q
الكوثر هي الذرية لفاطمة الزهراء (عليها السلام) من خلال نزول هذه السورة المباركة الكريمة وهي أصغر سورة في القرآن الكريم، ولكن السَّواد الأعظم من هذه الأمة لم تفهم ولن تفقه هذا المعنى الواضح جداً من السياق، وما يعضده المحدِّثون من أسباب النزول لهذه السورة الكريمة التي يروون فيها...

قال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر)

مقدمة نورانية

الحقيقة الفاطمية التي يحاول الكثير من علماء هذه الأمة منذ أن ولدت إخفاءها أو إنكارها حتى وهي الحقيقة النورانية لهذه المخلوقة المكرمة الاستثنائية في بنات حواء قاطبة، إذ أنها المخلوقة الوحيدة المعصومة، وهي (حوراء إنسية)، وليست حوراء خالصة، ولا آدمية بشرية خالصة بل هي أصلها من الجنة، ولكن وجودها وجسدها كان من أشرف خلق الله وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا كان يُكرمها ويُعظمها ويأمر الأمة باحترامها وموالاتها لأنها أمة الله وابنة رسوله الله، وقرينة ولي الله، وأم حجج الله على الخلق.

في رواية جليلة وجميلة يستشهد بها الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله) في كتابه الجميل عن حياة السيدة فاطمة (عليها السلام) عن رسول الله (ص) أنه قَالَ: (خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اَلْأَرْضَ وَاَلسَّمَاءَ)، فَقَالَ بَعْضُ اَلنَّاسِ: يَا نَبِيَّ اَللَّهِ فَلَيْسَتْ هِيَ إِنْسِيَّةً؟ فَقَالَ: (فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ)، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اَللَّهِ وَكَيْفَ هِيَ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ؟ قَالَ: (خَلَقَهَا اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ إِذْ كَانَتِ اَلْأَرْوَاحُ فَلَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ)، قِيلَ: يَا نَبِيَّ اَللَّهِ وَأَيْنَ كَانَتْ فَاطِمَةُ؟ قَالَ: كَانَتْ فِي حُقَّةٍ تَحْتَ سَاقِ اَلْعَرْشِ)، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اَللَّهِ فَمَا كَانَ طَعَامُهَا؟ قَالَ: اَلتَّسْبِيحُ، وَاَلتَّقْدِيسُ، وَاَلتَّهْلِيلُ، وَاَلتَّحْمِيدُ، فَلَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ وَأَخْرَجَنِي مِنْ صُلْبِهِ وَأَحَبَّ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ صُلْبِي جَعَلَهَا تُفَّاحَةً فِي اَلْجَنَّةِ وَأَتَانِي بِهَا جَبْرَئِيلُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَقَالَ لِي: اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: وَعَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اَللَّهِ حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ، قُلْتُ: مِنْهُ اَلسَّلاَمُ وَإِلَيْهِ يَعُودُ اَلسَّلاَمُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ تُفَّاحَةٌ أَهْدَاهَا اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ مِنَ اَلْجَنَّةِ، فَأَخَذْتُهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَقُولُ اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ: كُلْهَا، فَفَلَقْتُهَا فَرَأَيْتُ نُوراً سَاطِعاً وَفَزِعْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا لَكَ لاَ تَأْكُلْ كُلْهَا وَلاَ تَخَفْ فَإِنَّ ذَلِكَ اَلنُّورَ لِلْمَنْصُورَةِ فِي اَلسَّمَاءِ وَهِيَ فِي اَلْأَرْضِ فَاطِمَةُ، قُلْتُ: حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ وَلِمَ سُمِّيَتْ فِي اَلسَّمَاءِ اَلْمَنْصُورَةَ وَفِي اَلْأَرْضِ فَاطِمَةَ؟ قَالَ: سُمِّيَتْ فِي اَلْأَرْضِ فَاطِمَةَ لِأَنَّهَا فُطِمَتْ شِيعَتُهَا مِنَ اَلنَّارِ وَفُطِمَ أَعْدَاؤُهَا عَنْ حُبِّهَا، وَهِيَ فِي اَلسَّمَاءِ اَلْمَنْصُورَةُ وَذَلِكَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اَللّٰهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ)، يَعْنِي نَصْرَ فَاطِمَةَ لِمُحِبِّيهَا). (بحار الأنوار: ج4۳ ص4)

كوثر النور الفاطمي

كتب الأديب اللبناني النصراني سليمان كتاني كتاباً جميلاً وبأدب راقٍ جداً بعنوان (الإمام الحسن الكوثر المهدور) ففهم الرجل أن الكوثر هي الذرية لفاطمة الزهراء (عليها السلام) من خلال نزول هذه السورة المباركة الكريمة وهي أصغر سورة في القرآن الكريم، ولكن السَّواد الأعظم من هذه الأمة لم تفهم ولن تفقه هذا المعنى الواضح جداً من السياق، وما يعضده المحدِّثون من أسباب النزول لهذه السورة الكريمة التي يروون فيها العديد من الروايات التي تقول: بأن أحد طغاة قريش شَمِتَ برسول الله (ص) عندما توفِّي ولده وسمَّاه -كعادة العرب الأجلاف أن يطلقوا على مَنْ ليس له أولاداً ذكور- بالأبتر أي الذي لا عقب له من الذكور يرثه لأنهم لا يعتبرون البنات كما وصفهم الباري تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) (النحل: 59)

ومن تلك الروايات ما يرويه أقدم المفسرين الطبري عن ابن عباس في قوله: (إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: (هو العاص بن وائل)، كما يروي ذلك عن سعيد بن جُبير يقول: (هو العاص بن وائل)، وعن قتادة قال: هو (العاص بن وائل)، قال: أنا شانئٌ محمداً، وهو أبتر، لأن هذا العدو اللدود لرسول الله (ص) كان يبغض محمَّداً ويشنأه ويعيِّره بأنه أبتر لا عقب له من الذكور".

كما أن الطبري يروي أن هناك شيطاناً وعدواً آخر من قريش هو الذي نزلت فيه هذه السورة الكريمة فيقول: وقال آخرون: بل عني بذلك: عقبة بن أبي معيط الأموي، وقال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: إنه لا يبقى للنبيّ (صلى الله عليه وآله) ولد، وهو أبتر، فأنـزل الله فيه هؤلاء الآيات: (إِنَّ شَانِئَكَ) عقبة بن أبي معيط (هُوَ الأبْتَرُ)، كما أنه ينقل قولاً ثالثاً: وقال آخرون: بل عني بذلك جماعة من قريش. (تفسير الطبري للسورة)

وكذلك روى العلامة المجلسي في بحاره فقال: "أما قوله: (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ)، فروي أنها نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه رأى رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله) يخرج من المسجد (الحرام) فالتقيا عند باب بني سهم وتحدَّثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا: مَنْ الذي كنت تحدَّث معه؟ قال: ذاك الأبتر، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله) وهو من خديجة وكانوا يسمُّون مَنْ ليس له ابن أبتر فسمَّته قريش عند موت ابنه أبتر، وصنبوراً"، أي مقطوعاً. (بحار الأنوار: ج۱۷ ص۲۰۳)

كما قيل في رواية عن ابن عباس: أنه عمرو بن هشام أبو جهل المخزومي لأنه فرعون هذه الأمة وكان شانأً ومبغضاً شديد البغض والعداء لرسول الله (ص)، والحقيقة أنه عمرو بن العاص ووالده العاص بن وائل السَّهمي، هما اللذان شنآ رسول الله وأظهرا البغض والشماتة فيه، ولذا بترهما الله وقطع نسلهما عن جديد الأرض الآن.

ينكرون الحقيقة

والعجيب أن رجال وعلماء السلطة في هذه الأمة يستميتون في دفع هذه السورة بأولئك الرهط الأشرار من قريش وذلك لأنهم وصلوا إلى السلطة حيث قفزوا عليها وراحوا ينزون على منبر رسول الله (ص) نزو القردة كما في الروايات، إلا أنهم عيونهم على الحاكم والخليفة والسلطان حتى لو كان شيطاناً كمعاوية وولده يزيد الشَّر فإنهم يتحولون إلى مقدَّسين ومنزَّهين بمجرد وصولهم إلى كرسي الحكم في الدولة الإسلامية حتى لو كان دأبهم وهمَّهم الوحيد تدمير البلاد وقتل العباد، ودفن الإسلام وإعادة الأمة إلى الجاهلية كما كان يعمل معاوية بن هند الهنود طيلة أربعين سنة حكم فيها، حيث كان شعاره: (لا والله إلا دفناً دفنا) للإسلام.

ولذا تراهم يقبلون كل تفسير لمعنى الكوثر وحتى لو كان بعيداً جداً عن المتبادر من التفسير، ولذا أوصلوا معانيها إلى أكثر من عشرين معنى، ولكن لا يقبلون أن الكوثر هو فاطمة الزهراء (ع) وذريَّتها المباركة، ولا أدري لماذا هذا العداء والبغض العجيب لها، هل لأنها هي الميزان والمقياس لاختبار رجال قريش؟

أو أنها المحنة التي فضحتهم في بداية حكمهم للدولة الإسلامية التي حولوها إلى أموية وملك عضوض بعد عقد فقط من عمر الزمن؟

وأكثر ما يرددون: أن الكوثر (هو نهر في الجنة)، وهذا لا يُنكر ولكن ما علاقة كوثر الجنة بشخص يشنأ رسول الله ليعطيه الرب نهراً في الجنة ليكون تسلية له في الدنيا عن الأولاد والذرية – والجنة كلها لرسول الله- وهل تكون التسلية إلا من الجنس الذي عيَّره به مبغضه وشانئه؟

سواء كان العاص بن وائل، أو لده عمرو بن العاص السَّهمي، أو عقبة بن أبي معيط الأموي، أو أبو جهل المخزومي، أو غيرهم من رجال قريش الذين كانوا يعيِّرون رسول الله عندما مات ولده عبد الله ويقولون عنه: إنه أبتر لا عقب له يموت فيموت ذكره ويستريحون منه..

فما علاقة هذا بكوثر الجنة، أو بالنبوة، أو الرسالة، أو الأمة، أو الأتباع، أو العلم، أو غيرها من المعاني التي يرفضها علم المعاني ومقتضى الحال كما في البلاغة التي فقهها وعرفها وأدركها ذاك المسيحي النصراني بمجرد قراءته لهذه السورة فكتب كتاباً يؤكد هذه الفكرة في عنوانه للكتاب المذكور، ولكن لم ولن تدركها أبواق السلاطين لأن عيونهم عوراء عن فاطمة الزهراء وظلامتها في هذه الأمة، وعيونها على السلطان الحاكم وما يسمونه الخليفة وما هو إلا خليفة قريش كما صرَّح بذلك جهاراً نهاراً الخليفة الثاني لابن عباس حيث قال: (يا بن عَبَّاسٍ، أَتَدْرِي مَا مَنَعَ قَوْمَكُمْ مِنْهُمْ بَعْدَ مُحَمَّدٍ؟ فَكَرِهْتُ أَنْ أُجِيبَهُ، فَقُلْتُ: إِنْ لَمْ أَكُنْ أَدْرِي فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُدْرِينِي، فَقَالَ عُمَرُ: كَرِهُوا أَنْ يَجْمَعُوا لَكُمُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ، فَتَبَجَّحُوا عَلَى قَوْمِكُمْ بَجَحًا بَجَحًا (أي تتكبَّرون وتتعالون)، فَاخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لأَنُفْسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ تَأْذَنْ لِي فِي الْكَلامِ، وَتُمِطْ عَنِّي الْغَضَبَ تكلمت.

فقال: تكلم يا بن عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: اخْتَارَتْ قُرَيْشٌ لأَنْفُسِهَا فَأَصَابَتْ وَوُفِّقَتْ، فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا اخْتَارَتْ لأَنْفُسِهَا حَيْثُ اخْتَارَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا لَكَانَ الصَّوَابُ بِيَدِهَا غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلا مَحْسُودٍ وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ تَكُونَ لَنَا النُّبُوَّةُ وَالْخِلافَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ قَوْمًا بِالْكَرَاهِيَةِ فَقَالَ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 9)

فقال عمر: هيهات والله يا بن عَبَّاسٍ! قَدْ كَانَتْ تَبْلُغُنِي عَنْكَ أَشْيَاءُ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ أَفْرُكَ عَنْهَا، فَتُزِيلَ مَنْزِلَتَكَ مِنِّي، فَقُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُزِيلَ مَنْزِلَتِي مِنْكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلا فَمِثْلِي أَمَاطَ الْبَاطِلَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: إِنَّمَا صَرَفُوهَا عَنَّا حَسَدًا وَظُلْمًا! فَقُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: ظُلْمًا، فَقَدْ تَبَيَّنَ لِلْجَاهِلِ وَالْحَلِيمِ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: حَسَدًا، فَإِنَّ إِبْلِيسَ حَسَدَ آدَمَ، فَنَحْنُ وَلَدُهُ الْمَحْسُودُونَ، فَقَالَ عُمَرُ: هَيْهَاتَ! أَبَتْ وَاللَّهِ قُلُوبُكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ إِلا حَسَدًا مَا يُحَوَّلُ، وَضِغْنًا وَغِشًّا مَا يَزُولُ فَقُلْتُ: مَهْلا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لا تَصِفْ قُلُوبَ قَوْمٍ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً بِالْحَسَدِ وَالْغِشِّ، فَإِنَّ قَلْبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قُلُوبِ بَنِي هَاشِمٍ فَقَالَ عُمَرُ: إِلَيْكَ عنى يا بن عَبَّاسٍ..) (تاريخ الطبري: ج ٣ ص ٢٨٩)

فهذه حقيقة الأمر الجلية وإن لم تقبلها من هذا الرجل القرشي الذي قلب الدنيا على رسول الله (ص) في يوم الخميس، ثم أكملها في يوم الإثنين في سقيفة بني ساعدة المشؤومة، يعترف بلسانه لحبر الأمة الإسلامية وهو حاكم وخليفة ولكن هذه الأمة لا تقرُّ ولا ترضى حتى بقوله الذي روته معظم مصادرهم الموثوقة، لأنه اعتراف بالحق الصراح الذي يعرِّف الأمة بقادتها وكيف سُلبت منهم حقوقهم.

فاطمة كوثر رباني

وباب ذلك كله هو فاطمة الزهراء (عليها السلام) ولذا حاولوا جهدهم وكل طاقتهم أن يتنكروا لها ولفضائلها ولكل ما جاء فيها من آيات الذكر الحكيم أو أقوال الرسول العظيم (ص) ومنها بأنها الكوثر النوراني الرباني الذي وهبه الباري تعالى لرسوله الكريم عندما قال عنه أولئك الأشرار الأشقياء بأنه أبتر لا عقب له من الأولاد فكانت تسليته له بأنه سيجعل من فاطمة ذريته ونسله وهم النسل الكبير والكثير حيث الآن نراهم يفوقون الملايين في كل مكان وهم من قادة الأمة من السَّادة الكرام عبر العصور وكرِّ الدهور وهذا لا يستطيع أحد من جهال عدا عن العلماء في هذه الأمة أن تنكره عليها، ولذا قال الفخر الرازي في تفسيره مقراً بهذه الحقيقة: " الرابع (من معاني الكوثر): الكوثر أولاده، قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على مَنْ عابه (ص) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت؟ ثم العالَم ممتلئ منهم، ولم يبقَ من بني أمية في الدنيا أحد يُعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء؟ كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم). (التفسير: ج32 ص125)

وقبل أن نمضي ونكسر القلم فإنني سأنقل لك بعضَ ما جاء عن أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أعلم خلق الله بالقرآن وتاريخه ونزوله وتفسيره وتأويله باعترافهم جميعاً حيث قال: (اَلْعَجَبُ لِطُغَاةِ أَهْلِ اَلشَّامِ حَيْثُ يَقْبَلُونَ قَوْلَ عَمْرٍو (بن العاص) وَيُصَدِّقُونَهُ وَقَدْ بَلَغَ مِنْ حَدِيثِهِ وَكَذِبِهِ وَقِلَّةِ وَرَعِهِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَقَدْ لَعَنَهُ سَبْعِينَ لَعْنَةً وَلَعَنَ صَاحِبَهُ اَلَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ (معاوية) فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ هَجَا رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِقَصِيدَةٍ سَبْعِينَ بَيْتاً فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (اَللَّهُمَّ إِنِّي لاَ أَقُولُ اَلشِّعْرَ وَلاَ أُحِلُّهُ فَالْعَنْهُ أَنْتَ وَمَلاَئِكَتُكَ بِكُلِّ بَيْتٍ لَعْنَةً تَتْرَى عَلَى عَقِبِهِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ)، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَامَ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ صَارَ أَبْتَرَ لاَ عَقِبَ لَهُ وَإِنِّي لَأَشْنَأُ اَلنَّاسِ لَهُ وَأَقْوَلُهُمْ فِيهِ سُوءاً، فَأَنْزَلَ اَللَّهُ (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ). (بحار الأنوار: ج۳۳ ص۲۲4)

ولذا نجد أن الإمام الشيرازي الراحل يرسل ذلك إرسال المسلمات حيث يقول: " انقطع نسل رسول الله (ص) إلاّ من فاطمة (ع)، فبارك الله في ذريتها، كماً وكيفاً، وأشرف ذريتها(ع) هم: الحسن والحسين، ثم الأئمة التسعة من ولد الحسين(ع)، وقد قال تعالى: (إِنَّا أَعْطَينَاكَ الْكَوثَرَ)، حيث ورد أن (الكوثر) هي فاطمة (صلوات الله عليها). (من حياة فاطمة الزهراء (ع) ص 33)

وفي الحديث القدسي: (يَا رَاحِيلُ! إِنَّ مِنْ بَرَكَتِي عَلَيْهِمَا أَنْ أَجْمَعَهُمَا عَلَى مَحَبَّتِي وَأَجْعَلَهُمَا حُجَّتِي عَلَى خَلْقِي؛ وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، لَأَخْلُقَنَّ مِنْهُمَا خَلْقاً، وَلَأُنْشِأَنَّ مِنْهُمَا ذُرِّيَّةً، أَجْعَلُهُمْ خُزَّانِي فِي أَرْضِي، وَمَعَادِنَ حِكْمَتِي، بِهِمْ أَحْتَجُّ عَلَى خَلْقِي بَعْدَ اَلنَّبِيِّينَ وَاَلْمُرْسَلِينَ). (عيون أخبار الرضا: ج1 ص202)

فالكوثر النوراني الرباني هو فاطمة الزهراء دون غيرها وما هذه السورة إلا تخصُّها وذريتها المباركة الطيِّبة، سلام الله عليها وعلى ذريتها وأرغم الله أنف شانئها وظالمها وقاتلها حيث بتر الله ذكرهم في العالمين.

اضف تعليق