لم يكن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي اول حزب يتعرض للانشقاق بين اعضاءه، وتشكيل تكتل او تيار جديد، اذ لازالت الساحة السياسية العراقية انبثاق احزاب عدة من كتل كانت قائمة.

مع قرب موعد الانتخابات المحلية والبرلمانية في العراق، بدأت الكتل والاحزاب السياسية العراقية تشهد واحدة من أكبر الأزمات السياسية في تاريخها، من خلال حدوث انشقاقات لقيادات واعضاء بارزين عن أحزابها.

هذا الوضع طرح تفسيرات عدة، بينها ما يعتبر أن ما يحصل هو بداية لولادة أحزاب جديدة، غير تلك التي مارست السلطة لأكثر من 14 عاما، فيما تخلص قراءات أخرى إلى أنها عمليات انشقاق ستؤدي لالتئام جديد بعد الانتخابات، المجلس الأعلى الإسلامي، حزب الدعوة، الحزب الإسلامي العراقي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، هي أبرز أحزاب السلطة، التي شهدت تصدعات كبيرة خلال السنوات الاخيرة. وما زال الباب مفتوحاً أمام تصدعات أخرى في نفس تلك الأحزاب وأحزاب اخرى تعاني من خلافات داخلية.

في 25 تموز 2017 اُعلن عن تشكيل تيار سياسي جديد باسم (تيار الحكمة الوطني) برئاسة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي. فبعد مسيرة سياسية استمرت لأكثر من 14 في العراق، حصل الانشقاق داخل المجلس الاعلى، وهذا الانشقاق لم يكن الاول في كتلة سياسية عراقية كبيرة ومؤثرة مثل المجلس الاعلى. والذي كان له دور واضح في مرحلة ما بعد الاحتلال الامريكي للعراق بعد عام 2003، الا ان ما قاد الى انشاق بعض قادة الحزب عنه في بداية الامر، هو بعض الهزات نتيجة المظاهرات الشعبية واتهام بعض أعضاء الحزب بالفساد، كذلك التلكؤ في عمل الوزارات التي يديرها الحزب، والضغط عليهم للاستقالة، ثم ذكر بعض قيادات المجلس كالشيخ جلال الدين الصغير السبب في تفرد الحكيم بالقرارات المهمة في الهيئة القيادية.

لم يكن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي اول حزب يتعرض للانشقاق بين اعضاءه، وتشكيل تكتل او تيار جديد، فقد شهدت الساحة السياسية العراقية انبثاق احزاب عدة. فقد تعرض حزب الدعوة الاسلامية الى انسحاب رئيس الوزراء العراقي الاسبق السيد (ابراهيم الجعفري) وتشكيله تيار (الاصلاح الوطني). وحاليا تذكر بعض المصادر دخول الحزب الانتخابات القادمة بقائمتين، الأولى بقيادة رئيس الوزراء السابق (نوري المالكي)، والثانية بقيادة رئيس الوزراء الحالي (حيدر العبادي). والساحة السياسية السنية والكردية هي الاخرى لم تكن بعيدة عن هذا المشهد، فقد ولدت حركة التغيير الكردية كرد من رحم الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني، واصبحت قوة كبيرة وفاعلة في الاقليم.

وذكرت تقارير اخرى ان الاتحاد الكردستاني الذي يقوده رئيس الجمهورية السابق (جلال طالباني)، شهد انسحاب عدد من أعضائه وانتقالهم إلى الحزب الديمقراطي، وانه سيتم الإعلان عن انتقال القيادات المنشقة من السليمانية إلى أربيل. كذلك انسحاب عدد من اعضاء (ائتلاف الوطنية) برئاسة رئيس الوزراء الاسبق السيد (اياد علاوي) وانضمامهم الى كتل اخرى سنية وشيعية وكردية.

والانشقاقات داخل الكتلة السنية، فقد انسحب عدد من الاعضاء عن (تحالف القوى العراقية)، وتشكيل تيارات جديدة مثل ( متحدون، وديالى هويتنا، والعربية، والحل والوفاء للأنبار). ولم يكن رئيس مجلس النواب (سليم الجبوري) بعيد عن الانسحاب -مع قيادات أخرى- عن الحزب الإسلامي العراقي وأسس (حزب التجمع المدني للإصلاح). كما ان غالبية الشخصيات المستقلة والعلمانية داخل الكتل الدينية والقومية اعلنت انسحابها وتأسيسها كتلا واحزاب جديدة بعيدا عن الطائفية والقومية.

هنا يجب التذكير بان بعض اتجاهات الكتل والاحزاب السياسية العراقية اتجهت خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية التي تجرى كل اربع سنوات في العراق، الى تشكيل احزاب وكتل جديدة من اجل الكسب الانتخابي وزيادة حظوظها في الفوز بأكثر عدد من المقاعد. وقد اعتمدت بعض الكتل السياسية أكثر من قائمة في دخول الانتخابات، بحيث توهِم الناخب العراقي بان هناك انشقاق قد حصل، وان هذه التشكيلات الجديدة ستكون مختلفة عن القيادة الام التي قد تكون عليها بعض المؤشرات، الا ان النتيجة هو رجوع واندماج هذه الاحزاب والكتل مرة اخرى فور الانتهاء من الانتخابات وحصد النتائج.

لهذا قد ينظر بعضهم الى هذه التحولات كنتيجة حتمية لقرب الانتخابات البرلمانية والمحلية في البلاد، والتحضير لها من اجل حصد اكبر عدد من اصوات الناخبين، للحصول على مقاعد اكثر، الا ان ما نلاحظه في هذه الانشقاقات هو لم يكن مؤقت او مرحلي، بل هو انشقاق دائم فيها وصل في بعض الاحيان الى حد المناكفات السياسية او حتى الصراع على مقرات الاحزاب والكتل.

وهناك عدة اسباب وقفت وتقف باستمرار وراء هذه الانشقاقات، وهي:

1- ان الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003، والتي تقودها هذه الكتل والاحزاب السياسية، الى الان لم توفر للشعب اي نوع من الخدمات التي هي مطلب العراقيين الاول 2003على الرغم من الايرادات المالية الكبيرة والموازنات الانفجارية.

2- انتشار مظاهر الفساد المالي والاداري في كل مفاصل الدولة والى اعلى المستويات بفعل اللجان الاقتصادية للأحزاب والتي وصلت الى ارقام ومستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق حتى ان منظمة الشفافية الدولية عدت العراق من اسوء الدول في الفساد المالي والاداري في العالم. فالامتيازات الضخمة للمسؤولين، ثم هدر المال العام الامر الذي قاد الى اتهام عدد كبير من المسؤولين العراقيين بالرشوة والفساد المالي والاداري.

3- ظاهرة التشبث بالمناصب السياسية، ان خوف البعض من الخسارة في الانتخابات وفقدان الامتيازات عمدوا الى طريقة الانشقاق من اجل كسب الاصوات للعودة مرة اخرى للمناصب، من خلال اللجوء الى طرق عديدة منها اقحام الدين في الانتخابات، ومنها اثارة النعرات الطائفية، واستخدام المال السياسي. وما دعم ذلك هو طريقة الحكم المتبعة منذ 2003 -المحاصصة السياسية والطائفية والقومية- واشراك الكل في الحكم، والتي اصبحت الانتخابات بسببها ليس ذات قيمة، الى ان يصبح رئيس الحزب او الكتلة عبارة عن رئيس شركة مساهمة لا اكثر.

4- تغيير التوجهات السياسية للحكومة العراقية بعد تحرير الموصل، فقد بدأت بوادر مرحلة جديدة من العلاقات مع دول الجوار تتبلور بشكل يبعد العراق عن التجاذبات الاقليمية والدولية. فقد اصبحت دول الخليج العربية محطة للعديد من المسؤولين العراقيين في توجه جديد لترك الماضي وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع هذه الدول لتخفيف الضغط على الحكومة العراقية في مجابهة الارهاب الذي كانت بعض مصادر دعمه من هذه الدول، بصورة رسمية او غير رسمية، لهذا فان اختلاف التوجهات السياسية والفكرية لبعض السياسيين العراقيين سوف يقود الى خلافات حول العلاقات مع تلك الدول.

5- ان هبوط اسعار النفط وعدم الاستفادة من الوفرة المالية للسنوات السابقة بسبب الفساد المالي والاداري ادت الى تدهور الاقتصاد العراقي وتأثيره على الحياة المعيشية للمواطن. وبصرف النظر عن اسباب هذه الهبوط فان نتائجه بالغة الضرر على العراق ذي الاقتصاد الأحادي. وبهذا بدأت الحكومة تتجه للإجراءات التقشفية، والمطالبة الى تقليص رواتب الموظفين، بينما سبب الأزمة المالية هو سوء الادارة المالية للعراق ورواتب وامتيازات المسؤولين الضخمة، وعمليات الاعمار والبناء بدون رقابة. هذا قاد بعض اعضاء الاحزاب للنأي بأنفسهم عن هذه المشكلة، ومن ثم كسب اصوات الناخبين.

لقد وصل الامر الى حد لا يمكن السكوت عليه، من تخبط سياسي وسوء خدمات ومستوى معاشي متردي وفساد مستشري، وقاد الى حدوث مظاهرات عامة في كل انحاء العراق. وان حصول تمردات وانشقاقات حزبية امر طبيعي ونتيجة حتمية لهذا التدهور الخدمي والامني. لهذا فان الحل ليس بالانشقاق وتشكيل احزاب وتيارات جديدة بنفس الوجوه السياسية السابقة، بل في افراز قيادات جديدة تكون معبرة بشكل حقيقي عن متطلبات المرحلة القادمة، وفرز اعضاء جدد يكونوا ضمن الخط الوطني الجديد وبعيدين عن شبهات الفساد والمحاصصة.

فالبلد بحاجة الى دماء جديدة تكون قادرة على العبور بالعراق الى بر الامان وتحرير ما تبقى من المدن من داعش الارهابي، وتوفير الخدمات الاساسية للمواطن، وتوفير العيش الكريم لأفراد المجتمع، والمساواة في الحقوق والواجبات على اساس المواطنة الحقيقية، وسيادة القانون وتطبيقه على الكل بدون تمييز او استثناء.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق