ملفات - عاشوراء

كربلاء في الشعر اليمني

اليمن من أعرق البلاد حضارة، وقد تتابعت عليها الإمارات والممالك، وتشير الدراسات إلى أن تاريخ اليمن القديم سادت فيه أربع إمارات وخمس ممالك أما الإمارات فهي: (جبا وسمعى وبني مراثد وأربعن) أما الممالك فهي: (معين وحضرموت وسبأ وقتبان والتبابعة) وقد حفل تاريخها بالكثير من الأحداث والصراعات، وتواكبت عليها العديد من الحضارات والأديان، كما حفل منجزها الثقافي برصيد ضخم من الشعر، وللشعر اليمني طابع خاص ومميز فهو إضافة إلى احتفاظه بأصالته وأساليبه البلاغية فإنه واكب التجديد، وهناك العديد من الكتب وثقت التاريخ الشعري في اليمن وترجمت لرجالاته وشعرائه منها كتاب (تاريخ اليمن) للفقيه نجم الدين أبو محمد عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان بن أحمد الحكمي اليمني الذي يعد من كبار فقهاء الشيعة وشعرائها في اليمن المقتول سنة (569ه) وكتاب (نفحة اليمن بما يزول بذكره الشجن) لأحمد بن محمد بن علي بن إبراهيم الأنصاري اليمني الشرواني (1200 ــــ 1253ه/1785 ــــ 1837م) و(نيل الوطر) لمحمد بن محمد الصنعاني و(جامع شمل أعلام المهاجرين المنتسبين إلى اليمن) لمحمد عبد القادر بامطرف كما ألف الشاعر عبد الله البردوني كتاباً خاصاً عن (الشعر اليمني قديمه وحديثه) منذ العصر الجاهلي إلى عصر النهضة وتطرق بصورة كبيرة إلى الشعراء المحدثين والمعاصرين وطبع الكتاب في دار العودة ببيروت، واحتل الشعر الشيعي مساحة كبيرة في الشعر اليمني بفضل المحيط الشيعي الكبير في اليمن في مدن ذمار وحضرموت وغيرها من مدن اليمن حيث لا تزال تعيش في اليمن الكثير من الأسر العلوية فكان من الطبيعي أن يكون لكربلاء أثر في شعر هذا البلد العريق في ولائه لأهل البيت وقد تتبعنا أثر كربلاء في قصائد بعض الشعراء اليمنيين كنموذج عن صورة كربلاء في الشعر اليمني وما مثلته للشعراء من صلة حية في الأجيال:

1 ـــــ أبو بكر بن شهاب: (1262 ــــ 1341ه/1846 ــــ 1923م)

أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب العلوي الحسيني الحضرمي عالم وفقيه كبير وشاعر من علماء الشيعة كما ورد ذلك في ترجمته في (الكنى والألقاب ج1ص25) و(أعيان الشيعة ج2ص295) ولد في قرية (حصن آل فلوقة) إحدى قرى تريم في حضرموت في اليمن وتوفي في حيدر آباد في الهند له أكثر من ثلاثين مؤلفاً في مختلف العلوم وقد عرف بالتأليف منذ صباه فألف منظومته (ذريعة الناهض إلى علم الفرائض) وله من العمر ثمانية عشرة سنة ومن أشهر مؤلفاته: (العقود اللؤلؤية في أنساب السادة العلوية بالديار الحضرمية) طبع في بومباي و(رشفة الصادي في بحر فضائل النبي الهادي) طبع في القاهرة، كان شاعر اليمن في وقته له ديوان كبير أكثره في أهل البيت واشتمل على مدائح كثيرة في الإمام علي (ع) ومراثي في الحسين (ع) يقول في إحدى مراثيه في الحسين:

براءةُ برٍ في براءةِ محرمِ *** من الله والسلوانِ من كل مسلمِ

فأيّ جنانٍ بين جنبي موحّدٍ *** بنارِ الأسى والحزنِ لم يتضرّمِ

وأيّ فؤادٍ دينُه حبّ أحمدٍ *** وقرباه لم يغضب ولم يتألّمِ

على دينه فليبك من لم يكن بكى *** لرزءِ الحسينِ السيدِ الفارسِ الكمي

وهي قصيدة طويلة يقول فيها:

وحين استوى في (كربلاء) مخيِّما *** بتربتها أكرم به من مخيَّمِ

وساموه إعطاءَ الدنيةِ عندما *** رأوا منه سمتَ الخادرِ المتوسّمِ

وهيهات أن يرضى بن حيدرة الرضا *** بخطةِ خسفٍ أو بحالِ مذمّمِ

أبت نفسه الشمّاءُ إلّا كريهةً *** يموتُ بها موتَ العزيزِ المكرّمِ

وله في إحدى مدائحه الكثيرة في الإمام علي(ع):

هو العروة الوثقى التي كل من بها *** تمسّكَ لا يعروه خوف انفصامِها

أما حبه حب النبي محمد *** بلى وهما والله أزكى أنامِها

شمائل مطبوع عليها كأنها *** سجايا أخيه المصطفى بتمامِها

ويقول في إحدى مدائحه لأهل البيت(ع):

آل بيت الرسول أشرف آل *** في الورى أنتم وأشرف ساده

أنتم السابقون في كل فخر *** أسس الله مجدكم وأشاده

أنتم للورى شموس وأقما *** ر إذا ما الضلال أرخى سواده

2 ـــــ الحسين الكوكباني: توفي (1113ه)

الأمير السيد الحسين بن عبد القادر الكوكباني من أعلام اليمن ومن الشعراء المكثرين وقد جمع ديوانه أخوه محمد عبد القادر بعد موته وقد اشتمل الديوان على قصيدة مطلعها

خفف على ذي لوعةٍ وشجونِ *** واحفظ فؤادكَ من عيونِ العينِ

ويقول فيها

ويلاه من لاقى الجواب وكربها *** يا (كربلا) أرضيت قتل حسين؟

3 ـــــ المطهر بن محمد الحمزي: (801 ـــــ 879ه)

الإمام المتوكل المطهر بن محمد بن سليمان بن يحيى بن الحسين بن حمزة بن علي بن محمد بن الإمام الداعي حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الرسي من أئمة الزيدية في اليمن ومن شعرائها الكبار له ديوان جمعه ابنه يحيى احتوى على الكثير من القصائد في مدح أهل البيت أعلن دعوته عام (840ه) ودخل في حروب وصراعات مع المهدي صلاح بن علي بن أبي القاسم والمنصور الناصر بن محمد بعد وفاة الإمام علي بن صلاح وكان من نتيجة هذه الصراعات أن سجنه المنصور الناصر في ذمار ثم انقلبت الأمور على الناصر وانتصر المطهر عليه فسجنه في كوكبان توفي المطهر في ذمار وقام فيها ابنه عبد الله بن المطهر بعده حتى أخرجه منها بنوا طاهر وللمطهر الكثير من الشعر في أهل البيت وخاصة في رثاء الحسين(ع) يقول في إحداها يذكر أسماء شهداء الطف من آل أبن أبي طالب:

على الأحبة إن لم تبك أجفاني *** مما أقل الوفا مني وأجفاني

و(كربلا) كم دم قد طل فيه من الـ *** آلِ الكرامِ لأطفالٍ وفتيانِ

كجعفر وكعباس ومثل محــــ *** ــــمد ومثل أبي بكر وعثمان

ابنا علي وعبد الله ثم مسا *** ميه الذي وضعه والقتل في آن

ومن بني حسن كم من فتى حسن الـ *** أفعال وارى زنادها دم باني

وجعفر بن عقيل ثم نافلة *** له ومسلمهم وابناه عبدان

كقاسم ثم عبد الله ثم أبي *** بكر بهم فتك الأعدا بعذران

ومن بني جعفر منهم محمدهم *** وعون ابنا جواد خير معوان

ويقول في مطلع قصيدة في التوسل بأهل البيت(ع):

هل غارة يا أهل بيت محمد *** يكفي بها عنا المخوف ويدفع

ويقول فيها:

يا للحسين قتيل أرباب الشقا *** ظلما فلم يرقأ عليه مدمع

إني بكم ناديت يا أهل الكسا *** ونداي من موري إليكم يسمع

مستشفعا بكم إلى الرحمن في *** دفع ونفع فاشفعوا لي واسرعوا

ويقول في قصيدة أخرى مطلعها

يا ناصر المستضعف المستنصر *** يا راحم المستعطف المستغفر

.............

بمحمد وبحيدر وبفاطم *** وبحق سبطيهم شبير وشبر

ويقول في أخرى:

وبحق أحمد النبي وآله *** أهل الكساء فجاههم مقبول

4 ـــــ المنصور بالله: (561 ـــــ 614ه)

عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن هاشم بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم طباطبا بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) إمام اليمن وشاعرها له مؤلفات كثيرة في الفقه والأصول والمذهب والأدب وقد عد له السيد الأميني في (أعيان الشيعة) منها أربعة عشر كتابا أما شعره فهو من الطراز الرفيع وقد حفل بذكر أهل البيت وأشهر قصائده (الميمية) التي رد فيها على قصيدة ابن المعتز في الخلافة والتي أعطى بها شرعية لخلافة بني العباس وأنهم أولى بها من آل علي فجاء رد شاعرنا مفحما له وبالأدلة والبراهين في قصيدة رائعة يقول فيها:

بني عمنا إن يوم الغدير *** يشهد للفارس المعلم

أبونا علي وصي الرسول *** ومن خصه باللوا الأعظم

لكم حرمة بانتساب إليه *** وها نحن من لحمه والدم

وهي قصيدة طويلة يعدد فيها فضائل أبي طالب وأولاده في حماية الدين والدفاع عنه ويستعرض جرائم بني العباس بحق العلويين ويقرنها بجريمة يزيد بقتل الحسين:

قتلتم هداة الورى الطاهرين *** كفعل يزيد الشقي العمي

ويقول من قصيدة أخرى في نفس الموضوع

هدينا الناس كلهم جميعا *** وكم بين المبين والمعمي

فكان جزاؤنا منهم قراعا *** ببيض الهند في الرهج الأجم

هم قتلوا أبا حسن عليا *** وغالوا سبطه حسنا بسم

وهم حضروا الفرات على حسين *** وما صابوه من نصل وسهم

5 ـــــ الهبل: (1048 ـــــ 1079ه/1638 ـــــ 1668م)

الحسن بن علي بن جابر الهبل اليمني ولد في قرية الهبل في صنعاء لقب بـ (أمير شعراء اليمن) وصف بالعبادة والزهد له ديوان كبير حققه وقدم له الشاعر الأستاذ أحمد بن محمد الشامي وطبع في الدار اليمنية للنشر والتوزيع عام (1987) توفي في صنعاء وللهبل قصائد كثيرة في أهل البيت وخاصة في رثاء الحسين:

أيغنيك دمع أنت في في الربع ساكبه *** وقد رحلت غزلانه ورباربه

ويقول فيها:

وإن أنسَ لا أنسى الشهيد بـ (كربلا) *** وهيهات إني ما حييت لنادبُه

سبوا بعد قتل ابن النبي حريمه *** وما بليت تحت التراب ترائبه

وبات يزيد في سرور ولو درى *** بما قد جرى قامت عليه نوادبه

ومن أشهر شعره:

لي خمسة أطفي بهم نار الجحيم الحاطمة

المصطفى والمرتضى وابنيهما وفاطمة

وقوله في قصيدة في مدح أمير المؤمنين:

يا قبر فيك المرتضى *** والسيد السند الكريم

فيك الوصي أخو النبي الـ *** مختار والنبأ العظيم

فيك النجاة من الردى *** فيك الصراط المستقيم

وله أيضا قصيدة مطلعها:

لو كان يعلم أنها الأحداقُ *** يوم النقا ما خاطر المشتاقُ

ومنها

وسننتم من ظلم أهلي سنة *** بكم اقتدى في فعلها الفسّاقُ

وبسعيكم رمي الحسين وأهله *** بكتائب غصّت بها الآفاقُ

فغدت تنوشهم هناك ذوابلٌ *** سمرٌ ومرهفةٌ المتونِ رقاقِ

اضف تعليق