حينما نتحدث عن مصلحة إسرائيل في المنطقة فإنها لا تقتصر على الأغراض الجيوسياسية فقط لان التقارب مع دول آسيا الوسطى لا يعني تقليص النفوذ الإيراني أو العربي فقط إنما يعني أيضاً إضافة أصواتاً إيجابية مساندة لها في الأمم المتحدة، وبالإضافة إلى أنها تمتلك مصالح كبرى...

لا يمكن للمرء أن ينكر وجود لعبة سياسية كبيرة وتنافسية في الفضاء الثقافي والإنساني لمنطقة أسيا الوسطى وعلى الرغم من حقيقة أن إسرائيل ليست مشاركة نشطة لكنها تسعى إلى زيادة وزنها في المنطقة عبر الإمكانات الاقتصادية والتكنولوجية، فالقدرات التكنولوجية كأداة القوة الناعمة تعمل على بناء العلاقات بين إسرائيل والدول العلمانية في المنطقة ومع السكان المسلمين غير العرب المهيمنين، ويمكن ملاحظة ذلك على سبيل المثال في مجال الزراعة والطب إذ يقوم مركز التعاون الدولي بتشجيع مثل هذه المشاريع تحت إشراف وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تحاول تحسين صورتها المعادية للمسلمين في المجتمع العالمي.

إن أهم المنافسين في المنطقة بالنسبة لإسرائيل هم إيران والدول العربية، وينظر إلى توسع النفوذ الإيراني والعربي في المنطقة بالنسبة لإسرائيل على أنه تهديد لا شك لها ولأمنها لذلك هي دوما ما تسعى إلى إقامة علاقات أوثق مع دول آسيا الوسطى من أجل التصدي لمنافسيها في المنطقة بالإضافة إلى ضمان نهج متوازن لدول المنطقة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

لماذا يجب على إسرائيل أن تتنافس مع إيران والدول العربية في آسيا الوسطى إذا لم يكن هذا الأخير على رأس أولوياتها؟ إن الأماكن سوف تكفي كل شيء ومن ثم، فإن سكان أسيا الوسطى هم حقيقة ليسوا مهتمين بشكل خاص بالقضية الفلسطينية بطبيعة الحال وبالنسبة لبعض المنظمات الدينية المتطرفة والجماعات في آسيا الوسطى، فإن قضية “قمع المسلمين” مهمة، لكن هل هي تهديد مباشر لإسرائيل؟

أن منطقة أسيا الوسطى ليست أولوية كبرى لإيران والدول العربية لكن هذا لا يعني أن المنطقة ليست مهمة إذ حاولت إيران بجدية إقامة علاقات أوثق مع دول آسيا الوسطى وأرادت تأسيس وجودها في المنطقة من الناحية الجيوسياسية، وحاولت أن تكون بمثابة جسر بين آسيا الوسطى والعالم الخارجي مما يتيح لها الوصول إلى أراضيها وبنيتها التحتية للدول المستقلة حديثًا، رغم كل المحاولات والجهود فشلت في زيادة مكانتها في المنطقة، وإن فشلها يرجع إلى حقيقة أن دول المنطقة لم تهتم كثيراً بـنموذج التنمية الإيراني، وعملت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة للوقوف ضد توسع دائرة النفوذ الإيراني في المنطقة خوفا من انتشار أيديولوجية الإسلام الثوري وبذل الجهود لإبقاء إيران في حالة انعزال. غير إن الخوف الأكبر لإسرائيل كان في تلك السنوات هو أن إحدى دول آسيا الوسطى وهي كازاخستان كانت قد حصلت على الاستقلال وهي تمتلك القوة النووية وكان أحد المصالح المركزية لإيران فيما يتعلق بكازاخستان هو عقد اتفاق تجارة المعدات النووية أي أن إمكانات كازاخستان النووية تسببت في مشاكل إضافية في السياسة الخارجية لإسرائيل وكان أحد المصالح المركزية لإيران فيما يتعلق بكازاخستان يتعلق بتجارة المعدات النووية.

وهنا أود أيضًا أن أسترعي الانتباه إلى حقيقة مثيرة للاهتمام وهي أن إسرائيل هي التي قدمت دعمًا قويًا للولايات المتحدة في تحقيق تقدم في المنطقة من خلال توفير المعرفة التقنية والموارد لتوزيع المساعدات المالية الأمريكية واستخدامها. إضافة إلى ذلك فأن الدول العربية كانت مهتمة في منطقة آسيا الوسطى وتعاونها مع دول الشرق الأوسط لان اغلب دولهما كانوا أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وكانت قد شعرت إسرائيل دومًا بالحاجة إلى توسيع العلاقات مع جميع الدول التي كانت تضم سكانًا مسلمين غير عرب نظرًا للصراع مع عدد من الدول العربية وإيران، ولقد أتاحت نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي لإسرائيل فرصة كبيرة للتوسع في منطقة آسيا الوسطى بأعتبارها منطقة بغاية الاهمية، ومن وجهة نظر إسرائيل كانت فرصة فريدة لتحويل مركز جاذبية العالم الإسلامي إلى الشمال وبالتالي تغيير ميزان القوى لصالحها وتهميش أهمية المنطقة العربية في الشرق الأوسط.

ولأن سكان دول آسيا الوسطى ليسوا معنيين بشكل خاص بالقضية الفلسطينية فقد لبى ذلك توقعات إسرائيل ولذلك سعت للحفاظ على هذا الموقف السلبي من دول آسيا الوسطى إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وحاليا ان كازاخستان وأوزبكستان هما دول آسيا الوسطى الوحيدة التي لديها سفارات في إسرائيل والتي بدورها تنظم العلاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع ذلك فإن كازاخستان وأوزبكستان تهتمان بالتطرف الإسلامي أكثر من اهتمامهما بالقضية الفلسطينية.

أما بالنسبة للمنظمات الدينية المتطرفة والجماعات المتشددة في آسيا الوسطى فإن إسرائيل لا تعتبرها بمثابة تهديدات مباشرة للدولة اليهودية ولذلك فإنها تهتم أكثر بأمن بالأقليات اليهودية التي تعيش في بلدان آسيا الوسطى، ولأن هذه المنظمات الإرهابية يمكن أن تصنع وتبلور تهديدًا مباشرًا للأقليات اليهودية في المنطقة، وللحول دون ذلك تشجع إسرائيل على إقامة علاقات وثيقة مع دول المنطقة في الحرب ضد الإرهاب والتطرف وهي تؤكد إن لها خبرة واسعة في القيام بعمليات مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدة الطبية في الظروف القاسية كم تملك تقنيات متقدمة لرصد الأمن.

يتضح من تأمل الذي ذكرناه إن إسرائيل مهتمة في المقام الأول بالسياسة الجغرافية والقضايا الأمنية وان موضوع الأمن لديها هو العامل الرئيسي في سياستها الخارجية لذلك لا يرى أحد تقريبًا “القوة الناعمة” كإستراتيجية لسياسة إسرائيل الخارجية فهناك دائماً دوافع خفية أخرى ويمكن ملاحظة ذلك في مسألة محاولة انفصال كردستان العراق عن العراق حينما دعمتها إسرائيل وهي الدولة الوحيدة التي ساندت إقامة دولة كردية مستقلة.

حاليا يبدو انه ممكنا لإسرائيل بناء علاقة مع العالم الخارجي، بما في ذلك مع بلدان آسيا الوسطى، من دون الأخذ بعين الاعتبار العامل المسلم و العربي عامل، وإذ نظرنا إلى تاريخ تشكيل السياسة الخارجية الإسرائيلية يمكننا أن نرى أن الإستراتيجية الرئيسية للسياستها الخارجية في كثير من الأحيان طبقت بما يسمى بتحالف المحيط الذي يهدف إلى تعزيز سياستها تجاه الاحتواء والعزلة عبر إقامة العلاقات الإستراتيجية مع الجهات الفاعلة غير العربية أو غير الإسلامية في الشرق الأوسط، وكذلك مع بعض الجهات الفاعلة غير الحكومية.

لا تزال هذه الإستراتيجية تشغل مكانة مهمة في السياسة الخارجية الإسرائيلية ولكن مع بعض التغيرات الجيوسياسية في السياسة العالمية والإقليمية وأصبحت تعرف بـالمحـور المعتدل، على الرغم من أن جوهر استراتيجيتها لم يتغير غير إن العدو والتهديد الرئيس لأمنها الرئيس اصبح إيران وليس الدول العربية لذلك تقوم هي بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول آسيا الوسطى وخاصة مع كازاخستان وأذربيجان. ومع أن البنية السياسية لتلك الدول علمانية ولأنها أيضا دولاً غير عربية لذا تعتبرها كمحور معتدل.

أن إسرائيل تعتبر واحدة من رواد العالم في التقنيات المتقدمة في مجالات الزراعة والطب والموارد المائية والصناعات الإلكترونية والتكنولوجيا العسكرية وغيرها الكثير، أكثر من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي هو منتجات عالية التقنية ولقد بدئوا منذ فترة طويلة في التعريف بأنهم أمة من الإبداع، لذلك فلديها القدرة الكافية لتحقيق النتائج المرجوة لسياستها الناعمة في آسيا الوسطى على أساس التعاطف والجاذبية.

إن تساؤلنا حول ما الذي يمكن أن تقدمه دول آسيا الوسطى نفسها من أجل تطوير التعاون مع إسرائيل؟ في هذا الصدد نرى أن دول آسيا الوسطى نفسها يجب أن تمتلك أدوات كافية من “القوة الناعمة” لجذب انتباه إسرائيل. غير إن السؤال الابرز هو هل هناك تنسيق لسياسات إسرائيل مع الولايات المتحدة في آسيا الوسطى؟ وكيف كان اهتمام إسرائيل بالمنطقة عندما شنت الولايات المتحدة حربها في أفغانستان، وما حدث بعد أن تراجع الاهتمام بالمنطقة؟ غير إننا لم نجد تنسيق في الإجراءات بين إسرائيل والولايات المتحدة ولربما يرجع إلى حقيقة أن إسرائيل في المنطقة تعد لاعبا في المستوى الثاني أو حتى الثالث لكن بشكل عام لا توافق الولايات المتحدة على أي تصرفات إسرائيلية في تلك المنطقة يمكن أن تضر بمصالحها.

وبالنسبة لمصلحة إسرائيل في المنطقة أثناء وبعد الحرب الأمريكية في أفغانستان فإنها حاولت أثبات أنها ذات قيمة إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية لاسيما أنها كانت قد فقدت تلك الاهمية إلى حد ما لذا كان لابد لها إن تحاول اعادة ترسيخ نفسها كقيمة إستراتيجية لكن كل المحاولات باءت بالفشل لذا واصلت قلقها بشأن ضرورة الحفاظ على مستقبل علاقاتها مع الدول الأخرى واعتبرت إن جميع الطرق للحفاظ على تلك العلاقة الخاصة مباحة لها، إلى إن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي كانت نقلة نوعية في مكانتها وقيمتها إذ قدمت مبررًا جديدًا لتأكيد حقيقة أنها أهم حليف استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة في فرضية الحرب على الإرهاب.

نرى أن المصالح الأمريكية متطابقة تماما مع مصالح الإسرائيلية في حالة آسيا الوسطى وكلا البلدين مهتمين بالحفاظ على هذه المنطقة خالية من تأثير الأصولية الإسلامية ومن التأثيرات العربية والايرانية، وان المصالح الإسرائيلية تتعلق أكثر بالمنطقة ليس فقط كفرصة لمحاربة الأصولية الإسلامية والعرب، ولكن أيضًا لتعزيز العلاقات الإستراتيجية مع واشنطن. وإن اهتمام إسرائيل بالمنطقة لم يتغير كثيراً على الرغم من أن كازاخستان اليوم لم تعد قوة نووية ولم تكن سياسة العرب وإيران في آسيا الوسطى مثمرة، لذا فمن غير المرجح أن تفقد تل أبيب الاهتمام بالمنطقة لأن كازاخستان هي أكبر منتج لليورانيوم في العالم وتعارض وتنتقد إسرائيل إمدادات اليورانيوم الكازاخي إلى إيران.

حينما نتحدث عن مصلحة إسرائيل في المنطقة فإنها لا تقتصر على الأغراض الجيوسياسية فقط لان التقارب مع دول آسيا الوسطى لا يعني تقليص النفوذ الإيراني أو العربي فقط إنما يعني أيضاً إضافة أصواتاً إيجابية مساندة لها في الأمم المتحدة، وبالإضافة إلى أنها تمتلك مصالح كبرى في مجال الطاقة في المنطقة لاسيما بصناعة النفط التي تعد المصدر الرئيسي لعلاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة إذ انها تستورد 25 في المائة من حاجتها النفطية من آسيا الوسطى.

أما من وجهة النظر الاقتصادية الإسرائيلية فسيستمر النظر إلى آسيا الوسطى كسوق لبيع تقنيات وتكنولوجيا المعلومات الإسرائيلية وبما أن بلدان المنطقة تشعر بالقلق إزاء الأنشطة الإرهابية فيمكن بذلك لها أن تصبح مركز تدريب لوحدات الأمن ومكافحة الإرهاب في بلدان آسيا الوسطى كما أنها ستدعم شراء موارد الطاقة من آسيا الوسطى لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة. ومن وجهة النظر الدبلوماسية فأن من المرجح أنها ستبذل كل جهد ممكن للحصول على الدعم الدبلوماسي والأصوات الإضافية المؤيدة لها من دول منطقة أسيا الوسطى على منصات المنظمات والجمعيات الدولية. وبناء على كل ذلك فمن غير المحتمل أن يتلاشى اهتمام إسرائيل بالمنطقة إنما ستعزز تعاونها مع دول آسيا الوسطى من أجل إبقاء إيران في حالة انعزال غير إن هذا النهج الطموح جداً لربما لن يساهم إلا في صعود المشاعر المعادية لها كما سيؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بالأمن القومي الإسرائيلي، لذلك يمكننا أن نستنتج أن مصالح القوة الناعمة الإسرائيلية في آسيا الوسطى تتمثل وتتحدد في أربعة جوانب رئيسة وهي الجيوسياسية والاقتصادية والطاقة والدبلوماسية.

..............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
الصهاينة لايعتمدون على المعاملة التقليدية ولكن وفق خطط غير عادية
هم يستخدمون كل شيء في الحياة بداية من النساء والمال والطفرة التكنولوجية
وهم لاينفذون هذه الخطط وحدهم ولكن تساعدهم في ذلك مخابرات كبيرة و جهنمية
أحبائي
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه...واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات..مركز ثقافة الألفية الثالثة2018-12-07