q
عمَد وزراء في الحكومة وبرلمانيون وهيئات إسرائيلية إلى وضع خطط ترمي إلى تفريغ غزة من سكانها كافّة بشكلٍ دائم، وإعادة توطينهم في سيناء أو في مناطق أخرى حول العالم. قبل فترة طويلة من أحداث 7 تشرين، كان الفلسطينيون يتخوّفون من التعرّض إلى الطرد الجماعي، نتيجة النفوذ المتنامي للأحزاب...

يناقش يزيد صايغ وجوست هيلترمان ومروان المعشّر التبعات التي قد تنجم عن إقدام إسرائيل على تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية.

جمعت الحلقة النقاشية الأولى في "ديوان" يزيد صايغ، الزميل الأول في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، مع كلٍّ من جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، ومروان المعشّر، نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

تناول الباحثون قضيةً حظيت باهتمام متزايد منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهي ما إذا كانت إسرائيل تعتزم استخدام الصراع الدائر في القطاع لارتكاب عمليات تهجير قسري بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ودفعهم إلى مصر والأردن على التوالي، وما إذا كانت هذه النتيجة قابلة للتنفيذ سياسيًا. وتحديدًا، ماذا ستكون تداعيات ذلك على معاهدتَي السلام الإسرائيليتَين مع مصر والأردن؟ وكيف يُحتمَل أن تكون ردّة فعل الولايات المتحدة؟ يتطرّق الباحثون في هذا النقاش الذي أُجري في 4 كانون الأول/ديسمبر إلى هذه القضية ومسائل أخرى ذات صلة. وفيما يلي نصّ النقاش:

يزيد صايغ [0:00]

أصبحت الدعوات إلى تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء في مصر أمرًا شائعًا في إسرائيل. تحدّث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولون آخرون بدايةً عن نزوحٍ مؤقّت للفلسطينيين من أجل السماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

لكن منذ ذلك الحين، عمَد وزراء في الحكومة وبرلمانيون وهيئات إسرائيلية إلى وضع خطط ترمي إلى تفريغ غزة من سكانها كافّة بشكلٍ دائم، وإعادة توطينهم في سيناء أو في مناطق أخرى حول العالم. قبل فترة طويلة من أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان الفلسطينيون يتخوّفون من التعرّض إلى الطرد الجماعي، نتيجة النفوذ المتنامي للأحزاب القومية اليمينية المتطرّفة في المشهد السياسي الإسرائيلي وفي الحكومة الإسرائيلية، فضلًا عن العدائية المتزايدة للمستوطنين اليهود المسلّحين في الضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن منذ ذلك الحين، تكثّفت الدعوات في أوساط الإسرائيليين إلى ارتكاب ما يمكن اعتباره نكبة ثانية بحق الفلسطينيين. ويرمز هذا المصطلح إلى التهجير الجماعي القسري لغالبيةٍ من الفلسطينيين [من ديارهم] أثناء تأسيس إسرائيل في العام 1948.

لكن هل هذه المخاوف من التهجير الجماعي، التي تساور الفلسطينيين وغيرهم حول العالم، في محلّها؟ فما هو احتمال أن تتحوّل إلى واقع ملموس، وأن تُرتكب عمليات تهجير قسري بحق مئات أو حتى عشرات الآلاف من الأشخاص، ناهيك عن 5 ملايين فلسطيني يعيشون تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967؟ ستنطوي حملة التهجير على أمور لوجستية ضخمة وصعبة يبقى الحديث عنها أسهل بكثير من تطبيقها على أرض الواقع. لهذا السبب جزئيًا، حاول وزراء إسرائيليون من الجناح اليميني المتطرّف، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تخفيف حدّة دعوات التهجير، من خلال الحديث عن النقل الطوعي للفلسطينيين وإعادة توطينهم في أماكن أخرى بمشاركة المجتمع الدولي.

والأهم هو أن مصر والأردن، اللذَين سيكونان حُكمًا الوجهتَين الأساسيّتَين لأي عمليات تهجير جماعي للفلسطينيين وسبق أن وقّع كلٌّ منهما معاهدة سلام مع إسرائيل ويقيم علاقات دبلوماسية معها، يعتبران أن دعوات التهجير الجماعي للفلسطينيين تشكّل تهديدًا كبيرًا لاستقرارهما الاجتماعي الاقتصادي والسياسي، وبالتالي لأمنهما القومي. وعلى خلاف ما كان عليه الوضع في العام 1992، حين أبعدت إسرائيل بضع مئات من كوادر حماس والجهاد الإسلامي إلى منطقة متنازع عليها وغير خاضعة لسلطة مركزية في جنوب لبنان، فإن التهجير من غزة أو الضفة الغربية سيكون قسريًا ليس فقط على الفلسطينيين الذين يتعرّضون للإجلاء، بل أيضًا على حكومتَي مصر والأردن السياديتَين وقواتهما المسلحة المنتشرة على طول الحدود. فمن دون الحصول على موافقة مسبقة من هذَين البلدَين، قد يرقى التهجير القسري لأعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى أراضيهما إلى مصاف إعلانٍ للحرب. يُشار أيضًا أن الإدارة الأميركية أبدت معارضتها الصريحة لتهجير الفلسطينيين من غزة، ناهيك عن إعادة توطينهم في مصر أو مكان آخر – ولا شكّ أنها ستعارض أيضًا الأمر إذا تحوّل التركيز إلى الضفة الغربية والأردن.

جوست هيلترمان [03:46]

أعتقد أن التأثير سيكون مختلفًا لكلٍّ من البلدَين، ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى أن مصر تتمتّع بما يمكن اعتباره عمقًا استراتيجيًا يتمثّل بشبه جزيرة سيناء. بتعبير آخر، في حال طُرد الفلسطينيون، أو في حال – وأضع هذه العبارة بين مزدوجَين - "انتقلوا طوعًا" إلى الأردن، فهم لن يستطيعوا فعليًا البقاء في غور الأردن، بل يُرجَّح أن ينتقلوا إلى المدن، ولا سيما أن لديهم أقارب هناك. وهذا التأثير تحديدًا سيُلاحَظ فورًا. فإلى جانب وقعه الاقتصادي، من المُحتمَل أن يزعزِع أيضًا استقرار الأردن بشكل كبير.

أما الوضع في مصر فسيكون مختلفًا، لأنها لم تضمّ في السابق أعدادًا كبيرة من السكان الفلسطينيين. ولا أستطيع القول إن صحراء سيناء خالية – فمن البديهي أنّ لديها سكانها المحليين – لكن فيها الكثير من المساحات الفارغة. وبالتالي، إذا استطاعت مصر، اقتصاديًا، الاعتناء بهؤلاء الوافدين، ربما من خلال الحصول على مساعدة خارجية، فقد تتمكّن من استضافة السكان في خيمٍ لفترة من دون أن يزعزِع ذلك استقرارها الاقتصادي أو حتى السياسي. لكن يبدو واضحًا أن مصر لا تقبل بسيناريو كهذا. فهي لا تودّ أن يحدث ذلك إطلاقًا لأنها في النهاية لا تريد أن تكون مسؤولةً عن تسهيل حدوث نكبة ثانية، وبالطبع لا يرغب الأردن في ذلك أيضًا، لذا سيواجه هذا السيناريو مقاومة ضخمة.

مروان المعشّر [05:41]

إضافةً إلى ما تقدّمتَ به يزيد، ستكون المشكلة التي ستواجه الأردن أكبر بكثير من مشكلة مصر. أولًا، وكما قال جوست، ليس لدينا عمق استراتيجي. ثانيًا، لدينا عددٌ كبير من اللاجئين السوريين والعراقيين، وليست موارد البلاد، ولا سيما الموارد المائية مثلًا، كافية لتلبية حاجات السكان المتواجدين راهنًا فيها، ناهيك عن استضافة بضع مئات الآلاف من الفلسطينيين.

لكن المشكلة المُحدقة بالأردن هي [أيضًا] أكبر من ذلك بكثير. إنها مسألة مرتبطة بالهوية. إن توافد حتى بضعة آلاف، أو 200 ألف لاجئ فلسطيني، ستسلّط الضوء أكثر على مسألة "من هو الأردني"، والتي لم تُحسم حتى الآن، بعد مرور 70 عامًا أو أكثر على حصول الفلسطينيين الذين وصلوا في العام 1948 على الجنسية الأردنية. وتثير هذه المسألة قلق الأردن أيضًا بسبب خوفه الراسخ من أن تعمَد إسرائيل إلى حلّ المشكلة الفلسطينية على حسابه، من خلال إقامة وطن بديل للفلسطينيين والزعم بأن الأردن هو فلسطين. لذا، سيبذل الأردن قصارى جهده لمنع دخول اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيه، ليس فقط لأنه لا يستطيع استقبال المزيد من اللاجئين، بل لأنه يشعر أن الإقدام على هذه الخطوة يصبّ في صالح هدف إسرائيل المتمثّل بتفريغ الأراضي الفلسطينية من الفلسطينيين، ومحاولة إقامة وطن لهم في الأردن.

