أصبحت جريمة الاغتصاب آفة تنخر في جسد المجتمع الهندي، وبحسب إحصائيات حديثة فإن هناك جريمة اغتصاب في البلاد كل 20 دقيقة، مما يتسلط الضوء على المعدل المتفاقم والمثير للرعب لجرائم الاغتصاب وانتهاك حقوق المرأة في هذا البلد، تعاني الهند منذ زمن طويل من قضية الاغتصاب...

أصبحت جريمة الاغتصاب آفة تنخر في جسد المجتمع الهندي، وبحسب إحصائيات حديثة فإن هناك جريمة اغتصاب في البلاد كل 20 دقيقة، مما يتسلط الضوء على المعدل المتفاقم والمثير للرعب لجرائم الاغتصاب وانتهاك حقوق المرأة في هذا البلد، تعاني الهند منذ زمن طويل من قضية الاغتصاب، التي أضيفت إلى مجمل التحديات التي تواجهها النساء في مختلف المدن الهندية، ولكن يجمع الكثيرون أن حل هذه المشكلة طويل الأمد، ويجب أن يبدأ من عقول الناس.

تقارير الأمم المتحدة حول ظاهرة الاغتصاب تشير إلى أن نسبة مثل هذه الحوادث المبلغ عنها أقل من تلك الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل بالطبع هناك الكثير من الحوادث التي لم يتم التبليغ عنها بسبب الضغط الاجتماعي غير أن القول إن بلدا كالهند يتجاوز عدد سكانه المليار نسمة فيه ثقافة اغتصاب يعمل على تبسيط المشكلة.

ومن الواضح أن النساء في الهند يواجهن تحديات عدة سواء كان ذلك استخدام المواصلات العامة أو التحرش بهن في الشارع والمرافق العامة إضافة إلى تعرضهن في المنازل إلى العنف والمعاملة السيئة ولا يوجد هناك حل سهل رغم تغيير الحكومة لقوانين عقوبات مرتكبي جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي إضافة إلى وضع المزيد من رجال الشرطة على الطرقات.

غير أن التغيير الحقيقي يجب أن يأتي من الناس وفهمهم لهذا النوع من السلوكيات النشطاء يؤكدون أن هناك حاجة أكبر للتعليم والتخفيف من الفقر كما يجب تمكين النساء في الهند بصورة أكبر.

اغتصاب في كل 20 دقيقة

أجرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقاً حول أسباب زيادة نسب الاغتصاب في دولة الهند، وتبيَّن وفقاً للأرقام الحكومية، أن اغتصاب الفتيات في الهند يحدث كل 20 دقيقة، وقد بلغت حالات العنف ضد المرأة الهندية 228 ألف حالة، 26% منها كانت حالات اغتصاب.

وهناك الكثير من قصص الاغتصاب منها لفتاة هندية اعتدى عليها خمسة شباب، ثم ألقوا بها في الشارع حتى وافتها المنية، فيما تعرّضت امرأة سويسرية للاغتصاب في الهند، وقد هربت بريطانية من نافذة شقتها مؤخراً خوفاً من مدير الفندق الهندي واخرها الطفلة الرضيعة ذات الثمان أشهر التي اعتدى عليها أحد اقاربها وتعاني الان من حالة حرجة بعد ان خضعت لعملية جراحية استمرت أكثر من ثلاث ساعات.

فيما أرجع بعض الشباب الهنود أسباب إقدام الشباب على الاغتصاب، على الفتيات الهنديات، وحملوهن أسباب تعرضهن للتحرش، حيث يخرجن في أوقات متأخرة من الليل مرتديات ملابس غير محتشمة تبرز مفاتن أجسادهن، مؤكدين أن مختلف الجرائم تحدث غالباً ليلاً، ولكن الفتيات لا يحافظن على أنفسهن ويخرجن في أوقات الخطر، ما ينتج عن ذلك ردود فعل سلبية من الشباب.

صراع طبقي

أصبح موضوع الاغتصاب نقطة صراع سياسي كُبرى بين تيار التمدن والطبقة الوسطى الآخذ في الصعود والازدهار وبين تيار المحافظين المكون في الأغلب من كبار السن وسكان المناطق الريفية الذين لا يزالون يسيطرون على أغلب مؤسسات الدولة.

هذا الشيء مجرد نقطة في حرب ثقافية أكبر في الهند قائمة على التحول الثقافي والسياسي للبلد وهو التحول الذي يعارضه الكثير من المحافظين بشدة وبقتالهم حول موضوع الاعتداء الجنسي، فهم يقاتلون أيضًا ليبقى المجتمع الهندي محافظًا كما هو.

يميل المحافظون الهنود لاعتبار الاغتصاب مسألة شرف جماعي وأخلاقي فبالنسبة لهم علاقات النساء الجنسية يجب أن يتم تحديدها بواسطة الأهل عندما يختاروا لابنتهم زوجها، ثم بواسطة زوجها بعد الزواج فالقرار الجنسي المشروع الوحيد للمرأة هو في طاعتها لعائلتها.

ووفقًا لهذا الرأي فالاغتصاب أمر ناتج من السلوك المتجاوز للمرأة الضحية وأحيانا بسبب الإغراءات الخبيثة للحياة العصرية وذلك حين تضع المرأة نفسها في مواقف تتعامل فيها مع رجال خارج رقابة أهلها وفي هذا الرأي فالاغتصاب قد يكون مُبررًا ومقبولًا ويكون المُغتصِبون أبرياء من أي جرم.

بالضبط كما قال موكيش سينج في الفيلم الوثائقي وطبعًا، طبقًا لهذا المنطق فالاغتصاب قد يُرى كخدمة تُقدم للمجتمع بمعاقبة النساء صاحبات السلوك "السيء" وإخافة النساء اللاتي قد يفكرن في اتباع نفس السلوك.

وبالرغم من اتجاه الهند للتمدن أكثر وارتفاع مستوى التعليم عما قبل وزيادة ثروات البلد، فلا زالت العديد من النساء تكافح في سبيل حريتها والتي تبدو كسلوك سيء بالنسبة للمحافظين ومنها تأخير سن الزواج لتحصيل مستوى تعليمي أعلى، والعمل خارج المنزل، وإنشاء علاقات اجتماعية علنا مع رجال من خارج عائلتها وبالنسبة للمحافظين فهذا الفعل يهدد النظام الاجتماعي الذي يسعون للمحافظة عليه، والذي تكرس فيه النساء لحياتهن الخاصة فقط وتكون حياتهن الاجتماعية في محيط العائلة وحسب.

الإجبار على النظام الاجتماعي المحافظ، غالبًا ما يعني لوم الضحية وتبرئة الجاني

قد يبدو أمرًا شديد الوضوح ومسلمًا به أن الاغتصاب يجب أن يُمنع عن طريق معاقبة المُغتصبين مما يجعل الهند مكانًا أكثر أمنًا للنساء لكن المحافظين يرون هذه السياسات تجعل الحياة العامة أكثر أمنًا للنساء على أنها تحمل العديد من المتاعب معها لأنها قد تؤدي لتآكل النظام الاجتماعي والذي بالنسبة للمحافظين هو محور كل شيء.

فلماذا تحمل عناء محاولة تغيير المجتمع ليتقبل مشاركة نسائية أكبر، إذا كانت المشاركة النسائية بالنسبة لهم أمرًا سيئًا من الأساس؟ وتفهم وجهة النظر هذه مهمة لتفهم المنطق الذي يبرئ المغتصبين من جرمهم ولذلك يميل المحافظون لرؤية أن الحل المناسب لمشكلة الاغتصاب، هو الحد من حرية المرأة على سبيل المثال بحرمانهن من الحياة الاجتماعية والتي يرى المحافظون أنها تؤدي للاغتصاب.

وهذا يعني منع النساء والفتيات من المشاركة في الحياة العامة وخاصة إذا لم يكن تحت إشراف أهلهن الذين يحرصون على تصرفهن بسلوكيات لائقة وبإحالة المسئولية على النساء، فهذا يعني أن الاغتصاب خطأ الضحية وليس الجاني على سبيل المثال، ففي عام 2012 طلبت منظمة مجالس قروية في مقاطعة هريانا من الفتيات الزواج قبل الثامنة عشرة من عمرهن لمنع الاغتصاب والذي عزوه للسلوك الجنسي المبكر للفتيات اللاتي يشاهدن أشياء مبتذلة في التلفاز والسنيما.

والهواتف المحمولة أيضًا يتم اعتبارها كمصدر غير أخلاقي خطير؟ وقد فسر زعيم مجلس قروي يدعى كهاب بانشيات في مقاطعة هريانا لجريدة نيويورك تايمز أن "الهواتف المحمولة تلعب دورًا رئيسيًا – في الاعتداءات الجنسية – لأن الفتاة تجلس في الحافلة، وتتحدث لصديقها وتطلب منه نقل مبلغ مالي في هاتفها فهل سيضع مالًا في هاتفها بلا مقابل؟ لا، بل سيقابلها في مكان ما مع خمسة من أصدقائه ثم سيطلقون على ما يحدث اسم اغتصاب".

لا حرية بعد حلول الظلام

في بوبال مدينة في الهند تم انتقاد أخلاقيات عمل وحدة شرطية متنقلة بعد اعتداءات دلهي لأفعالهم تحت مصطلح منع الاعتداءات الجنسية فقد تم الإبلاغ أنهم يستهدفون الفتيات، والرفقاء الذين يرتدون ملابس تبعًا للموضة، ويوقعون عليهم عقوبات تتضمن الصفع وإجبارهم على الجلوس على الأرض عقابًا على تجاوزاتهم المتخيلة.

لا يتضمن الأمر الساسة الذكور فقط، بل إن ساسة من الجنسين ينتهجون آراء مماثلة فمثلًا آشاة ميرجي القائدة بحزب المؤتمر الوطني في مقاطعة غرب ماهرشتراة ادعت في عام 2014 أن حوادث الاغتصاب تقع بسبب ملابس المرأة وسلوكها وتواجدها في أماكن غير لائقة.

والقيادي في حزب المؤتمر في مقاطعة أنديرا بارديش انتقد ضحية حادثة الاغتصاب في دلهي لأنها خرجت في الليل وقال "حرية التجول ليلًا في الهند، ليس معناه أن تقوم النساء بمغامرات بعد حلول الظلام" وهذه عبارة منمقة لكن تحمل نفس معنى ما قاله موكيش سينج في الفيلم الوثائقي.

انتشار جرائم الاغتصاب الجنسي بالهند

قالت مجلة "تايم" الأمريكية أن موجة الاغتصابات الجنسية التي ارتفعت مؤخراً بالهند تسببت في غضب المجتمع الدولي عامةً، وسلطت الأضواء على المجتمع الهندي ومشاكله خاصةً أرجحت المجلة أن السبب في ازدياد معدل جرائم الاغتصاب الجنسي بالهند يرجع إلى "اتباع المجتمع لبعض المعتقدات والتقاليد والأفكار الذكورية والرجعية، بالرغم من سن الحكومة الهندية مؤخراً لمجموعة من القوانين الرادعة والمغلظة، تصل إلى الاعدام شنقاً للمغتصب، لوضع حد لمثل هذه الجرائم".

أوضحت المجلة أن جرائم الاغتصاب الجنسي بالهند غالباً ما تنتهي بقتل الضحية، والسماح للجاني بالإفلات من العقاب، ونقلت المجلة أيضاً أخر قصة عن جريمة اغتصاب جنسي بالهند حيث تم اغتصاب فتاتين، ومن ثم قام مغتصبيهن بشنقهن وترك جثثهن معلقات بإحدى الشجرات في مشهد مؤسف.

كانت الفتاتان قد ذهبتا إلى إحدى الحقول الزراعية "لقضاء حاجتهن" عندما فاجئهن المغتصبين وقاموا بارتكاب جريمتهم في وضح النهار، ومن ثم قاما بشنق الضحيتين، حسبما أفادت المجلة أقام أهالي قرية الفتاتين عدة مراسم تأبين لهن، وانتشرت حالة من الغضب بين أفرادها، في حن قبضت الشرطة على المغتصبين وتم حبسهم حتى نهاية التحقيقات.

رأت المجلة أن "تهاون المجتمع مع المغتصب وتقليله من شأن خطورة مثل هذه الجرائم، والقائه ببعض اللوم على من يتم اغتصابهن، له دور كبير في تشجيع المغتصب على جرائمه، وهو ما يزيد من معدل تلك الجرائم"، حتى بعد اقرار الاعدام شنقاً كعقوبة لردع المغتصبين في الهند.

فسرت المجلة أن "الدور المجتمعي في وقف جرائم الاغتصاب، وزيادة التوعية بمثل هذه الجرائم، والتحدث عنها كانتهاكات جسيمة، لا تبريرها وجعلها تمر مرور الكرام دون عقاب عادل" له دوراً أهم في ردع مثل هذه الجرائم أكبر من الدور المتروك على عاتق المؤسسات القضائية التي تردع هذه الانتهاكات بالقوانين.

وحذرت المجلة المجتمع الدولي من الوقوع في خطأ التعميم في الحكم على مواطنين الهند من الرجال، وبدأ خلق صور نمطية عنهم تسلط عليهم الأضواء "كمغتصبين، وكارهين للنساء"، وأضافت أن التعميم في مثل هذه الحالات يضر بالقضية أكثر مما يفيدها.

ولمواجهة "وباء الاغتصاب"، ذكرت المجلة عدة خطوات يجب اتباعها لردع مثل هذه الجرائم، والخطوة الأولى منهم تقع على عاتق الحكومة الهندية "التي يجب أن تسن قوانين رادعة، وتتابع العمل مع منظمات حقوق وحماية المرأة والطفل بالهند"، وأضافت المجلة أن الخطوة الثانية تقع على عاتق المجتمع "ليدرك مدى فداحة مثل هذه الانتهاكات، ويبدأ العمل المجتمعي، التوعوي، والتربوي، لخلق أجيال جديدة لا تبرر ولا تسمح بتقبل جرائم الاغتصاب والتعايش معها ومع نتائجها، ويكون لها نظرة مختلفة تجاه هذا الشأن"، وأضافت أيضاً أن على المجتمع دوراً كبيراً في مساعدة ضحايا الاغتصاب اللائي نجحن بالنجاة من مغتصبيهم.

محاولة لحل مشكلة الاعتداءات الجنسية

ردًا على حادث الاغتصاب بدلهي عام 2012 أنشئت الحكومة المركزية فيرما وهي لجنة مؤلفة من ثلاثة أشخاص برئاسة رئيس المحكمة العليا السابق ج.س. فيرما للتحقيق في كيفية تطوير القوانين الهندية لمقاومة الاعتداءات الجنسية التقرير الصادر عن اللجنة رصد ما هو أكثر من مجرد القوانين فقد وجد أن الشرطة في الهند أنشأت ثقافة فرعية من القهر ضد ضحايا الاغتصاب.

ونتيجة الكلام الذي أُثير حول تحقيقات حادث 2012 فقد كشفت مجلة تهيلكا وجود اعتقاد شائع في الشرطة بأن ضحايا الاغتصاب الحقيقيين لا يلجؤون للشرطة وأن من يفعلون ذلك هم المبتزون أو من فقدوا القيم الأخلاقية فقد أكد العديد من الضباط أن المرأة إذا رضيت بممارسة الجنس مع رجل واحد، فلا يمكنها الاعتراض إذا اشترك معه بعضٌ من أصدقائه.

وفي قضية أخرى فاضحة حاولت الشرطة في مدينة كلكاتا سرقة جثة فتاة شابة تعرضت لاغتصاب جماعي ثم تم قتلها، فيما يبدو لتدمير الأدلة المشيرة للاغتصاب، والذي سبَّب إحراجًا لهم بعد إثبات أن الضحية ماتت جراء ذلك، فقاموا باتهام الضحية بأنها كانت تعمل بالدعارة.

بعد حادث الاغتصاب الجماعي بدلهي عام 2012، عندما قامت العديد من المظاهرات ضد مشكلة الاعتداءات الجنسية بالهند وتبرئة الجناة، كان مما جذب الانتباه هو القوانين التي تعبر عن القواعد الاجتماعية المدمرة وعلى سبيل المثال تسمح القوانين لمحامي الدفاع تقديم التاريخ الجنسي للضحية كدليل على شخصيتها وكانت العديد من توصيات لجنة فيرما والتي تم إدماجها بالقانون عملت على إدخال تعديلات على قواعد الإثبات، لمنع استجواب الضحايا عن تاريخهم الجنسي السابق للحادث.

مركز النبأ الوثائقي يقدم الخدمات الوثائقية والمعلوماتية
للاشتراك والاتصال [email protected]
او عبر صفحتنا في الفيسبوك (مركز النبأ لوثائقي)

.........................................
المصادر
-بي بي سي
-ويكيبيديا الموسوعة الحرة
-ساسة بوست
-موقع المصراوي اليوم
-سكاي نيوز عربية
- فرانس 24
-صحيفة الشرق
-العربية.نت
-Masrawy Home Page – مصراوي

اضف تعليق