الجانب التركي يعتقد بأن نهري دجلة والفرات هما أنهاراَ وطنية داخلية وليست دولية كما تم توصيفها في القانون الدولي، إذ ترى بأن إسباغ صفة الدولية على نهري دجلة والفرات يتم في حالة كون النهر مشتركاَ بين حدود تركيا مع العراق، أي بمعنى يُشكل حداَ فاصلاَ...

يعد سد إليسو من أكبر السدود المقامة على نهر دجلة، ويقع في جنوب شرق تركيا وعلى مقربة من الحدود العراقية، إذ يبعد 65 كم عنها، ويبلغ طول السد 1820 متر وبارتفاع 135 متراَ وعرض 2 كيلو متر، ومساحة حوضه تقدر 300 كم2، ويستوعب السد في حالة إمتلائه كلياَ بالمياه ما يقارب 20,93 بليون مكعب وهو مشروع كهرومائي على نهر دجلة.

وتعود بدايات تمويل بناء السد إلى عام 1999 لكن حصلت بعض الإنسحابات من قبل بعض الداعمين لإقامة السد الذي تسبب في غرق مدينة حسن كيف الأثرية وتهجير أكثر من 78 ألف مواطن تركي، وبدأت الحملة الفعلية لبناء السد عام 2010 بعد الحصول على دعم من شركة انرتز النمساوية، وترى تركيا بأن السد ليس له من الآثار السلبية على العراق لأنه يسمح بمرور المياه، لكون المشروع هو كهرومائي، وبالتالي فليس له أي خطورة على حصة العراق من كميات المياه المتدفقة من نهر دجلة، وأن بناء السد لن يلحق ضرراَ بحقوق ومصالح العراق.

وحسب القواعد العرفية الدولية، تلزم دول المنبع وهي تركيا بالتشاور مع دولة المصب وهي العراق في حال بناء منشئات على النهر. وفي عام 2007 عقد اجتماع في مدينة إنطاليا التركية لوزراء الموارد المائية للدول المعنية وهي: تركيا والعراق وسوريا، لمفاتحتها بشأن رغبة تركيا في بناء سد على نهر دجلة، وأعلن العراق عن رفضه لمثل هكذا مشاريع، وتكرر الحال في عام 2008 في العاصمة السورية دمشق، إذ أعلنت الحكومة التركية بأن السدود المقامة على نهر دجلة سوف لن تلحق ضرراَ في مصالح الدول الأخرى.

إن الجانب التركي يعتقد بأن نهري دجلة والفرات هما أنهاراَ وطنية داخلية وليست دولية كما تم توصيفها في القانون الدولي، إذ ترى بأن إسباغ صفة الدولية على نهري دجلة والفرات يتم في حالة كون النهر مشتركاَ بين حدود تركيا مع العراق، أي بمعنى يُشكل حداَ فاصلاَ بين حدود الدولتين وهذا ما لا ينطبق على الواقع من جهة الحدود بينهما، وبالتالي فإن لتركيا الحق في إقامة السدود، وحسب ما تقتضيها مصالحها الوطنية، وعلى هذا الأساس تبلورت في تركيا مشاريع مقايضة النفط مقابل المياه، ويظهر ذلك جلياَ في دعوة الرئيس التركي الراحل توركوت اوزال عندما ذهب إلى حق تركيا في السيادة على مواردها المائية، وأن لا يكون بناء السدود التي تنوي بالفعل إقامتها على نهر دجلة سبباَ في إثارة أزمة دولية، بل عد بأن نهري دجلة والفرات هي أنهاراَ وطنية داخلية وليست أنهاراَ دولية، والنهر لا يعد دولياَ إلا إذا كان يُشكل نقطة الحدود بين دولتين أو أكثر، وبالتالي فإن لتركيا الحق في التصرف في كيفية استغلال مواردها المائية وبالشكل الذي تراه مناسباَ لها ومنسجماَ مع أهدافها، وضرب مثلاَ في أن العراق وسوريا ليس لهما الحق في حصة مياه تركيا، كما ليس للأتراك نفس الحق في نفطهما، وبالتالي أفرزت تلك المعادلة التركية مطالبات بشأن إنشاء حزام من السدود المقامة على نهر دجلة لتأمين المشروع المعروف (الكاب) المؤلف من 22 حزاماَ من السدود ومقايضة براميل النفط ببراميل المياه، وعليه فإن تركيا تعد ذلك العمل من الشأن السيادي الخاص بها ولا يحق لأي دولة التدخل فيه.

ويمكن إجمال الآثار السلبية المتوقعة على إصرار تركيا في بناء السد على الجانب العراقي ومنها:

1- إنخفاض المياه المتدفقة من نهر دجلة للعراق إلى 9,7 مليار متر مكعب في السنة.

2- خسارة العراق الكبيرة من واردات نهر دجلة، وهذا يعني الإضرار بالأراضي الزراعية العراقية وحرمان العراق من 696 ألف هكتار من تلك الأراضي الجيدة الصالحة للزراعة، وبالتالي إنخفاض مناسيب المياه في الأنهار إلى ما دون 50% وهو ما يُلحق الضرر البالغ في الزراعة وتدمير البيئة.

3- التأثيرات السلبية المتوقعة ليس فقط على القطاع الزراعي، بل تشمل قطاعات أخرى ومنها الطاقة والصناعة وغيرها.

4- التأثير السلبي المباشر لبناء السد على سد الموصل وسد سامراء عبر التقليل من كمية المياه الداخلة للعراق بموجب حصته المقررة من مياه نهر دجلة.

5- يؤدي بناء السد على نهر دجلة إلى الإضرار بشكل مباشر على جفاف بعض الأهوار والتي تم إدراجها ضمن التراث العالمي والمحافظة عليها، وبالتالي التهديدات المحتملة التي سوف تلحق بتلك المحمية الطبيعية.

6- خطورة بناء السد على الأمن المائي العراقي، وبالتالي فإن العراق يواجه أكبر أزمة مياه في تأريخه إذا ما أصرت تركيا على عدم التراجع عن ذلك الأمر، وهذا يعني أن معدلات الحاجة الفعلية للمياه بالنسبة للفرد الواحد تُقدر سنوياَ بـ(1000م3) بحسب التقديرات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، وفي حالة تنفيذ تركيا لبناء السدود على نهر دجلة ستقل تلك النسبة وبالتالي سيدخل العراق في أزمة حقيقية تؤثر سلباَ على أمنه المائي، وهذا ما يؤدي إلى إرتفاع نسبة الملوحة في الأراضي العراقية ومن ثم عدم ملائمتها للزراعة.

ومن أجل إيجاد حلول مع الجانب التركي للتوصل إلى صيغة مقبولة من قبل الجانبين والشروع في مفاوضات جدية لتلافي الآثار السلبية لبناء سد إليسو العملاق على نهر دجلة، لا بد من إتباع ما يأتي:

1- تشكيل وفد تفاوضي، يضم مختصين من وزارات الخارجية والموارد المائية والزراعة والجهات الحكومية ذات العلاقة بالموضوع، من أجل الذهاب إلى تركيا والشروع في البدء بمفاوضات بشقين: الأول منها فني بحت لبحث الآثار المتوقعة من بناء السد على الواقع العراقي، وإعطاء صورة تفصيلية وبالأرقام عن حجم الكارثة المتوقعة إذا ما قامت تركيا بالسير بعيداَ في هذا المشروع. أما الآخر فهو وفد سياسي يعالج الأبعاد السياسية المتوقعة وإمكانية حلها بالطرق الدبلوماسية بين الجانبين.

2- عد موضوع المياه من المواضيع المهمة والتي يجب أن تأخذ الأولوية في البرنامج الحكومي لأي حكومة مستقبلية من أجل ضمان عدم التعرض بين الحين والآخر لمشاكل والدخول في أزمات مع الدول المجاورة للعراق، وذلك يتم عبر إقرار مجموعة من التشريعات والقوانين سواء عن طريق مجلس النواب أو عن طريق مجلس الوزراء، والأفضل أن يتم العمل على تشكيل مجلس أعلى للمياه ويُناط به مسؤولية المحافظة على حقوق العراق المائية، ويتكون من الوزارات العراقية ذات الإختصاص الفني والسياسي.

3- ممارسة مختلف الضغوط على الجانب التركي عبر تقديم شكوى للمنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن أو عن طريق إستثمار العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية لكون العراق مرتبط معها باتفاقية الإطار الإستراتيجي وممارسة الضغط من قبلها على الطرف التركي لعدم الإضرار في الحصة المقررة للعراق وبموجب القانون الدولي.

4- تحقيق الأمن الغذائي العراقي عبر توفير المبالغ اللازمة بقصد بناء السدود والخزانات وإنعاش الأهوار، وهذا يعمل على تطوير القطاع الزراعي والإهتمام بالثروة الحيوانية والعمل على زيادة الأحزمة الخضراء، ومنع التصحر ومكافحته، وذلك عبر إقرار إستراتيجيات واضحة يتم إعدادها من قبل المعنيين والمختصين بهذا الشأن وإقرارها في الموازنات العامة للدولة.

5- العمل على توضيح حقيقة مهمة وهي أن نهري دجلة والفرات هما من الأنهار الدولية، ويجب أن ينطبق على ذلك أحكام القانون الدولي، وخصوصاَ فيما يتعلق بحصة الدول من المياه المقررة لكل دولة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق