آراء وافكار - دراسات

الإصلاحات التشريعية الجنائية وتحقيق العدالة

وفاعلية مخرجاتها للحد من الجريمة

تعتبر إصلاحات التشريعية للسياسة الجنائية عصب التطور نحو بناء الدولة المدنية الحديثة ذات دلالات وواقعية للتطور الديمقراطي للمجتمعات الإنسانية والبحث المقدم يبحث اهم المعايير والدلالات الفلسفية والمنهجية والاجتماعية لإصلاح السياسة الجنائية في العراق وفق المعايير الدولية من المعاهدات والاتفاقيات والمنظور المجتمعي الإنساني الذي يعمل على...

بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018

المقدمة

الجريمة ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالإنسان وعُرفت منذ القدم، وتطوّرت وتعقدت أشكالها وتنوعت مناهجها ووسائلها مع تطور المجتمعات، ومع الانفتاح والتقدم التكنلوجي والتقنية الحديثة أخذت ظاهرة الإجرام بعدا دوليا وأصبحت عابرة للقارات والدول، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في الوسائل التقليدية للآليات والاصلاحات العدالة الجنائية وفي القواعد المنظمة للتجريم والعقاب باعتبارها الأدوات الهامة للسياسة الجنائية.

وتحتل الوقاية من الجريمة المقام الأول ضمن اهتمامات الدول، إذ أن الاستقرار في الحياة العامة والازدهار الاقتصادي والنمو الاجتماعي، كل ذلك رهينة بسلامة المواطن نفسه وحياته وماله وكيانه، والجريمة تشكل تهديدا مباشرا لهذه السلامة بما تحمله من خطر على كيان الإنسان، وبما يحدثه من اضطراب في حياته اليومية، مما يزعزع ثقته بمجتمعه ومحيطه فتتقلص العلاقات الإنسانية، ويصبح الإنسان غريبا في محيطه، منطويا على نفسه، دائم الظن بالسوء تجاه الغير، وهذا من علامات تقهقر المجتمع الإنساني القائم أصلا على ثقة المواطنين المتبادلة، وعلى شعورهم بالأمن والاستقرار، والوقاية من الجريمة ليست حدثا جديدا في حياة المجتمعات الإنسانية بل كانت دوما إحدى اهتمامات الدول والمنظومة المجتمعية.

أولا: أهمية البحث

تعتبر إصلاحات التشريعية للسياسة الجنائية عصب التطور نحو بناء الدولة المدنية الحديثة ذات دلالات وواقعية للتطور الديمقراطي للمجتمعات الإنسانية والبحث المقدم يبحث اهم المعايير والدلالات الفلسفية والمنهجية والاجتماعية لإصلاح السياسة الجنائية في العراق وفق المعايير الدولية من المعاهدات والاتفاقيات والمنظور المجتمعي الإنساني الذي يعمل على حماية حقوق الانسان والحريات الأساسية وحماية المجتمع من الانتهاكات.

ثانيا: مشكلة البحث

ان مشكلة البحث تكمن في الأساس الفكري والفلسفي لكل السياسات والإصلاحات الجنائية يضعنا أمام العديد من التساؤلات والافتراضات تصب في أساس حق الدولة في العقاب وفي صياغة قوانينها الجنائية أو بتعبير أعم في صياغة سياستها الجنائية.

ثالثا: منهجية البحث

ان المحاور التي اعتمدنا عليها في البحث والتطورات الفلسفية والتاريخية للسياسة الجنائية والإصلاحات المنشودة والمعاصرة تحتمت علينا ان ننهج بعدة منهجية علمية في آن واحد منها المنهجية التاريخية لفهم الماضي من الواقع والمنهجية الوصفية والتحليلية للمعايير والأنظمة والقوانين واصلاحات السياسة الجنائية.

رابعاً: تقسيم البحث

لمقتضيات البحث والمناقشة تم تقسيم البحث الى المقدمة وثلاثة مباحث في الأول ناقشنا ماهية الإصلاحات التشريعية والسياسة الجنائية وغاياتها، وفي المبحث الثاني ناقشنا أهم آليات وخارطة الطريق للإصلاحات والسياسة الجنائية في العراق أما في المبحث الثالث بحثنا عن فاعلية مخرجات الإصلاحات الجنائية للحد من الجريمة وتحقيق العدالة وختمنا البحث بجملة من الاستنتاجات والتوصيات.

المبحث الأول
ماهية الإصلاحات التشريعية والسياسة الجنائية وغاياتها

إن الهدف من الإصلاح التشريعي الجنائي لا ينبغي أن يتحدد من خلال الشعور بأنه واجب أو حتمية تفرض نفسها كلما تخلّفت الآلية القضائية عن تحقيق نتائج إيجابية، فهذا الشعور وعلى الرغم من اشتغاله الطبيعي كآلية محفزة على الإصلاح، إلا أنه ينبغي أن لا يصل إلى حد التحكم في فلسفة الاختيار التي ينبني عليها الهدف الأساسي منه، لأن التجربة مهما كانت متواضعة لا تعني قطعا أنها لا تحوز أهميتها كاختيار، كما يحتمل تصور إنجاحه على مستوى الممارسة، يمكن أن يأخذه الواقع في الاتجاه المعاكس، ولعل هذا الاحتمال هو الذي يدفعنا إلى التركيز على أن إصلاح العدالة الجنائية على الخصوص ليس عملية أوتوماتيكية يكفي رصد الوسائل البشرية و المادية لإنجاحها لتصبح حقيقة ثابتة، بل يُعد مشروعا له ثوابت ينطلق منها وتحديات نرغب في رفعها، و من ثم فهو عملية دائمة التطور لأنه يرتبط بأشخاص و يتحكم في مصير مجتمع.

من هنا نبحث ماهية الإصلاحات الجنائية وأهدافها وغاياتها من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: ماهية الإصلاحات التشريعية والسياسة الجنائية

المطلب الثاني: أهداف الإصلاحات التشريعية والسياسة الجنائية وغاياتها

المطلب الأول
ماهية الإصلاحات التشريعية والسياسة الجنائية

لقد اختلف فقهاء القانون في تعريف السياسة والإصلاحات الجنائية، وتعددت التعاريف بتعدد المرجعيات الفلسفية والعلمية ثم الاتجاهات الفكرية والسياسية، فقد عرّفها الفقيه الألماني فويرباخ "بأنها مجموعة الوسائل التي يمكن اتخاذها في وقت معين في بلد ما من أجل مكافحة الإجرام فيه ”، أما مهمة السياسة الجنائية عند فيلبو كراماتيكا " هي دراسة أفضل الوسائل العلمية للوقاية من الانحراف الاجتماعي وقمعه"(1).

ولا بد من التأكيد على أن انطلاق فكرة الإصلاح الحقيقي تستوجب أيضا من إعادة النظر في تحديد القيم والضوابط التي يقوم عليها النظام المجتمعي، صحيح أن الكثير منها ليس مثار جدل، بل أصبح أمر التأكيد عليها يحوز أهمية قصوى خصوصا ما يرجع منها إلى حماية الدولة، نظامها وأمنها ومؤسساتها، وإن كنا هنا نطالب بتكريس الخطاب الزجري في الاتجاه الذي يدفع إلى توعية المواطن بأن الحفاظ على الأمن والاستقرار واجب وطني ومطلب حضاري يعمق فكرة الانتماء ويمتن أسس التعايش الاجتماعي، إلا أنه مازال على التشريعات الجنائية الوطنية أن تبذل مجهودا إضافيا ليس فقط لتحقيق نوع من الانسجام مع الضوابط و المعايير الدولية، ولكن أيضا وعلى وجه الخصوص، من أجل تمكين تقنيات التجريم من الانفتاح على واقع الظاهرة الإجرامية و احتواء تجلياتها الحقيقية في إطار سياسة جنائية توفق وبحكمة تشريعية بين الاستجابة لردود الفعل المجتمعية الحقيقية التي تتطلب تدخلا حاسما على مستوى التجريم والعقاب وبين مجرد استثمار الخطاب الزجري في الاتجاه الذي يجعل منه ضابطا مؤصلا لنماذج السلوك الواجبة الإتباع، و لعل غياب هذه السياسة التوفيقية عن تقنيات التجريم الخاصة هو الذي ساهم في توسيع الهوة بين الرغبة في استئصال الظاهرة الإجرامية و تصاعد وتيرتها من حيث الواقع.(2)

ويمكن تعريف السياسة الجنائية بصفة عامة بأنها مجموعة الوسائل والتدابير التي تحدثها الدولة في فترة زمنية معينة لمكافحة الجريمة وحفظ الأمن والاستقرار داخل البلاد، ويلاحظ في هذا الشأن أن هناك مفهومان للسياسة الجنائية أحدهما ضيق والآخر واسع، فالسياسة الجنائية بالمفهوم الضيق هي مجموعة الوسائل والتدابير التي ينبغي على الدولة تسخيرها لزجر الجريمة بأكبر قدر من الفعالية،

أما المفهوم الواسع للسياسة الجنائية والسائد في الوقت المعاصر فهو لا يقتصر على مواجهة الجريمة بسن تشريعات جزائية وتشديد العقوبات، بل تجاوز الأمر إلى الاهتمام بالأسباب المؤدية إلى استفحال ظاهرة الإجرام بغية التصدي لها والحد من انتشارها، لأن القانون الجنائي فضلا عن طبيعته الفقهية فهو أي القانون الجنائي علم اجتماعي يدخل في مجموعة العلوم الجنائية والتي تبحث في أسباب الإجرام وطرق علاجه. (3)

لذا فإن السياسة الجنائية تعنى بالمرحلة التي تسبق ارتكاب الجريمة وذلك بسن سياسة وقائية شاملة من شأنها أن تحول دون وقوع الجرم، وهذا الأمر يقتضي من الدولة اعتماد خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحسين مستوى المعيشة للأفراد فإجبارية التعليم من شأنها أن تحد من ظاهرة الأمية وانعدام الشعور بالمسؤولية والوعي لدى الناس، وتوفير السكن اللائق من شأنه هو الآخر أن يساهم في معالجة ظاهرة الإجرام إذ الإحصائيات تفيد أن الجريمة تنبع من الأحياء الهامشية التي لا تتوفر على أدنى شروط الصحة، ومحاربة الإدمان على الخمور والمخدرات والقضاء على دور الدعارة والفساد والقمار التي تعتبر سببا رئيسيا في استفحال ظاهرة الإجرام.

المطلب الثاني
أهداف الإصلاحات التشريعية والسياسة الجنائية وغاياتها

أما هدف السياسة والإصلاحات الجنائية حسب مارك أنسل هي الوصول إلى أفضل صيغة لقواعد القانون الوضعي وتوجيه كل من المشرع الذي يضع القانون الوضعي والقاضي الذي يقوم بتطبيقه والإدارة العقابية المكلفة بتنفيذ ما يقضي به القضاء، وتعكس السياسة الجنائية المصالح الواجب حمايتها في الدولة، والقانون هو الذي يحدد المصلحة الجديرة بالحماية من بين المصالح المتناقضة، ولما كانت السياسة الجنائية هي السياسة التشريعية والإصلاحات المتلاحقة في مجال القانون الجنائي و توجه المشرع في اختياره للمصلحة الواجب حمايتها، فقد تأثرت السياسة الجنائية بالفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي لكل دولة والسلطة القابضة للحكم.(4)

وتتوجه سياسة التجريم إلى حماية المصالح الاجتماعية والتي تقتضي حماية المجتمع والإنسان من الاعتداء عليه، وتتضمن سياسة التجريم أيضا بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية العقابية، ومنع إلحاق الضرر بها بإهدارها وتدميرها كليا أو جزئيا أو التهديد بانتهاكها، لأن الأضرار الجنائية ماهي إلا نشاط مخل بالحياة الاجتماعية، وكل مجتمع يحتفظ بقواعده وأفكاره وقيمه التي تضبط النظام الاجتماعي، فالقواعد الاجتماعية تنظم سلوك الأفراد والجماعات التي تمثلهم، وبعض هذه القواعد تهتم بها سياسة التجريم فتنقلها إلى التشريعات العقابية.

وفي هذا الإطار تباشر الدولة وظيفتها الجزائية لحماية المصالح الاجتماعية التي تسود المجتمع فتختار الجزاء الأكثر صلاحية والأقرب إلى التعبير عن مدى تقدير المجتمع لأهمية هذه المصالح فإذا قدرت الدولة أن المصلحة تستحق أقصى مراتب الحماية القانونية عبّرت عن ذلك بالعقوبة التي توقعها على من ينتهك حرمات تلك المصالح، وتتحدد المصالح الجديرة بالحماية الجنائية وفقا لظروف واحتياجات كل مجتمع وتتأثر بتقاليده ونظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويعتبر التجريم هو أقصى مراتب الحماية التي يضفيها التشريع على نوع معين من المصالح التي تهم المجتمع.

وإذا استقرأنا التطور التاريخي للمصالح التي يحميها قانون العقوبات، سوف يتضح مدى تأثرها بنظام المجتمعات البشرية ومقومات حياتها، فالتغيرات الاجتماعية تعكس بوجه عام التحولات التي تلحق بهيكل القيم الاجتماعية، وهذه القيم تمثل في جوهرها مجموعة المعتقدات وأنواع السلوك التي يقبلها المواطنون في بلد معين، وتبدو مظاهرها في وسيلة حياتهم والتعبير عن آرائهم وحتى تتحدد طبيعة كل تغيير اجتماعي فمن الضروري إقامة علاقة بين قواعد السلوك في مجتمع معين وهيكل العلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع، فقاعدة السلوك الاجتماعية تمثل وضعا مقبولا لدى الجماعة أو المجتمع الذي أنشأها، أما العلاقات الاجتماعية فهي الطريق التي يسلك بها الأفراد والجماعات في مجتمع معين، وقد تكون أمرا مقبولا أو غير مقبول، وذلك وفقا للقيم السائدة في المجتمع.

تكشف سياسة العقاب المبادئ التي يتوقف عليها تحديد العقوبات وتطبيقها وتنفيذها، وتحديد العقوبات يأتي مكمل للتجريم الذي لا يقوم وحده بدون العقوبة، ويستأثر به المشرع، ولذا سماه البعض بالتفريد القانوني، أما تطبيق العقوبات وتنفيذها فيتم في مرحلتين متعاقبين هما التطبيق القضائي والتنفيذ العقابي، وقد ربطت جلّ التشريعات الجنائية إتيان الجريمة بتطبيق العقوبة، إذ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني تطبيقا لمبدأ الشرعية.

وتوضح السياسة الجنائية المتبعة في كل دولة الهدف من العقوبات في مراحلها الثلاث التشريعية والقضائية، والتنفيذية وتبين الوسائل المتبعة في تحقيق هذا الهدف، ومن خلاله فان العقوبات تتحدد بصورة مجرّدة في نصوص تشريعية يضعها الجهاز التشريعي في الدولة، ويتولى الجهاز القضائي تطبيقها في الواقع الميداني، وذلك وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تبين الحدود والإجراءات التي يجب على القاضي الالتزام بها.

وبناء على ما تقدم فان السياسة العقابية لكل بلد تتحدد في ثلاثة محاور وهي:

أولا: المجال التشريعي: يرتبط العقاب بالتجريم تمام الارتباط، إذ لا جريمة بدون عقوبة، ولذلك فان العقوبة تأخذ وصفها القانوني من كونها المقابل للواقعة التي يجرمها القانون حيث يتمثل محتوى ومضمون العقوبة في إلحاق الأذى بالجاني إما في حريته أو ماله أو كلاهما معا تطبيقيا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وبناء على المبدأ السابق تربط الجريمة والعقوبة علاقة سببية تفرضها مبادئ العدل، ويلزم القانون باحترامها ومراعاتها لأن هذه العلاقة من إنتاج المشرع الجنائي الذي يعطي للدولة حق الردع العام والخاص وفق مبدأ المشروعية، وتقوم العقوبة في المجال التشريعي على أربعة عناصر وهي:

1. المضمون: ويتمثل في العقوبة التي تمس بمصالح المحكوم عليه، فتنقص من حريته الشخصية أو حقوقه المالية.

2. السبب: لتطبيق العقوبة على الجاني من طرف الدولة لابد من ارتكاب جريمة تمس الحقوق الغير، تكون هي السبب في الحكم عليه بالعقاب أو التدابير الاحترازية الملائمة.

3. المحل: إذ لا جريمة بدون فاعل لها، بحيث لا يجوز الحكم إلا على من ارتكب الجريمة عملا بمبدأ شخصية العقوبات.

4. الحكم الجنائي: وهو الحكم الذي يصدر من قبل القضاء حاملا في طياته عنصر الإدانة الممثل في تنسيب الجريمة إلى المجرم وتحديد العقوبة أو التدابير الاحترازية بحسب ظروف وأحوال ارتكاب الفعل الجرمي.

ثانياً: المجال القضائي: وهو من شقين أحدهما موضوعي ويتناول الأسس الواجب اتباعها عند تطبيق العقوبات المنصوص عليها، والآخر إجرائي يتناول إثبات حق الدولة في العقاب وإجراءات تطبيق العقوبات وتنفيذها، ويتمثل دور القضاء في تطبيق القواعد القانونية (باسم الشعب) بعد التأكد من الوقائع بواسطة وسائل الإثبات المنظمة في قانون العقوبات.

ويعتبر القاضي الجنائي وحده المسؤول عن اختيار العقوبة وفق الإجراءات المنظمة للخصومة الجنائية، هدفه في ذلك إثبات حق الدولة في العقاب وتطبيق العقوبات بوسائل عادلة، فالقاضي هنا يكمن دوره في تطبيق القانون تحت رقابة سلطة عليا متمثلة في المجلس الأعلى للقضاء، حتى لا يتعسف في استعمال الحق تحت ذريعة السلطة التقديرية للقضاء، وهذه الرقابة العليا من شأنها أن تعطي ضمانة هامة لحماية المتقاضين من التجاوزات والتعسفات القضائية.

فالسياسة الجنائية المعاصرة أخذت بمبدأ ضرورة فحص شخصية المجرم وبأهمية قياس التدابير الملائمة وفقا لدرجة خطورته واهتمت بتخصص القاضي للوصول إلى غاية حقوق الإنسان وتوفير الضمانات القانونية خلال جميع مراحل الدعوى الجزائية سواء تعلق الأمر بالراشدين أو الأحداث.

ثالثاً: المجال التنفيذي: يتكون من شقين، أحدهما موضوعي يتناول الأسس الواجب مراعاتها عند التنفيذ، والأخر إجرائي، يبين الإجراءات الواجب إتباعها لتنفيذ العقوبات وفقا لهذه الأسس، وهو المرحلة التي يتحقق فيها الهدف من هذا الاختيار (العقوبة)، ولا يمكن تحقيقه ما لم تعمل السلطة التنفيذية على تحقيقه، غير أن تنفيذ العقاب ليس للإيلام والتشفي والانتقام من الجاني، بل الهدف منه هو إعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع وإبعاده عن السلوك الاجرامي

المبحث الثاني
آليات وخارطة الطريق للإصلاحات والسياسة الجنائية في العراق

نحن في العراق، لا نملك خيارا غير دستور مكتوب، إذ كنا نفتقد إلى ممارسة دستورية تتمتع بالثبات النسبي والاستقرار، ونفتقر إلى أعراف دستورية تنبع من استقرار، ووعي حضاري، وسياسي متقدم، فلا مناص من دستور مكتوب، يؤطر ويؤسس لدولة ونظام سياسي جديدين، لا يتجاوزان حقوق وحريات الإنسان، ولا يغيبان مشاركة الأفراد في إدارة الشأن السياسي للدولة والمجتمع (5)، وهذا الدستور الذي بين أيدينا برغم صعوبة الظروف التي نشا فيها، إلا أن التسارع والعجالة التي نشأت فيها لضغوطات دولية وإقليمية ووطنية سبَّب في تشوه صياغته، وعدم مقبوليته للإجماع الوطني، وبالتالي عدم احترامه، لان مصير الأمة كما يقول (جورج بيردو) يعتمد على عوامل ثلاثة:

دستورها.

الطريقة التي ينفذ بها.

مدى الاحترام الذي يبعثه في النفوس (6).

إذا من الأهمية بمكان أن يكون للعراق دستورا دائما، والاهم من ذلك الطريقة التي ينفذ بها ومدى الاحترام الذي تحيطه له الأمة العراقية، لذلك فالحاجة ملحة لإعادة النظر في الدستور في أقرب فرصة لمجلس النواب وبدونه تبقى الخلافات تعصف بالوضع العراقي عند كل مفترق ومناسبة وحدث، ولان الإطار الدستوري التشريعي لابد أن يستقر وتستند عليه المنظومة القانونية التي تسير عليها السلطة التنفيذية. وعليه يمكن دراسة هذا المحور الحيوي في المطلبين التاليين:

المطلب الأول: ضرورات إصلاح السياسة الجنائية في العراق

المطلب الثاني: الآليات المقترحة وخارطة الطريق للإصلاح الجنائي في العراق

المطلب الأول
ضرورات إصلاح السياسة الجنائية في العراق

ولابد من خريطة الطريق لآليات وإصلاح المنظومة القانونية برمتها في العراق والجنائية على وجه الخصوص بما يتماشى ومواكبة التطورات الدولية والوطنية التي لابد من توافق القوانين الوطنية مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق العراق عليها خلال السنوات القليلة الماضية ومطابقة الهيكلية المؤسسية للدولة العراقية التي مازالت تعتمد القوانين النافذة لسنوات طويلة، وقرارات بقوة القانون التي صُدرت في عهد النظام السياسي السابق والتي تحتاج بلورتها مع معطيات الدستور الدائم للعراق بعد إجراء التعديلات الضرورية عليه للتوائم مع الدستور.

إن تطور الإنسان والحضارة عبر التاريخ وتآلف الأفراد في مجتمعات ودول وقارات أدت إلى وضع قوانين وأنظمة سنت حدودا للحقوق والتصرفات فجُرّمت أفعالا لا تتفق مع النظام العام وأحدثت لهذه الغاية سلطات أنيط بها البحث وإقامة الدعوى العمومية وتوقيع العقوبات والعمل على تنفيذها.

لكن في العصر الحديث الذي أضحى فيه العالم قرية صغيرة بحكم ثورة الاتصالات وهي إحدى الآليات المهمة للعولمة التي مكّنت من تخطي الحدود واجتيازها رغم تأثيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ورغم ما تحمله هذه العولمة من جوانب الهيمنة والسيطرة والتسلط، فإن الجريمة أصبحت عالمية لا حدود لها دوليا أو اقليميا، ولا تشكل عدوانا على حرمات الأوطان فحسب وخصوصياتها ومعتقداتها واقتصادياتها بل ما تشكله من مخاطر على حياة بني البشر جميعا.

وعولمة الجريمة زاد الأمر تعقيدا، إن لم نقل أصبح من المستعصي مكافحة ظاهرة الإجرام في صورتها الحالية، ذلك أنها لم تعد مرتبطة بحيز مكاني محدود أو زمان معين ولم يعد الأمر يتعلق بأشخاص معينين في ذواتهم يمكن تتبع نشاطهم ومراقبة سلوكهم وتحركاتهم المريبة، بل لم تعد الحدود الفاصلة بين الدول عائقة أمام النشاط الإجرامي، فأمام التطور التكنولوجي الحديث، أصبح في إمكان شخص في أية دولة مثلا أن يساهم في ارتكاب جريمة خطيرة في بلد آخر لا يرتبط بأية حدود مشتركة بينهما وذلك بمساهمة أشخاص آخرين ربما تختلف إقامتهم وجنسياتهم.(7)

أمام خطورة هذه الوضعية أصبحت الدول بأسرها مطالبة بالتفكير في إعادة النظر في سياساتها الجنائية بصفة عامة وذلك بإيجاد خطط وأساليب تتجاوب وتطور الجريمة المرتبطة بالتقدم التكنولوجي، بل إن هذه الدول لم تعد تجديدا من خلق وسائل جديدة للتعامل مع بعضها في إطار تتبع المجرمين ومواكبتهم أينما حلوا وارتحلوا، وأن تجد إطارا جديدا للتعاون المثمر في هذا المجال خصوصا وأن التعاون الدولي التقليدية أصبحت متجاوزة لما يكتنفها من تعقيد في الإجراءات وبطيء في التنفيذ.

المطلب الثاني
الآليات المقترحة وخارطة الطريق للإصلاح الجنائي في العراق

أولا: آلية إصلاحات المنظومة القانونية

1. تشكيل لجنة مساندة للجنة مجلس النواب (الآنف الذكر) من فقهاء القانون واللغة العربية بكل اختصاصاتهم الدقيقة من الأكاديميين والتدريسيين من الجامعات العراقية كافة لوضع صياغة قانونية ولغوية وفنية دقيقة ومتينة بعيدة عن الأهواء السياسية والمصطلحات العاطفية التي تسبّب التأويل والغموض والتشكيك نحو المواد الدستورية عند التطبيق وتكون صياغات اللجنة مصونة من السياسيين.

2. ولان (المادة 126) من الدستور وضع آليات التعديلات الدستورية بشأن بعض القضايا التي يمكن التعرض بتعديلها بعد دورتين لمجلس النواب ولكن المادة 142 هي فرصة دستورية لتعديل أهم المواد الخلافية التي سبَّبت الماسي للشعب العراقي خلال السنوات الأربع المنصرمة.

3. بما إن الإطار التشريعي ينبع من الدستور ويستند اليه، فلابد من قرارات جريئة بشأن إصلاح المنظومة القانونية للدولة على ضوء الدستور الدائم للبلاد بعد التعديلات المطلوبة والتي ما يزال تحمل المزيد من الاضطراب ما بين الدستور والقوانين المطبقة والتي تؤثر سلبا لحياة المواطنين ومراكزهم القانونية أمام الدولة، فمن الضرورة بمكان إنشاء لجنة قانونية موسعة وبإسناد من فقهاء القانون بكل اختصاصاتهم والتدريسيين واللغويين وأصحاب الاختصاصات غير القانونية في الاقتصاد، وعلوم السياسة، والاجتماع، والطب، والتعليم، والتربية والزراعة، والبيئة، والعلوم المختلفة، لدراسة المنظومة القانونية في العراق بشكل متأن وتدريجي للنظر في تعديلات المنظومة القانونية بما يتوائم مع الأوضاع الدولية والتطورات السياسية التي حصلت في العراق، بغية تحسين الأوضاع القانونية والأمنية، والحقوقية، المعاشية، والصحية، والتعليمية، والخدمية وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطن العراقي ذلك لرفع معاناة المجتمع العراقي من البيروقراطية الورقية والآليات العقيمة التي يواجها المواطن في الحياة اليومية لاستقرار وثبات المركز القانوني للإنسان العراقي بين حقوقه والتزاماته على وفق الدستور.

4. بعد التوصل إلى حزمة المقترحات بشأن كل القوانين النافذة والتي تتعارض مع قيم المجتمع العراقي في الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، يتم عقد مؤتمرات تخصصية ومناقشات موسعة لتلك القوانين بكل جوانبها والتي تحتاج إلى التعديلات وبيان مواضع الخلل فيها يمكن اقتراح تعديلها أو الإقرار بعدم صلاحية قوانين أخرى يمكن إلغائها واقتراح مشاريع قوانين جديدة، وبعد الانتهاء من تلك المؤتمرات التي يمكن أن تكون تحت تسمية (مؤتمرات إصلاح المنظومة القانونية في العراق) تُدفع تلك المقترحات إلى مجلس النواب لدراستها ولتأخذ دورها وبحسب الآلية الدستورية إلى إقرارها وإصدارها قوانين صالحة للنفاذ وبالتالي إلغاء القوانين التي لا تُصلح.(8)

ثانيا: ضرورة الإصلاحات الجنائية

يعتبر النظام القانوني الجنائي في العراق هو عصب الحياة المؤسسية والقانونية حيث يتناول هذا القسم من القانون معالجة اهم المشاكل التي تهدد سلامة الانسان بصورة مباشرة، وهي جرائم القتل، والسرقة، والاغتصاب، والتزوير، والرشوة، واضف اليها الجرائم التي ولدت مع الظروف الراهنة الدولية والإقليمية من جرائم الإرهاب والخطف والتفجيرات وما تتعلق بالجرائم الدولية الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والجرائم الالكترونية والجرائم الاقتصادية من الفساد المالي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وبما أن القانون الجنائي هو مجموعة القواعد الشكلية والموضوعية التي تتعلق بتحديد المسؤولية عن افعال معينة وفرض العقوبات المناسبة لها لذا فان القانون الجنائي يتكون من القوانين العقابية التي تمثل القواعد الموضوعية والقوانين الاجرائية الجزائية تشكل القواعد الشكلية، وتشريع القانون الجنائي يخضع لسياسة جنائية هدفها كما اسلفنا سابقا حماية المجتمع من مخاطر الاجرام لذا فان الانظمة الديمقراطية تسعى الى تطوير سياستها الجنائية بما يخدم الهدف الرئيسي في تحقيق الأمن الاجتماعي فجميع السلطات في الدولة (التشريعية، التنفيذية، والقضائية) يقع ضمن مسؤوليتها تنفيذ السياسة الجنائية بما يحقق الهدف المشهود.(9)

ومن خلال تدريسنا للمواد الجنائية العقوبات واصول المحاكمات الجزائية ومن واقع الحال والفجوة الكبيرة بين الدراسة والواقع العملي والاجرائي في المحاكم وفي المراحل المختلفة من الإجراءات من سلطات التحقيق الى سلطة قاضي التحقيق وقاضي الموضوع والمحاكم التمييزية نرسم بعض المؤشرات التي تحتاج الى التعديل والإصلاح ومنها:

1. رغم التغيير الذي اجتاح المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها في جميع مفاصل الحياة العامة في العراق الا ان الإصلاحات في المنظومة القانونية وخاصة الإصلاحات الجنائية لم تشهد أي تغير أو اصلاح ملموس لتحقيق العدالة الجنائية التي تواكب التطور الذي يشهده العالم من حولنا.

2. ومن المعروف ان التشريعات القانونية العراقية والجنائية على وجه الخصوص قد تشهد لها من المشرعين والفقهاء في العالم العربي والدولي انها كتبت وصيغت من قبل النخب القانونية والتشريعية العراقية بقدر كبير من الرصانة والفهم والمتانة الا انها تحتاج الى التعديلات التي تضمن ضمانات العدالة وحماية الفرد والمجتمع وحقوق الانسان وفق المعايير الدولية الى جانب حماية المصالح العامة للدولة والنظام السياسي الديمقراطي في العراق.

3. ضرورة إعادة النظر في قانون العقوبات بقسميه العام والخاص على رأي الأكاديميين والاختصاصيين في مجال القانون الجنائي لما يشوبه من نقص تشريعي وغموض اجرائي في بعض مواده التي لا يسع هنا ذكرها وتفصيلها الا أن من الأهمية بمكان ضرورة الالتفات الى بعض المبادئ التي ينبغي ان تأخذ طريقها في الإصلاح الجنائي في العراق لتواكب المعايير الدولية وتحقيق العدالة الجنائية المعاصرة ومنها:

أ‌- يجب ان تكون النظرة العلمية الى المجرم والجريمة والمجني عليه لتحديد مفهوم جديد لموانع المسؤولية وفي رسم آليات اصلاح المجرم وحماية المجتمع معاً.

ب‌- التأكيد على أن يشمل الدفاع الشرعي وحالة الضرورة لحماية مصالح الدولة والمجتمع والاموال العامة.

ت‌- التأكيد على حماية حقوق الانسان ومواجهة الظواهر الاجرامية (العنف ضد المرأة، الطفل، وصيانة حقوق وحريات الانتماء، وحرية المعتقدات الدينية والسياسية مع الغاء كافة النصوص القانونية الجنائية التي تنتهك هذه الحقوق استناد الى المواثيق الدولية ذات الصلة.

ث‌- ضرورة إيجاد قسم خاص بالجرائم الدولية الواقعة على السلام العالمي والانسانية وحقوق الانسان مثل جرائم الحرب، والابادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وأعمال الإرهاب.

ج‌- ضرورة تشديد العقوبات على الجرائم الواردة في قانون العقوبات والمتعلقة بالرشوة واستغلال نفوذ السلطة والاختلاس وهدر المال العام واستغلال الوظيفة لمواجهة آفة الفساد المالي والإداري التي تجتاح مفاصل الدولة.

4. ضرورة مراجعة قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي هو الآخر يشوبه في قدم بعض مواده الاجرائية وإعادة صياغة بعض موادها واضافة مواد إجرائية أخرى يرى المختصين انها باتت ضرورة قصوى لتحقيق العدالة الجنائية الناجزة امام الكم الهائل من الدعاوى أمام المحاكم بمختلف درجاتها ومن تلك الضرورات إيجاد مايلي:

أ‌- نظراً لكثرة الدعاوى الجزائية المتكدسة في مراكز الشرطة والمحاكم وتأخر حسمها، امكانية ايجاد بدائل قانونية لحل المنازعات والخصومات بين المتقاضين خارج أروقة المحاكم مثل التحكيم.

ب‌- التوسع لعدد كبير من الدعاوى بمواد الصلح وتوسيع سلطة الفرد بالمصالحة وقبولها.

ت‌- توسيع الطعن بقرارات المحاكم الابتدائية أمام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية.

ث‌- اخضاع جميع سلطات التحقيق أينما وجد أعضاؤها في الشرطة أو الأمن أو المخابرات أو أي دائرة أو مؤسسة اخرى مثل جهاز مكافحة الارهاب الى سلطة قاضي التحقيق في اداء واجباتها واعطاء قاضي التحقيق جميع الصلاحيات الانضباطية لفرض أي عقوبة بحق القائم بالتحقيق عند تقاعسه في أداء واجبه بالإضافة لصلاحياته في الاحالة الى المحاكم المختصة عند وجود الجريمة. (10)

ج‌- تفعيل دور الادعاء العام ومنحه صلاحيات واسعة لتفتيش السجون ومراكز الأمن والشرطة والمخابرات وبمعاقبة جميع العاملين في تلك المؤسسات بالعقوبات الانضباطية في حالة وجود أي تقصير في أداء الواجب، وللادعاء العام الحق بإحالتهم الى المحاكم المختصة في حالة ارتكاب جريمة أو مخالفة.

ح‌- استحداث قاضي جديد يسمى بـ (القاضي القريب) في كل منطقة أو محلة ويختص بالنظر في المخالفات البسيطة مثل حوادث السير، والمشاجرة بين الاطفال والجيران، والضوضاء لتخفيف الزخم عن المحاكم وسرعة انجاز الدعاوى.

المبحث الثالث
فاعلية مخرجات الإصلاحات الجنائية للحد من الجريمة وتحقيق العدالة

أن العامل الزمني لتحقيق العدالة الانتقالية وبالتالي تحقيق إصلاح منظومة العدالة الجنائية مهمّ ومحوري وعلى الجميع أن يقتنع أن الانتقال الديمقراطي لن يكون سهلا وسيتطلب البحث لسنوات في الإصلاحات وصياغتها ومن ثمة تجسيدها على الأرض الواقع، وان إصلاح منظومة العدالة الجنائية يجب أن يستند إلى مرجعيات تعتمد على المعايير الدولية التي تحترم حقوق الإنسان لضمان ملاءمتها مع الواقع والسعي والإسراع في الإصلاحات القانونية الجنائية، العراق انشغل طيلة السنوات المنصرمة ما بعد التغيير النظام السياسي بالعملية السياسية وحدها واجتاحت الأوساط السياسية بالخلافات العرقية والمذهبية والطائفية ولازال والتي اسقطت ظلالها القاتمة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتعليمية والتنموية وغيرها فتراجعت بدلا من التقدم والتطور والازدهار وفاعلية اية مخرجات للإصلاحات الجنائية لا تظهر جليا في خضم هذه الفوضى الا مع استقامة الأمور وعلاقة الإصلاحات الجنائية مع الإصلاحات الأخرى المرتبطة معا ولمناقشة الإصلاحات الجنائية وعلاقتها بالأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية للحد من الجريمة وتحقيق العدالة نقسم البحث الى المطلبين التاليين:

المطلب الأول: الإصلاحات الجنائية وعلاقتها بالأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

المطلب الثاني: فاعلية الإصلاحات الجنائية للحد من الجريمة وتحقيق العدالة.

المطلب الأول
الإصلاحات الجنائية وعلاقتها بالأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية

من نافلة القول ان الجرائم التي تجتاح أي مجتمع ماهي الا ردود أفعال للأفراد الذين لم يتحصنوا كفاية للأوضاع الشاذة السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وبالتالي تؤدي بهم الى السلوك المنحرف نحو هاوية الجريمة ضد الأفراد والمجتمع، وبداية الإصلاحات تحتاج الى خطوات جريئة ومهمة وجوهرية لتكون الفاعلية الإيجابية المطلوبة من مخرجاتها، وتلك الخطوات ممكن ايجازها بما يلي:

أولا: تحرير القوانين والإصلاحات الجنائية من قيود السياسيين ومصالحهم.

ثانيا: التكلفة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية للإصلاح الجنائي.

ثالثا: التقييم والرقابة لمنظومة المجتمع المدني لترسيخ دولة القانون والمؤسسات. (11)

انّ العدالة الجنائية لا يمكن أن تتحقق دون إصلاحات جوهرية تشمل مؤسسات وأطرافا ذات علاقة كالمؤسسة القضائية والمؤسسة الأمنية التي كانت على مدى عقود طويلة مؤسسة قمع لا مؤسسة لتطبيق القانون وضمان تحقيق العدالة، كما أن الاحتكام والرجوع إلى الخبرات الدولية في مجال إصلاح العدالة من الآليات المهمة التي ستساعد على تكريس الإصلاحات وتحقيق العدالة الجنائية الانتقالية، وضرورة ضبط استراتيجيات عملية اصلاح المنظومة الجنائية وادراجها في إطار الاصلاح المجتمعي ويتكون نظام العدالة الجنائية من ثلاثة أقسام رئيسية:

1. التشريعي (خلق القوانين)

2. القضائي (المحاكم)

3. التأديبي (السجون، الحبس، المراقبة والإفراج المشروط)

في نظام العدالة الجنائية تعمل هذه الوسائل المتميزة معاً على حدٍ سواء تحت سيادة القانون واعتبارها الوسيلة الرئيسية للمحافظة على سيادة القانون في المجتمع.

ونؤكد على أن أكبر المشاكل التي تواجهها أغلب الدول – بما فيها الأكثر ديمقراطية – الحجم الهائل والمقلق الذي عليه ظاهرة الجريمة، و كثيرا ما تم إرجاع تفاقم تلك الظاهرة الجرمية للمشاكل الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وبل حتى الثقافية التي تعاني منها بعض الدول، و باعتقادنا يكفي استحضار الطبيعة المنظمة التي أصبحت عليها ظاهرة الجريمة و المستوى المعقد الذي أصبحت تعرفه طرق ارتكابها والفضاءات الأكثر ديمقراطية التي بدأت تفضل أن تحيا فيها، ليتوفر لدينا المبرر الموضوعي للتشكيك في المعطيات التي تربط بين تخلف الدولة و تنامي ظاهرة الجريمة.(12)

صحيح أن مستويات الإجرام، طبيعته وطرق ارتكابها، تختلف بحسب تقدم الدولة ومدى قدرتها على توفير معطيات العيش الضرورية للحد من تفاقم التناقضات الاجتماعية، إلا أن صعوبة ضبط آليات العيش داخل المجتمع المنظم، كانت وستبقى الحقيقة الدالة على وجود هامش من الاختلال لابد وأن تحيا فيه ظاهرة الجريمة على الأقل باعتبارها ظاهرة اجتماعية تفرض وبشكل دائم ضرورة الانتباه إليها، بل وتكريس واجب الترقب لمستويات تطورها خصوصا بعدما أصبحت لا تعرف حدودا وطنية وأخطارها بدأت تهدد المجتمع الدولي في كل مكوناته وجغرافيته.

المطلب الثاني
فاعلية الإصلاحات الجنائية للحد من الجريمة وتحقيق العدالة

ان الإصلاح الجنائي هدف طموح كبير ينبغي الوعي باستمرارية الرغبة في تحقيقه، يكفي استحضار المعطيات الأساسية التي نعتبرها الهدف الأسمى من أي إصلاح، و المتمثلة في أن القضاء أمانة تزكيها ثقة المواطنين فيه، و لعل العدالة الجنائية تعكس وبكل المقاييس هذه الحقيقة، لأن إصلاحها و كما سبق القول، يتحكم في مصير المجتمع – بالمفهوم الايجابي – ويحدد له ضوابطه و يقوّم سلوكه ومن ثم كان من الضروري والحتمي كذلك التفكير في أن فضاء العدالة الجنائية لا يتغذى فقط بحكمة القانون و التمسك بكل صرامة بتطبيقه، بل أيضا بما يرمز له من تمسك و دفاع عن الخصوصيات التي تميّز النظام المجتمعي.

وقد يعتقد البعض أن ربط إصلاح العدالة الجنائية بما ترمز له هذه الأخيرة من دفاع عن القيم المجتمعية يتسم بالكثير من السطحية، الشيء الذي من شأنه أن يفرغ فكرة الإصلاح من محتواها الحقيقي. إلا أننا نرى واجب التذكير بأننا مازلنا بصدد تكريس المشروع المجتمعي الوطني العراقي المتميز الذي يحتاج إلى تظافر كل الجهود من أجل إنجاحه وبالخصوص تحديد القيم المجتمعية التي يقوم عليها مفهوما وفلسفة وتطبيقا، وما من شك في أن الحديث عن النزاهة و الاستقامة و الإيمان العميق بشرف الوظيفة القضائية أمور لا خلاف حولها كمبادئ أساسية، لكن الإشكال يطرح عندما تأخذ تلك المبادئ شكل سلوك يواجه تحديات ومصاعب الواقع، فيصبح بالتالي حجم المبدأ أكبر من أن تكرسه طبيعة الممارسة القضائية مادام أن فكرة الإصلاح خصوصا في المحور الجنائي لا تستهدف فقط تقديم الحلول الناجحة والحاسمة للحد من تنامي ظاهرة الجريمة، بل تندرج في إطار فلسفة عميقة تجعل من العدالة الجنائية مقياسا لتحضر الدولة و محصنا للمجتمع من كل السلوكيات المحتملة، ولعل ضرورة الوعي بهذه الأمانة التي يتحملها القضاء في المجال الجنائي هو الذي سيعطي لفكرة الإصلاح أبعادها السامية النبيلة، بحيث كلما وقع الدفع بهذه الأخيرة في الاتجاه الذي يبحث عن إضفاء مزيد من الثقة في هذه المؤسسة القضائية، كلما أصبح بالإمكان أن يعوّل عليها لرفع الكثير من التحديات الوطنية والدولية كذلك.

و لسنا هنا بحاجة إلى التأكيد على الدور الاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن أن تلعبه العدالة الجنائية – و على خلاف ما يعتقده البعض – كمساهمة فاعلة في تحقيق الأمن والاستقرار كما سبق القول، بل لا بد أن نضيف كذلك لهذا الدور المهم الفرص الهائلة التي يمكن أن يوفرها قضاء جنائي يحظى بالثقة لتكريس ثقافة السلم الاجتماعي، و هو ما نعتبره الهدف الأسمى الذي ينبغي أن تتشبع به فلسفة الإصلاح، وقد ركزت الدراسات الحديثة على مبدأ الرعاية اللاحقة بعد الإفراج، بحيث لا يترك المفرج عنه من المؤسسة العقابية فريسة للعوامل التي أدت به إلى السلوك المنحرف، بل يجب العمل على إزالتها من طريقه، ومد يد العون له لإيجاد عمل أو مسكن، وإيجاد حلول للمشاكل التي تقف حائلا دون دمجه في المجتمع نتيجة للفترة التي يكون قد أمضاها داخل السجن، ويتعين أن تبدأ هذه المرحلة قبل الإفراج وتستمر بعده وفق احتياجات ومتطلبات كل مفرج عنه على حدة، إن الحديث عن المؤسسة العقابية كإطار للإصلاح والتأهيل وتواصله مع المحيط الخارجي، يصب في مقاربة والتمحور حول ركائز ثلاثة وهي:(13)

أولا: التواصل من أجل خلق جو ملائم للإصلاح والتأهيل وإعادة الإدماج، ومن الأهمية بمكان انخراط إدارة السجون وإعادة الإدماج في برنامج تأهيلي وفق برنامج منهجي محكم، يحمل فيه مشعل الإصلاح، والاهتمام بالجانب الاجتماعي للنزلاء، وخلق روح التواصل والتعاون والانسجام في إطار تركيز المشرع على جملة من الإجراءات من للأنشطة المختلفة، من رياضة، وموسيقى، ومسرح وقاعات للرسم، ومكتبة للكتب ناهيك عن رصد الإبداعات الأدبية لما لذلك من تأثير على الحس النفسي وصقل المواهب، ومعالجة إشكالية الانطواء والتفرد في صفوف النزلاء، وبالتالي تهيئة جو ملائم لإشغال الفراغ أن يستثمر فيما يعود على النزيل بالنفع والفائدة، ولكي لا يكون أداة انحراف في ممارسة نشاطات ضارة كالعنف ضد باقي النزلاء ومطالعة الكتب الفاسدة والاجرام، وتعاطي المخدرات، ومطالعة الكتب المحتوية على تحطيم القيم المعنوية أو المتضمنة قصصا إجرامية أو صورا جنسية ترمي إلى الإغراء وإثارة الشهوات.

ثانيا: التواصل من أجل إعداد النزيل نفسيا قبل الإفراج عنه، وإن التركيز على الجانب النفسي يعتبر من الأهمية بمكان لدى النزيل قبل الإفراج عنه تهيئا لإدماجه، من خلال توعيته وتحسيسه ومن خلال تكوينه وتأطيره وما وفر له خلال اعتقاله من أرضية تمكنه من شق طريقه في الحياة باتزان وثبات لاسترجاع مكانته ودوره داخل النسيج الاجتماعي، حتى يصبح صالحا لنفسه ولغيره.

ثالثا: تفعيل الدور التربوي والاجتماعي للمؤسسة السجنية وعلاقته بالمحيط الخارجي، وفعاليات المجتمع المدني، إن إشكالية تفعيل الدور التربوي والاجتماعي للمؤسسة العقابية يقتضي تدعيم جسور التواصل مع فعاليات المجتمع المدني، من هيئات ومنظمات حقوقية وتربوية وإنسانية ذات الاهتمام بالشأن الإنساني للسجناء المفرج عنهم، بهدف النهوض بوتيرة الإصلاح وفق برامج ومخططات مشتركة، ترمي إلى الحد من الانحراف والوصول الى الإصلاح المستدام.

الخاتمة:

مما تقدم من البحث والدراسة في محل البحث الإصلاحات التشريعية الجنائية وتحقيق العدالة وفاعلية مخرجاتها للحد من الجريمة توصلنا الى جملة من الاستنتاجات والتوصيات لعلها تكون ذات فائدة للباحثين والدارسين في المستقبل وكما يلي:

أولا: الاستنتاجات

1. ظهرت من الدراسات ان الجريمة ظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى وان الظروف الاجتماعية والاقتصادية لها علاقة في الظاهرة الاجرامية وانتشارها.

2. ان السياسة الجنائية لا تعني سن تشريعات جزائية وتشديد العقوبات من جانب الدولة لردع منتهكي القانون وحماية المجتمع، بل علم يدخل في مجموعة العلوم الجنائية التي تبحث عن أسباب الجريمة وطرق علاجها.

3. من وظائف الدولة الأساسية هو حماية المجتمع والمصالح المجتمعية والفرد الى جانب حماية مصالح الجديرة بالحماية الجنائية والقيم المجتمعية ضد الخارجين على القانون وقيم المجتمع.

4. من خلال الدراسة ظهرت ان الجريمة في الوقت المعاصر ليست لها حدود جغرافية أو زمانية ومكانية، الجريمة اصبحت تنطلق في فضاءات مفتوحة بفضل التقدم العلمي والتكنلوجي وتأثير العولمة على المجتمعات البشرية.

5. كشفت الدراسات الحديثة على أهمية تطبيق مبدأ الرعاية اللاحقة بعد الافراج بحيث لا يترك المفرج عنه من المؤسسة العقابية ويترك للعوامل التي أدت به الى السلوك المنحرف وارتكاب الجريمة.

6. من خلال البحث والدراسة والواقع التي نلمسها ان المنظومة القانونية الجنائية في العراق تشوبها الثغرات والنقص في المنظومة العقابية والاجرائية معا.

ثانيا: التوصيات

1. بما ان للجريمة علاقة وثيقة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية لذا فمن الضروري إيلاء الدولة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع لتهذيب السلوك الاجتماعي وتوفير أسباب العيش الكريم للأفراد وتجفيف منابع الجريمة في المجتمع بالسلم والتصالح المجتمعي مع مكوناتها.

2. تفعيل دور المدعي العام في المنظومة القضائية العراقية لممارسة الرقابة والمتابعة على المحاكم والسلطات التحقيقية المختلفة لضمان توفير أسس العدالة الجنائية وتوفير ضمانات العدالة في مختلف مراحل المحاكمة الى جانب تسريع انجاز إجراءات المحاكمة لمنع تكديس الدعاوى في المحاكم.

3. هناك ضرورة ملحة الى اصلاح المنظومة القانونية للعراق وبخاصة المنظومة الجنائية في شقيها العقابية والاجرائية في مجال السياسة الجنائية وتشريع الإصلاحات لتفعيل منظومة الحماية لمصالح المجتمع ضد الجريمة ومرتكبيها، لما يتعلق تلك المنظومة لحقوق الانسان والحريات الأساسية للأفراد لتحقيق العدالة المجتمعية.

4. لابد من استعانة العراق بالاتفاقيات الدولية والخبرات في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب بالدرجة الأولى وبالشراكة مع الدول الأخرى لتبادل المعلومات والانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية والاتفاقيات ذات الصلة لحماية الشعب العراقي من الجرائم التي ترتكب بحقه وتحصين العراق من أية مظاهر ضد أمنه واستقراره.

...................................
الهوامش
1. أمل المرشدي، السياسة الجنائية المفهوم والتطور، دراسة عن السياسة والإصلاح الجنائي جامعة سيدي محمد بن عبد الله للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، 2008
2. الدكتور فريد السموني، القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، دراسة مقدمة الى كلية الحقوق المحمدية المنشورة في الموقع الالكتروني: www.alkanouia.com
3. توجهات السياسة الجنائية الجديدة في مكافحة الظاهرة الإجرامية، دراسة منشورة في الموقع الالكتروني:www.blog.saeeed.com
4. أمل المرشدي، السياسة الجنائية المفهوم والتطور مصدر سابق
5. الدكتور خميس البدري، العملية الدستورية ص5 مجلة أوراق عراقية العدد 3 تموز 2005، مركز الفجر للدراسات والبحوث العراقية.
6. الدكتور خميس البدري، العملية الدستورية ص6 مجلة أوراق عراقية العدد 4 تموز 2005، مركز الفجر للدراسات والبحوث العراقية.
7. توجهات السياسة الجنائية الجديدة في مكافحة الظاهرة الإجرامية، دراسة منشورة في الموقع الالكتروني:www.blog.saeeed.com المصدر السابق
8. المستشار الدكتور عزالدين المحمدي، أبحاث ودراسات في تجربة العدالة الانتقالية في العراق، اعداد وتحرير الدكتورة نهى درويش، التقديم الدكتور حيدر سعيد، بغداد 2011
9. الدكتور شاهين يونس، نحو اصلاح التشريع الجنائي العراقي، دراسة منشورة في الموقع الالكتروني www.tgmag.net
10. الدكتور شاهين يونس، نحو اصلاح التشريع الجنائي العراقي المصدر السابق.
11. تغريد جابر إصلاح نظام العدالة الجنائية مرتبط بإصلاح المؤسسة الأمنية والقضائية، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائيwww.primena.org
12. الدكتور فريد السموني، القانون الجنائي والمسطرة الجنائية مصدر سابق
13. توجهات السياسة الجنائية الجديدة في مكافحة الظاهرة الإجرامية، دراسة منشورة في الموقع الالكتروني: www.blog.saeeed.com مصدر سابق
...............................
المصادر
1. أمل المرشدي، السياسة الجنائية المفهوم والتطور، دراسة عن السياسة والإصلاح الجنائي جامعة سيدي محمد بن عبد الله للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، 2008
2. تغريد جابر إصلاح نظام العدالة الجنائية مرتبط بإصلاح المؤسسة الأمنية والقضائية، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائيwww.primena.org
3. الدكتور خميس البدري، العملية الدستورية ص6 مجلة أوراق عراقية العدد 4 تموز 2005، مركز الفجر للدراسات والبحوث العراقية.
4. الدكتور خميس البدري، العملية الدستورية ص5 مجلة أوراق عراقية العدد 3 تموز 2005، مركز الفجر للدراسات والبحوث العراقية.
5. الدكتور شاهين يونس، نحو اصلاح التشريع الجنائي العراقي، دراسة منشورة في الموقع الالكتروني www.tgmag.net
6. المستشار الدكتور عزالدين المحمدي، أبحاث ودراسات في تجربة العدالة الانتقالية في العراق، اعداد وتحرير الدكتورة نهى درويش، التقديم الدكتور حيدر سعيد، بغداد 2011
7. الدستور العراقي لسنة 2005
8. قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969
9. قانون أصول المحاكمات الجزائية 23 لسنة 1971
10. المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي.

اضف تعليق