بعد النتائج الكارثية التي انتهت إليها دول (الربيع العربي) أصبح هناك رأي يقول إنه من المستحيل تكرار هذه الأحداث في باقي البلدان العربية، لأن شعوبها تعلمت الدرس وفضّلت جور وظلم حكامها على حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها تلك الدول، واستغل الحكام تلك النتائج...

كان الاوربيون يعتقدون بأن كل طيور البجع ذات لون أبيض، ومن المستحيل وجود بجعٍ أسود اللون، لكن عندما اكتشف الهولندي (Willem Janszoon) قارة أستراليا عام (1606) وجد فيها طيور بجع سوداء، فأصبحت عبارة (البجع الأسود) تعني ان المستحيل ممكن التحقق.

وفي عام (2007) نشر المفكر (Nassim Taleb) كتابه (The Black Swan)، يؤصل فيه لنظرية (البجعة السوداء) التي يمكن تلخيصها بما يلي:

ان الأحداث الكبرى في التاريخِ، والتي كان من المستحيل توقعها، قد حدثت فعلاً، وبشكل مفاجئ وغير متوقعٍ، مثل: اختراع الراديو، نشوب الحربين العالميتين، تفجيرات 11 سبتمبر، وغيرها، أي ان فكرة هذه النظرية ليست التنبؤ بالأحداث، بل تفترض ان الاحداث التي لا يُتوقع حصولها وتبدو وكأنَّها من المستحيلات، من الممكن ان تتحقق فعلاً.

بعد النتائج الكارثية التي انتهت إليها دول (الربيع العربي) أصبح هناك رأي يقول إنه من المستحيل تكرار هذه الأحداث في باقي البلدان العربية، لأن شعوبها تعلمت الدرس وفضّلت جور وظلم حكامها على حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها تلك الدول، واستغل الحكام تلك النتائج لتخويف شعوبهم من المصير الذي ينتظرهم لو قاموا بتحركات مماثلة.

ويبدو أن تلك الشعوب قد اقتنعت بمصيرها ورضتْ بقدرها، لكن مع ذلك تمادى الرؤساء في غيهم وأحكموا قبضتهم على السلطة واستمروا بنفس نهجهم الدكتاتوري القديم، ولم يمنحوا هامش من الحرية أو يعملوا من أجل تحسين الواقع الحياتي لشعوبهم بعد ان اطمأنوا إلى أن الجماهير قد تم ترويضها.

ولهذا فقد أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الترشح للرئاسة للمرة الخامسة (يحكم الجزائر منذ نيسان 1999)، وبدأ الرئيس السوداني عمر البشير بتعديل الدستور للترشح لفترة جديدة (يحكم السودان منذ حزيران 1989).

ما قام به بوتفليقة والبشير كان بمثابة (حركة الفراشة) التي أطلقت الاحتجاجات الشعبية في الجزائر يوم 22 شباط 2019، وفي السودان يوم 6 نيسان 2019، ورغم استقالة بوتفليقة وقيام الجيش السوداني بعزل البشير إلا ان الاحتجاجات لا تزال مستمرة لحين تحقيق اهداف الجماهير.

ان ما حدث هو حركة فراشة أدت الى بجعة سوداء (أرجو مراجعة مقالي: القيادة حسب نظرية تأثير الفراشة)، أي ان ما كان يُقال انه (مستحيل) قد تحقق فعلاً.

وكما يبدو ان الجماهير في البلدين قد تعلموا الدرس من شعوب دول (الربيع العربي) ولم يقعوا بالأخطاء التي وقعوا بها، وأهم هذه الاخطاء:

أولاً: عدم وحدة ووضوح القيادة.

ثانياً: تشتت المطالب وتصاعدها.

ثالثاً: استخدام العنف من قبل بعض المتظاهرين.

رابعاً: إخلاء الشوارع من المتظاهرين قبل تحقيق اهداف التحركات.

ولهذا استمرت الاحتجاجات وحققت نتائج مهمة ولا تزال مستمرة لحين تحقيق باقي مطالبها.

ان ما جرى في الجزائر والسودان هو بمثابة جرس إنذار لباقي حكام الدول العربية الذين عليهم الانتباه لنقطة مهمة وهي ان لصبر الجماهير حدود ومهما تحملت من ظلم حكامهما فسيأتي يوم وتضع نهاية لهذا الظلم، ويبدو ان أول مَن انتبه لهذا الأمر هو رئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز (يحكم موريتانيا منذ الانقلاب العسكري في آب 2008)، فرغم انه أوعز لنواب حزبه في البرلمان بتعديل الدستور للسماح له بالترشح لفترة ثالثة، لكنه بعد حدوث الاحتجاجات في البلدين رفض إجراء هذه التعديلات وأعلن انه سيلتزم بالدستور ولن يرشح للرئاسة.

لكن يبدو ان بعض الحكام لم ينتبهوا لهذا الجرس لحد الآن، ولهذا ربما تحط البجعة السوداء في بلدانهم وهي تنتظر حركة فراشة فقط!

[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
البجعة السوداء حطت أيضا في فرنسا وهيجت الفرنسيين
ورغم انتقاد فرنسا للدول الأخرى في مسألة حقوق الإنسان قمعت المتظاهرين
المتظاهرون الفرنسيون أيضا اصحاب الديموقراطية خربوا وحرقوا المباني والدواوين
والسؤال المطروح هو لماذا الهياج داخل الدول العربية وحدها دون دول الأسيويين والأفريقيين؟؟؟
احبائي
دعوة محبة
ادعو سيادتكم الى حسن التعليق وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-06-01