q
نتائج تؤشّر على تطورات هامة في المزاج الشعبي الفلسطيني، ولعل عدم جدية المجتمع الدولي في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إنْ استمرت، ستعني تحولًا نحو المقاومة المسلحة في المرحلة المقبلة ولوقت طويل. يحسن المجتمع الدولي صنعًا إنْ درس هذه النتائج جيدًا واستخلص العبر اللازمة وابتعد عن طروحات لا تمت...
بقلم: مروان المعشّر

لن يُكتب النجاح لأي خطة مستقبلية لا تأخذ في الحسبان رأي الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

بينما بدأ المجتمع الدولي والكثير من مراكز البحث بالحديث عن مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وطرح سيناريوهات متعددة للإجابة على أسئلة مستعصية عمّن يحكم غزة بعد الحرب، أو عن فرص إطلاق أي عملية سياسية لحل الصراع، ثمة عامل لا يؤخذ بالمستوى المطلوب من الجدية لدى إعداد هذه الطروحات، وهو الرأي العام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، أي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. لا يمكن أن تتوافر عوامل النجاح لأي خطة مستقبلية من دون الانتباه إلى نبض الشارع الفلسطيني تحت الاحتلال من الآن فصاعدًا.

من هنا، يكتسب استطلاع الرأي الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بإدارة خليل الشقاقي أهمية خاصة. فعدا عن كونه المركز الأبرز والأكثر مصداقية فلسطينيًا في إجراء مثل هذه البحوث، فإنه يلقي الضوء للمرة الأولى على رأي الشارع الفلسطيني منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كما أنه أُجري وجاهيًا في الفترة ما بين 22 تشرين الأول/أكتوبر و2 كانون أول/ديسمبر 2023، في كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة (خلال فترة الهدنة). وفي حين أن أي استطلاع للرأي يمثل إطلالة في وقت معين لرأي الناس، فإن تجاهل هذا الرأي ستكون له عواقب وخيمة على أي خطط يجري إعدادها.

غطى الاستطلاع جوانب كثيرة لا مجال لتعدادها جميعًا في هذا المقال، لكنه ألقى الضوء على المزاج العام في هذه الفترة حيال أمور عدة أودّ تسليط الضوء عليها. الأمر الأول يتعلق بمن سيحكم غزة بعد الحرب. يتنبأ 64 في المئة من المستطلعين (73 في المئة من الضفة الغربية و51 في المئة من غزة) بأن حماس هي من سيحكم، بينما أبدى 60 في المئة (75 في المئة من الضفة الغربية و38 في المئة من غزة) تفضيلهم لحكم حماس بعد الحرب على أي سيناريو آخر. ما يقوله الاستطلاع هو أن أي سيناريو يتم وضعه لمرحلة ما بعد الحرب لا يستطيع تجاهل حماس على الإطلاق، وأنها فرضت نفسها كلاعب هام على الساحة في المرحلة المقبلة.

يلاحَظ هنا التباين الكبير لتأييد حماس بين أهل غزة وأهل الضفة الغربية، بحيث أن شعبية حماس أعلى بكثير في الضفة الغربية منها في غزة، ولعلّ ذلك مفهوم بعد المعاناة الكبيرة التي تتحمّلها غزة من جرّاء العدوان الإسرائيلي. بالمقارنة، فإن 7 في المئة من المستطلعين فقط يرغبون في أن تحكم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس غزة بعد الحرب، و3 في المئة فقط يؤيدون قدوم قوة عربية لإدارة غزة، و88 في المئة يرغبون بأن يستقيل عباس من منصبه. هذه الأرقام هامة وربما صادمة لأي سيناريوهات دولية تطرح اليوم وتفترض أن السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي ستكون مقبولة لإدارة غزة.

في ما يتعلق بمن يفضل الفلسطينيون من القوى السياسية في حال أُجريت انتخابات تشريعية، فإن حماس ستحصل على 43 في المئة (44 في المئة في الضفة و38 في المئة في غزة) بينما ستحصل فتح على 17 في المئة (16 في المئة في الضفة و25 في المئة في غزة) بينما ستحصل القوى الثالثة (عدا فتح وحماس) على 23 في المئة (أكثر من فتح) وأبدى 17 في المئة عدم اتخاذهم قرارًا بعد لمن يصوتون). مرة أخرى، يلاحَظ الدعم الكبير لحماس اليوم، ويلاحَظ أيضًا أن القوى الثالثة في المجتمع تتفوق على فتح اليوم.

ونظرًا إلى أن النظام الانتخابي الفلسطيني نظام نسبي، ستتمثل كل هذه القوى في المجلس التشريعي المقبل، وسيكون من المستحيل تجاهل حماس كقوة سياسية لدى الحديث عن أي عملية سياسية مستقبلية. ومن الواضح عدم نجاعة سياسة الحديث مع السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي فقط، إذ تجاوزتها كلٌّ من حماس والقوى الثالثة في المجتمع الفلسطيني.

أما بالنسبة لمن يفضل الفلسطينيون أن يقودهم في مرحلة ما بعد الرئيس عباس، فثمة أكثرية كبيرة اختارت الأسير مروان البرغوثي (36 في المئة)، يتبعه وبفارق كبير إسماعيل هنية (19 في المئة)، ويحيى السنوار (16 في المئة)، ومحمد دحلان (4 في المئة)، بينما اختار 1 في المئة فقط حسين الشيخ، وهو ربما من بين المفضلين لدى الرئيس عباس.

وفي ما يتعلق بشكل الحل النهائي للصراع، فإن 64 في المئة من الفلسطينيين يعارضون فكرة حل الدولتَين، ويؤيدها 34 في المئة فقط، و65 في المئة يعتقدون بأن حل الدولتَين لم يعد ممكنًا من الناحية العملية بسبب التوسع الاستيطاني.

وفي تطوّر لافت أيضًا، ولدى السؤال عن الطريقة المثلى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن 63 في المئة من المستطلعين (20 في المئة في الضفة و56 في المئة في غزة) أجابوا بأنها المقاومة المسلحة، مقارنةً مع 20 في المئة ممن يفضلون المفاوضات، و13 في المئة ممن يؤمنون بالمقاومة السلمية. لم تكن ثمة أغلبية فلسطينية تؤمن بالمقاومة المسلحة قبل عشرين عامًا، ما يعني التخلّي عن الوسائل السلمية اليوم وعدم الاقتناع بأنها أتت بنتيجة لإنهاء الاحتلال.

هذه نتائج تؤشّر على تطورات هامة في المزاج الشعبي الفلسطيني، ولعل عدم جدية المجتمع الدولي في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إنْ استمرت، ستعني تحولًا نحو المقاومة المسلحة في المرحلة المقبلة ولوقت طويل. يحسن المجتمع الدولي صنعًا إنْ درس هذه النتائج جيدًا واستخلص العبر اللازمة وابتعد عن طروحات لا تمت إلى الواقع بصلة.

https://carnegie-mec.org/

اضف تعليق