لا يختلف اثنان في أهمية السلطة القضائية بوصفها من أهم الضمانات الواقعية لحقوق الإنسان العراقي وحرياته الأساسية، وهي تعد وبحق صمام الأمان والوسيلة الأكثر أهمية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب حياد أفرادها من القضاة بكونها تقف على مسافة واحدة من المتقاضين، كما ويملك القاضي من الوسائل التي تلزم السلطات العامة والأفراد على احترام حقوق الغير وإعادة الحال إلى ما كان عليه ان حصل الاعتداء من نوع ما على المراكز القانونية للمواطنين ولو بصورة التعويض عن الأضرار الحالة والمستقبلية، مما تقدم يؤكد المختصون دائما على أهمية ضمان استقلال السلطة القضائية وضرورة ان تكون بقراراتها واحكامها لا تراعى سوى القانون والعدالة، وهذا ما عبر عنه الدستور العراقي للعام 2005 في أكثر من موطن وبصياغات مختلفة ففي مواجهة كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية نجد ان الدستور كفل استقلال السلطة القضائية في أكثر من موطن ومنها:

أ‌- المادة (19، أولاً/ القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون).

ب‌- المادة (87) السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون).

ونظمت ولاية القضاء العراقي في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية دستوريا وفق الآتي:

1- تنص المادة الثانية من الدستور ((أولاً/ج – لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور )) والسؤال ماذا لو أصدر البرلمان قوانين تمس حقوق الأفراد العراقيين؟ الجواب بالمادة (93/ تختص المحكمة الاتحادية بالآتي /أولاً/ الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة) وحين يقع المحذور يمكن لأي متضرر أن يبادر إلى المحكمة ويرفع دعوى ضد القانون غير الدستوري فان ثبت لدى المحكمة وجود مخالفة فستصدر حكمها بإلغاء النص القانوني حتما.

2- وفي مواجهة القرارات الصادرة عن السلطة الإدارية نجد ام الدستور أعطى وفي أكثر من موطن للسلطة التنفيذية الولاية في إصدار قرارات فردية أو تنظيمية حيث ورد فر المادة (73) ان من صلاحيات رئيس الجمهورية إصدار المراسيم، وورد بالمادة (80) ان من صلاحيات مجلس الوزراء إصدار الأنظمة والتعليمات وهي نوع من القرارات الإدارية، فماذا لو كان بعض هذه القرارات ينتهك حقاً أو حرية عامة أو خاصة؟ في مثل هذه الحالة السلطة القضائية أيضاً هي الضمان إذ تنص المادة (100) من الدستور على ((يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن)) والمقصود بالطعن أي الطعن القضائي حيث ان المادة (101) منحت الحق لمجلس الدولة العراقي بممارسة سلطة القضاء الإداري والغاء القرارات المخالفة لمبدأ المشروعية.

3- ويذكر ان ولاية القضاء العراقي إزاء السلطات العامة منظمة أيضاً في قانون المرافعات المدنية وغيره من القوانين الأخرى التي يضيق المجال لذكرها بالتفصيل.

بيد ان أعضاء السلطة القضائية من بني البشر وتجري عليهم سنة الخطأ كما تجري على الجميع وفي مثل هذه الحالة سيكون الفرد العراقي قد انتهكت حقوقه من حامي الحقوق والحريات أي القضاء نفسه فمن سيتمكن من إعادة الحال إلى ما كان عليه أو تعويض هذا الفرد عما لحقه من ضرر؟ ونشير في هذا الموطن ان من أهم الضمانات للجميع هو حق التقاضي والركون إلى القضاء للمطالبة بالحقوق وهو ما أشارت إليه المادة (19) من الدستور (التقاضي حق مصون ومكفول للجميع)) بيد ان الفرد عندما يحاكم خلال هذه الفترة هو متهم قد تثبت إدانته أو لا تثبت، وقد يرتكب القضاء خطأ بسبب الاشتباه وهو ما يفضي إلى اتخاذ إجراءات جزائية مقيدة للحرية أو ماسة بالحقوق كالتوقيف، أو التفتيش للشخص ذاته أو لمنزله أو محل عمله، أو الحبس والسجن وقد يصل الأمر إلى صدور حكم قضائي بالإعدام وتنفذ العقوبة وبعد حين تظهر أدلة على ان الذي صدر الحكم عليه برئ، ففي كل هذه الفروض المتقدمة ألا يستحق الضحية رد الاعتبار لاسيما الاعتبار الأدبي فحين تسند تهمة كالسرقة أو الاختلاس لشخص ما هذا الأمر سيحط من قدره واعتباره الاجتماعي وحين تثبت براءته إلا يستحق نوع من التعويض المعنوي كأن تنشر المحكمة اعتذاراً له في الصحف ووسائل الإعلام، وحين يوقف المتهم لخمسة عشر يوم أو أكثر إلا تتعطل مصالحه ويصاب بالضرر المادي هو وأفراد أسرته أوليس من العدل ان ندفع له تعويض بقدر الخسارة التي لحقت به بسبب خطأ القضاء، وقد يمس الإجراء القضائي شركة معينة أو جمعية أو منظمة غير حكومية بإعلان الإفلاس أو قرار حلها وما شاكل ذلك من القرارات ويتبين بعد حين عدم صحة الإجراء أو القرار القضائي.

كل ما تقدم هو ما يعرف برد الاعتبار لضحايا العدالة وهو ما نظمه المشرع العراقي في القانون رقم (3) لسنة 1967 والذي جاء فيه نص المادة ((3/ يرد بقرار قضائي اعتبار المحكوم عليه عند توافر الشروط الآتية:

1- ان تكون العقوبة قد نفذت أو أسقطت عنه قانوناً.

2- نفذ ما عليه من التزامات مالية أو أسقطت عنه قانوناً.

3- رد اعتباره التجاري إذا كان محكوم عن جريمة إفلاس.

4- أحسن سلوكه داخل السجن وبعد خروجه منه مدة لا تقل عن...)).

وكذلك أورد قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل ذات الأحكام أعلاه في المواد (342-351) المتعلقة برد الاعتبار بيد ان الملاحظ على ما تقدم أمرين الأول ان المشرع ركز على رد اعتبار المحكوم عليه بعد مضي مدة من الزمن ليتمكن من ممارسة حقوقه الواردة في المادة (100) والمادة (108) وما سواها من قانون العقوبات التي يحرم منها تبعاً لفرض العقوبة عليه وبعض هذه الحقوق بينتها المادة الأولى من قانون رد الاعتبار والمتعلقة بحقه في الترشح والانتخاب وما سوى ذلك من حقوق والأمر الآخر ان القانون الخاص برد الاعتبار والمواد (342-351) الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية ألغيت بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (997) لسنة 1978.

وبهذا فان العراق لم يعرف رد الاعتبار بالمعنى الذي بيناه في ما سبق من السطور إضافة إلى النهج الدكتاتوري للنظام السابق الذي استكثر على الإنسان العراقي المحكوم عليه وانتهت مدة محكوميته ان يرد إليه اعتباره المدني، بل ان ما تقدم من تطبيقات رد الاعتبار الملغية في العراق تتناول من صدر بحقه حكم وانتهت محكوميته ولا يتناول من أوقف أو احتجز لمدة معينة للاشتباه فتضررت سمعته أو عائلته أو وضعه الصحي والنفسي ولا يشمل من تم اتخاذ قرار قضائي يمس بحقوقه وحرياته كالتفتيش لو المنع من السفر أو حجز الأموال وما إلى ذلك من أمثلة.

لهذا ونحن اليوم نعيش في دولة يفترض انها ترعى حقوق الإنسان وتتشدق بالمشروعية واحترام الكرامة الإنسانية المتأصلة فلابد من تشريع قانون رد الاعتبار، ويذكر في هذا الإطار ان رئاسة الجمهورية سبق ان تقدمت بمشروع قانون العام 2011 سمي بقانون تعويض ضحايا العدالة بيد أنه لا يزال قيد التشريع في أروقة مجلس النواب العراقي وورد في مادته الأولى ان هذا القانون يهدف إلى تعويض الأضرار التي لحقت بكل من (احتجز أو أوقف تعسفاً أو تجاوزت مدة موقوفيته الحد الأقصى المقرر قانوناً أو صدر بحقه حكم قضائي نتيجة خطأ قضائي فاحش ثم صدر قرار لاحق برفض الشكوى او الإفراج عنه وغلق الدعوى أو الحكم ببراءته أو ثبت تعرضه للتعذيب النفسي أو الجسدي)، بيد ان الاعتراضات الحكومية والحزبية حالت دون تشريع القانون ولنا العديد من الملاحظات على أصل الفكرة نجملها وفق الآتي:

1- إن إقرار قانون رد الاعتبار أو تعويض ضحايا العدالة يعد مكسب لحقوق الإنسان في العراق وترسيخ لضماناتها الجوهرية وتعويضاً للأفراد الذين تعرضوا لخطأ لم يكن لهم يد فيه.

2- يعد القانون تكريساً لمبدأ مسؤولية الدولة عن أخطاء ممثليها ومرفق القضاء أحد مكونات الدولة وحين يخطأ أفراده فلابد ان تتحمل الدولة جريرة ذلك بدفع التعويض للأفراد المتضررين مع إمكانية العودة على المخطئ ان كان متعمداً بمبلغ التعويض كنوع من العقوبة عن إهماله أو تقصيره أو تعمده الخطأ، إما أن لم ينسب له خطأ شخصي إنما الخطأ كان نتيجة شهادة زور أو خبرة خاطئة أو إخبار كاذب فتتحمل الدولة التعويض إزاء المتضرر نتيجة النشاط المرفقي القضائي مع العودة على من كان السبب لمقاضاته والحكم عليه بالعقوبة المناسبة.

3- القضاة يتباينون في درجات الفهم للنص القانوني والخبرة وملكة الاستنتاج والخطأ منهم وارد جداً، ولا يمكن ان يتحمل المتضرر وزر الخطأ لوحده ولا يمكنه المطالبة بما لحقه من ضرر مادي أو معنوي إزاء الدولة لعدم وجود نص قانوني يجيز ذلك وهذا ما يتنافى مع قيم العدالة والمساواة.

4- ينبغي على المشرع ان يقيم مسؤولية الدولة عن أخطاء القضاة وفق أحكام المسؤولية الإدارية القائمة على أركان ثلاثة أولها الخطأ القضائي الذي تسبب بضرر لأحد الأفراد وركنها الثاني هو الضرر المادي أو المعنوي الناتج عن الخطأ وركنها الثالث هو العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، كما ويستحسن اشتراط الضرر المباشر الجسيم الذي أصاب السمعة أو المال.

5- يستحسن ربط المطالبة بالتعويض ببعض طرق الطعن بالأحكام القضائية ومنها إعادة المحاكمة التي نص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي بالمادة (270) وما بعدها والتي بينت أن من أسباب إعادة المحاكمة ظهور أدلة جديدة أو تبين ان الشهادة كانت زورا...الخ، وبالتالي تسنح للمتضرر شخصياً أو من يمثله أو ورثته ان كان متوفى ان يطالبوا بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم بالتبعية.

6- ينبغي ان يتم تقدير التعويض من قبل المختصين وان يكون عادلاً.

7- ينبغي على المشرع العراقي ان يعالج مسألة تعويض ضحايا العدالة بشكل دقيق ليمنع الإرهابيين والفاسدين من الاستفادة من هذه الضمانة حين يطلق سراح أي منهم ولعل هذه النقطة بالتحديد هي السبب الرئيس لاعتراضات البعض على مشروع القانون ونجد ان هذه الاعتراضات محقة في جانب مما تقول وغير محقة في جوانب عدة فهي تنظر إلى إمكانية ان يستفيد من القانون بعض الجناة والفاسدين وهم أقلية وتهمل النظر إلى حقوق العديد من الأفراد ممن يقعون يومياً ضحية أخطاء القضاء في قراراته، ومن جانب أخر هنالك الصياغة القانونية المحكمة التي يمكن ان تستثني بعض الجرائم من نطاق تطبيق القانون كالجريمة الإرهابية بشرط ان لا تكون الإجراءات اتخذت ضد المتهم بناءً على إخبار من مجهول بل اتخذت بناءً على أدلة معتبرة فان ثبتت براءته من التهم قضائياً فما المانع من استفادته من قانون رد الاعتبار.

8- بين الحين والأخر يصدر المشرع العراقي قوانين عفوا عاماً عن المدانين والمتهمين والسؤال هل يمكن ان يرد الاعتبار لهؤلاء؟ لعله هذه الحالة من أصعب الاحتمالات ويمكن للمشرع العراقي ان يفرد لها حكماً قانونياً خاصاً فهم كفئة لم ترتكب بحقهم أخطاء قضائية بل كانت تتخذ بحق كل منهم إجراءات قانونية سليمة واليوم يجري الكلام في أروقة مجلس النواب انه يراد إضافة شرط إلى قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 يمنع من خلاله المشمول بالعفو من الترشح ونتفق مع هذا الشرط ولكن لابد من التمييز بين أنواع الجرائم بان يخصص هذا الشرط بالجرائم الخطرة ولا ينصرف إلى تلك المخالفات والجرائم غير العمدية أو التافهة.

.............................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2017

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق