(إن كانت مصلحتكم أن تكونوا أسيادا علينا فما هي مصلحتنا أن نكون عبيدا لكم)
سبارتاكوس

 يعود الحديث عن ثورة العراقيين، ويعاد وصل ما انقطع في العام 2011 يوم خرج الالاف ضد حكومة المالكي رافعين شعار (باطل.. باطل).

يومها لم تكن الموصل قد سقطت ومعها اكثر من ثلث مساحة العراق، ولم تحدث مجزرة سبايكر وقتها أيضا، خرج العراقيون ضد الفساد، وضد كل موبقات الأحزاب الإسلامية بشقيها الشيعي والسني..

يومها استطاع المالكي وكابينته الحكومية من امتصاص غضب العراقيين بوعد المائة يوم، ثم الاشتغال بعدها على شراء الذمم، ومطاردة من لم يقبل بعملية البيع والشراء.

بعد اربعة أعوام، يعود العراقيون للتجمع مرة أخرى، وضد الفساد أيضا بصورته (الكهربائية) هذه المرة، وقد حدث قبلها ان سقطت الموصل واكثر من ثلث العراق، وارتكبت مجزرة سبايكر ومجازر أخرى بحق طوائف أخرى من الشعب العراقي.

هل تذكر العراقيون الفساد المستشري منذ العام 2003 في حر يوم قائظ، وتفطنوا الى وضعهم الذي زجهم فيه قادة الأحزاب السياسية؟ ام ان ما يحدث الان هو أولى بوادر التغيير الذي لا توفره صناديق الاقتراع مرة واحدة كل أربعة أعوام؟

لماذا تقوم الثورات؟

في كتابه حول جذور الثورات في العالم الثالث يرصد (جون فوران) 30 ثورة شهدها العالم منذ بداية القرن الماضي حتى الآن، ويرى ان هذه الثورات سببتها عوامل ضاربة في القدم وأنها جميعا كانت ستقع لا محالة وبالرغم من ذلك لم يكن من الممكن إطلاقا التنبؤ بموعد حدوثها. ويعتقد ان ثمة خمسة عوامل تتضافر لإنجاح أي ثورة اجتماعية وهي: التنمية غير المستقلة، والدولة القمعية الإقصائية المُشَخْصِنَة، وقوة وفعالية الثقافات السياسية المقاومة، وحدوث أزمة ثورية تتكون من تراجع اقتصادي، وتأثير عالمي مُمَهِد ناتج عن محاولات السيطرة الخارجية.

 وحول سيرورة الثورة ينقل الكاتب عن “جاك جولدستون” وهو من الجيل الأول لما يعرف بمدرسة “التاريخ الطبيعي للثورات” تقديره أنه قبل الثورات، يسحب المثقفون دعمهم للأنظمة القائمة، كما تجرى الدولة مجموعة من الإصلاحات، وتتفاقم الأوضاع بسبب أزمة دولة وليس بسبب نشاط المعارضة، وتظهر الصراعات بين ائتلاف الثوار على السطح بعد تولى السلطة، فيما تكون أول مجموعة تستولى على السلطة عادة من الإصلاحيين المعتدلين، ثم تبدأ الثورة في التشدد بعد أن يفشلوا في تنفيذ المطالب بالقدر الكافي.

اما أليكس كالينيكوس فيعتقد ان الثورات ليست نتيجة متوقعة لحركة التاريخ للأمام، بل أنها انفجار مفاجئ غير متوقع، في تاريخ يمثل “كارثة واحدة، يتراكم داخلها الحطام فوق بعضه البعض”.

احد ساسة الصدفة في العراق، لم يقرأ مثل تلك التحليلات عن الثورات وسبب قيامها، مع انه لم تنجب النساء مثله، وهو الخبير في جميع القضايا حين يتحدث عنها في لقاءاته التلفزيونية، فكان تصريحه الذي اصبح اشهر من نار على علم وهو استعارته لمثل عربي يقول (انه امر دبر بليل) وكان ان اصبح شعار المتظاهرين (نعم، هو امر دبر بليل).

 والمثل في اصله هو (أمر صرم بليل): ويضرب في التدبير والتخطيط لمكروه، لكنه يروى (دُبّر بليل).

ونسي هذا السياسي وشلته ان وصولهم الى سدة السلطة والحكم، امر من الأمور التي دبرت بليل، وكانت جميع صفقات فسادهم ونهبهم يتم تدبيرها في الليل، حيث يستر ظلامه كل شيء، خاصة وان الكهرباء الوطنية غير متوفرة للقاطنين خارج المنطقة الخضراء، والتي بدورها اقتطعت وسورت بأمر دبر بليل.

ولم يعدم العراقيون تلك الفرصة لاستغلال هذا التصريح، فقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بهذا المثل يردده الكثيرون على صفحاتهم (اذا كنت تعتقد ان الامر دبر بليل فاحب اطمئنك انك هذه المرة محق لأننا اصلا كنا نتعشى ونتحدث عن التظاهرة فأكيد بالليل والا هل هناك عشاء في الصباح؟)

وما يقصده السياسي النحرير في استعارته لهذا المثل، ان المتربصين بالديمقراطية الوليدة، والرافضين لهذا التغيير الذي اتى بهم الى الحكم هو ومجموعته التي انار مقدمها ليل العراق البهيم، هم البعثيون والداعشيون والخونة والمأجورون والطابور الخامس لدول أخرى، وهلم جرا من توصيفات تعيد الى الاذهان توصيف الحكام العرب ضد معارضيهم، واولهم القائد الضرورة الذي حلوا محله، وهم الذين قضوا عمرهم في معارضته لأجل هذا الشعب الذي يثور عليهم بعدما وجدهم يشابهون من كانوا يعارضونه ان لم يكن أبشع منه.

اختم بمقطع لمحمود درويش من ديوانه (خطب الدكتاتور الموزونة):

سأختار شعبا من الاذكياء، الودودين، والناجحين

سأختاركم وفق دستور قلبي:

فمن كان منكم بلا علة – فهو حارس كلبي

ومن كان منكم طبيبا – اعينه سائسا لحصاني الجديد

ومن كان منكم اديبا – اعينه حاملا للنشيد

ومن كان منكم حكيما – اعينه مستشارا لصك النقود

ومن كان منكم وسيما – اعينه حاجبا للفضائح

ومن كان منكم قويا – اعينه نائبا للمدائح

ومن كان بلا ضجر ولآلئ – فلينصرف

فلا وقت عندي للقمح والكدح. ولأعترف

امامك أيها الشعب – يا شعبي المنتقى بيدي

باني انا الحاكم العادل

انا الحاكم المتسامح العادل.

اضف تعليق