طرح اللقاء بين السرد والحدث عدة تحديات وإحراجات تتعلق بالنزاع بين الذاكرة والنسيان وبين الماضي التاريخي الشمولي والراهن الثوري وأعاد على بدء التفكير في مسألة الهوية والخصوصية ومقارنتها بالكونية والعالمية. غير أن التوجه نحو إعادة تكوين الهويات على أساس سردي أحدث بدوره قطيعة بين المرجعيات...

استهلال

" ينبغي ألا يستغرب الفيلسوف من هذه العودة الى الحدث التي تسمح له هنا بالتذكر بأن علم التاريخ لا يقدر على قيادة الحدث"1

ربما من أهم دواعي ظهور كوكبة من الفلاسفة في الحقبة المعاصرة يهتمون بالحدث ويدورون في فلكه هي هيمنة الافتراضي على الواقعي والاصطناعي على الطبيعي واللاّسوي المرضي على السوي العادي وغلبة الحاجات المتزايدة على الضروريات المحدودة وطغيان العرضي والمداهم على المعلوم والمظهر على الجوهر دون أن نهمل تعرض المفاهيم الكونية والتصورات التاريخية الى القلب والخلط والتلبيس.

غير أن ظهور الحدث من جهة أولى في رواق الفلسفة ليسا أمرا طارئا ولا يعتبر بيّنة على من ادعى التفلسف بالمعنى المعاصر للعبارة بل قديم قدم التفكير الفلسفي ويرتبط بالمهمة المتأصلة للتفلسف والمتمثلة في الاهتمام بالإيتيقا ولذلك لا غرابة من وجوده في النظرية الرواقية التي حاولت كسر صورة القياس البرهاني في المنطق الأرسطي والتأكيد على الفردي والشرطي في مستوي الوجود للمضمون الجسدي2.

علاوة على أن السرد من جهة ثانية لا يعد ضيفا جديدا في العدة المنهجية لمحبي الكلمة ومؤثري الحكمة بل هو مقيم أصلي ومعمر ماكث منذ الأغورا Agora في المدينة الإغريقية سواء عند الشعراء والمؤرخين على غرار هوميروس وهيرودوت أو عند أفلاطون وأرسطو والقديس أوغسطين بالرغم من تكرر محاولات التبكيت. غير أن الأمر المستجد هو إخضاع الحدث الواقعي الى صرامة المقاربة الحتمية في النسق العلمي التاريخي في مدرسة الحوليات وصلت إلى إعلان أفوله وبعد ذلك حضوره بكثافة في المدار الفلسفي عينه مع وايتهيد وهيدجر وليفيناس ودولوز وليوتارد وباديو وهو ما أفضى الى تحديد مهمة الفيلسوف أو مهنته وصنعته (إذا جازت لنا العبارة طبعا) في البحث عن الحقيقة وإنقاذ الظواهر وتدبير المدينة والحضور في العالم وانتشال المعنى وإضفاء القيمة وترسيخ الحكمة وتدعيم العيش السوي.3 على هذا النحو مثل السرد حدثا في الفلسفة وجسد الحدث موضوع سردية فلسفية قائمة الذات4.

لقد طرح اللقاء بين السرد والحدث عدة تحديات وإحراجات تتعلق بالنزاع بين الذاكرة والنسيان وبين الماضي التاريخي الشمولي والراهن الثوري وأعاد على بدء التفكير في مسألة الهوية والخصوصية ومقارنتها بالكونية والعالمية. غير أن التوجه نحو إعادة تكوين الهويات على أساس سردي أحدث بدوره قطيعة بين المرجعيات وأربك التفسيرات الإيديولوجية للتاريخ وأمط اللثام عن قيمة القصص وأدى إلى إعادة تنزيل لمقولة الحدث ضمن الحقل الإيتيقي بحثا عن المعنى بالتأويل وإعادة قراءة التاريخ الثقافي للإنسانية إنقاذا لحقوق الشعوب والحريات الفردية وتمتينا للتوافق المستحيل وإبراما للمصالحة الممتنعة مع الواقع العبثي.

لو اختبرنا الأمر في فلسفة ريكور فإن إطلالة أولى وظاهرية ومتسرعة للنصوص الريكورية تنفي إمكانية اعتنائه بمسألة الحدث فهو حاضر بشكل عرضي في كتابه العمدة "عين الذات غيرا"5 ولم يصنفه أوليفيي آبل وجيروم بوريه ضمن المصطلحات الأساسية في مفردات بول ريكور6 ولا يكاد يذكره بتاتا في كتبه المتأخرة سواء في " الذاكرة، التاريخ، النسيان" أو في "مسار الاعتراف " و"أن نحيا الى حد الموت". غير أن التمعن والتدقيق ينير لنا الطريق نحو تناول الحدث التاريخي من زاوية سردية في ثلاثية الزمان والسرد وبأكثر استفاضة في القسم الأول ويظهر لنا مقال في ستة صفحات معنون "العودة إلى الحدث" كتبه سنة 1992 وقد أيدت الباحثة صابرينة برنت فرضية ذلك بنشرها دراسة:" على خطى بول ريكور: من أجل انشائية الحدث" في دورية أعماق البحث العلمي التابعة للجامعة الحرة ببروكسال وقد جعلت من ريكور فيلسوف الحدث وبينت أن أعمال ريكور يمكن أن تكون نافعة في تحليل وتأويل حدث الحرب وذلك لتأثر تمرينه المنهجي المنصب على الأحداث وتساؤلاته النظرية بالبحث الأدبي والسرد التاريخي7.

في الواقع إذا ما أردنا تنزيل هذه الإشكالية ضمن المدونة الريكورية باحثين عن منارات توضيحية وفصول تمهيدية فحري بنا أن نطرح الأسئلة الفرعية التالية: هل كان اللقاء مجرد تشكيل افتراضي أم إعادة تشكيل بواسطة التخيل والاستعارة الحية والحقيقة المجازية وشعرية الوجود؟ وماهي دواعي استنجاد الحدث بالسرد؟ وما المقصود بالحدث السردي؟ وكيف يمكن تعريف السرد ضمن الأحداث الفلسفية التي تم إعادة الاعتبار إليها؟ وألا يمكن تحميل السرديات مسؤولية التصور المغلق للهويات القاتلة والتفكير التأويلي في انفتاح القص على الحدث السعيد؟ ومن يعطي معيار التمييز بين الحدث السعيد والحديث الشنيع؟ هل هو علم التاريخ أم الايتيقا السردية؟ وماهو مصير الحدث في الفلسفة الريكورية؟ هل اقتصر مجهود ريكور على التطرق إلى أفول الحدث بالموازاة مع أفول السرد؟ بأي معنى ساهم في الدفاعات على الحدث على غرار دفاعاته على السرد؟ وماذا يقصد بإنشائية الحدث poéthique de l’événement؟ وما علاقتها باستحسان القصص؟ ألا يتعلق الأمر بالتساؤل على كيفية كتابة التاريخ ومعرفة المكونات الضرورية للمعرفة التاريخية؟ كيف يمكن أن يكتب التاريخ؟ ومن يقوم بمهمة كتابته؟ هل يوجد منهج للتاريخ أم أن له بالفعل نقدا موضوعا؟ ماهي أهداف علم التاريخ؟ كيف يؤثر ارتباط الأحداث بالحبكات على كتابة التاريخ؟ وماهي الصورة التي يستخدمها المؤرخ في كتابته؟ هل هو الجمع بين الحبكة والسرد معا أم اعادة التكوين وتنظيم الفكر للتجربة الزمانية؟ وهل يُعَدُّ التاريخ علما ملموسا ووصفا للمحدد أم أنه تحول الى فعالية نقدية للأحداث وفهم عميق للوقائع؟

ما هو في ميزان الفكر ومدار العمل هو اختبار مدى أهمية العودة الفلسفية الى الحدث التي أطلقها بيير نورا ردا على المقاربة الابستيمولوجية الوضعية عند بروديل وتسديد مقاربة تأويلية إيتيقية للحدث التاريخي من طرف بول ريكور تطعم القصدية التاريخية بإنشائية سردية ذات عماد أنطولوجي راسخ8. لكن كيف تعرض الحدث التاريخي الى الذم والاقصاء؟ ومن قام بهذه المهمة غير المحبذة من الفلاسفة؟

1- أفول الحدث التاريخي:

"لا يمكن إيجاد تفسير لأي حدث مفرد اذا كان على التفسير أن يعلل جميع خواص الحدث...وبالنتيجة، فإن الطبيعة الفريدة لأي حدث هي أسطورة لابد من نبذها وراء أفق العالم"9

يتنزل التفكير في الحدث من طرف ريكور ضمن الاهتمام المبكر الذي أولاه للتاريخ بصفة عامة وللزمان بصفة عامة منذ 1950 ونشره كتاب "التاريخ والحقيقة" وبالتحديد ضمن توتر تاريخ الفلسفة مع وحدة الحق. لهذا يعبر ريكور عن المفارقة الخاصة بمعنى الحدث التاريخي من ناحية موضوعية التاريخ وذاتية المؤرخ على النحو التالي: " يريد التاريخ أن يكون موضوعيا ولكنه لا يمكنه أن يكون، ويريد أن يجعل من الأحداث معاصرة غير أنه مطالب في ذات الوقت بأن يردم هوة المسافة وعمق الابتعاد التاريخي"10. بعبارة أخرى إن المعضلة الأساسية التي تطرح بين التغير الريبي للتاريخ والثبات الدوغمائي للحقيقة تظهر بشكل ملموس في تعلق التناغم المحايد بالتاريخ وارتباط الالتزام وخطر الوقوع في الخطأ بالبحث عن الحقيقة ويترتب عن ذلك لزومية تخلي الفيلسوف عن فلسفة التاريخ لكي يشتغل على تاريخ الفلسفة11.

لقد اقترح ريكور مجموعة من النقاط المضيئة للخروج من التناقض بين ريبية الأحداث التاريخية ودوغمائية الحقيقة ومن الهوة الفاصلة بين ذاتية المؤرخ وموضوعية التاريخ ولعل أهمها التذكير بمنطق الذاتية الفلسفية والتعامل مع التاريخ بوصفه حدثانAvènement المعنى12 في مرحلة أولى وباعتباره نطاق البيذاتية intersubjectivité في مرحلة ثانية13. بيد أن هذه المقترحات لم تسعفه للخروج من ورطة التمييز بين مؤرخي الفلسفة وعلماء التاريخ ولم تمكنه من تحديد صنعة المؤرخ وإثارة مشكل الحدث لخلطه بين التاريخ بصيغة المفرد والتاريخ بصيغة الجمع. ربما الوضعية مابعد البنيوية التي توفرت بعد ذلك قد سمحت له الجمع في البحث بين المقاربة النصية والسياقية للواقعة الأدبية واستخراج الرهانات الإيتيقية من تقاطع التاريخ والخيال والحدث والسرد. ولقد ساعد ذلك على بلورة منهجية تعددية مكنته من فرصة التفكير في مجموعة من التعريفات المتنوعة للحدث تعود الى فن الشعر عند أرسطو والكتابة التاريخية لمدرسة الحوليات والفنومينولوجيا والفلسفة التحليلية.

على هذا الأساس مثل الحدث من جهة أسلوب كتابته ومن حيث سياقه التداولي نقطة انطلاق واعدة بالنسبة إلى فلسفة ريكور احتاجت في تاريخ لاحق لمصادر نظرية جديدة لكي تستكمل مهمة توسيع حقله الدلالي14. لقد استقر الأمر في هذا المستوى على تعريف الحدث بوصفه حدثا سرديا وعلى اعتبار السرد حدثا فلسفيا. من المعلوم أن الجزء الأول من كتاب "الزمان والسرد" يعج باستعمالات المتكررة للفظ الحدث في المفرد والجمع (أحداث) وخاصة في القسم الثاني الخاص بالتاريخ والسرد وبالتحديد الفصول 4 و5 و6 أفول السرد ودفاعات عن السرد والقصدية التاريخية أثناء نقاشه مع مدرسة الحوليات التي يمثلها لوسيان فيفر وبروديل ومارك بلوخ وجاك لوغوف وإعلانه بشكل مثير أفول الحدث في كتابة التاريخ الفرنسية وقد جعل إعلان أفول الحدث متكافئا مع إعلان أفول السرد من طرف جان فرنسوا ليوتار ووالتر بنيامين وادوارد سعيد ورفض التأكيدات الأنطولوجية والابستيمولوجية التي قامت عليها نظرية تاريخ الأحداث، ولقد ميز، في أثناء ذلك أيضا بين الأحداث وأشباه الأحداث وبين الحدث الرئيس والحدث الفريد15.

في هذا السياق يقوم ريكور بتحليل دلالي لمصطلح الحدث قبل الخوض في الصراعات التي طرأت بين المؤرخين ويرى بأن المعنى الأول الذي لا يعيره اهتماما هو القول بأن الحدث هو كل ما يأتي ويقع، يظهر ويختفي، وبعبارة أخرى يقع أن يحدث شيء معين دائما وأبدا، ويمكن أن يشير هذا المعنى الى الواقعة الفيزيائية مثل الاعصار والبركان والزلزال والفيضان والكسوف والخسوف والمد والجزر والولادة والنمو والتهرم والزوال ضمن كلية زمانية تتخللها حركات التشكيل والتحبيك والانفراج.

غير أن الانتقال من الحدث الفيزيائي الى الحدث التاريخي يتطلب توفر ثلاثة شروط هي:

- الكائن الإنساني في المفرد أو في الجمع يساهم في الحدث من جهة الإنتاج أو من جهة التأثر.

- تخضع الأحداث إلى حكم قيمة بالاستحسان أو بالاستهجان من طرف معاصريها ويلعب السرد دورا معينا في عملية تسجيلها.

- تقوم العملية التاريخية بالانتقاء والتنظيم والتحبيك وتظهر هو ابستيمولوجية بين الحدث كما وقع في حالته الأولى في مسرح التاريخ والحدث كما تم التواصل معه وسرده وتسجيله وأرشفته16.

ما اصطلح على تسميته التاريخ الحدثي événementielle histoire عند مدرسة الحوليات هو في الحقيقة استعمال معين ودقيق لمفهوم الحدث. لقد شهد القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ثورة في الوثائق ارتكزت على قاعدتين منهجيتين:

- الأولى هي نقد المصادر وتقصي الأصول والتفتيش عن الأنساب.

- الثانية هي البحث عن التفسير بواسطة ما يحقق للتاريخ طموحه في أن يكون علما.

لكن ريكور ينتبه إلى استمرار الاعتماد على الشكل السردي الذي بدأ منذ القرن السابع عشر ويعود الى عصر النهضة بالرغم من انتصار التاريخ الحدثي بعد استخدامه للوثيقة في التفسير والنقد التاريخي. لقد جاء في قاموس الفلسفة تأكيدا لهذا الترابط بين الحدث التاريخي والسرد: "ما يحدث في التاريخ، وهذا هو القول، ظاهرة هامة لكن مؤقتة، مع ظروفها في الزمان والمكان، والتي يمكن أيضا أن تدخل في جدول زمني وتمثل موضوع سرد ما. في هذا المعنى، فإن ما يسمى التاريخ الحدثي يتعلق بالسرد وبالتسلسل السببي للأحداث ليستبعد أي بحث بشأن تأويلها ضمن إطار أكثر اتساعا وأكثر عمومية "17. لقد كشف ريكور عن وجود تقارب بين الهجوم على السرد من قبل اتجاه القانون الشامل والهجوم على الحدث من قبل اتجاه التفسير الوضعي للتاريخ عند مدرس الحوليات.

لكن إذا كان أفول السرد يرجع إلى القطيعة الابستيمولوجية بين التفسير التاريخي والفهم السردي حسب النزعة الوضعية والى استبدال الفرد الفاعل في حقل التاريخ بالواقعة أو الحادثة الاجتماعية الكلية فإن أفول الحدث مرده بعض الافتراضات المضللة المتأتية من الحس المشترك ومن تداول تعريف اعتيادي للتاريخ بوصفه معرفة بالماضي ونسبة عالم الأحداث الى فاعلين إنسانيين والخلط بين الظواهر الطبيعية والأحداث التاريخية. إذا أسقطنا المعنى التاريخي للحدث من الحساب فإننا لا نقدر على وضع هذا المصطلح في ما يعيشه الملاحظ ومجموعته وكل ما يقع على الأرض من تغيرات قبل ظهور الإنسان يمكن أن يسمى أحداثا طبيعية لا تقل قيمة عن الأحداث البشرية، وبالتالي يمكن التعامل مع بعض الأحداث الفيزيائية على أنها أحداث تاريخية هامة بالنظر إلى طابعها الفجائي واللاّمتوقع. فإذا ما أخذنا الحدث في معناه الأول أو الواسع فإننا نضيف اليه محمولا زمنيا وننزله ضمن ديمومة مهما كانت ضئيلة.

لقد تبوأ مفهوم الحدث في الاختصاصات التاريخية مكانة هامة في السجال المنهجي المعاصر وبرز ذلك بشكل لافت عند اللقاء الذي تم بين التاريخ التجريبي والتاريخ الوضعي ونتج عنه التمسك بالإرادة الموضوعية والوفاء للطابع الحدثي. لكن البحث التاريخي توجه بعد ذلك على خطى مدرسة الحوليات عند بلوخ وبروديل وفيفر نحو بناء تاريخ اجتماعي وأنثربولوجي وذلك بتحيين البنيات والروابط التي تصل بين الأحداث وتعرضها في شكل منسق ومنظم وتسهر على استمراريتها وتعاقبها. غني عن البيان أن الحدث يظهر اذن باعتبارهم حثالة التاريخ يعيش وقتا قصيرا دراماتيكيا ولكنه يتميز عن الديمومة الطويلة للتيارات العميقة للواقعة التاريخية التي تحدث عنها بروديل في كتاباته عن التاريخ وتطرح مشكل العلاقة بين السلسلة الزمنية المنفصلة التي تطرح عند فوكو ضمن سببية موجودة بين سلسلة الأحداث ومختلف الأبعاد المتنوعة المتكونة للواقعة الاجتماعية. ولا يهم مسألة ظهور الحدث بوصفه نتيجة السطح أو متأثر ببني مجهرية وعميقة بل الأهم هو السببية التفاعلية التي تربطه بالتاريخ الثقافي والاجتماعي وخاصة حينما يتعلق الأمر بتأثير الأحداث على تاريخ الذهنيات وتبدلها بين الشرق والغرب18.

كما ينطوي مفهوم الحدث حسب بول ريكور على تأكيدات أنطولوجية وابستيمولوجية:

- الانوجاد المطلق والفعل الإنساني الماضي بإطلاق والآخرية المطلقة: الحدث التاريخي هو ما حدث فعلا في الماضي. غير أن خاصية ما حدث أصلا تختلف بشكل جذري عما لم يحدث بعد وبهذا المعنى يعتبر ما حدث في الماضي خاصية مطلقة مستقلة عن محاولة إعادة بنائها راهنا.

- التعارض بين فرادة الحدث غير قابلة للتكرار بكلية القانون وشموليته، والتعارض بين العرضية العملية والضرورة المنطقية، ووجود فجوة كبيرة بين الحدث والنموذج الثابت أو الذي يتم إنشائه.

يترتب عن ذلك أن الحدث هو ما يقع مرة واحدة فقط وإذا أمكن تتكرره في المستقبل فسيكون على نحو مختلف أو في شكل ملهاة أو مأساة مثلما تذهب الى ذلك فلسفات التاريخ عند هيجل وماركس. لقد جعل بول ريكور من مفهوم الحدث محكا لاختبار قدرة السرد على المساهمة في تجديد المعرفة التاريخية وفحص مساهمة كتابة التاريخ الفرنسية وخاصة مدرسة الحوليات في نقد تاريخ الأحداث والوقائع واكتشف تزامن أفول السرد مع أفول الحدث وذلك بسبب استبدال الفرد الفاعل بالواقعة الحدث. "لا يمتلك السرد بالنسبة الى هؤلاء المؤلفين إلا خاصية تتالي الأحداثepisodic، إذ لا يرون فيه خاصية تصورية. وذلك هو السبب الذي جعلهم يحدثون قطيعة إبستيمولوجية بين التاريخ والسرد."19 لقد تم تعريف الحدث التاريخي بأن ما وقع فعلا في الماضي وما يختلف جذريا عما لم يحدث بعد وتم اعتبار علم التاريخ العادي معرفة أحداث الماضي واهتم المؤرخون بنسبتها لفاعلين انسانيين مشابهين. لم يعد الفرد موضوع التاريخ بل الواقعة الاجتماعية الكلية وبالتالي تم رفض فكرة الحادثة التاريخية بوصفها قفزة زمانية ولم يعد العالم تاريخ الأحداث تندلع فيه الأحداث مثلما تندلع الانفجاريات والمعارك. لقد خاضت مدرسة الحوليات صراعا منهجيا ضد أسبقية الحدث وضد أسبقية الفرد وضد أسبقية السرد ورفضت المنزلة السردية للتاريخ وأن يكون تاريخ الأحداث تاريخا سرديا ولم تقم بالجمع بين الواقع التاريخي والخيال السردي بل جردت التاريخ السردي من أي قيمة وأسندت للأحداث وظيفة مرور الأفراد وصعودهم وهبوطهم وبالتالي جعلت الأفراد حاملين التغيير الاجتماعي مجرد ضحايا للأحداث التاريخية. لقد طرح كل من فرنان بورديل ومارك بلوخ ولوسيان فيفر مشكل كتابة التاريخ بين الذاتية والموضوعية وبحثوا عن العلاقات السببية بين الأحداث ودرسوا قضية "هذا الشيء حدث بسبب هذا الأمر" ولكنهم لم يفترضوا وجود الأسباب بشكل مسبق بل بحثوا عنها في الحقبة الزمنية الطويلة والزمن الجغرافي العام. غير أن ريكور ينقد هذا التوجه في تفسير التاريخ ويعود الى المغمور في أعماق التاريخ والحقبة الزمنية القصيرة والواقع الجزئي والبطيء والاستعارات التي تعبر عن العذابات الحيوية للأفراد الفاعلين بصمت.

ان ابستيمولوجيا التاريخ التي يعتمدها ريكور تحرص على التمييز بين الأسباب والقوانين وبين النماذج والبنى اللاّزمنية التي تحدث عنها شتراوس وغزارة الحياة وحركيتها في حقبها الزمنية المختلفة ووقائعها المتكررة فارقيا. غير أنه يقاوم فكرة البنية الساكنة التي تمتص العرضي وتسلسل التاريخ ويعترض على الحقبة الطويلة التي تجرد الحدث من فرادته الكارثية ويرفض أن تكون فرادة الحدث متأتية من عدم قابليته للتكرار ويدمج الحبكة في الحدث ويقر بأن الحدث الانفجاري القصير والعصبي يسهم في تطور الحبكة. لقد تمسكت مدرسة الحوليات في اطار نظرية التاريخ الجديد بالتحرر من قبضة الأحداث وأكدت على الاستمرارية ضد تاريخ الأحداث وبحثت عن الحقب الزمنية الطويلة في الجغرافيا (المتوسط) والاقتصاد (الأزمة العالمية) والسياسة (الثورة الفرنسية) حرصا منها على قيادة الأحداث وإبقاء التاريخ تاريخيا. على خلاف ذلك يحاول ريكور أن ينقذ الحدث العرضي المعزول وذلك ببناء وساطة رمزية بين البينة والحال وبين التاريخ التقليدي والتاريخ المتسلسل وبين الوثائق والوقائع وبين الأفعال الفردية والكميات الاجتماعية وبين التحليل الكمي والبعد الكيفي وبين زمن صناعة الأحداث وزمن رواية الأحداث.

يجب على التاريخ لكي يظل تاريخيا عند ريكور أن يتعقل التغيرات البطيئة التي تنتجها أشباه الأحداث ويعتبر من تحولات البنى وتأثيرات الظروف المادية والعلاقات الاجتماعية ويتفادى الوقوع في الغربة والانفصال بالجمع بين علم الدلالة البنيوي وبلاغة أشكال الخطاب وبين التفسير السببي والتفسير الغائي. لقد أدى هجوم أنصار نموذج القانون الشامل في الفلسفة التحليلية ضد الفهم وهجوم مؤرخي الحقبة الطويلة في كتابة التاريخ الفرنسية عند مدرسة الحوليات ضد الحدث الى أفول السرد والتسليم بان مصره محكوم بمصير الحدث وذلك لعدم قابلية الفهم للاختزال الى التفسير وتقوض امكانية استمداد التاريخ من السرد. لقد استفاد ريكور كثيرا من مغادرته المنهجية لمدرسة الحوليات عند المؤرخين الفرنسيين إلى ابستيمولوجيا التاريخ الصادرة عن الوضعية المنطقية التي تهتم بالمعياري أكثر من الوصفي وتتشبث بوحدة العلم ومن ابستيمولوجيا موريس ماندلباوم والسوسيولوجيا النقدية للايديولوجيات عند جورج دوبي ودي توكفيل. ولقد ساعده كل من أرسطو في نظرية التراجيديا في فن الشعر وفلسفة التاريخ النقدية في ألمانيا عند ماكس فيبر ونماذجه الإرشادية أو أنماطه المثالية وبول فين على إعادة الحبكة إلى التاريخ. كما رجع إلى بول فيين في كتابه أزمة المعرفة التاريخية وعمله الجبار حول ميشيل فوكو والثورة التي أحدثها في منهجية مقاربة التاريخ وتوقف عند موضوع التاريخ بوصفه رواية مطابقة للحقيقة واستنتج عدم وجود التاريخ من تاريخية الأشياء طالما أن التاريخ ليس وقائع ولا معيارا هندسيا بل حبكة روائية20.

لقد أدى التساؤل عن المنزلة السردية للتاريخ الى امتحان المنزلة العلمية للحدث على وجه التحديد وبالتالي تم التوقف عن فهم الأحداث بوصفها المبادئ الذرية للتغير التاريخي وزاد الاهتمام بالأحداث الجزئية التي وقعت في الماضي التاريخي ولم يتم ذكرها في الأخبار الرسمية والشهادات الموثقة والسير الذاتية للشخصيات المحورية التي بقيت تتحرك في الفرضيات الكلية وتم اغفال التفاصيل والوقائع الجزئية. والحق أن "الشيء الأساسي هنا هو أن شيئا ما يحدث....إلا أن المرء ليس بإمكانه أن يصف على نحو ملائم ما يحدث هنا باعتباره معرفة متقدمة لماهو موجود...ذلك أن هذا الحدوث يعني تفعيل وفاعلية مضمون التراث بإمكانية دلالته وتصاديه المتسعة باستمرار عن طريق الذين يتلقونه"21. لكن لماذا استنجد ريكور بالإنشائية والإيتيقا السردية محاولا توجيه مرافعات من أجل الدفاع عن الحدث؟

2- دفاعات عن الحدث:

" نحن لا نعيد كتابة التاريخ نفسه بل نكتب تاريخا آخر...والتاريخ غير محكوم بأن يظل ميدانا للصراع بين وجهات النظر التي لا يمكن التوفيق بينها."22

توجد هرمينوطيقا الوضع التاريخي في القسم الثالث من كتاب الذاكرة والتاريخ والنسيان وتندرج ضمن ما يسميه بول ريكور بالغفران الصعب وتأتي بعد فنومينولوجيا الذاكرة وابستيمولوجيا المعرفة التاريخية. في هذا السياق تتنزل هرمينوطيقا الوضع التاريخي ضمن ما يسميه ريكور "نحو فنومينولوجيا الوعي التاريخي" والتي جعلت الوعي التاريخي يصبح وضعا تاريخيا وتضم لحظتين متكاملتين يقوم بالتمييز بينهما بوضوح هما: "الهرمينوطيقا النقدية" من جهة و"الهرمينوطيقا الأنطولوجية" من جهة أخرى. لقد شيد ريكور هذا المشروع على أساس التحليل الهيدجري للتجربة الزمانية للدازاين من جهة وأقام عدد من الخصومات الجوهرية مع الإطار الهيدجري من منطلق ابستيمولوجي عرفاني وذلك بغية فتح النظر على الحقل العملي الإيتيقي والتفكير في الفلسفة المعيارية للفعل وما تغنمه من المرجع السردي للتاريخ.24

على هذا الأساس يحاول ريكور تقييم صنعة المؤرخ بالاعتماد على نقد كتابة التاريخ الفرنسية والابستيمولوجيا الوضعية الجديدة وبالرجوع إلى فلسفة التاريخ النقدية الموروثة عن دلتاي وريكرت وتوينبي وماكس فيبر وهنري مارو ويتحرك ضمن رفضه لفلسفة التاريخ والطبيعة السردية للتاريخ ولكنه يعيب على مدرسة الحوليات الوقوع في التعقيد وعدم مناقشة نماذج التفسير والتسليم بصحة النتائج ويسعى الى تبديد مسلمة الحس المشترك التي تقول بأن الأحداث التي وقعت فعلا ذات طبيعة مطلقة ومختلفة بشكل جذري عما لم يحدث بعد ويحاول أيضا أن يقلص الفجوة بين ادعاء الموضوعية والتجربة المعيشة غير قابلة للتكرار. إن الحدث العائد في نهاية القرن العشرين ليس ذلك الذي نقده بروديل وتم وضعه على هامش التاريخ من قبل الجيل السابق بل المكون الإبداعي الذي يتعارض ضروريا مع الزوج المفهومي البنية – الحدث ويغتني بالسرد والاستعارة والحبكة والخيال الخلاق ويتحرك على أرضية إنشائية ويثمر الابتكار الدلالي.

في هذا الصدد نجده يصرح: "مادام المؤرخون متورطون في فهم الأحداث الماضية وتفسيرها، فلن يمكن المصادقة على حادثة مطلقة عن طريق الخطاب التاريخي، فالفهم -حتى فهم شخص آخر في الحياة اليومية- ليس حدسا مباشرا، هو دائما أكثر من مجرد تعاطف بسيط، بل هو دائما إعادة بناء."25 والحق أن صنعة المؤرخ ليست معرفة موضوعية بالماضي تقوم على تصنيف الوقائع وسرد الأحداث وإنما هذه العملية هي عامل تشويش يضاف إلى الماضي الذي يراد إضاءته وتشتغل على الأسئلة التي يطرحها المؤرخ على الماضي يتشابك فيه الذاتي بالموضوعي والعرضي بالقانون بغية إعادة خلقه افتراضيا ولا تثق العملية التحليلية على الوثيقة والأرشيف ولا تعتمد الشهادة بل الخيال والاستعارة وبناء الحبكة والسرد. لكن ما الذي يبرر استمرار اعتماد المؤرخين على الشكل السردي على الرغم من وجود منهج التفسير بواسطة القانون والتعويل على الوثيقة المادية والمكتوبة والشهادات المسموعة والمرئية؟

في هذا الصدد يتميز نقد التاريخ الحدث بثلاثة خصائص وضعها بول ريكور موضع تظنن هي كالآتي:

1-علم الأشياء الفريدة غير قابلة للتكرار،

2- أولوية السياسي،

3 -أولوية علم النفس الفردي.

لقد كشف ريكور عن الطابع التكراري لماهو غير فريد وعن تحكم الاقتصادي في ماهو غير سياسي وعن عقم الجوانب غير النفسية. لقد قامت مدرسة الحوليات بترتيب الأحداث وفق الباراديغم الألسني والأنساق السنكرونية التي تمنح أحداث الكلام والأبعاد الدياكرونية معقوليتها عند جاكبسون ودي سوسير وهجالمسلاف وتروبتسكوي. لقد حاول هذه المدرسة بناء جسر يربط بين الألسنية والتاريخ مثلما فعل شترواس في البنى الأولية للقرابة سنة 1949. كما تخلى بروديل عن البارديغم القديم واستبدله ببراديغم جديد وضع التواريخ المتكررة بشكل مستمر في محيط جغرافي شبه ثابت مثل البحر الأبيض المتوسط وجعل فكرة الافتراض conjecture تتفوق على فكرة البنية ضمن صراع الذهنيات على صعيد الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع وفسر وقوع الأحداث بواسطة البنى والافتراضات وجعلها تعبر عن تجليات القطائع التي تحصل في التوازن وفي الترتيبات.

التاريخ غير الحدثي الذي يستعمل البنى والافتراضات غير المستقرة يسمح بوقوع اللاّمتوقع والعرضي ويستدعي الحدث بوصفه لمكون الثالث الى جانب البنية والافتراض. عندما يمر الحدث الى مرتبة ثالثة بعد البنية والافتراض فإن منزلته الابستيمولوجية تتغير ولا يبقى مجالا لإدراكه أو حتى سرده لأن المسرودات هي مصادر ووثائق ضمن أشياء أخرى لامتناهية. كما يتحرك الحدث في دائرة البناء والتكوين، انه أمر يبنى وذلك لأن البنى والافتراضات نفسها تبنى أيضا، وحصل على منزلة اللاّإستمرارية الكاشفة والمتجلية. الهام هنا هو بقاء مقولة الحدث عتيدة ومنيعة عن التلاشي والتدجين inexpugnable. اذا كانت الثورة التي تحدث في المجال السياسي هي تغيرات طارئة ومفاجئة في البنية وانقلاب الميولات ضمن حقل الافتراضات فإن بروديل طابق بين الحدث والايجاز brièvetéبالمقارنة مع الحقبة الطويلة التي تستغرقها البنيات والافتراضات.

بعد ذلك يعمل ريكور على استخراج الخلفية التي تقف وراء الترددات حول عودة الحدث ويشير الى المزالق الثلاثة المذكورة في السابق وهي طرافة لا تقبل التكرار والأولوية المتكررة للتاريخ السياسي والأولوية المفرطة للناس العظماء في التاريخ العالمي. يبدو أن البنيات والافتراضات التي تطرحها النظم الشمولية هي في حالة من عدم الثبات والنزاعية بحيث سمحت للحدث بأن يكون المقولة المهيمنة. لقد عاد الحدث مع انتشار السياسة الدراماتيكية التي تجمع بين التشييد والتحطيم. في السياسة يبدأ شيء معين مثل السلطة الجديدة والهيمنة الجديدة وينتهي شيء آخر مثل ضياع الحروب والتضحية بالناس على أساس التمييز العرقي وتتفكك امبراطوريات وتتكون أخرى.

من المعلوم أن السياسة هي وحدها القادرة على تعريف الحدث المحض وذلك لقربها من الأشياء التي تظهر وتختفي. لكن الحدث لا يضاف من الخارج مثل البنية والافتراض بل يتشكل في الداخل ويقع ضمن العناصر المكونة. من هذا المنطلق يظل الحدث لغزا وفريدا لا يمكن تكراره في المجال السياسي وتظل الأحداث السياسية هي الأحداث التاريخية الأبرز بالمقارنة مع الأحداث الاقتصادية والأحداث الثقافية والفنية والاجتماعية. ان اختزال الحدث من قبل بعض المؤرخين من مدرسة الحوليات جاء نتيجة محاولة العلوم الإنسانية استلهام ومحاكاة النماذج الوضعية واستيراد مناهج العلوم الطبيعية والصورية وقولهم بالحتمية والتحكم وإمكانية التنبؤ. لقد اقتضت الضرورة السردية أن يتصل الحدث بحركة التشكيل والتحبيك ويقلب عرضيتها واحتماليتها الى فعل حاسم يغير شكل التاريخ ويوجه الكلية الزمانية ويسمح بإمكانية قدوم مجموعة من الأشياء ومجيء بعض الوقائع بطريقة مغايرة وبالتالي ينقطع عن تلبية انتظارات المتلقين ويحمل إلى العالم الكثير من المفاجآت المدوية والاعتبارات الثمينة وغير المعهودة. لقد تعامل ريكور في كتابه "عين الذات غيرا "26 مع الحدث بوصفه منبع التنافر ولكن تلك المنزلة التي منحها اياها كانت انتقالية وثانوية اذ ما لبث أن أعلى من شأنه مجددا وضمه الى مسار التحبيك السردي الذي يتيح امكانية التحكم والتوجيه للتنافر عن طريق بناء التوافق وبلوغ نوع من الضرورة السردية.

هذا التصور للحدث بوصفه عنصر من العناصر التي تتكون منها الحبكة يسمح بالتمييز بين السردRécit والشعرPoésie بالنظر الى ما يحدثانه من تأثرين مختلفين على القارئ وبالانتصار الى الطرف السردي على حساب الطرف الشعري وذلك بحكم تفوق اعادة الوصف الإستعاري في حقل القيم الحسية والعاطفية والجمالية والايتيقة ودور وظيفة المحاكاة السردية في التأثير على حقل الفعل في التاريخ والقيم الزمانية. إذا كان الشعر يمنح الى المتلقي قيمة تأثيرية وعاطفية ويسمح للعالم بأن يكون جديرا بالسكنى فإن مسلك السرد يوفر له قيمة إيتيقية وجمالية ويساعده في الاختيار التفضيلي والمداولة بين عدة ممكنات وذلك لما تختزنه النصوص السردية من طبيعة قصصية تساعد على إدراك الحدث التاريخي والتأثير في الأفعال27.

بناء على ذلك تمكن مهمة السرد في تقديم تفسير وإعطاء معنى للحدث التاريخي الذي يقوم بإعادة تشكيله بواسطة الحبكة ولكنه يتفادى طرح مسألة وسائل وغايات المؤرخ ويسمح للحدث بالانفلات من قبضة الإدراك الذاتي والتصور القبلي ويركز فقط على تقاطع المؤلف والقارئ وعلى جدلية التاريخ والقصص. بيد أن عملية إدراك الحدث أثناء حدوثه advenue وحدثانه avènement والتقاط طابعه الجديد بشكل جذري هي تجربة هرمينوطيقية بامتياز ترتكز على إعادة تنزيله ضمن حلقة تأويلية محايثة للبعد الحدثي. على هذا الأساس يقوم الحدث بإنارة سياقه الخاص به وتشييد العالم دون أن يحصل على معناه من ذاته ودون أن يضفي المعنى على ما يحدث بل يكتفي بمرافقة حدوث الحدث والشهادة عليه دون التدخل في اتجاه مساره والتأثير على مضمونه ويقبل على مواجهة اللاّمعنى ويتعقل الانفعال الذي يوجد في ما وراء المعنى ويبذل الجهد من أجل تفسيره وكتابته دون استباق عملية اكتماله وتحديد مقاصده ومراميه.

تبعا لذلك الى أين يتجه الحدث التاريخي في الحقبة الفلسفية المعاصرة مع بول ريكور؟ وماهي الإجراءات المنهجية المغايرة التي يمكن استعمالها في كتابة الحدث دون الوقوع في أخطاء البنيوية؟

3- عودة إلى الحدث وإنشائية المصير:

"ان الحدث يستعاد في نهاية كل محاولة للتفسير بوصفه بقية تتخلف عن كل محاولة من هذا النوع...، بوصفه تنافرا بين البنى التفسيرية، وأخيرا، بوصفه حياة البنى نفسها وموتها"28.

يمتلك الحدث أهمية في المجال الطبيعي عندما يكون غير متوقع وطارئا وجديدا وينبثق بشكل مفاجئ ويقترن بالمصادفة ويخترق الحتمية الموضوعية ويفلت من رقابة التنبؤ العلمي ولكنه يتحول إلى أمر غير محتمل حينما يشوش على المجرى العادي للتاريخ ويتسبب في السقوط السريع للدول وتترتب عنه تغييرات جوهرية في المجتمع ويقترن بالانقلابات والثورات والأعمال العبقرية للأفراد والمجموعات. لكن إذا كان التاريخ التقليدي قد تعامل مع الحدث باعتباره ظاهرة عرضية ضمن نظام الكون وزبد الزمن واقتصر على سرد الحروب بين الجيوش ودسائس في قصور الملوك فإن التاريخ الجديد قد أعطى للحدث أهمية كبيرة واعتبره محركا رئيسيا للتيار وخروج عن المألوف الحتمي ونظر إليه من زاوية العواقب29. لقد تحققت عودة الحدث في محاور ثلاثة ويلعب الحقل التاريخي دورا هاما في هذه العودة. ولهذا السبب ينقد ريكور ههنا نظرية حيلة العقل الهيجلية التي تسلب أي فاعلية للذوات في مجرى التاريخ ويتهم علم نفس الشخصيات بالتقصير في فهم منزلة الفاعلين الاجتماعيين في التغييرات الكبيرة التي تطرأ في التاريخ وحجم المعاناة التي يكابدها الناس العظام. لقد استنجد ريكور بمفهوم الحبكة لكي يضيفه الى علم السرد ويعطي قيمة للفاعل في التاريخ ويبحث عن التاريخ السردي وسرد التاريخ بطريقة تعطي قيمة للأشخاص الأقل أهمية بل يمنح معنى للطبقات والقوى والمجموعات المتصارعة حول البرامج السردية. لقد أدمج ريكور بصورة جدلية وضمن مقاربته المنهجية التعددية كل من النصية الأسلوبية والألسنية العرفانية لكي ينحت شعرية سردية قادرة على تقديم تقنيات الكتابة الفلسفية النقدية للأحداث التاريخية وحاول التأليف بين المعنى sens والانفعال émotion وبين التفسير والفهم في حركة تأويلية واحدة.

على هذا النحو يعرف ريكور الحدث السردي من خلال صلته بعملية التشكيل ذاتها ويدمجه ضمن البنية غير الثابتة للتوافق المتنافر التي تختص بها الحبكة في حد ذاتها ويرى أنه مصدر انبثاق التنافر في مرحلة أولى ومصدر التوافق الذي يدفع حركة التاريخ الى الأمام في مرحلة ثانية وذلك بقلب الاحتمال الى ضرورة سردية وجعل المفاجئ أمرا منتظرا وتحويل المداهم الى شيء يمكن تحمله وفهمه ضمن مسار التاريخ30. إن عملية إعادة تكوين التاريخ السردي على قاعدة البحث التاريخي أفضت الى العودة القوية للسياسي في حقل الدراسات التاريخية وذلك بسبب الكوارث والحروب العالمية والنظم الشمولية والأزمة الاقتصادية. في الواقع ما يسعى إليه ريكور هو تجديل العلاقة بين البنية والافتراض والحدث ضمن نظرية في التاريخ تمنح الحدث المنزلة التي يستحقها ولذلك نراه يعود، وهي من المرات القلائل، إلى مقال لأدغار موران الذي نشر في مجلة إتصالات communications الصادرة عن المدرسة التطبيقية للدراسات العليا عام 1976 ولكي يناقش أطروحة ليفي شترواس حول تفاهة الحدث l inanité ويضبط دوره الهام في العلوم. لقد قامت العلوم باختزال الحدث الى عناصر بسيطة ضمن نسق او سلسلة منطقية وفق جملة من الحسابات الاحتمالية ولقد بين أن الكوسموس هو كون وحدث وتفطن الى أن الكون هو حدث في الحالة المحضة، أما في التاريخ فإن الناس ما انفكوا يكثرون من الأحداث وذلك بإنتاج الأنساق المعقدة والمفتوحة والمتحركة.

كما لا يخفي ريكور إعجابه بالجدلية بين النسق والحدث وبفكرة الحدث الذي يحول الضجيج الى معلومة والحدث الذي ينظم النسق وبالتالي لا يمنع الحدث النسق من التنظيم بل يساهم في اكتماله واشتغاله. يظهر الحدث على أنه النقطة التي تتكثف فيها القوى الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية والروحية. ان المؤرخ هو فاعل ومتأثر بالتاريخ وما يحدث للناس يكون بسبب ما ساهموا في حدوثه ولكن علم التاريخ المتكون والمسرود من طرف المؤرخين هو جزء من التاريخ الفعلي الذي يتعلق بالناس جميعا وليس بالمؤرخين لوحدهم. إن الحدث يختزل مكانة بارزة في الزمن التاريخي حيث تجتمع الذاكرة بما انقضى وانتظار ما قد يأتي وانبثاق الحاضر الذي يقوم به ويخضع له الفاعلون في التاريخ والمتأثرون به. إذا كان الحدث عنيدا وعتيدا في علم التاريخ فلأنه في التاريخ الفعلي ما يصنعه الناس ويتأثرون به.

وبهذا المعنى يتقاطع في الوعي الفردي الذي يتحقق في الحاضر الحي كل من ذاكرة الماضي وانتظار المستقبل. تبعا لذلك يتقاطع حسب روبارت كوسولاك في حدوثية التاريخ كل من فضاء التجربة وما تحيل اليه م ماضي متجسد في تجربة الحاضر وأفق الانتظار وما يمثله من الاهتمام بالآتي ويعطي توجها نحو الحاضر في حد ذاته. ان الحدث الذي ينبثق يجمع بين الدلالتين الكبيرتين لمفردة التاريخ وهما سلسة من الأحداث بصدد التشكل وسرد الأحداث بواسطة الذين لم يعاصروها ولم يساهموا في تكوينها31. بعد ذلك ذكر ريكور الحدث الخارق للعادة في الجزء الثاني من كتابه الزمان والسرد الخاص بالتصوير في السرد القصصي وذلك عند حديثه عن تصور الزمن في السرد القصصي وبالتحديد في الفصل الثالث المعنون الأدب السردي ضمن تقصي لموضوع محاكاة الفعل والتي قسمها إلى ثلاثة محاور هي الشخصية والحدث والفكر.

ويعادل الحدث الخارق للعادة انقلاب الحظ لدى أرسطو ويدل على شدة الإيقاع ضمن تقدم الحبكة في سردية شعرية تتخذ النص ولا الجملة مجالا لنشاطه التأليفي ويتحرر من نظام تسمية الأزمنة النحوية في علم اللغة النصي وتوثق الصلة مع التحبيك داخل زمن القصص الخيالي المستقل عن الزمن المعيش. كما سعى بعد ذلك في كتابه الزمان والسرد في القسم الثالث الزمن المروي الى ازالة التعارض بين الزمن الكوني والزمن المعيش عبر الخروج عن النظرة الهيجلية للتاريخ والتخلي عن تصوره للمؤرخ بوصفه المستحوذ الأول على الأحداث واستفاد من النقد الهيدجري للزمن المعيش وجعله تمفصل التاريخ في إطار اختصاص علمي أمرا عسيرا. بيد أن ريكور يستبدل اقبالية الحدث ببعدية الأثر ولا يذكر فكرة الحدث إلا مرتين فقط حينما تعرض إلى خفاء الزمان عند كانط وعدم ظهوره (في تعارض مع عزم هوسرل على إظهار الزمان في مستوى الوعي الباطني) والطبيعة غير المباشرة لكل الأحكام المتعلقة بالزمان في فصل الإستيطيقا المتعالية من نقد العقل المحض ضمن مماثلات التجربة ومبدأ توالي الزمان بما يتناسب مع قانون السببية. "توال يعطي معنى لفكرة الحدث بمعنى أن يحدث فعلا شيء ما...

يؤكد ريكور على فعل يحدث تماشيا مع المماثلة الثانية: "كل ما يحدث أي يبدأ بالوجود، يفترض شيئا يتابعه استنادا إلى قاعدة معينة"32. لقد نقد ريكور التصور الهيدجري للزمانية كما جاء في كتاب الوجود والزمان ودخل في مواجهة مباشرة في فصل من كتابه الزمان والسرد معنون بالطابع المعضلي للزمانية ولكنه أثنى على الصالة الفنومينولوجية للتحليل الهيدجري للزمان وأشاد بخروجه من قبضة ذاتية أوغسطين وهوسرل وكسمولوجية أرسطو ولكنه أخضعه الى مساءلة صارمة فكك مسلماته الضمنية بطريقة بارعة وركز في نقده على نقطتين حاسمتين هما:

1- الأولوية المعطاة للوجود من أجل الموت التي تتعارض مع تهاون سبينوزا مع الموت وإشادته بمفهوم الأبدية Eternité وإعطائه أولوية مطلقة للحياة وما تنظر له حنة أرندت من أولوية مطلقة لحدث الولادة Natalité.

2- لقد عانى التصور الشعبي للزمان ضمن التصور الهيدجري لتناهي الزمانية من معضلة خانقة بذلت فرنسوا داستير جهودا مضنية بغية الخروج منها دون جدوى تتمثل في تغييب الالتفات الى الزمان الطبيعي الكوني وعدم الاهتمام بسرد الأحداث الهامة التي وقعت في الزمان التاريخي. لقد استخف هيدجر مثله مثل هيجل وأفلاطون بالسرد ولم يتفطن إلى وظيفته الإيتيقية وظل ثابتا على نظرته الأنطولوجية الأساسية وسالكا الطريق القصير الذي يستجيب فيه لنداء الوجود. لقد حاول ريكور الخروج من التعارض بين الزمان الموضوعي والزمان المعيش باتخاذ مسافة نقدية مع اشكالية الزمان الأصلي والأصلاني التي تلازم أصلانية الوجود من أجل الموت وأبدع مفهوم الزمن المروي ضمن تثمين للأدوار الايتيقية التي يؤديها السرد وبتعبير أكثر دقة في الرؤية الريكورية القص.

من هذا المنطلق قام ريكور بنقد الرؤية العلمية للتاريخ (السرد التاريخي) بوصفها الاختصاص الذي خاض فيه المؤرخون في أعمالهم وأقوالهم والأحداث الجزئية التي اهتموا بها (بروديل) منتبها الى الفارق بين القول والفعل وبين الادعاء والواقع فيما يسجلون واجتهد في رفض الحدة الأنطولوجية التي مارستها البنيوية حينما أحالت الخطاب الأدبي الى ذاته وحرمته من الرجوع إلى العالم الخارجي وفي تثمين دور الاستعارة الحية في بناء الحقيقة المجازية والاعتماد على الاستعمال الشعري للخطاب وتعميق التساؤل حول الحضور اللافت الذي يتميز به البعد السردي في ضمنياته الإبستيمولوجية والأنطولوجية والإيتيقية.

لكن ما الذي يرتبط التواريخ المختلفة فيما بينها وخاصة السرد التاريخي والسرد القصصي والتاريخ الحدثي؟ ألا يساهم السرد الخيالي في اثراء التجربة البشرية عن الزمان ويتدخل في صيرورة وقوع الأحداث؟ وكيف يمكن لقصص خيالية أدبية أن تقبض على أحداث تاريخية واقعية وأن تصنع أحداث وتعلم الانسان بعض العبر والحكم وتغير من نظرته الى العالم وتؤثر في وجهة التاريخ ومظهر العالم؟ بأي معنى يعتبر الاهتمام بما يجعل الزوج المفهومي التفسير –الفهم للسيرة الذاتية شيئا آخر مغاير للتكهن في الذكاء السردي وينحت علما له قواعد مضبوطة ويلتزم بخيار ايتيقي يصدق في قوله لأحداث الماضي؟ ثم ماهو هذا الماضي التاريخي الحاضر فينا والذي يحاول المؤرخ دوما تذكره ويعيد بناء أحداثه سرديا؟

إن المجهود التأصيلي الذي قام بهر يكور في الزمن والسرد يتنزل ضمن محاولات الفلسفة المعاصرة التقاط الحدث ضمن رؤية هرمينوطيقية فنومينولوجية تدخل السرد في عمل المؤرخ وتقحم التاريخ في السرد الخيالي وتسعى الى ترميم الذاكرة وانتشالها من هيمنة التراث السلطوي وإجراءات النبذ والمعاقبة وتستثمر النسيان في وظيفته الايجابية قصد تخطي الذاكرة المجروحة والمهانة من طرف سياسات الهوية. بطبيعة الحال لا يعتمد عمل المؤرخ عند ريكور على حدث واحد مهما كان عظيما ولا يتوقف عند شاهدا واحدا مهما كان صادقا ولا تمثل الوثيقة النادرة أية قيمة ابستيمولوجية في عمله مثلما يقول بذلك بول فين وريمون أرون بل يقترن العمل الجاد عنده بسرد التاريخ والتحري التجريبي وصناعة الحبكات وروايتها ويعمل على اعادة بناء الظاهرة عبر الوفاء بالالتزامات الأخلاقية (الدين) التي توجه الحياة البشرية برمتها.

في الواقع، مهما كان الحدث خاصا واستثنائيا وثوريا ومهما كانت الجدة والطرافة والجرعة النقدية التي يحملها ومهما ادعى القيام بالقلب والانقلاب على ماهو سائد وماهو موجود ومهما تراوح بين الفرادة والتجميع وبين التفكيك والتجسير فإنه قد يفرز نزعة محافظة ويسقط مجددا في التبرير والتقليد ويقوم بتوسيع النظام القائم في المعرفة والسلطة والمجتمع ويكرس النفوذ وسيطرة الذات على الموضوع. بيد أن البعض يذهب الى أبعد من الحدث ويصعد إلى ماورائه بالتركيز على علاقة الفلسفة بالراهنية actualité بالنظر إلى ما تقطعه الإيتيقا من مساحات التفكير في ما وراء أفعال الأشخاص وما يفضي من اهتمام بماوراء الزوج المفهومي محايثة ومفارقة وبالسير على طريق مختلفة للتفلسف يجعل من الحدث السردي مسألة خلافية تنزله في موضع إشكالي فارقي وتتعامل معه باعتباره مسألة تستدعي التحديد وتهيئ الأرضية وتسوي الوسط قصد الرد عليه وتقوم بتشخيص الحاضنة المفهومية التي تجعل منه مشكلا لا يستدعي حلا بل يطرح تحديات إيثيقية وانتظارات ثقافية واستحقاقات أنطولوجية لا غير. لكن ماهي الرهانات الإيتيقية التي تحرص مختلف المحاولات الفلسفية في كتابة الحدث على بلورتها؟

تسعى الإنشائية منذ قيامها إلى إنجاز تأويل إيتيقي لكتابة الحدث وتحرص على حسن المقام في الوجود وتؤثث امكانية السكنى في العالم بعظمه ولحمه وتبرم عقد لقاء الذات بالآخر بصورة شعرية وجمالية. يلتقي ريكور هنا بفلاسفة كبار على غرار مارتن هيدجر وموريس مرلوبونتي وحنة أرندت وليوتارد ولكنه يخالفهم في عزمه على نحت قول فلسفي مابعد بنويوي يتحرك ضمن أشكال ثلاثة من المحاكاة تحاول اعادة تسجيل النص ضمن سياقه التاريخي باستكمال المقاربة السردية ضمن التجربة الزمانية.

اللافت للنظر أن البعد الايتيقي للسرد يظهر للعيان حينما يتكفل المؤرخ بتذكر المنسي والمهمش والمقصي ويحاول سرد ما تم منعه من السرد والتقاط الحدث الذي ظل مدار الصمت والتكتم وبالرغم من ذلك مازال يحدث بتلك الصورة وعلى نفس الوتيرة من الازدراء والاستبعاد والمعاملة السيئة للمنبوذين من طرف الذات المتمركزة على ذاتها.. على هذا النحو يتحول سرد الحدث الى طريقة للانعتاق من الهيمنة وشكل من المقاومة المضادة للعنصرية وآلية للظفر بالاعتراف المتبادل بين الدولة والمجتمع وبين الثقافات وتنتهي الحكايات الكبرى عن المحرقة والاضطهاد العرقي والحروب الدينية والتمييز الاجتماعي والجنسي33.

لقد جانبت أرندت الصواب لما قالت:" النقطة المركزية هي أن الاكتمال الذي ينجزه كل حدث ينبغي أن يتم في أشكال وعي أولئك الذين يعود إليهم بالفعل رواية التاريخ وإرسال معناه ويتجاوزه، ودون هذا الاكتمال للفكر بعد الحركة ودون التمفصل المنجز بواسطة الذكرى لن يتبقى ببساطة أي تاريخ يمكن أن يروى."34 غير أن التأثيرات الإيتيقية في المتلقين التي يمكن أن تنجر عن الكتابة الإنشائية للحدث التاريخي قد تفيض على الأطر الضيقة للمقولات السردية في النصوص الأدبية وتفلت من صرامة أسلوب التفسير البنيوي وتتشبث بالاستمرارية والتواصل والتمازج بين الأنماط بدل الانقطاع والانفصال والتنافر بين الأنواع.

بهذا المعنى ينقسم الفلاسفة إلى فريقين: الفريق الأول يعمل على صناعة الأحداث والتحكم فيها قبل وقوعها ويمكن إدراج آلان باديو وجيل دولوز في هذا الإطار. والفريق الثاني يعترف بواقعية الأحداث واستباقها للفكر ويحرص على مواجهتها ويحاول التصدي لها والتقليل من تأثيراتها السلبية ويتم توجيهها نحو تحقيق إنسانية الإنسان ويمكن اعتبار عمونيال ليفيناس وبول ريكور ضمن هذا الاتجاه المناوئ. لكن هل أن تنبثق القصة المروية عن الحدث التاريخي من المخيلة السردية التي يمتلكها المؤرخ أم أنها تظل مطروحة على طاولة التحري التجريبي وتحتاج لإجراءات البرهنة العلمية والمعالجة الحجاجية؟

خاتمة:

"لابد أن يوجد مكان للمستقبليات الماضية حتى في أنطولوجيا الزمن، بحيث يتشكل زماننا الوجودي من تصورات زمنية يؤسسها التاريخ والقصص معا."35

صفوة القول أن حدة الوعي التاريخي تقوم بانعدام التناظر بين الماضي التكون من مستقبليات ماضية والمستقبل المتكون من ماضيات مستقبلية نتيجة تعثر عملية كتابة تاريخ الأحداث والوقائع الحاضرة. لقد أعاد ريكور تحديد هذا المصطلح على النحو التالي: "الحدث هو ما يحدث بكل بساطة. لقد حصل. انه يمرّ ويجري. انه يأتي ويباغت. انه موضع رهان النقيضة الثالثة الكوسمولوجية في جدلية عمانويل كانط 1724-1804: فإما أن ينتج عن شيء سابق بحسب العلة الضرورية واما أنه ينبثق من الحرية، بحسب العلة العفوية"36. هكذا يدعو بول ريكور إلى بناء شعرية كتابة الحدث التاريخي التي تذهب الى ما بعد الوقائع التاريخية وتتميز عن ابستيمولوجيا المعرفة التاريخية التي تثبت نفسها بامتلاك شروط الموضوعية وتتجه نحو الخاصيات الجزئية للحقيقة وتتحرك على أرضية القطيعة الابستيمولوجية بين علم التاريخ والسرد.

من هذا المنطلق تستند شعرية الحدث التاريخي على ثلاثة افتراضات مسبقة: يتمثل الافتراض المسبق الأول في أن القصص والتاريخ ينتميان الى الفئة نفسها بقدر تعلق الأمر ببنائهما السردي. بينما يتمثل الافتراض المسبق الثاني في أن هذا الجمع معا بين التاريخ والقصص يترتب عنه جمع آخر، هو هذه المرة جمع التاريخ والأدب معا. وبالتالي صارت بلاغة الاتصال داخلة في نمط الفهم التاريخي وأصبح التاريخ صناعة أدبية. أما الافتراض المسبق الثالث فيتمثل في مساءلة الحد الذي يفصل بين تاريخ المؤرخين وفلسفة التاريخ مادام الابستيمولوجيين هم الذين رسموه ومادام كل عمل تاريخي كبير يكشف عن رؤيا شاملة للعالم التاريخي ومادامت فلسفات التاريخ تلجأ إلى الموارد اللفظية عينها التي تعود اليها الأعمال التاريخية37. فإذا كانت فلسفة التاريخ الهيجلية تفتقر إلى الطابع السردي وتعاود وصف الأحداث الماضي في ضوء أحداث لاحقة فإن الفلسفة السردية عند ريكور تضفي على الأحداث سياق قصة وتستشرف المستقبل على ضوء لاهوت أمل وتقوم بتأويل السرد بالانطلاق من أحداث تاريخية تأسيسية وما تؤشر عليه من رجاء.

كما يجمع ملمح المعرفة التاريخية بين التفسير التاريخي والفهم السردي وبين الحتمية التي تقر بأن الأحداث تسقط في وعاء تتراكم فيه دون أن يكون تبديلها متاحا وامتلاك الراوي المثالي القدرة على اعطاء وصف فوري لكل ما يحدث من إضافة في الأحداث وشهادة على أحداث لاحقة بوصفها أجزاء في كليات زمنية. في نهاية المطاف تعمل النظرية السردية على ردم الثغرة القائمة بين نظرية الحدث التاريخي ونظرية الفعل وذلك بالجمع بين التصوير السردي والوصف الصادق للأحداث ولكنها تنفي وجود تاريخ للحاضر يمكن أن يمثل قاعدة بيانات لاستشراف الأحداث المستقبلية وذلك لا أحد من المؤرخين قادر على كتابة ماهو بصدد الحدوث والتشكل بما أنه لا يعرف ما سيق من أحداث ولا أيها أهمية بالمقارنة مع غيره ولا يعرف الناس ما سيكتبه المؤرخون عنهم في المستقبل وكل ما يقدرون عليه هو تشخيص الحد الأدنى من الفعالية التاريخية.

غير أن علم التاريخ ليس مجرد سرد بسيط لأخبار عن أحداث ماضية حسب تسلسل ظهورها ولا تقديم شهادات مادية ووثائق عينية ولا يقوم بتفسير سبب وقوع شيء ووصف ما وقع بالاختزال إلى جهاز نقدي بل هو قطعة واحدة لا تتجزأ ويسعى الى تأسيس علاقات بين الأحداث ويقدم قائمة من حقائق ذات روابط. من هذا المنطلق على علم التاريخ ألا يكتفي بالتعداد البسيط للوقائع الماضية وألا يفرض بنية متعالية على الأحداث تجمع بعضها وتستبعد ماهو غير مناسب وأن يضفي على الأحداث معنى أو أهمية من خلال الحبكة المصغرة وأن يوسع من دائرة الجمل السردية ويكون سردا بالفعل ويركز على مفهوم إمكانية المتابعة لقصة معينة.

غني عن البيان أن الخاتمة السردية للحدث التاريخي ليست شيئا قابلا للاستنباط ولا تسحبنا إلى الأمام عبر تكوين توقعات غلى غرار لاهوت الأمل ولا تقدم توجها خاصا يتعلق بفهم الأفكار والأفعال والمشاعر ضمن وعود تأسيسية بل تجعل قصة التاريخ تعرض نفسها ضمن الزمن المروي بواسطة حبكة التوافق المتنافر وتدرج متابعة قصة عن التاريخ ضمن جمالة المتلقي وتقلص فيها المسافة النقدية وتضفي عليها وحدة عضوية وتحرص على أن تكون القصة مقبولة في نهاية المطاف وأن يتحقق الفهم الأفضل للتشابكات المعقدة التي اجتمعت في وقوع الحدث وتسطير العرضية داخل تخطيك شامل وأن يبلغ بالبشرية عاقبة مقبولة ومآلا حسنا.

لكي يمتلك التاريخ حقيقة يمكن سردها ولكي يدعم قدرة الإنسان في متابعة قصة على نحو أفضل فإنه مطالب بأن يدمج الأحداث في سرد مقبول ويحد من سيادة المجهولية الضخمة للقوى والتيارات والبنيات. والآية على ذلك أن التاريخ ليس سوى سرد صادق وإعادة تكوين يتعذر تفسيره بصيغ القوانين و" الحبك هو ما يؤهل حدثا ما ليكون تاريخيا"38، ولا تكتسب الحقائق التاريخية أهمية ولا توجد إلا في الحبكات وأي حدث فريد غير قابل للتكرار يضيع ما يؤهله ليكون تاريخيا وبهذا المعنى "ليس الحدث التاريخي ما يحدث ولكن ما يمكن أن يروى أو ما تمت روايته بالفعل في أخبار أو أساطير"39. بناء على ذلك يجعل المؤرخ الحبكات مشدودة إلى الأحداث ويقوم عن طريق استخدام المفاهيم المشاركة والتمثيلات المركبة بتوسيع دوائر الاستفتاء وتعميق الجوانب الاستكشافية وتناول الأحداث بطريقة مفهومية مختلفة. لكن ما الفرق بين المؤرخ والقاضي من جهة والطبيب والفيلسوف من جهة أخرى في مستوى الحكم على الأحداث والأشخاص والأفكار من جهة الوسائل والمقاصد؟

يستوجب علم التاريخ قيام جدلية المتصل المنتظم والمنفصل الطارئ والتوسط بين التفسير السببي الذي يتبنى جبرية تاريخية والفهم السردي الذي ينحت الحبكات ويقوم بمتابعة الأحداث بالرغم من انقطاعاتها. إذا كانت الأحداث عنيدة وممتنعة وتتمتع بالصلابة والكثافة فإن الأفكار الفلسفية التي تدعي التطابق معها وفهمها وتطمح إلى التصدي إليها ومواجهتها من المفروض أن تكون أكثر صلابة وأشد فتك منها لكي تتمكن من تحطيمها والتأثير فيها وتغييرها وأن تتوفر على إمكانيات إبادة أشد الأحداث التاريخية ضراوة. تبعا لذلك يشكل المؤرخون مسارا عقليا مختلفا للأحداث و"لهذا السبب ليس المؤرخون مجرد رواة بل هم يقدمون أسباب يوضحون بها لماذا يعتبرون عاملا خاصا دون غيره السبب الكافي لمسار معطى من الأحداث"41.

لكن كيف يمكن للتاريخ أن يبقى سرديا يبني الحبكات ويفهمها بينما يكف عن التعلق بالوقائع والأحداث؟ هل تنتقل حركة التساؤل التاريخي رجوعا خلف السرد في اتجاه الممارسة الفعلية للتأمل النقدي للذات؟ والى مدى يجوز للتاريخ استعمال قوانين بالرغم من أنه لم يساهم في صناعتها ولم يؤسسها؟ ماهي قدرات الفرد وقراراته وأفعاله ضمن مستوى حكمه على الأحداث التاريخية ذات النطاق الواسع؟ ألا يؤدي إلغاء الفرد بوصفه الممثل الأول للفاعلية السياسية إلى إلغاء دور الحوادث العرضية في تثوير التاريخ؟ أليس التاريخ يتكون "من حقل علائقي ليس من علاقة فيه تؤخذ على أنها معطاة مرة واحدة إلى الأبد"42؟ وما السبيل إلى بناء سردية الحدث الاستثنائي الذي يعيد كل شيء من جديد؟

* كاتب فلسفي

........................................
الإحالات والهوامش:
[1] Paul Ricoeur, le retour de l’événement, , in Mélanges de l’école française de Rome, Italie et méditerranée, Année 1992, Volume 104, n°104-1,.p34
[2] Carlo Diano, Forme et événement, in Revue philosophique de la France et de l’etranger, N°1 , Janvier-Mars, 1959.p119-121.
[3]Hugues Choplin et Eddie Soulier, le mil-lieu de l’événement innovant, à partir de Levinas et Deleuze, in Revue de métaphysique et de morale, l’innovation, n°3 , Juillet 2014,pp351-364.
[4] Pascale Marin, L’événement. Rupture et interprétation. Approches de philosophie contemporaine: A. Badiou, J.Derrida, J-F, Lyotard, in la revue de l’université catholique de Lyon, n°10, décembre, 2006.pp15-19.
[5] حسب ترجمة الأستاذين عبد العزيزالعيادي ومنير الكشو للمفردة الفرنسية Soi-même comme un autre المذكورة في كتاب العادل، القسم الثاني، الصادر عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، قرطاج، تونس، 2003، ص354. وهي مختلفة عن ترجمة جورج زيانتي الصادرة عن المنظمة العربية للترجمة ببيروت سنة 2004 بعنوان: الذات عينها كآخر. وتختلف كذلك عن ترجمة عربية أخرى متداولة عند الباحثين العرب وهي: الذات على شاكلة الآخر.
[6] Le vocabulaire de Paul Ricœur, Olivier Abel et Jérôme Porée, édition ellipses, Paris, 2009.
[7] Sabrina Parnet , Dans la lignée de Paul Ricœur:pour une poéthique de l’événement, in fonds de la recherche scientifique et université libre de Bruxelle. Fabula / Les colloques, L’héritage littéraire de Paul Ricœur, URL: http://www.fabula.org/colloques/document1899.php, page consultée le 12 mai 2015
[8] Ricœur Paul, le retour de l’événement, op.cit, pp29-35.
[9] بول ريكور، الزمان والسرد، القسم الأول، ترجمة سعيد الغانمي وفلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2006.ص.181.
[10] Ricœur Paul, Histoire et vérité, 1° édition du seuil, Paris, 1955. 2° édition 1964, pp.23-80.
[11] Ricœur Paul, Histoire et vérité, op.cit.pp59-60
[12] Ricœur Paul, Histoire et vérité, op.cit.p36.
[13] Ricœur Paul, Histoire et vérité, op.cit.p40.
[14] Sabrina Parnet , Dans la lignée de Paul Ricœur:pour une poéthique de l’événement, op.cit.p1.
[15] بول ريكور، الزمان والسرد، القسم الأول، مصدر مذكور، صص176-350.
[16] Ricœur Paul, le retour de l’événement, op.cit.p.01.
[17] Gérard Durozoi et André Roussel, Dictionnaire de philosophie, édition Nathan, Paris, 2009, p121
[18] Les notions philosophiques, événement, Editions PUF, Paris, 1990, p906-907.
[19] بول ريكور، الزمان والسرد، القسم الأول، مصدر مذكور، (بتصرف في الترجمة) ص226.
[20] بول فيين، أزمة المعرفة التاريخية، فوكو وثورة في المنهج، ترجمة ابراهيم فتحي، دار الفكر، القاهرة، طبعة أولى، 1993، ص71.
[21] هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار أويا،طرابلس، ليبيا، 2007. بتصرف، صص597-598.
[22] بول ريكور، الزمان والسرد، القسم الأول، مصدر مذكور، ص190.
[23] Escudier Alexandre , l’herméneutique de la condition historique selon Paul Ricœur, in Archives de philosophie Recherches et documentations, Tomes 74, cahier4, octobre-décembre 2011,pp581-597.
[24] Escudier Alexandre , l’herméneutique de la condition historique selon Paul Ricœur, in Archives de philosophie,op.cit.pp581-597.
[25] بول ريكور، الزمان والسرد، القسم الأول. مصدر مذكور، ص.157.
[26] Ricœur (Paul), Soi-même comme un autre, édition du Seuil, Paris, 1990.pp169-170.
[27] Ricœur (Paul), Temps et récit 1, édition du Seuil, Paris, 1983.p13,.
[28] بول ريكور، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، ص350.
[29] موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، ترجمة هناء صبحي، كلمة، أبو ظبي، طبعة أولى 2009،صص244.245
[30] Sabrina Parnet , Dans la lignée de Paul Ricœur:pour une poéthique de l’événement, op.cit.p1.
[31] Ricœur Paul, le retour de l’événement, op.cit.pp.34-35.
[32] بول ريكور، الزمان والسرد، الزمان المروي، القسم الثالث، ترجمة سعيد الغانمي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2006، ص76.
[33] Voir Lyotard J.F, la condition postmoderne, édition de Minuit, Paris, 1979.
[34] Hanna (Arendt), la crise de la culture, édition Gallimard, Paris, 1972.p15.
[35] ريكور بول، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، ص249.
[36] ريكور بول، الذاكرة، التاريخ، النسيان، مصدر مذكور، ص58.
[37] ريكور بول، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، صص254-255.
[38] ريكور بول، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، ص267.
[39] ريكور بول، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، ص267.
[40] Voir Ricœur (Paul), l’anthropologie philosophique, écrits et conférences 3, édition seuil, Paris, 2014.p355
[41] ريكور بول، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، ص292.
[42] ريكور بول، الزمان والسرد، الجزء الأول، مصدر مذكور، ص317.
..........................................
المراجع والمصادر:
باللّسان العربي:
ريكور بول، الزمان والسرد، القسم الأول، ترجمة سعيد الغانمي وفلاح رحيم، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2006.
ريكور بول، الزمان والسرد، الزمان المروي، القسم الثالث، ترجمة سعيد الغانمي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2006.
ريكور بول، العادل، الجزء الثاني، ترجمة عبد العزيز العيادي ومنير الكشو، مجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، قرطاج، تونس،2003.
ريكور بول، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، طبعة أولى، 2009،
بول فيين، أزمة المعرفة التاريخية، فوكو وثورة في المنهج، ترجمة ابراهيم فتحي، دار الفكر، القاهرة، طبعة أولى، 1993،
هانز جورج غادامير، الحقيقة والمنهج، الخطوط الأساسية لتأويلية فلسفية، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار أويا،طرابلس، ليبيا، 2007.
موران (أدغار)، النهج، إنسانية البشرية، الهوية البشرية، ترجمة هناء صبحي، كلمة، أبو ظبي، طبعة أولى 2009.
..............................
باللسان الفرنسي:
Le vocabulaire de Paul Ricœur, Olivier Abel et Jérôme Porée, édition ellipses, Paris, 2009.
Sabrina Parent (Fonds de la recherche scientifique et Université Libre de Bruxelles), « Dans la lignée de Paul Ricœur: pour une « poéthique » de l’événement », Fabula / Les colloques, L’héritage littéraire de Paul Ricœur, URL: http://www.fabula.org/colloques/document1899.php, page consultée le 12 mai 2015.
Ricœur (Paul), Histoire et vérité, 1° édition du seuil, Paris, 1955. 2° édition 1964.
Ricœur (Paul), Temps et récit 1, édition du Seuil, Paris, 1983.
Ricœur (Paul), Soi-même comme un autre, édition du Seuil, Paris, 1990.
Ricœur (Paul), le retour de l’événement, in Mélanges de l’école française de Rome, Italie et méditerranée, Année 1992, Volume 104, n°104-1, pp29-35.
Ricœur (Paul), l’anthropologie philosophique, écrits et conférences 3, édition seuil, Paris, 2014.
Gérard Durozoi et André Roussel, Dictionnaire de philosophie, édition Nathan, Paris, 2009,
Escudier Alexandre , l’herméneutique de la condition historique selon Paul Ricœur, in Archives de philosophie Recherches et documentations, Tomes 74, cahier4, octobre-décembre 2011,pp581-597.
Lyotard J.F, la condition postmoderne, édition de Minuit, Paris, 1979.
Hanna (Arendt), la crise de la culture, édition Gallimard, Paris, 1972.
Les Notions philosophique, Editions PUF, Paris, 1990.
(*مداخلة قدمت في ملتقى تعقل الحدث Penser l’événement الذي نظمه قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية برقادة، جامعة القيروان، الجمهورية التونسية، بتاريخ 17- 18- 19 أفريل 2015)
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق