة التي بدأت المملكة العربية السعودية بإنشائها، هي محاولة تظهر أن المملكة لا تصدر فقط المد الديني الوهابي أو غيره، بل بالعكس استفاد النظام السعودي وحتى النظام في إيران أو في تركيا من الصراعات والمشاكل المحلية الداخلية والإقليمية.

تركيا استفادت من قضية الانقلاب الذي حدث فيها لتصفية جميع المعارضين لنظامها، إيران استفادت كذلك من قضية الاحتجاجات الشعبية التي حدثت فتم تصفية جميع الخصوم في المعارضة، وفي نفس الوقت استفادت السعودية أيضا من الصراعات الإقليمية، لتقليم أظافر هيأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمشايخ الذي كانوا يقدمون الفتاوى، وحتى الأمراء حيث استطاع النظام أن يحيدهم تماما ويوفر الاستقرار السياسي لنظام الحكم خاصة لولي العهد محمد بن سلمان، الذي أقدم على تصفية خصومه.

فهذه الصراعات كانت طريقا لتصفية المعارضين في جميع دول المنطقة. كما حدث ذلك في البحرين، بل حتى في المشهد العراقي، لذلك لا توجد ضمانات للحقوق والحريات، لأنه العالم الغربي يتعامل مع ملف حقوق الإنسان ومع دول المنطقة ليس من مبدأ حقيقي للديمقراطية وحقوق الإنسان، كلا إنما هو ابتزاز كما ذكر الشيخ مرتضى معاش.

وقد تابعنا جميعا قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وكيف تعاملت الولايات المتحدة بطريقة الابتزاز للسعودية، كما ضغطوا على السعودية بأنها كانت تدعم الإرهاب وأنها ساهمت في هجمات 11 سبتمبر، ولكن مجرد أن وقعت السعودية على اتفاقيات كبيرة مع الولايات المتحدة بخصوص شراء أسلحة وعقود تسليح والتي أسموها (جزية العصر 500 مليار)، لاحظنا أن كل هذه الضغوط والقوانين كانت إعلامية لا أكثر ولا أقل. كذلك الضغط الذي حدث على إيران دفع بها إلى تتجه نحو الدول العربية والصين لرعاية هذا الاتفاق، والتقارب مع الغرب، وانفتاح الباب مرة أخرى مع الغرب بخصوص الاتفاق النووي".

الأستاذ عدنان الصالحي؛ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

هذه الورقة البحثية قيمة كما هي العادة، من مبدع متخصص، وقد أثرى الأخوان هذا الموضوع بشكل وافٍ لكن هنالك سؤال يمكننا طرحه: هل هذه التصالحات هي قناعات حقيقية أم تكتيكية مرحلية، فكما كان التصعيد تكتيكا، فالمصالحة اليوم هي تكتيك أيضا، فهل تبدلت القناعات في الأنظمة السياسية لهذه الدول ضد بعضها البعض؟، أم أن الظروف أجبرتها على أن تدخل في مرحلة شكلية التصالح؟

الشعوب ليست لها مشاكل مع بعضها البعض، أما من أوجد المشاكل فهي الحكومات، ومن جعل هذا الشعب عدو لشعب آخر هي الحكومات، ومن استغل هذه الفرصة وأجد هذه القطيعة وهذا العداء هي الحكومات، والهدف واضح، حماية السلطة الخاصة لكل الحكومات بغض النظر عن نوع النظام السياسي، بالنتيجة ذهب الحكام والقادة إلى التصالح وذهبت الناس إلى قبور أحبتها للبكاء عليهم، نقطة رأس سطر.

فما أكثر الذين تم إعدامهم، أو الذين تم قتلهم في أعمال عنف سواء كان هذا العنف حكومي أو عنف عشوائي بالقتل الطائفي، فكيف يمكن أن تُسترجع هذه الحقوق؟، وأغلى ما يملكه الناس هي النفس الإنسانية فإذا أزهقت انتهى كل شيء، لأن الأموال والممتلكات الأخرى كلها يمكن أن تُسترجَع، سنوات من التصارع الإعلامي والتشنج والحرب الإعلامية القاتلة بين دول المنطقة انتهت في لحظات وكأنما لم يحصل أي شيء، لكن السؤال هل سيستطيعون بناء حركة إعلامية ترطب الأجواء بين شعوب المنطقة؟ أم أن التصالح أوصلهم إلى مرحلة السكوت ومن ثم بدأ الثناء والمدح المتبادَل وأن المستقبل الاقتصادي سوف يكون متطورا وغير ذلك من الأقوال، وهذا باعتقادي لا يبني شيئا حقيقيا للشعوب.

الشعوب اليوم معبّأة ضد بعضها، فأنا حين أعبّأ تماما ضد شعب معين وهو بالمثل أيضا ماذا ستكون النتيجة، مثلا في الخليج أو في إيران ماذا قدمت الشعوب لبعضها لكي تتغير نظرتها تجاه بعضها، لا يوجد شيء، فالصورة الذهنية التي رسمها إعلام السلطة بأن هذا الشخص هو عدو، وهذا العداء الذي يحمله هو كذلك يتلبس الطرف الآخر نفس العداء، والنتيجة تعيش الشعوب مرحلة الصراع من أجل تثبيت السلطة الدكتاتورية.

السلطات ليس عندها مشكلة في قضية حقوق الإنسان، فمرة استخدمت التصعيد والعداوة، ومرة استخدمت التخفيف والتصالح، لذلك باعتقادي لا يوجد انعكاس حقيقي في قضية حقوق الإنسان، فقط هي كانت طافية على السطح والآن سوف تنزل إلى القاع، أي مجرد الآن الحكومات الدكتاتورية مع شعوبها سوف تتعامل بنفس الطريقة مع شعوبها لكن الجهة الثانية سوف لا تؤثر عليها.

ونفس الشيء يحدث عند الطرف المقابل أيضا، فالحكومات لا تركز بعد التصالح على ملف حقوق الإنسان وكل طرف حر بالتصرف في هذا الجانب. ولا أعتقد أن قناعات هذه الحكومات تغيرت في ليلة وضحاها، ولا يمكن أن يغيروا قناعتهم أو الطريقة التي يعيشون فيها.

ما هي الضمانات لحماية الحريات وحقوق الإنسان في دول معروفة بالاستبداد وشدة القبضة الأمنية، إن قناعة الحكومات ولا أريد أن أكرر ما ذكرته سابقا يعتمد على وجود دول أخرى، لكن الضمان يكمن في شيء واحد فقط، وهو أن تفهم الشعوب بأن فرصتها ومصلحتها وحياتها واحدة، كما ذكر سماحة الشيخ مرتضى معاش مقولة أمير المؤمنين (عليه السلام): (الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

فإذا أصبحنا اليوم نتألم عندما نرى إنسانا مظلوما من شعب آخر، واستغلال حقوقه، أو مصادرة حقوقه، وهو بدأ أيضا ينظر تجاهي بنفس المنظار بغض النظر عن الطائفة أو العرق أو القومية، هنا سوف تصبح الشعوب شعوب إنسانية، والحالة الإنسانية هي التي من الممكن أن ترتقي بالناس في مواجهة الاستبداد، وإلا إذا كل واحد بقي متقوقعا مع طائفته وقوميته ويظن أنه هو الوحيد الذي يجب أن ينجو وليذهب الآخرون إلى الهلاك، سوف لا تكون هناك ضمانات للحقوق والحريات مع حكومات مستبدة أنشئت بطريقة خاطئة".

الأستاذ عبد الصاحب الكيشوان؛ باحث في مؤسسة مصباح الحسين:

أشكر الباحث على هذه الورقة القيمة، وقد أثرى الأساتذة والمشاركون هذا الموضوع بشكل كاف في نظري، لكنني أود الإشارة إلى موضوع بيان الثقافة الحقوقية عند المجتمعات، خصوصا مجتمعات الدول التي تقع في منطقتنا، فهي بُنيت على سياسة الحاكم الموجود، بمعنى الناس على دين ملوكهم، فمثلا الحكومة الفلانية تطالب بالجانب الفلاني سنجد أن الشعوب تطالب بنفس الشيء.

وخير دليل على ذلك أحد المصاديق التي حدثت هي قضية الشيخ النمر، في أنها أثيرت واستغلت بصورة سياسية بحتة بين إيران وبين السعودية، ولاحظتم تعاطف الجبهة المؤيدة لإيران وبالعكس أيضا المؤيدون للجانب السعودي، ولكن عندما انتهت هذه الورقة سياسيا الموضوع انتهى معها ايضا.

في العراق يحدث الشيء نفسه فنشاهد أن الناس مرة تساند الجهة التي تحكمها المصالح، وحين لا تؤيد فتغيب المصالح، هذه الثقافة الحقوقية والمطلبية عند الناس أراها بحاجة إلى تطوير أكثر، وتثقيف أكثر لكي تعرف الناس ماذا لها وماذا عليها، في إحدى المرات سئل أحد أعضاء مجلس المحافظة سابقا، قالوا له: لماذا لا تدعمون تأسيس مؤسسات دستورية قانونية تثقيفية تثقف الناس لفهم حقوقهم و واجباتهم؟، فأجاب: إن رأس مالنا هو غياب الفهم القانوني والحقوقي عند الناس، هذا هو الذي يثبتنا في مناصبنا ويجعلنا فيها بسبب غياب هذه الثقافة عند الناس".

الأستاذ علي الطالقاني؛ مدير ملتقى النبأ للحوار:

أنتم تعرفون بأن العراق هذه الأيام يحتفل بذكرى تأسيس الصحافة العراقية، فعدتُ إلى التاريخ القريب والبعيد، ولاحظت أن مسألة الحريات والحقوق التي مرت، أن أهم مقياس لها هو مقياس الصحافة، خلال المئة سنة الماضية على أقل تقدير، بصراحة إن إحدى الجهات التي تعتبر الحقوق والحريات مهمة هي الحكومات، فلاحظت أن نظام التصالح الإقليمي وما جرى في المغرب وإيران في زمن الشاه، والجزائر، ودخول محور روسيا، وألمانيا على الخط.

وقد جرت الكثير من التحولات فيما يتعلق بالمصالحة ما بين الأنظمة وما يتعلق بالتحالفات وهي أشد حركة سياسية لأن المصالحة لا توجد بهذا المعنى إلا في حالة انتقال تجربة فكرية أو ديمقراطية مثل تجربة أوربا وكيف توحدت واستطاعت أن تحقق نوعا من التصالح ما بين الشعوب وما بين الدول نفسها والحفاظ على الحقوق والحريات وإتاحة الصحافة الحرة إلى حد كبير.

إن ما يتعلق بهذه التحالفات من حالات تصالح تعد مثل المصيدة، لكل صوت يطالب بالحرية، مثلا اليوم الحريات في العراق كما يذكر أحد السياسيين ويقول إن السجون العراقية خالية من أي صحفي سجين بسبب الرأي، مع العلم أن هناك ممارسات وانتهاكات على هذه الأدوات والحقوق والحريات وهي واضحة تماما، خاصة ما يتعلق بالحصول على المعلومة وما يتعلق بقوانينها، وهي لا تزال عالقة، وكذلك الحال بالنسبة للصحافة الاستقصائية.

هذه التصالحات وهذه التحالفات عندما تتغير أول من يكون كبش الفداء هي الحقوق والحريات ومن ينادي بها وأدواتها، ولذلك تجد الصحفيين حسب تجارب التاريخ، فمنهم من هو مهجّر أو مسجون بسبب مقال رأي أو تحقيق استقصائي، وكثير من الصحف تعرضوا للسجن المؤبد كما حدث في تركيا على سبيل المثال، كما حدث ذلك في سنة 2007 كما أتذكر، حينما حظروا اليوتيوب وبقية وسائل التواصل الاجتماعي.

ما أريد أن أقوله أن هذه التصالحات الإقليمية لو أنها كانت عابرة للحدود الضيقة، ويتم من خلالها إشاعة الحرية وإشاعة ثقافة الحقوق، وثقافة الحوار وثقافة التعايش، ومن ثم انتقال التجربة الديمقراطية ما بين هذه الدول المتصالحة فمن المؤكد أن هذا الشيء في حالة حصوله فإنه سوف يكون شيئا إيجابيا، ولكن لا يجب أن تكون هذه الأمور كالمصيدة مثل ما يجري الآن في العراق، الآن حرية الكلمة متاحة، ولكن نحن لا نعرف ما يخبّئ لنا المستقبل القريب وما هي الأدوات التي تستخدم وتتعلق بالقوانين والتشريعات.

في السعودية وكذلك في إيران، فإن هذه المصالحة وهذا التوافق، هل تمكنوا من أن يغيروا من نظامهم القانوني، بمعنى آخر، هل استطاعوا أن يسنوا تشريعات تكفل هذه الحقوق والحريات حتى وإن لا يتم تطبيقها في أرض الواقع، من المفترض أن تكون هناك إصلاحات دستورية، فهذا يشكل ضمانا مهم جدا للحريات والحقوق.

هذا التصالح وهذه التفاهمات والتحالفات لا يمكن التعويل عليها أبدا، لأن هذه الأمور عبارة عن مراحل تفرضها المصالح، ومتى ما تغيرت القوانين والتشريعات التي تحدث عنها آخرون سابقا، كما هو الحال في تجربة فرنسا مثلا أو ألمانيا وكيف انتقلت الصحافة وقضية الإعلام مثلا بين بريطانيا وأمريكا واليوم أصبحت أمريكا هي الرائدة في هذا المجال.

نحن نحتاج إلى القدرة على اللعب على مثل هذه الملفات المهمة والحساسة، ولابد أن نتقن جيدا إدارة مثل هذه الملفات المهمة حتى نستطيع أن نحقق مصالحنا ونحميها، لا سيما ما يتعلق بقضية الحقوق والحريات التي تشمل حرية الرأي والدين والمعتقدات والصحافة وغير ذلك، لأن الأنظمة السياسية ليست أنظمة محكومة بالنزاهة والعدالة، بل هي أنظمة قائمة على المصالح وليس على المبادئ.

فحين تقوم باللعب معنا بورقة ضغط غير عادلة، يكون لدينا القدرة أن نلعب ضدهم بورقة ضغط تفوق ورقة ضغطهم وتتغلب عليها، فإذا كنا مهتمين في هذا الجانب، يجب أن تكون هناك مؤسسات قادرة على أن توثق الجرائم وتوثق الانتهاكات، وتدافع عن الرأي وتوثق وتهتم بمثل هذه الملفات من أجل مصالحها.

في ختام النقاش تقدم مدير الجلسة الحوارية بالشكر والاحترام لكل الآراء التي طُرِحت من جميع الأخوة الزملاء الذين حضروا هذه الجلسة او الذين أرسلوا مشاركاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأثروا هذا الحوار والنقاش حول موضوع الحريات والحقوق.

..........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2023
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق