q
بصورة عامة، يشتهر العلماء بأنهم فئة غير اجتماعية، حتى إنّ الكثير منهم يصفون أنفسهم بأنهم مولعون بالكتب، وانطوائيون، بل ربما يَعتبِرون أنفسهم غريبي الأطوار بعض الشيء، إلا أن هؤلاء الأكثر انفتاحًا وانبساطًا قد يسهل عليهم النجاح في الثقافة العلمية المعاصرة، لأن الباحثين في الأوساط الأكاديمية والصناعية يلزمهم...

بصورة عامة، يشتهر العلماء بأنهم فئة غير اجتماعية، حتى إنّ الكثير منهم يصفون أنفسهم بأنهم مولعون بالكتب، وانطوائيون، بل ربما يَعتبِرون أنفسهم غريبي الأطوار بعض الشيء، إلا أن هؤلاء الأكثر انفتاحًا وانبساطًا قد يسهل عليهم النجاح في الثقافة العلمية المعاصرة، لأن الباحثين في الأوساط الأكاديمية والصناعية يلزمهم - في كثير من الأحيان - الظهور في دائرة الضوء؛ لطرح نتائجهم في الندوات والاجتماعات، وإقامة علاقات جديدة مع الزملاء، والمموِّلين، والجمهور، على نحو متزايد.

مِن المهم إتقان هذه المهارات، لا سيما لشباب العلماء الذين يسعون لتعزيز سمعتهم الأكاديمية والتقدُّم في حياتهم المهنية، بيد أن ذلك - بالنسبة إلى كثير من الباحثين الخجولين الانطوائيين - يُعَدّ أمرًا شاقًّا، بل ربما كان مخيفًا. وتقول لويز هاركنس - الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في معهد وولكوك للأبحاث الطبية في سيدني بأستراليا، التي كتبت مدونة عن التحديات التي يواجِهها العلماء الانطوائيون - إن هذا قد يدفع البعض إلى التشكك في مكانتهم العلمية. وتضيف هاركنس - التي تدرس علاج اضطرابات الجهاز التنفسي - قائلة: "إن مستقبل خيرة العلماء في المجال الأكاديمي صعب للغاية، ناهيك عن العلماء الهادئين الذين يُقْعِدهم الخجل الشديد عن طرح أعمالهم"، بيد أن العلماء الهادئين لديهم فرصة للنجاح في منافسة نظرائهم الأكثر ثرثرةً، عبر تنمية مهارات التشبيك، والتحدث أمام الجماهير، وكذلك عبر الانخراط في طرق إبداعية؛ للترويج لأنفسهم بما يتناسب مع شخصياتهم. ويلزم الباحثين التعرف على الأبعاد السياسية للعلوم المهنية، ودراسة سمات شخصياتهم ودوافعهم؛ لإيجاد المقاربات الأنسب لهم.

قواعد اللعبة

بالإضافة إلى أسطورة اتصاف جميع العلماء بالانطواء، هناك أيضًا اعتقاد شائع بأن الترقي في الميدان العلمي يعتمد على الجدارة البحتة. وتشير دونا دين - المسؤول المتقاعد في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، والاستشاري التنفيذي لإعداد القيادات وصقل المواهب لدى الجمعية الأمريكية للنساء في مجال العلوم - إلى أن كثيرين من شباب الباحثين يعتقدون أنه ليس عليهم سوى إعداد بحوث جيدة، وستتوالى الخطوات فيما بعد، إلا أن الواقع – حسب رأيها - عكس ذلك، وتقول: "لا نستطيع أن نجلس، دون أن نفعل أي شيء، ونفترض أن الآخرين سيحتفون بإنجازاتنا".

ومن جهته، يقول جوناثان تشيك – عالِم النفس المتخصص في الشخصية في كلية وليسلي بولاية ماساتشوستس - إن الخجولين والانطوائيين يسهل إغفالهم في ثقافة الترويج الذاتي، ويضيف: "تُعَدّ مهارات التواصل الاجتماعي - مثل التحدث أمام الجماهير - هي أكبر مؤشر للتنبؤ بالنجاح الوظيفي، بغض النظر عن ماهية المتطلبات التقنية لأي مهنة كانت"، قبل أن يقرّ بأن ذلك قد لا يبدو عادلًا، لكنه الأمر الواقع.

ويردف تشيك قائلًا إنّ الإقرار بأهمية "المهارات الشخصية" خطوة أولى جيدة، لا سيما بالنسبة إلى أنواع معينة من الانطوائيين (حَدَّدَ تشيك وزملاؤه أربع فئات مختلفة للانطوائيين: الاجتماعي، والمفكِّر، والقَلِق، والمكبوت)، فليس كل انطوائي خجول، لكن بعضهم – ويُقصَد هنا جميعهم، ما عدا القَلِقِين، وفقًا لرأْي تشيك - يتجنبون التحدث بصراحة، كما يتجنّبون لَفْت الانتباه إليهم، لا لشيء، إلا لأنهم لا يرغبون في ذلك، أو لا يجدون هذه السلوكيات مجدية. ويكفي أولئك العلماء معرفة أن هناك فوائد ملموسة للانخراط في بعض أشكال الترويج الذاتي، حتى لو لم تأتِ بشكل طبيعي.

أمّا الآخرون، فالعوائق أمامهم أكبر، إذ يشعر الذين يعانون من الخجل عمومًا بعدم الارتياح عند التحدث مع الغرباء، أو أمام الحشود (أسهَم تشيك أيضًا في وضع مقياس للخجل). وهنا تشير دين إلى أن الباحثين الذين يشعرون أحيانًا بعدم الترحيب بهم في الميدان العلمي بسبب هويتهم - بما في ذلك النساء، والأقليات، وأعضاء مجتمع المثليّات، والمثليين، ومزدوجي الميل الجنسي، والمتحولين جنسيًّا – يعانون من صعوبة التحدث في الأوساط المهنية، وتضيف دين قائلة إن هذا الانزعاج قد ينبع من شعورهم بتحمُّل عبء تمثيل مجموعة ديموجرافية بأكملها، أو لأنهم أُجبِروا على التزام الصمت، بسبب خلفيّاتهم.

ويتفق الكثيرون في المجتمع العلمي على ضرورة مساعدة هؤلاء الباحثين؛ حتى تعلو أصواتهم، إلا أن هؤلاء الباحثين يستطيعون - في الوقت نفسه - مساعدة أنفسهم عبر الموازنة بين خسائر الصمت، ومنافعه. ويقول تشيك، الذي يَعتبِر نفسه من الأشخاص المتوازنين الذين تجتمع فيهم سمات الانطواء والانفتاح: "عليك أن تفكر فيما يَحُول بينك وبين أهدافك؟"، فإنّ الناس إذا أمضوا سنوات من حياتهم في الدراسات العليا، فمِن المحتمَل - حسب قوله - أن تكون لديهم مصلحة قوية في مواصلة العمل العلمي، ولذلك سيكونون على استعداد لتجاوُز مشاعر الخجل لديهم.

لقد أدركت أنني إذا قبعت ولم أنهض لأطرح نتائج أبحاثي، فإن العالم لن يتعرف عليها‎، في بعض الأحيان، لا يستدعي الأمر أكثر من وجود الحافز المناسب، وفقًا لما تقوله هاركنس، التي تغلَّبت على بعض ميولها الهادئة أثناء إعدادها لرسالة الدكتوراة في جامعة سيدني عن تنظيم الجينات في خلايا عضلات مرضى الربو. وتضيف: "لقد أدركتُ أنني إذا قبعت ولم أنهض لأطرح نتائج أبحاثي؛ فإنّ العالم لن يتعرف على النتائج التي توصلت إليها، ناهيك عن طريقة تفكيري". (انظر: "تقبَّلْ هدوءك").

يضطر جميع العلماء تقريبًا في مرحلةٍ ما لعرض أبحاثهم أمام حشود من الناس، وهي المهمة الأشقّ من وجهة نظر الكثيرين، وليس الانطوائيين والخجولين وحدهم. كما كشفت بعض المسوح، مثل مسح جامعة تشابمان عن المخاوف الأمريكية، الذي أُجري في عام 2014، أن الخوف من التحدث أمام الجمهور غالبًا ما يتصدَّر قائمة الرهاب لدى الأمريكيين، حتى إنه يسبق الخوف من الغرق في بعض الحالات. ويقول بول براك، الباحث في مرحلة الدكتوراة في جامعة لوفبورو بالمملكة المتحدة، ويدرس طرق إنتاج الهيدروجين لخلايا الوقود: "في بدايات إعدادي للدكتوراة، تَبَيَّن لي أن مستواي سيئ للغاية في التحدث أمام الجمهور، وكان طموحي أن أصل إلى المستوى المتوسط".

ويشير تشيك إلى أن مهارة التحدث أمام الجماهير - لحسن الحظ - ليست بالصعوبة التي يظنها الكثيرون، ولا تتطلب من الباحثين الذين يتسمون بالهدوء أن يصيروا منفتحين. ويضيف قائلًا إن السبب الأساسي وراء خوف معظم الناس من التحدث أمام الجماهير هو أنهم لم يقوموا بذلك كثيرًا، وإن التحسن في تلك المهارة لا يتطلب سوى الممارسة.

وتقول أخصائية الكيمياء الحيوية كيت سليث - العميد المشارِك المؤقت لشؤون الإدارة وتطوير مهارات الطلاب بمستشفى سيتي أوف هوب في دوارتي بولاية كاليفورنيا، وهي شخصية انطوائية ترأس حاليًّا مجلس إدارة الرابطة الوطنية لمرحلة ما بعد الدكتوراة - إن هناك جامعات عديدة تتيح موارد؛ لمساعدة العلماء على الشعور بالارتياح عند تقديم العروض في الاجتماعات، وصقْل مهارات التحدث لديهم. وإذا كانت المؤسسة لا توفر مثل هذه الموارد، فهي توصي بالبحث عن مجموعات معينة، مثل "توستماسترز إنترناشيونال" Toastmasters International، وهي منظمة غير ربحية، تهتم بصقل مهارات التواصل لدى أعضائها.

وتتمثل استراتيجية أخرى في اكتساب الباحثين لأسلوب العرض التقديمي الذي يروق لهم. فبالنسبة إلى هاركنس، يتضمن هذا الأسلوب استغلال كلماتها؛ لتوضيح ما تفكر فيه، بدلًا من الاقتصار على نشر النتائج فقط. وتصف ذلك قائلة: "أريد أن يعيش الناس معي مسيرة البحث". ويبدو أن سردها لرحلة تطور المشروع البحثي يجعلها متحمسة لعرض نتائج عملها، إذ تقول: "إنني فخورة للغاية بعرضي لعملي البحثي".

كما يمكن أيضًا تطويع شبكات التواصل حسب التفضيلات الفردية، على الرغم من الدلالة المخيفة لذلك لدى كثير من العلماء. ويقول براك، الذي كتب منشورًا عن هذا الموضوع على مدونة Naturejobs في العام الماضي (انظر: go.nature.com/2fx60wc): "إن كلمة "التشبيك" تُشعِر الكثير من الناس بأن عليهم أن يأتوا بأسلوب حديث سلس ومنمَّق"، لكنه توصَّل إلى عدة طرق للتواصل، تناسبه بوصفه شخصًا انطوائيًّا، اعتاد في الماضي أن يكون خجولًا.

تقبَّلْ هدوءك

النجاح.. رغم الخجل

اتَّبِع هذه النصائح للتواصل الشبكي، وللترويج لأبحاثك.

● تَدَرَّبْ على التحدث أمام الجمهور مع زملائك، أو معلِّميك، أو الْتَمِس المساعدة عبر أحد البرامج الجامعية، أو منظمة مثل "توستماسترز إنترناشونال".

● اكتسِبْ طريقة إلقاء مناسبة لك، مثل السرد القصصي.

● في المؤتمرات والتجمُّعات المهنية الأخرى، استهدِفْ التحدث إلى شخصين، أو ثلاثة أشخاص جدد.

● استخدِمْ أدوات رقمية، مثل "تويتر"، أو "جوجل سكولار"؛ لإنشاء صفحتك الشخصية عبر الإنترنت.

● شارِكْ في لجان علمية، وابحث عن رعاة يمكنهم أن يساعدوك في تكوين علاقات.

● فكِّرْ كيف يمكن لمسارات علمية مختلفة أن تتناسب مع تفضيلاتك وسمات شخصيتك.

وتتمثل استراتيجية أخرى في أن تقترب من الأفراد - بدلًا من المجموعات الكبيرة - في فعاليات التعارف والاجتماعات، وقد أعددت بشكل مسبق سؤالًا أو سؤالين، فإذا بدأ براك محادثة مع زميل له في الدراسات العليا، فعادة ما يبدأ بطرح أسئلة حول أبحاثهما، والمشرف، والجامعة. وتقول دين - التي لا تزال تجد صعوبة في التعرف على أشخاص جدد - إنه لا يلزم أن ينصَبّ الحديث على العلم. فلربما لاحظت شيئًا على شارة تعريف شخص ما - كأنْ تكون من المكان نفسه - أو تَجْمَعكما هواية، أو صلة مشتركة. وتضيف قائلة: "حفز الناس للحديث عن أنفسهم".

وتنصح دين شباب العلماء بأن يضعوا لأنفسهم هدفًا بأنْ يتحدثوا مع شخصين أو ثلاثة أشخاص جدد في كل مرة يحضرون فيها مؤتمرًا، كما تحثهم على تجنُّب وصْف أعمالهم بعبارات تنطوي على إنكار الذات، بينما تنصح سليث باصطحاب صديق اجتماعي؛ ليساعدك على الشعور بالارتياح، دون أن يخطف الأضواء. وقد يفكر العلماء الذين يتسمون بالهدوء في التعاون مع زملائهم الأكثر انفتاحًا في إجراء الأبحاث، فهذا - على حد قول سليث - "يسهل الأمر كثيرًا".

ويشير ستيف بلانك - الذي يدرس ريادة الأعمال في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، وهو مهندس برنامج "فيلق الابتكار" التابع للمؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم، الذي يساعد العلماء على الترويج لاكتشافاتهم - إلى أنه حتى إذا بدت هذه الممارسات غير مألوفة لكثيرين من العلماء الذين يتسمون بالهدوء، فعليهم ألا ييأسوا، ويقول: "العلماء أذكياء بطبعهم، وإنْ لم تكن هذه الجوانب في تكوين شخصيتهم، فإنّ لديهم قدرات ذهنية تمكِّنهم من محاكاتها".

التخطيط طويل الأمد

عند اتخاذ قرارات مهنية مهمة، قد يحتاج بعض العلماء إلى التفكير في كيفية المواءمة بين المسارات العلمية المختلفة، وطبيعة شخصياتهم، فعلى سبيل المثال.. ربما يستلزم العمل الأكاديمي مهارة التدريس، وإلقاء العديد من المحاضرات العامة، بينما قد تتطلب الهيئات الحكومية أعمالًا معملية، واجتماعات مع المديرين. وفي هذا الصدد، يقول بلانك إنه يجب على العلماء تسويق أفكارهم للمستثمرين والعملاء، بصفتهم من رواد الأعمال في قطاع التكنولوجيا، ويضيف: "إذا كنتَ تسعى لشغل منصب قيادي، فالشيء الأهم هو اكتساب مهارات التواصل". وينطوي ذلك - في الغالب - على تعلُّم كيفية محاكاة شخص منفتح، على الأقل.

ونظرًا إلى أن المسارات العلمية المختلفة تنطوي على متطلبات متنوعة، ينصح تشيك العلماء الذين هم في مقتبل مسيراتهم المهنية بالاطلاع مسبقًا على المؤلفات الأكاديمية، مثل نظرية هولاند حول الاختيار المهني، التي أَلَّفَها الراحل جون هولاند، اختصاصي علم النفس في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ميريلاند. يقول تشيك: "تشير النظرية إلى أن لكل بيئة عمل شخصيات تناسبها". ويصنِّف هيكلُ نظرية هولاند أنواع الشخصيات، وما يقابلها من وظائف مناسبة. وهناك ثلاث فئات تناسِب الانطوائيين بشكل جيد، وهي الواقعية، والاستكشافية، والفنية، وهذا بدوره قد يلائم المسارات التطبيقية، والنظرية، والإبداعية، على الترتيب.

يقول تشيك إنه ينبغي ألّا تُثْنِي هذه التصنيفات العلماء عن متابعة طموحاتهم، لكن عليهم مراعاة ما إذا كانت شخصياتهم تتوافق مع المسار المهني الذي اختاروا أن يسلكوه، أم لا، ويضيف: "عندما تسلك مجالًا معينًا، فإن الشيء المفضل لديك قد لا يحظى بالتقدير المـأمول". ويعتمد جزء من إيجاد مهنة مُرْضِية - في الأساس - على التعرف على المهنة المناسبة، وهو الأمر الذي بدأت هاركنيس تدركه، بالرغم من عدم استعانتها فعليًّا بنظرية هولاند؛ فبعد حصولها على درجة الدكتوراة، انتقلت إلى معهد "وولكوك"، حيث المجموعات البحثية الأصغر، والأكثر ترابطًا - على حد قولها - مما جعل المكان أكثر ملاءمة لها، بصفتها باحثة شابة وانطوائية.

وضع قواعد جديدة

تُعَدّ مهارات التواصل الاجتماعي، والتواصل الشخصي من المهارات الجوهرية لتحقيق النجاح في مجال العلوم، وغيره من المجالات. ويرجع ذلك بعض الشيء إلى أن ثقافتنا تفضِّل المنفتحين اجتماعيًّا. وهذا – على الأقل - ما يبدو عليه الطرح الوارد في كتاب "الهادئ" Quiet (برودواي 2013)، للكاتبة والمحاضِرة الأمريكية سوزان كاين، حول مَواطن قوة الانطوائيين. ويتمثل جوهر وجهة نظر الكاتبة في أن المجتمع يتعامل مع الانطوائي على أنّ لديه خللًا في الشخصية، إلا أن مثل هؤلاء الأشخاص الانطوائيين يجب أن يلقوا التقدير المناسب؛ فالعلماء ذوو الطبع الهادئ يمكنهم إبراز مَواطن قوتهم بطرق متعددة.

وعلى سبيل المثال.. حَقَّق ديفيد ستين نجاحًا عظيمًا على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. ويفخر ديفيد - عالِم البيئة المتخصص في الحياة البرية في جامعة أوبورن في ألاباما – بانطوائه، ويقول: "أنا لا أعاني من الانطواء، بل أحبه، وأتقبَّله"، ويصف ستين نفسه قائلًا إنه من نوعية الأشخاص الذين يجلسون في الاجتماعات في الصفوف الخلفية، ولا يتحدثون كثيرًا، شأنه شأن الكثير من الانطوائيين، وهو يفضل استجماع أفكاره قبل التحدُّث.

وهو يتواصل من خلال مواقع مثل "تويتر"، حيث لديه أكثر من 12,800 متابع (وقد اختارته مجلة "سليت" Slate كأفضل عالِم أحياء على "تويتر" لعام 2015). ويوفِّر له هذا الوسط فرصة الظهور والتفاعل مع المجتمع العلمي الأوسع بالإيقاع الذي يروق له، وحسب شروطه. يقول ستين في تغريدة له: "قد يستغرق الأمر يومًا بأكمله لأكتب تغريدة واحدة، فما بالك بالوقت القليل المتاح في اجتماع لمحاولة التحدث بفصاحة".

يوصي تشيك بإنشاء صفحة شخصية على "جوجل سكولار" Google Scholar، والتفاعل بنشاط على موقعي ResearchGate وAcademia.edu الأكاديميين. ويشير براك أيضًا إلى أنه يمكن للباحثين استخدام موقع LinkedIn للإعلان عن المؤهلات العلمية، والترويج للمنشورات والجوائز، ويقول: "يمكنك مشاركة هذه الأمور بطريقة تجعلك لا تشعر بأنك تفرضها على الناس، أو بأنك تتعالى عليهم".

يمكن للباحثين الخجولين والانطوائيين تعزيز مسيرتهم المهنية بطرق أخرى تتوافق مع شخصياتهم. ويقدم براك مقترح الانضمام إلى اللجان العلمية، وهو ما فعله مؤخرًا حين شارك في تنظيم مؤتمر للكيمياء في اسكتلندا، ويقول: "أجد أنني بحاجة إلى أن أقضي وقتًا أطول مع شخص ما، مما يؤهلني لأنْ أشعر بالراحة الكافية للتحدث إليه، والتواصل معه بفاعلية"، ويضيف: "وجودك في لجنة مفيد جدًّا في هذا الصدد". ويمكن للباحثين متابعة الاجتماعات والحلقات الدراسية باستخدام البريد الالكتروني؛ للمشاركة والإسهام في المناقشات العلمية، ولا سيما إذا كانوا لا يريدون التحدث أمام مجموعة.

وبِغَضّ النظر عن الاستراتيجية التي يختارها الباحثون، تقترح سليث البحث عن مرشد - أو حتى عن راعٍ – تعرِّفه بأنه شخص يناصر ويساند العلماء الشباب، وخصوصًا أصحاب الشخصيات الانطوائية والخجولة. ويمكن أن يكون هذا الشخص مستشارهم، كما يمكن أن يكون مؤلفًا مشاركًا، أو زميلًا، على حد قولها. يتمثل الشيء الأهم في أن يساعد هذا الشخص في توسيع الآفاق، وفتح الأبواب أمام العلماء الشباب، وتسليط الضوء على إنجازاتهم ونقاط قوتهم. وتعلِّق سليث قائلة: "بهذه الطريقة.. أنت لا تتفاخر بنفسك، بل غيرك هو الذي يتفاخر بك، بدلًا منك".

اضف تعليق