يزيد صايغ [07:39]

نظرًا إلى نوع التهديدات والتحديات التي قد يطرحها النقل أو التهجير الجماعي للفلسطينيين إلى مصر أو الأردن على هذَين البلدَين، ما الخيارات المتاحة أمام الحكومتَين للحؤول دون تهجير عددٍ كبير من الفلسطينيين إلى أراضيهما؟ ما أعنيه هو، في حال فشلت المساعي الدبلوماسية الاستباقية في مرحلة محدّدة، واضطرّت مصر والأردن إلى مواجهة هذا السيناريو، فما الذي بإمكانهما فعله؟ هل لديهما وسائل مناسبة لمنع الدخول إلى أراضيهما عمليًا؟ وهل من الواقعي التفكير بأن الحكومة المصرية أو الأردنية قد تعزّز انتشارها العسكري على طول الحدود المشتركة مع إسرائيل، أو مع الأراضي الفلسطينية المحتلّة الخاضعة لسيطرة إسرائيل في حالتَي غزة والضفة الغربية، في محاولةٍ لردع إسرائيل عن الإقدام على خطوة كهذه؟ ونظرًا إلى القيود التي تضعها معاهدتا السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل للحدّ من الانتشار العسكري على الحدود، هل سيتمكّنان من زيادة حضورهما العسكري على طول الحدود إلى مستوى مقنِع، متجاوزَين ربما المستوى المحدّد، وذلك بسبب الظروف الاستثنائية؟ بتعبيرٍ آخر، هل سيُسمح لهما بذلك، ضمن القيود التي تنصّ عليها هاتان المعاهدان والمعايير الدبلوماسية؟ ماذا يمكن أن تفعله الجهود الدبلوماسية المصرية والأردنية لمنع حدوث هذا السيناريو من أساسه، أو لاحتوائه إذا كُتب له أن يتحقّق؟

يجدر التذكير هنا بأن آخر ما سمعناه من المصادر الإسرائيلية هو توقّعها بأن تستمر العمليات العسكرية في غزة لعامٍ على الأقل. لذا، بصرف النظر عمّا نعتقد أنه يشكّل الخطوط الحمر اليوم، يمكن اعتبار أن الالتزام بالحفاظ على معاهدة السلام قد يتداعى، حتمًا في أوساط الإسرائيليين الذين يدعون إلى التهجير الجماعي بحق الفلسطينيين. إذًا، أكرّر السؤال، ما الخيارات المتاحة فعليًا أمام مصر والأردن، سواء عبر المسار الدبلوماسي، أو عبر الردع العسكري، أو أي وسيلة أخرى؟ كيف بإمكانهما أن يحاولا استباق هذا السيناريو أو منع حدوثه؟

مروان المعشّر [10:04]

بدايةً، أودّ التطرّق إلى بعض النقاط. أولًا، تنصّ معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية صراحةً على عدم السماح لأيٍّ من الدولتَين بتهجير السكان جماعيًا إلى الدولة الأخرى. لذا، في حال حاولت إسرائيل فعل ذلك مع الأردن، فسيشكّل ذلك انتهاكًا لبنود معاهدة السلام. هذه هي النقطة الأولى.

أما النقطة الثانية، فهي أننا لا نستطيع القول إن سيناريو التهجير الجماعي هو سيناريو غير واقعي كما كنا نعتقد، بعد أن هُجّر 6.5 ملايين سوري من سورية، وبعد أن هُجّر 6 ملايين أوكراني من أوكرانيا، نتيجةً لظروف الحرب. لم يعد بإمكاننا القول إن ثمة تحديات لوجستية تمنع الناس من المغادرة. والنقطة الثالثة هي أن الفلسطينيين اليوم ليسوا فلسطينيي العام 1948، ويدركون تمامًا أنهم إذا خرجوا من أرضهم فلن يعودوا إليها. وقد أبدى سكان غزة حتى الآن صمودًا جديرًا بالثناء، وعلى الرغم من كل التحديات ومن حصيلة القتلى، فلسنا نرى أي عددٍ من الفلسطينيين على الحدود المصرية.

مع ذلك، لنفترض أن ظروفًا محدّدة طرأت في الضفة الغربية – وأُقرّ بأن حدوثها أصعب مما هو الحال في غزة وقد تتطلّب وقتًا قبل أن تتشكّل – لكن لنفترض أننا واجهنا وضعًا يرغم مئات آلاف الأشخاص على التوجّه إلى الحدود. يجب القول أولًا، بالطبع، إن الأردن يفضّل مسار الدبلوماسية الاستباقية، وهو كان نشطًا للغاية في توظيف هذه الدبلوماسية خلال الأسابيع الماضية. واليوم، برأيي، أصبحت مسألة التهجير الجماعي أمام أعيُن المجتمع الدولي، فيما لم تكن كذلك قبل فترة وجيزة. لذا، أعتقد أن الأردن ومصر ودولًا أخرى نجحت في الإشارة إلى المخاطر المُحدقة، حتى أن الإدارة الأميركية نفسها أبدت علنًا موقفها المعارض للتهجير الجماعي للفلسطينيين.

لكن، بالعودة إلى النقطة الأساسية، لنفترض أن مئات الآلاف من الفلسطينيين أصبحوا على الحدود، ولنتذكّر أن معظمهم لديهم أقارب في الأردن. أعتقد أن ثمة توافقًا واسع النطاق في البلاد، في أوساط أردنيي الضفة الشرقية والأردنيين من أصل فلسطيني، على ضرورة إبقاء الحدود مغلقة. وهذا قرار يحظى بالشعبية. ولا يُنظر إلى هذا الموقف على أنه غير مراعٍ لمعاناة الفلسطينيين، بل هو موقف يمنع إسرائيل من محاولة تفريع الأراضي الفلسطينية من سكانها.

جوست هيلترمان [13:36]

ثمة إذًا الجانب الدبلوماسي، كما ذكرتَ يزيد، وللبناء على ما قاله مروان: ثمة السيناريو الأسوأ، وهو أن الدول لا تستطيع فعليًا منع مئات آلاف الأشخاص البائسين من الدخول إلى أراضيها بعد هروبهم من مناطقهم التي تعرّضوا فيها إلى القصف والمجازر. لا أعتقد أن هذا السيناريو على وشك الحدوث في حالة الأردن، لكن على المدى الطويل قد يطرأ ذلك. في حالة مصر، قد يحصل ذلك في وقت قريب، إذا أُطلق العنان لإسرائيل وواصلت حملتها العسكرية. يطرح ذلك معضلة لمصر: فعدم القبول بدخول الفلسطينيين إلى أراضيها أمرٌ يحظى بدعم عربي واسع النطاق على الأقل، إنما أيضًا بدعم دولي، ويبدو واضحًا أن مصر لا تريد حدوث ذلك. لكن في الوقت نفسه، لن يكون مقبولًا في نظر الرأي العام الدولي، بما في ذلك في العالم العربي، أن تمنع مصر أعدادًا كبيرة من الأشخاص اليائسين من دخول أراضيها، مثلًا من خلال نشر الجنود وإطلاق النار عليهم.

إذًا، ما الذي يمكن فعله في نهاية المطاف؟ في هذه الحالة، لا بدّ من السماح لهم بالدخول والاعتناء بهم. هذا بالنسبة لي هو السيناريو الأسوأ، وهو واقعي. إنه ليس السيناريو الأكثر ترجيحًا، لأن لدينا الجانب الدبلوماسي من المسألة. أولًا، نرى أن الولايات المتحدة أعربت عن رفضها للتهجير، لكننا لا نعرف كم سيكون هذا الرفض قاطعًا عندما يحين وقت الحسم، وقد رأينا أن الدول العربية رسمت أيضًا هذا الخط الأحمر نفسه. إذًا، وُجِّه إخطار إلى إسرائيل بعدم الإقدام على ذلك، لكن هذا لا يعني أنها لن تحاول. ففي نهاية المطاف يستند ذلك إلى تحليل التكلفة والفائدة. ويُحتمل أن تقرّر إسرائيل أن معاهدة السلام مع مصر، أو حتى معاهدة السلام مع الأردن، لم تعد تستحقّ عناء الحفاظ عليها، ذلك أنها ماضية في توقيع معاهدات سلام مع دول الخليج. وهي فعليًا تتجاوز الأردن ومصر اللذَين يجمعها معهما سلامٌ بارد منذ عقود. إذًا، لم لا تذهب إلى تلك الدول؟

لذا، أعتقد أن العبء لن يقع على الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية فحسب، بل أيضًا على حكومات دول الخليج، إذ عليها تحذير إسرائيل من أن هذا الأمر يشكّل خطًّا أحمر. فمن الواضح أن تداعيات التدفّق الجماعي للأشخاص إلى مصر أو الأردن ستكون ضخمة حتى في دول الخليج، لأن مصر والأردن لا يستطيعان سياسيًا أو اقتصاديًا تحمّل هذا التدفّق البشري. وفي حال تزعزَع استقرارهما، سيؤدّي ذلك إلى تأثير دومينو [بمعنى أن زعزعة استقرار مصر والأردن سيؤدّي إلى سلسلة اضطرابات في عددٍ من الدول الأخرى]. وتمامًا كما تخوّفت دول الخليج من الانتفاضة الشعبية التي شهدتها مصر في العام 2011، ستخشى أيضًا من أي حدثٍ من شأنه أن يزعزع بشكل كبير أركان النظام المصري، لأن ذلك سيؤثّر عليها أيضًا.

يزيد صايغ [16:58]

نعم، جوست، لقد أعدتنا إلى السياق الدبلوماسي الإقليمي والدولي الأوسع، ما يقودنا بسلاسة إلى مجموعة الأسئلة الأخيرة، المرتبطة تحديدًا بما يمكن للولايات المتحدة فعله على وجه الخصوص، ومعها ربما قوى دولية أخرى، للمساعدة في تفادي هذا السيناريو.

الآن، وبعد إبداء بعض التردّد الأولي بشأن هذه المسألة، أعربت الولايات المتحدة برئاسة جو بايدن رسميًا عن رفضها لأي تهجير للفلسطينيين من غزة، أو إعادة توطينهم في مكان آخر، وأصرّت على قدرتهم على العودة إلى ديارهم، بما في ذلك في شمال غزة، بعد انتهاء الأعمال القتالية. ويُرجَّح أن يتبنّى الرئيس بايدن موقفًا مشابهًا في حال تعرّض سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى تهديد مماثل بطردهم أو نقلهم أو تهجيرهم إلى الأردن. لكن جو بايدن قد لا يبقى في الحكم بعد سنة، وقد يكون خلفه المُحتمَل دونالد ترامب أقل مراعاةً لمخاوف مصر والأردن من الإضرار بأمنهما القومي، ناهيك عن التمسّك بالمعايير الدولية. وبالفعل، مع صعود نجم القادة الشعبويين وأحزاب اليمين المتطرّف في الغرب، ما مدى قدرة النظام الدولي القائم على القواعد – الذي يُحكى عنه كثيرًا لكنه في حالة يرثى لها – أو بالأحرى، هل هذا النظام المُفترض قادر على تفادي حدوث نكبة ثانية؟ هل يمكننا افتراض ذلك بعد الآن؟ وما مدى ثقتكما بأن النظام الدولي ما زال يشكّل رادعًا كافيًا في وجه أجندة التهجير التي ينتهجها جناح اليمين المتطرّف الإسرائيلي؟

مروان المعشّر [19:03]

لستُ واثقًا من ذلك على الإطلاق. ففي حال فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية، ستسقط كل الرهانات، أي سيتعيّن علينا إعادة النظر في النزاع كلّه من جديد. لذا، لستُ واثقًا، يزيد. لقد رأينا المجتمع الدولي يقبل بمغادرة 6.5 ملايين سوري، و6 ملايين أوكراني كلاجئين. لذا من الطبيعي أن نتوقّع الأسوأ.

لكن برأيي – وأتحدّث هنا في المقام الأول عن الضفة الغربية وليس عن مصر – حتى إذا عاد الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، لن نشهد تهجيرًا جماعيًا للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن في غضون سنة. فهذه عملية قد تحصل تدريجيًا مع مرور الوقت، ولكن ليس على الفور. ربما سيقوم ترامب مجدّدًا باقتراح صفقة القرن، التي تنهي عمليًا حلّ الدولتَين وأي آفاق للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، ما سيولّد وضعًا جديدًا يتعيّن فيه التعامل مع قضية الحقوق وواقع نظام الأبرتهايد في ظل خيار الدولة الواحدة. هذا ما سنتعامل معه. نحن نتعامل مع هذه المسائل أساسًا مع بايدن، إلّا أن الرئيس بايدن قد يطرح خلال الولاية الثانية عملية سياسية. قد لا تكون برأيي عملية جادة أو ذات صدقية، لكنني أعتقد أنه إذا فاز بالانتخابات الرئاسية مرة أخرى، فستبحث إدارته عن مخرج سياسي للحرب على غزة. لكن إذا فاز ترامب، لن يحدث أيٌّ من ذلك. فالعملية السياسية من وجهة نظره تتمثّل في ضمّ إسرائيل 30 في المئة من الضفة الغربية، على أن يتم التفاوض على ما تبقّى بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولن يقبل أي طرف فلسطيني بذلك أو ينخرط في هذه المفاوضات.

والنقطة الثانية التي أودّ التطرّق إليها هي ما ذكرتُه من قبل. فأنا أعتقد أن الفلسطينيين عازمون على البقاء على أرضهم. ربما الوضع مختلف في حالة مصر، في غزة، عن الضفة الغربية. ففي غزة، يتعرّض الفلسطينيون للقصف والدمار شبه التام؛ لكن في الضفة الغربية، لا يحدث ذلك على هذا النطاق الهائل. ففي الضفة الغربية، تُقدِم مجموعات من المستوطنين، بدعم من الجيش الإسرائيلي، على طرد الفلسطينيين بشكل يرقى إلى التطهير العرقي، لكن بوتيرة بطيئة وليس بصورة جماعية حتى الآن. لذا، أعتقد أن المشكلة في حالة الأردن ستكون أطول أمدًا مما هو الحال بالنسبة إلى مصر، حتى إذا فاز ترامب بالانتخابات.

جوست هيلترمان [22:27]

لقد قال مروان كل شيء في هذا الصدد. يمكنني أن أضيف ربما أن أولئك الذين يريدون نقل الفلسطينيين إلى خارج فلسطين - ونحن نعلم أنهم موجودون ويعبّرون عن رأيهم صراحةً منذ فترة طويلة وباتوا أقوى في الآونة الأخيرة – فكّروا على الأرجح بسياق دولي يتيح لهم تنفيذ هذه الخطة. في غضون ذلك، سوف يسعون تدريجيًا إلى تحقيقها. أعتقد أنهم كانوا ينظرون إلى الضفة الغربية لأنهم يريدون دمجها مع إسرائيل، أو ضمّها، ثم التعامل مع السكان المحليين بطريقة أو بأخرى، سواء عبر محاولة دفعهم إلى الرحيل أو إخضاعهم إلى نظام حكم قائم على الفصل العنصري. لكن إن كان ثمة نزاع دولي في الشرق الأوسط لأي سببٍ كان، أو نزاع أوسع كحرب عالمية ثالثة (إن كان بإمكان أحد النجاة من حرب عالمية ثالثة)، فسيكون ذلك هو السياق الدولي الذي بإمكانك تطبيق مثل هذه الخطط فيه على المستوى المحلي. لذا أعتقد أن هذه كانت الخطة دائمًا.

في الواقع، كان ثمة طريقة ثانية أيضًا، لم نعِها إلّا الآن، وهي أن حماس قد سرّعت هذه العملية ووضعتها في الواجهة، لأنها أعطت إسرائيل الفرصة للردّ الانتقامي على نطاق واسع، من دون أن تقيّدها على ما يبدو المناشدات الغربية بضرورة الالتزام بقواعد الحرب حتى الآن. واقع الحال أن إسرائيل قد تحقّق في غزة ما كانت تأمل بتحقيقه في الضفة الغربية، ومن المؤكد أنها لا تمانع ذلك، كما أوضحت. لذا، يبقى أن نرى إن كانت ستنجح في تحقيق ذلك.

الجانب الآخر من المسألة هو أن النظام الدولي لا بدّ أن يتداعى بالكامل كي يكون ذلك ممكنًا. إن النظام القائم على القواعد آخذٌ بالانهيار والتفكّك بالفعل، ما من شأنه أن يجعل أي مقاومة لمثل هذه الخطط أضعف بكثير. وهكذا، أصبح بإمكان الإسرائيليين الراغبين في تنفيذ هذه الخطة تسريعَ وتيرتها. نرى مستوطنين يجولون في الضفة الغربية حاملين عبوات البنزين لإضرام النار، ويحظون بدعم كامل من الدولة الإسرائيلية لتنغيص حياة الفلسطينيين المحليين وجعلها أسوأ حتى مما كانت عليه طوال 56 عامًا من الاحتلال العسكري. لذا، ليس غريبًا التفكير في أن الفلسطينيين، على الرغم من أنهم عازمون على البقاء في أرضهم - إذ إن مبدأ الصمود محفورٌ في الحمض النووي الفلسطيني – سيحاولون المغادرة عاجلًا أم آجلًا، ولا سيما الشباب وأولئك الراغبين في تطوير أنفسهم، على الأقل لمتابعة دراستهم كما فعلوا في السابق، من دون أن يتمكّنوا من العودة إلى ديارهم لأن إسرائيل ستمنعهم من ذلك بصورة منهجية أكثر. خلاصة القول إن هذه الخطط وُضعت منذ فترة طويلة، وأعتقد أن الفرصة لتنفيذها تصبح سانحة بشكل أكبر، وبتنا نلمس تدريجيًا بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد.

يزيد صايغ [26:10]

أودّ أن أطرح سؤالًا سريعًا أو فكرة أخيرة بالاستناد إلى ما قلتماه. في الوقت الراهن وعلى الرغم من تآكل النظام الدولي القائم على القواعد، يبدو أن القيود، أو المعوّقات التي تواجه خيارات التهجير الجماعي للفلسطينيين ستبقى قائمة في المستقبل المنظور لمنع السلطات الإسرائيلية من التبنّي الرسمي لخطة من هذا النوع، بصرف النظر عمّا تحاول الأحزاب اليمينية المتطرّفة أو المستوطنون المسلّحون في الضفة الغربية والقدس الشرقية القيام به راهنًا. يبدو الآن أن المجتمع الدولي غير قادر على الدفع من أجل تطبيق حلّ الدولتَين، وأعتقد أن ما قاله مروان يعبّر عن ذلك. لكن في الوقت نفسه، إن تمكنت مصر والأردن من الحؤول دون دخول أعداد كبيرة من الفلسطينيين من الأراضي المحتلة إلى أراضيهما، سيظلّ الفلسطينيون يفتقرون إلى السيادة والسيطرة على حياتهم داخل الضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن في حالة الفلسطينيين في غزة – إن واصلت إسرائيل حملتها للقضاء على حماس وقدرتها على حكم القطاع – سينتهي الحال إلى وجود عدد كبير من السكان في غزة الذين يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الحكم. وفي السياقَين، نشهد وضعًا حيث يعاني السكان الكثير من المآسي، ناهيك عن حالة من الغليان الدائم، من دون مخرج في الأفق، أو منفذ للتخفيف من هذا الضغط الكبير. ماذا تتوقّعان أن تكون مآلات هذا الوضع؟ لقد ألمحتما إلى ما سوف تسير إليه الأمور برأيكما، وأشرتما إلى الأجندات القومية اليمينية المتطرّفة في إسرائيل، وإلى ارتفاع وتائر العنف. لكننا نميل إلى التفكير بذلك في سياق الوقت الراهن، بينما شهدنا تصاعد هذه التوجّهات في الأشهر القليلة الماضية وخلال العام الفائت. عند النظر إلى المستقبل، كيف تبدو لكما الصورة بعد عامٍ من الزمن، أي حين يُفترض أن تنتهي العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة؟ كيف سيبدو المشهد برأيكما؟

جوست هيلترمان [28:37]

حسنًا، عفوًا. بدايةً، لا نعرف كيف ستنتهي العملية العسكرية في غزة. هل ستنتهي غدًا لأن الولايات المتحدة قالت إن ما حدث حتى الآن كافٍ؟ سبق أن حذّر لويد أوستن في تصريح له من أن إسرائيل تتّجه نحو فشل استراتيجي بسبب استهدافها المدنيين في غزة. وأعتقد أن الرئيس بايدن قد يُضطر، عاجلًا أم آجلًا، إلى الرضوخ للضغوط التي يمارسها كبار معاونيه، الذين يملكون على ما يبدو انطباعًا أفضل حول المخاطر التي تعرِّض إسرائيل نفسها لها خلال عمليتها العسكرية الراهنة.

إذًا، قد تتغيّر الأمور. لكن بايدن يمكن أن يفوز بالانتخابات الرئاسية مجددًا. من الصعب للغاية التنبّؤ بهذه الأحداث. وأوافق مروان الرأي بأن الرئيس بايدن، في حال انتخابه لولاية ثانية، قد يكون مستعدًا وقادرًا على العمل من أجل إعادة إحياء عملية السلام. لكنني أشكّ كثيرًا في إمكانية تطبيق حلّ الدولتَين في هذه المرحلة، من دون إقامة دولة فلسطينية قابلة للبقاء والاستمرار. لكن في مطلق الأحوال، قد تكون الجهود المبذولة في حدّ ذاتها مهمة. علينا ألا ننسى أيضًا أن ثمة 7 ملايين فلسطيني راهنًا في الأراضي الواقعة من النهر إلى البحر، معظمهم في الضفة الغربية المحتلة وغزة. لا تستطيع التخلّص من 7 ملايين شخص. هذا لا يمكن أن يحدث. فحتى إن أسفر القتال الراهن في غزة عن تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، يبقى حوالى 6 ملايين شخص، وهذا رقم هائل. لذا، أعتقد أن صمود الفلسطينيين، الذي أشرتُ إليه آنفًا، أي عزمهم على البقاء في أرضهم مهما كان الثمن، سيُحدث فرقًا لفترة لا بأس بها، لكن الأمر سينطوي على معاناة كبيرة، وهذا واضح.

مروان المعشّر [30:56]

إن كنتُ سأتوقع ما قد يحصل بعد عام، أعتقد، يزيد، أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة لن تبقى في السلطة. يمكننا أن نفترض أن حكومة إسرائيلية مختلفة لن تُظهر مرونة أكبر حيال عملية السلام، لكنها على الأقل لن تضمّ وزراء اليمين المتطرّف الموجودين اليوم أنفسهم. فبحسب استطلاعات الرأي، قد لا يحصل سموتريتش حتى على الأصوات الكافية ليكون عضوًا في الكنيست التالي. وهذا الأمر سيحرم إسرائيل على الأقل من الذريعة اللازمة لتنفيذ عملية التهجير الجماعي للفلسطينيين، أقلّه على المدى القصير، في حال تولّي حكومة إسرائيلية مختلفة زمام السلطة. هذه النقطة الأولى التي أريد إيضاحها.

كما ذكرتَ، وحتى في حال فوز بايدن في الانتخابات وإطلاق عملية السلام، أُرجِّح أن تكون هذه العملية مشابهة لعمليات السلام السابقة – أي مفتوحة، وخالية من أي تصوّر لإنهاء النزاع، أو حتى من تعريفٍ لنهاية الصراع. نعرف جميعًا ما كانت مآلات ذلك في الماضي. لذا، أتوقع أننا سنشهد استمرارًا لأعمال العنف، واستمرارًا للمقاومة المسلّحة في الضفة الغربية أيضًا، وليس فقط في غزة. ننسى أن المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية بدأت قبل عام تقريبًا من أحداث غزة، أي قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما أُسمّيه انتفاضة ثالثة، حين حمل شباب فلسطينيون السلاح وراحوا يقاتلون، من دون قيادة أو أمل بتسوية سياسية. وأعتقد أننا سنبقى في هذه المرحلة لفترة من الزمن، إلى أن يبدأ العامل الديموغرافي بالتأثير في المعادلة بشكل واضح. كما ذكرتما، ثمة 7 ملايين فلسطيني ونيّف اليوم، ويبدو جليًّا أنهم سيصبحون غالبية واضحة للغاية في غضون عشر سنوات أو عشرين سنة. هم يشكّلون أساسًا غالبية طفيفة اليوم، لكنني أخشى أننا لن نشهد تسوية سياسية في وقت قريب.

https://carnegie-mec.org/

اضف تعليق