بُنيَت الدول بالنقد، وبنى الأفراد أنفسهم بقبول النقد الموضوعي من الآخر وتشديد الرقابة الذاتية على النفس، وكذلك بُنيَت أعظم الدول وأكبر الشركات وأقوى المؤسسات عبر رصد الأخطاء وتصحيحها، فهل دولتنا العراقية ونظامنا السياسي ومؤسساتنا تُستثنى من هذه القاعدة؟...

بُنيَت الدول بالنقد، وبنى الأفراد أنفسهم بقبول النقد الموضوعي من الآخر وتشديد الرقابة الذاتية على النفس، وكذلك بُنيَت أعظم الدول وأكبر الشركات وأقوى المؤسسات عبر رصد الأخطاء وتصحيحها، فهل دولتنا العراقية ونظامنا السياسي ومؤسساتنا تُستثنى من هذه القاعدة؟.

كلا بالطبع لا أحد يُعفى من هذا التقليد البنائي الذي يشمل الدول والمجتمعات والمؤسسات والأفراد، ومن يريد أن يجعل من البناء أكثر دقة وعجالة، عليه أن يبادر برصد الأخطاء ووضعها تحت سلطة النقد الهادف، وقد يستدعي الأمر مقاضاة قسم من الحالات التي يتم رصدها، لكن في كل الأحوال ستكون النتائج رائعة ومربحة.

نتكلم عن ظاهرة التزوير في العراق، على مستوى الدولة، والنظام السياسي، والمؤسسات، والدوائر، والأفراد، هل التزوير قليل في دولتنا العراقية بحيث لا يستحق الإشارة والرصد والمعالجة، أي أنه لا يشكل ظاهرة أم وصل إلى هذه الحدود وبات يهدد كيان الدولة ووجود المجتمع؟، إنّ أي موطن حريص، سواءً كان عادياً أو مسؤولا، ينبغي أن يتعامل مع التزوير على أنه ظاهرة تهدد الدولة والمجتمع والمؤسسات والدوائر والأفراد.

وكل من يرى غير ذلك فأما أن هذا الأمر لا يعنيه، أو أنه مستفيد منه، أو أنه لا يبالي حتى لو تهدّدَ كيان الدولة وتخلخلت البنية الاجتماعية برمتها، ومثل هؤلاء الذين لا يبالون كثر، ويندرج تحت هذا التوصيف الأشخاص والمسؤولين الأنانيين الذين لا تشغلهم سوى مصالحهم، ولا يؤمنون بالمستقبل ولا يعنيهم بشيء.

ولكن في المقابل هناك كثيرون يعنيهم الأمر ويؤرقهم، مواطنون عاديون أو مسؤولون، غنهم أولئك الحريصون على حاضرهم ومستقبل أبنائهم، هؤلاء لا تغمض لهم عين ولا تهدا لهم نفس طالما يرون بأمّ أعينهم حالات التزوير تعم الدوائر والمؤسسات من أصغرها إلى أكبرها، بالطبع نحن لسنا مع التعميم، ولكن هناك إحصائيات رسمية من وزارة متخصصة أعلنت أن الوثائق المزورة التي عثرت عليها تقارب الـ 1500 وثيقة.

وما يجعل هذا الظاهرة أكثر استفحالا وانتشارا، حسبما تعلن الكثير من وسائل الإعلام أن عددا لا يُستهان به من المرشحين لمجلس النواب لديهم شهادات مزوّرة، ولا ينحصر التزوير بالوثائق المكتوبة والمختومة بأختام رسمية، فهناك مثلا شركات مزوّرة أو كما يُطلَق عليها بـ الوهمية، فقد أعلنت وزارة السياحة بأن شركات ومؤسسات السفر المزورة انتشرت في بغداد والمحافظات على نحو غير مسبوق بمساعدة وسائل التواصل الاجتماعي. حيث تعلن هذا الشركات عن رحلات سفر مغرية إلى دول يحلم المواطن العراقي أن يسافر إليها ويقضي فيها أسبوعا أو أسبوعين في مقابل مبلغ قد يبدأ من (300) دولار إلى (600 أو 700) دولار، وهذا مبلغ يستطيع العراقي أن يجمعه ويدّخره على مدار السنة من رواتبه الشهرية.

لكن الصدمة الكبيرة حين يكتشف أن مبلغ السفر الذي قدمه للشركة قد ضاع هباءً بعد أن يتبين له أن هذه الشركة وهمية ويهرب موظفوها بفلوسه إلى مكا غير معلوم، وقد أعلنت الجهة الرسمية أنها أمسكت (300) شركة سفر وهمية في بغداد وحدها، وهناك أمثلة عديدة تُثبت أن ظاهرة التزوير مستفحلة بالفعل في العراق، وأنها يوم بعد آخر تتزايد وتبتكر الأشكال والحيل الجديدة لكي تظهر هنا أو هناك بهذه الحلة أو تلك.

بالطبع يساعد على ذلك أمور كثيرة، يقف بالمقدمة منها ضعف القانون والتشريع، وإذا كان الأخير قويا فالعلّة تكمن بالتطبيق، فهناك الكثير من الأوامر القضائية التي لا يتم تطبيقها وتذهب أدراج الرياح، أو يتم تسويفها والاحتيال عليها بطرق الفساد الكثيرة.

ومن الأسباب أيضا، المواطن نفسه، فلا نعلم كيف يتم النصب على مواطن يُفترض أن يكون ذكيا ولا يدفع فلوسه لكائن من يكون دون أن يثق ويتحرى ويتأكد من أن النقود ذهبت في أيدٍ أمينة، كأن يتحرى عن تاريخ الشركة وطبيعة الأشخاص وما إلى ذلك من طرق كثيرة يستطيع المواطن أن يحمي نفسه وأمواله بها، ومن الأسباب الأخرى دخول القيم الوافدة الغريبة على مجتمعنا لتصبح فاعلة ومؤثرة ويمكنها التحكم بعلاقاتنا وأنشطتنا الاجتماعية المختلفة.

في السابق كان العراقيون يعرفون مع من يتعاملون وكيف يودعون أموالهم للسفر أو سواه، حتى إيداع الأموال بالمصارف تسبب بضياع الكثير من أموال الناسن والسبب يرجع إليهم أولا، فهنالك مصارف أهلية غير مجازة، كيف تجرؤ وتودع أمولك في مصارف كهذه، ثم بعد حين يتعرض المواطن لصدمة ضياع أمواله، ولا تُعفى الجهات الحكومية المعنية من المسؤولية تجاه مثل هذه التجاوزات.

العراقيون مواطنون ومسؤولون يجب أن يعملوا معا وبقوة لتطويق هذه الظاهرة (التزوير) وهم بمقدورهم القيام بدور فاعل في هذا المجال، فالدولة والحكومة والوزارات مسؤولة عن توعية المواطنين وتنبيههم وحتى حمايتهم من حالات التزوير والاحتيال، والتشريعات ينبغي أن تكون كافية ورادعة بما يحد من هذه الظاهرة، ولابد أن يتم التركيز على التطبيق الفعلي للقرارات والأحكام الصادرة من القضاء ولا يتم الالتفاف عليها في أي حال.

كما أن المواطن نفسه مطلوب منه أن يطرح نفسه كضحية بسبب جهله أو سهولة النصب عليه، يجب أن يكون واعيا ولا يهدر أمواله أو جهوده كيفما اتفقن ولا يصح الوثوق بكل من هبّ ودبّ، ومن خلال التعاون الأهلي والحكومي الفعال، وتشديد العقوبات أكثر، وتطبيقها وفقا للتشريعات، يمكن أن نلحظ تراجعا لهذه الظاهرة.

ولا ننسى جانب التثقيف الديني والتوعية بشكل عام التي ينبغي أن تتصدى لها المؤسسات والمنظمات المختصة، فالتثقيف على القيم الصحيحة، والتوعية والتحذير من الوقوع في فخ الاحتيال يمكن أن يحد من حالات التزوير، وينبغي أن يتم استهداف العناصر المستعدة للتزوير بالتوعية والتثقيف، فجميع المواطنين من حقهم أن يعوا ما يدور حولهم ومع من يتعاملون، وبهذا النوع من التعاون المجتمعي الحكومي المنظماتي الجاد، سنلاحظ قلّة أو اختفاء ظاهرة التزوير من العراقيين وإلى الأبد.

اضف تعليق


التعليقات

محمد الدجيلي
العراق
ظاهرة مؤلمة توسعت في المجتمع العراقي نظرا لضعف المراقبة والقوانين وتطبيقها .. نقترح تأليف لجان متخصصة في مكافحة التزوير للقضاء او على الاقل التخفيف من حجم واضرار هذه الظاهرة2018-09-25