يمكن للاتفاق أن يساعد في بناء الثقة وأن يوفر الأرضية لتسوية دبلوماسية ثمة حاجة ماسة إليها لنزع فتيل المواجهة النووية بين إيران والغرب. في هذه الأثناء، يمكن للأميركيين الاحتفال بعودة خمسة أشخاص ما كان ينبغي أن يحتجزوا أصلاً، وقد غابوا عن أحبابهم لمدة أطول مما ينبغي...

لقد توصلت واشنطن وطهران إلى اتفاق يعيد الرهائن الأميركيين إلى بلادهم من إيران ويرفع التجميد عن أصول إيرانية. للاتفاق الكثير من الحسنات، رغم ما يقوله منتقدوه.

لقد أكملت إدارة بايدن للتو تنفيذ الاتفاق مع إيران الذي أعلنت عنه الشهر الماضي. إنه اتفاق إنساني يستعيد حرية خمسة رهائن أميركيين في إيران مقابل الإفراج عن عدد مماثل من السجناء الإيرانيين في الولايات المتحدة. وبموازاة ذلك، وافقت إدارة بايدن أيضاً على رفع التجميد عن عائدات نفطية إيرانية بقيمة ستة ملايين دولار تقريباً ظلت عالقة لسنوات في مصارف كوريا الجنوبية، وبات بإمكان طهران استعمالها لشراء الغذاء والدواء.

لهذا الاتفاق الكثير من الحسنات؛ فهو ينهي معاناة الرهائن الأميركيين في إيران ومن شأنه أن يمنح فسحة اقتصادية للشعب الإيراني هو بأمس الحاجة إليها. كما أنه يساعد في تحضير الأجواء للانخراط المباشر بين طهران وواشنطن حول كيفية تقليص الاحتكاكات في الشرق الأوسط واستكشاف الخيارات لضمان بقاء البرنامج النووي الإيراني مدنياً صرفاً.

لكن كأي انخراط دبلوماسي يشمل خصوم أميركا الألداء، كان من المحتم أن يثير من الانتقادات بقدر ما يبعث على الارتياح، وهذا بالتحديد ما حدث.

يجادل منتقدو الاتفاق بأن هذا التفاهم يرقى إلى دفع فدية لنظام قتل بوحشية مئات المحتجين الإيرانيين السنة الماضية، وهو مسؤول على نحو غير مباشر عن قتل الأوكرانيين عن طريق تقديمه الطائرات المسيرة لروسيا. لكن كما لاحظ مؤيدو إدارة بايدن، فإن هذا الاعتراض ليس دقيقاً تماماً. إذ لن تتدفق أية مبالغ نقدية من الولايات المتحدة، ولن تذهب أية أموال إلى إيران. بدلاً من ذلك، تم تحويل الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية إلى قطر، إلى حسابات مراقبَة بدقة، من خلال قنوات بُنيت بإحكام، يمكن استعمالها لشراء المواد الإنسانية وحسب.

ومن ثم فإن الموقف الأميركي فيما يتعلق بالعقوبات سيبقى دون تغيير. في الواقع، فإن طريقة جيدة للنظر إلى الاتفاق تتمثل في أن إدارة بايدن لا تفعل أكثر من تحقيق التوافق بين سياستها والعقوبات الأميركية القائمة التي تستثني التجارة بالمواد الإنسانية. كان ينبغي أن تكون إيران قادرة على استعمال أصولها المقيدة في الخارج لشراء الغذاء والدواء قبل وقت طويل. وسبب عدم حدوث ذلك كان الالتزام المبالغ به للمصارف الدولية، التي تخشى انتهاك نظام العقوبات المعقد الذي تفرضه واشنطن.

لقد أدت مخاوف البنوك، مضافاً إليها الفساد وسوء الإدارة في إيران، إلى تعطيل سلاسل الإمداد في إيران وتضخم أسعار الغذاء والدواء، إلى حد أنه طبقاً لمسؤولي وزارة الصحة، فإن نحو 60 بالمئة من الإيرانيين يعانون من سوء التغذية. المفارقة هي أن أحد الرهائن الأميركيين، السيد نامازي، كتب عن هذه الآثار الشاذة للعقوبات في جريدة نيويورك تايمز في عام 2013، قبل عامين من اختطافه من قبل سلطات طهران بسبب ارتكابه للجريمة المزعومة المتمثلة في امتلاك جواز سفر أميركي إضافة إلى جواز سفره الإيراني.

يتمثل انتقاد آخر في أن إيران ستتمتع الآن بأموال إضافية تستخدمها في القمع الداخلي وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. ولهذه الحجة منطق يدعمها؛ فالمال في المحصلة يمكن استبداله. لكن المأساة هي أنه ما من دليل على أن إيران ستتخلى عن هذه الأنشطة في أي حال من الأحوال. إذ إنها لم تواجه نقصاً في الرصاص أو المعدات المضادة للشغب خلال أشهر الاحتجاجات. كما أن دعم إيران لشركائها الإقليميين وتصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ لم يتوقف بصرف النظر عن مبالغ الدولارات الموجودة في خزائنها – بل إنها من المرجح فعلياً أن تكون قد بدأت بتوجيه بعض المبالغ النقدية في هذه الاتجاهات في ظل القيود المالية القاسية التي فرضتها حملة "أقصى الضغوط" التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب. عندما يتعين على النظام الإيراني الاختيار بين البنادق والزبدة. فإنه يختار الأولى. ومن ثم، فإن المزيّة الهامشية المتمثلة في الاستمرار في تجميد هذه الأصول على حساب إلحاق الأذى بالإيرانيين العاديين تبدو غير موجودة.

يكمن التناقض الحقيقي في موقف خصوم الاتفاق، الذين يدَّعون أنهم يقفون مع الشعب الإيراني لكن يرغبون بتقييد شرائه للغذاء والدواء. الأكثر من ذلك، فإن حتى إدارة ترامب أوجدت قناة مصرفية مشابهة، عُرفت باتفاقية التجارة الإنسانية السويسرية، لتيسير تدفق السلع الإنسانية إلى الشعب الإيراني وسط تكتيكات "أقصى الضغوط" التي مارستها.

يزعم بعض المنتقدين أن مثل هذه الاتفاقات يمكن أن تشجع إيران على أخذ المزيد من الرهائن. إلا أن حالات احتجاز الرهائن تثير هذه القضية الشائكة غالباً، وقلة من القادة الأميركيين يمكن أن ينجحوا في اختبار الطهارة بشأن كيفية التعامل معها، هذا إذا نجح أي منهم. لقد توصل عدد كبير من الرؤساء الأميركيين إلى اتفاقات بشأن الرهائن كانت إشكالية على المستوى الداخلي، إذ تحاول هذه الاتفاقات تحقيق التوازن بين كلفة أن تظهر بمظهر مكافأة خصوم مثل إيران وروسيا على مثل تلك الممارسات الشنيعة مقابل واجب تحرير مواطنين أميركيين من سجن غير شرعي. وتواجه دول غربية أخرى تحديات مشابهة. فقد توصلت عدة حكومات أوروبية إلى صفقات إشكالية في الشهور القليلة الماضية مع إيران، التي تستمر في احتجاز مواطنين أجانب ومواطنين يحملون جنسية مزدوجة.

لا يغير هذا الاتفاق من الحوافز الشاذة في العلاقات الأميركية–الإيرانية؛ إذ تحتجز طهران على نحو غير عادل أشخاصاً يحملون الجنسية المزدوجة بصفتهم إيرانيين بينما تبادلهم على أنهم أجانب. في حين تسهم واشنطن في معاناة الشعب الإيراني من خلال السعي إلى معاقبة قادته المستبدين. لكن هذا يضع حداً لمعاناة كثير من الأسر العالقة بين عدوين لا يمكن المصالحة بينهما. كما أنه يزيل عبئاً غير منصف على كوريا الجنوبية، التي تحملت على نحو غير طوعي عبء أصول إيران المقيدة. وسيكون المنطق الإنساني كافياً، لكن يمكن أن يكون هناك مزايا أخرى أيضاً؛ إذ يمكن للاتفاق أن يساعد في بناء الثقة وأن يوفر الأرضية لتسوية دبلوماسية ثمة حاجة ماسة إليها لنزع فتيل المواجهة النووية بين إيران والغرب. في هذه الأثناء، يمكن للأميركيين الاحتفال بعودة خمسة أشخاص ما كان ينبغي أن يحتجزوا أصلاً، وقد غابوا عن أحبابهم لمدة أطول مما ينبغي.

* بقلم: علي فايز، مستشار أول للرئيس ومدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية
كيونغ وا كانغ، وزير خارجية جمهورية كوريا السابق
https://www.crisisgroup.org/

اضف تعليق