تواجه الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي العديد التحديات والتي تشكل عاقلا استراتيجيا بوجه البرنامج الحكومي المقبل، والتي تقفز الى ابعد من ذلك لتصل الى حد تهديد مرتكزات الامن والاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي، هذه التحديات هي ليست وليدة هذه المرحلة الانية، وانما هي...

مما لا شك فيه، تواجه الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي العديد التحديات والتي تشكل عاقلا استراتيجيا بوجه البرنامج الحكومي المقبل، والتي تقفز الى ابعد من ذلك لتصل الى حد تهديد مرتكزات الامن والاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي، هذه التحديات هي ليست وليدة هذه المرحلة الانية، وانما هي تركة جملة من السياسات الخاطئة لعقود من الزمن، لذا تتأثر الحكومة العراقية الجديدة بمجمل هذه الارهاصات، خصوصاً انها على تماس مباشر مع حياة المواطنين العراقيين ابتداءا من الامن وتداعيات، وصولاً الى الاقتصاد والخدمات الاجتماعية، ففضاء هذه التحديات لا يمكن التماس بعضها الا من خلال التموضع على بعض المفاصل الاستراتيجية والتي تشكل عائقا حقيقيا بوجه الاداء الحكومي، ومن اجل تذليل تأثير هذه التحديدات لابد لنا من التطريق الى ماهيتها بشكل واضح وبصورة اكثر شمولية، لأجل التوصل الى نماذج حلول نستطيع بها معالجة تداعيات هذه التحديات بحد ادنى من الجهد والتكلفة الممكنة، من خلال الانغماس في عمليات التحليل واسع النطاق والغوص في تفاصيل اركان الاشكالات المحدقة بأداء الحكومة العراقية الجديدة، ويمكن التطرق اليها كالاتي:

1- الإرهاب

تشكل التحديات الارهابية احد اهم الاشكالات التي يقع على الحكومة العراقية الجديدة تجاوزها والقضاء عليها، حيث لا يخفى على الجميع بان ظاهرة الإرهاب في العراق أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً في الداخل والخارج، مست تأثيراتها معظم أقاليم العالم حتى البعيدة من منطقة الشرق الأوسط، اتخذت هذه الظاهرة من فكرة العولمة منطلقا لتسويق ذاتها، من خلال تبويب وسائل الحداثة والاتصال الرقمي وتجنيد اماكنها من اجل تمديد وجودها الى ابعد ما يمكن الوصول اليها.

وبالفعل باشرت (داعش) باستغلال وسائل الاتصال والتكنلوجية الحديثة من اجل امداد وجودها بزخم علامي الالكتروني ينطوي على تجنيد وارفاد مسارح القتال بالجنود المؤدلجين فكراً بالإضافة الى الأمور اللوجستية[1]، لكن هذا لا يعني ان تنظيم وترتيب أولويات وتوجهات (داعش) كانت مضحى ترتيبات داخلية تقع على عاتق قياداتها الميدانية والإعلامية، حيث يعاني العراق من بعض الاعتداءات الإرهابية بين الحين والاخر، ورغم القضاء على هذا التنظيم عسكرياً، الان ان هناك بعض الجيوب الجغرافية التي ما زلت يشط فيها بعض الخلية العددية (المحجمة) من عناصر داعش الهاربين، والتي تتخذ من الاطراف النائية في محافظة صلاح الدين واطراف محافظة كركوك والجزيرة مساحات عملياتية لها، ورغم ان هذه العمليات لا تشكل تهديدا استراتيجيا بقدر الذي كانت تشكله في الاعوام التي سبقت عام 2018، الا ان التغاضي عنها وعدم معالجتها قد يشكل في المستقبل القريب تهديدا استراتيجيا لمقتضيات الامن الاستراتيجي للعراق، لذلك يقع على كاهل الحكومة العراقية الجديدة الحفاظ على السلام والامن الداخلي ومعالجة الخروقات الامنية.

2- الضعف الاقتصادي

يمثل الاقتصاد الركيزة الاستراتيجية التي تستند عليها الدول في تعضيد قوتها الشاملة، حيث يعاني الاقتصاد العراقي من حالة من تذبذب وركود عميق خصوصاً بعد الصعود والهبوط في اسعار النفط العالمية، وهو نتيجة حتمية لاعتماد الاقتصاد العراقي على تصدير النفط، فإخفاق الحكومات السابقة في تنويع مصادر ايرادات الموازنة من جهة وضغط النفقات الحكومية من جهة اخرى، اضفت بكاهلها على الحركة الدينامية لمستويات النمو الاقتصادي (العام، والخاص)، لذا ان التحديات الصعبة التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة تفرض عليها التكيف مع شحة الموارد النفطية وتفعيل القطاعات الاقتصادية البديلة كالصناعة والزراعة والسياحة[2]، ليس فقط لتمويل نفقات الموازنة وانما ايضا لامتصاص البطالة وتشغيل الطاقات الانتاجية المعطلة والحد من الاعتماد الكلي على الاستيرادات في تغطية الحاجة المحلية من السلع، للخروج من المأزق المالي الحالي ودفع عجلة التنمية والاستقرار الاقتصادي في البلد الى المستويات المرجوة.

3- نقص المياه

تمثل مشكلة المياه احدى اهم التحديات التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة، فكما هو معلوم ان مشكلة نقص المياه من المشاكل العالمية التي تعاني منها معظم دول العالم، ليست فقط دول افريقيا والشرق الاوسط فحسب، فنقص المياه في عصرنا الحالي يعدّ الشبح الذي يلاحق الجميع، لذلك تعدّ من أهمّ الأمور التي تشغل بال الجميع ومن أكثر المشاكل خطورة، فمن الأسباب التي أثرت سلباً على كميات المياه في العراق وأسهمت في انخفاضها بشكلٍ سريع هي عمليات بناء السدود الاستراتيجية الكبرى على منابع الانهار في تركيا، بالإضافة الى التغير المناخي والذي ادى الى شحة مياه الامطار، حيث يشهد العراق في الوقت الحاضر أزمة نقص حادة في مياه الأنهار تتصادف مع موسم أمطار شحيح خلال العام الماضي مما ترك أثرا سلبيا على قطاع الزراعة واستخدام المياه في الشرب والمجالات الأخرى كالثروة الحيوانية، هذا الوضع دفع الخبراء إلى اطلاق تحذيرات مؤداها أن العراق سيعلن دولة منكوبة اذا ما استمرت السياسات المائية الحكومية على حالها.

ويشير الخبراء إلى أن أسباب أزمة نقص المياه في العراق ليست وليدة هذه الأيام بل هي نتيجة طبيعية لسياسة توزيع غير عادل لمياه نهري دجلة والفرات من دول المنبع وتحويل مجرى بعضها وغلقه عن المرور إلى العراق[3]، إضافة إلى سوء استخدام المياه وغياب الترشيد في الاستهلاك، وتشير الدراسات إلى تقلص كميات مياه النهرين نتيجة إقامة دول المنبع المزيد من السدود للتحكم بالمياه وخزنها وتحويل مسار أنهار أخرى بدون العودة إلى العراق وبدون مراعاة الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الدول المتشاركة في الأنهار، لذلك ينتظر من الحكومة العراقية الجديدة بذل الجهود ووضع الخطط الاستراتيجية من اجل تذليل حدة هذا التحدي الاستراتيجي الذي يهدد مفاصل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في العراق.

4- ارتفاع نسبة البطالة

تمثل البطالة تهديدا استراتيجيا يضرب المنظومة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الامنية للدولة، نتيجة ازداد عدد العاطلين عن العمل، فتتغوّل ظاهرة البطالة في العراق نتيجة اتساع أنواعها وتداخلها على خلفية استمرار جهود التنمية، وتفاقم الديون الخارجية، والظروف السياسية والأمنية التي يتعرض لها العراق منذ 2003، فضلا عن الفساد المالي والإداري، واختلال منظومة القوانين الخاصة بالاستثمارات، وسوق العمل، وحركة الأموال، ويمتزج ذلك مع إرث الخراب الثقيل المتمثل بتعاقب الحروب، فضلاً عن الحصار الاقتصادي، اذ تشير التقديرات أنّ مستوى الـ(6%) يمثل حدا طبيعياً لمؤشر البطالة، وفي ظل هذا المستوى يتم العمل على سبل معالجة، ولكن حين تتفاقم المستويات فلا بد من تكوين خطة تنتقل من لحظة معالجة إلى مكافحة إشكالية الموارد البشرية المعطلة[4]، ووفقا للإحصاءات يأتي العراق في مقدمة دول الشرق الاوسط بنسبة بطالة تقدر بـ(59%) من حجم قوة العمل و(31% ) بطالة مؤقتة ونحو (43%) بطالة مقنعة كما تقدر نسبة النساء العاطلات بـ(85%) من قوة عمل النساء في العراق.

البطالة المقنعة السائدة في أغلب مؤسسات القطاع العام حيث يتكدس في إطارها عددا كبيرا من العاملين بشكل يفوق الحالة الفعلية للعمل مما يسبب وجود عمالة زائدة أو فائضة لا تنتج شيئا تقريبا، ووفقا لآخر التقارير الدولية المرافقة للقروض الدولية التي استلمها العراق فان نسبة الإنتاجية للعامل في المؤسسة العامة يعمل مدة (10 دقائق إلى 15 دقيقة) في ثماني ساعات وهي مدة الإنتاج الرسمي، في حين يكون العامل أو الموظف في القطاع الخاص محققا لدورة إنتاجية تغطي كل ساعات العمل، وهذا التناظر يحدث فرقا هائلا ويتسبب بعدم توازن فرص العمل واختلال المرتبات الشهرية، هذه الارهاصات تشكل ارثا ثقيلا على اداء الحكومة العراقية الجديدة، حيث يقع في رأس هرم اهتماماتها تقليص عدد العاطلين العمل من خلال ترشيد التوظيف الحكومي وتنشيط القطاع الخاص.

5- الفساد المالي والاداري

من اهم التحديات التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة، هي الفساد السياسي والمالي في الدولة، حيث تعتبر ظاهرة الفساد الاداري والمالي آفة مجتمعية فتاكة وهي قديمة ومخضرمة وجدت في كل العصور، وفي كل المجتمعات، الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة، وحتى يومنا هذا، فظهورها واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية بطرق غير مشروعة وتكون واضحة بصورة كبيرة في مجتمعات العالم الثالث وخاصة في مؤسساتها الحكومية حيث انه سبب مشكلاتها الاقتصادية وتخلفها عن مسيرة التقدم.

فظاهرة الفساد مستشريه في البنية المجتمعية وفي مؤسسات الدولة منذ نظم الحكم المتتابعة على العراق وتفاقمت هذه الظاهرة بشكل نوعــي في حقبة الحصار حيث فتحت منافذ متعددة من الفساد وبصــــورة واسعـــة، وبعد عام 2003 وقبل تشكيل أول حكومة عراقية انتقلت مظاهر الفساد الاداري والمالي المختلفة إلى كل مفاصل الدولة الجديدة، ومنها مؤسساتها الحكومية حيث اتسمت هذه المرحلة التي شهدها العراق بأوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية غير مستقرة وبتزايد حالات الفساد التي تمثلت بفتح ابواب الانحراف في القيم الأخلاقية التي لم يعتد عليها المجتمع العراقي وبحالات الكسب السريع من خلال وسائل الفساد والمحافظة على المراكز الوظيفية باستخدام العنف في السلوك، وقد ساعد على انتشار ظاهرة الفساد الانفلات الامني الذي حصل في الفترة اياها وغياب المساءلة و الشفافية و ضعف تطبيق القوانين حيث انه انتشر في البنى التحتية في مؤسسات الدولة واتسع في الجهاز الوظيفي وأخلاقيات العمل، وقيام بعض العاملين على تحقيق مزايا ومكاسب خاصة لهم تخالف القوانين السائدة في المجتمع[5].

ان الكثير من المجتمعات الحديثة اجتهدت للتخلص من هذه الآفة المجتمعية، لأنها تقف عقبة في سبيل التطور السليم والصحيح لتلك المجتمعات، وان تفشيها في مؤسسات الدولة تعتبر من اشد العقبات خطورة في وجه الانتعاش الاقتصادي حيث انه يظهر في استغلال السلطة لأغراض خاصة سواء في تجارة الوظيفة او الابتزاز او المحاباة او اهدار المال العام او التلاعب فيه وسواء اكان ذلك مباشراً أم غير مباشر، وتنتج عنه اثار سيئة وهي تحويل الموارد والامكانات الحقيقية من مصلحة الجميع إلى مصلحــــة أشخاص حيث يتم تركيز المصلحة والثروة في يد فئة قليلة من المجتمع، وهذا ليس في صالح الدولة على المدى البعيد مما يولد مستقبلاً ذو اثار سيئة وضارة، لذا ينتظر من الاداء الحكومي المقبل ان يذلل هذه الظاهرة الخطيرة على مفاصل البنيوية للدولة العراقية.

ومما سبق، يمكن القول ان اركان التحديات الاستراتيجية التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة تتمحور حول قضايا يقع في طليعتها التهديدات الارهابية التي يعاني منها العراق من حين الى اخر، حيث ينتظر من الحكومة الجديدة رفع مستويات الامن والاستقرار المحلي من خلال وضع استراتيجيات امنية تحيد من خطر الهجمات الارهابية، كما تأتي مشكلة نقص المياه وانعكاساتها الاستراتيجية على الوقع الاقتصادي والاجتماعي لتمثل هي الاخرى احدى اهم الاشكالات التي ينتظر من الحكومة الجديدة حلها وتقليل اثارها، وتشكل ظاهرة البطالة وارتفاع عدد العاطلين، احد اهم التحديات والتي يجب وضع حلول حقيقية تعالج هذه المعضلة الاستراتيجية في المجتمع العراقي، فضلاً عن الضعف والتذبذب الاقتصادي والذي شكل هو الاخر احد اكبر التحديدات يجابه الاداء الحكومي المقبل، كما يمثل الفساد المالي والاداري احد اهم المشكلات والتي ينتظر من الحكومة العراقية الجديدة تذليله وتقليم اثارها في البنية المؤسساتية للدولة العراقية، واخيراً يمكن القول ان الحكومة العراقية الجديدة يجب ان تضع استراتيجيات شاملة وتكتيكات وقتية من اجل تذليل والحد من تأثير هذه الاشكاليات على مسار ادائها الوظيفي في المرحلة المقبلة.

* باحث متخصص في الشؤون الدولية والاستراتيجية
E-mail: [email protected]

................................................
[1] ياسر عبد الحسين، عراق ما بعد داعش قراءة في السياسة العراقية لمواجهة الارهاب، مجلة الدراسات الاستراتيجية والدولية، العدد (66)، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، بغداد، 2016، ص76
[2] حميد ناصر، واقع الاقتصاد العراقي بعد عام 2003، ط1، دار العلوم للطباعة والنشر، بيروت، 2016، ص165
[3] ايراهيم بسوني، الشرق الاوسط وازمة المياه، ط1، دار العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 2015، ص82
[4] هيثم عبد القادر الجنابي، واسماء خضير ياس، واقع البطالة في العراق وسبل معالجتها، مجلة كلية التراث الجامعة، العدد(8)، كلية التراث الجامعة، بغداد، 2015، ص54.
[5] ياسر محمد نور، حوكمة ادارة الفساد في العراق، ط1، دار الناشر للطباعة والنشر، عمان، 2016، ص42
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق