لكن الشيء الاكثر خطورة من هذا، هو ان هؤلاء الساسة او المسؤولين، الذين سيتركون ما جمعوه، ربوا جيلا من المسؤولين الجشعين، الذين يودون لو وضعوا مال الشعب كله في جيوبهم ليتصدقوا ببعضه على من يعيدهم في الانتخابات الى مواقعهم نفسها.. ليسرقون! ان مصداق كلامنا هذا...

قرأت مؤخرا، حكاية من التراث الشعبي الهندي، وهي من تلك التي تدعو الى الحكمة والتعفف، وترى أن البخل والجشع صنوان، وانهما رأس البلاء في أكثر الكوارث التي أصابت الإنسان، وخلاصة الحكاية، تقول، انه في احدى قرى الهند، كانت هناك عجوز طاعنة في السن، تمتلك الكثير من المال، لكنها بخيلة جدا، تعيش لوحدها في كوخ متهاو وترتدي ثيابا رثة، وتأكل أسوأ انواع الطعام، وقد قاطعها أولادها وأقاربها وكل اهلها وحتى اهل القرية، فبقيت وحيدة في كوخها بسبب شدة بخلها، الذي جعلها مكروهة من الجميع.

وفي احد الايام، مر شاب بتلك القرية وسمع بالمصادفة بحكاية العجوز، فقرر ان يقوم بحيلة ليستولي على مالها، وهكذا ذهب هذا الى كوخها وقد ادعى انه من اقاربها وجاء ليعتني بها، وبعد رفض وتردد أدخلته الكوخ، فصار يخدمها ليفتش عن المال في غفلة منها، من دون أن يجده، وبعد ان مرضت العجوز وعرفت بدنو اجلها، قالت للشاب انها قررت ان تورثه كل ثروتها، لكنها اشترطت عليه، ان يحرق معها وسادتها بعد موتها، (على عادة الهنود الهندوس)، والتي كانت بالية جدا، لانها، وحسب قولها، ستجعلها تشعر بالراحة بعد الموت! وحين ماتت، نفذ الشاب الوصية، وكان متلهفا كي يعود ليفتش عن الثروة، لاسيما انه بات الوريث (الشرعي)!.

لم يجد الشاب أي شيء، لكنه عرف بعد ان اعياه البحث، ان المال كان في الوسادة واحترق مع جثة العجوز، حسب وصيتها، وبذلك ماتت وهي مرتاحة، لان المال الذي ادخرته وحرصت على ان لا تعطي منه شيئا حتى لنفسهأ، لن يستفيد منه احد غيرها بعد موتها! وهكذا التقى البخل الذي مثلته تلك العجوز مع الجشع الذي مثله الشاب، بعد ان كذب وتحايل من اجل ان يحصل على المال، لكن الاثنين معا لم يستفيدا منه، او هذا ما ارادت الحكاية ان تقوله لنا.

قبل مدة، التقيت رجلا فاضلا، متعففا، من اهل العلم، وقد قال في سياق حديثنا عن ما يدور في البلاد، انه يستغرب من اولئك الذين يجمعون المال الحرام، مستفيدين من مواقعهم في السلطة او المواقع المؤثرة في الدولة، بينما اعمارهم قاربت السبعين او اكثر، وهو تساؤل يطرح نفسه، اذ كيف لإنسان بهذا العمر، ان يكون جشعا ويجمع مالا حراما؟ .. لكن الشيء الاكثر خطورة من هذا، هو ان هؤلاء الساسة او المسؤولين، الذين سيتركون ما جمعوه، ربوا جيلا من المسؤولين الجشعين، الذين يودون لو وضعوا مال الشعب كله في جيوبهم ليتصدقوا ببعضه على من يعيدهم في الانتخابات الى مواقعهم نفسها.. ليسرقون! ان مصداق كلامنا هذا، ما نراه من مشاريع معطلة، بسبب الفساد الذي لا نبالغ اذا قلنا انه توأم الارهاب حقا!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق