في آخر جلسة لمجلس النواب خلال الاسبوع الفائت، وفي خضم التصويت على مشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات، حصلت مناقشات بين أعضاء المجلس حول اجراء الانتخابات في موعدها أو تأجيلها، حيث من المقرر لها ان تجري خلال العام القادم، وقد نوقشت هذه المسألة رسميا لأول مرة ودخلت الى الأوساط الاعلامية، وتجاوزت مرحلة بحثها همسا لتصل الى المستوى القانوني، وقد تفرز من الآن فصاعدا صراعات أشد وعلى مستويات عالية، الى حد إنشاء جبهتين: مؤيدة لتأجيل الانتخابات ومعارضة له.

وما ساعد على طرح الموضوع للنقاش والبحث الآن، هو مطلب تحالف اتحاد القوى العراقية، الذي يمثل المكون السني، حيث طالب نائبهم صراحة بتأجيل الانتخابات في محافظاتهم الى حين قيام الحكومة بإعادة النازحين الى مناطقهم ومن ثم تطبيع الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في تلك المناطق وإعادة إعمارها، وقدم مضمون هذا الطلب على شكل مسودة ونال العدد المطلوب من أصوات النواب، وبهذا وضع مجلس النواب نفسه في موقف متناقض، حيث صوتنا قبل دقائق من ذلك على دمج انتخابات مجالس المحافظات مع انتخابات البرلمان في نفس التوقيت.

وهنا يطرح تساؤل نفسه، إذا كانت انتخابات البرلمان دستورية لايمكن تأجيلها، وتقرر اجراء العمليتين معا في الموعد نفسه، ترى لماذا يكون التأجيل بالنسبة للمحافظات حلالا وبالنسبة للبرلمان حراما؟! فإذا كانت الحجة هي سوء الوضع الأمني ومسألة النازحين، فإن الأوضاع والجغرافيا هي نفسها في العمليتين، ولكن كما يقال الموضوع فيه (إن)، ألا وهي كركوك، ولنرَ كيف ذلك؟

طوال الجلسات الأربع للبرلمان خلال الاسبوع لم يحصل توافق بين الكرد والعرب والتركمان، حول المادة 37 الخاصة بانتخابات مجلس محافظة كركوك، هذا فضلا عن جولتي مفاوضات بين الأطراف بإشراف رئيس مجلس النواب، فكان أفضل حجة لهم للتنصل من انتخابات كركوك هي إثارة ملف المناطق الساخنة وخلط موضوع كركوك مع محافظات الموصل والأنبار وديالى وصلاح الدين، بهدف حرمان كركوك والكركوكيين للمرة الرابعة من انتخابات مجالس المحافظات.

ومن منظور آخر فإن تأجيل الانتخابات يعد سابقة خطيرة في العملية السياسية وضربة قاضية للمسيرة الديمقراطية في العراق، فضلا عن كونه انتهاكا صارخا للدستور، وبالتالي يؤدي الى حدوث فراغ دستوري، الى جانب الفراغ الأمني والصراعات السياسية والفشل الإداري والخدمي وآفة الفساد والروتين، وكل ذلك يعود بالعراق الجديد، عراق ما بعد صدام حسين، الى المربع الأول.

جميع المعطيات السابقة تأتي في حين ينهمك الاقليم الفيدرالي الوحيد في العراق (كردستان)، وبسبب استفحال المشاكل وتفاقمها مع بغداد، في الاستعداد لإجراء الاستفتاء والاستقلال عن العراق، وسيصل وفد من الاقليم الى بغداد لهذا الغرض، ويقولون: نحن جادون في توديعكم.

وهنا تقع على عاتق مجلس النواب العراقي مسؤولية تاريخية كبيرة، باعتباره المرجع الأعلى للعملية السياسية، إذ ينبغي له اتخاذ خطوات أسرع وأكثر جرأة لحسم المسائل المصيرية مثل الانتخابات القادمة والوضع الأمني وإعادة الثقة السياسية للمكونات، والمشاكل بين اربيل وبغداد بما فيها موضوع الاستفتاء، وجعل كل ذلك أولوية ضمن أجندات أعماله وايجاد المخرجات القانونية والدستورية لها، وإلا فإن مسار الأحداث قد لا تعود مرة أخرى الى الوراء.

* نائب رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق