هل هو اصلاح مفروض من الخارج أم ضرورة للتطور الداخلي، وهل ان القوى الخارجية تريد فرض الإصلاح لحساب الداخل، الذي لا شك انه بحاجة شديدة اليه، أم أنه بالضد منه ولأجندتها الخاصة، هل يوجد نموذج واحد للإصلاح، أم هناك نماذج مختلفة تبعاً لدرجة تطور كل مجتمع؟...

شاعت في السنوات الاخيرة وبخاصة بعد أحداث 11 أيلول(سبتمبر) الإرهابية، دعوات كثيرة ومن مصادر مختلفة للاصلاح، ولعل بعضها أحدث تشوشاً وإلتباساً في المقاصد والأهداف من الإصلاح والجهات الداعية اليه.

الاختلاف لم يتعلق في مضمون الإصلاح حسب، بل في آلياته ووسائله، ناهيكم عن صيرورته، فهل هو حاجة وضرورة، أم ترف ورغبة؟ هل النخبة هي المعنية بالإصلاح ؟ أم الجموع الواسعة من السكان، التي تعاني من الفقر وشحة الحريات ونقص التعليم والتهميش!؟

هل هو اصلاح مفروض من الخارج أم ضرورة للتطور الداخلي؟ وهل ان القوى الخارجية تريد فرض الإصلاح لحساب الداخل، الذي لا شك انه بحاجة شديدة اليه، أم أنه بالضد منه ولأجندتها الخاصة؟ هل يوجد نموذج واحد للاصلاح؟ أم هناك نماذج مختلفة تبعاً لدرجة تطور كل مجتمع؟ أي مراعاة خصوصيته ضمن المشترك الانساني.

في السنوات الاخيرة شاعت أيضاً مصطلحات من قبيل"الإصلاح القسري والإصلاح الطوعي" أو "الإصلاح العنفي والإصلاح السلمي" أو "الإصلاح الثوري والإصلاح التدرّجي" أو " الإصلاح الفوقي والإصلاح التحتي" أو " الإصلاح المنفلت والإصلاح المنضبط " أو " الإصلاح الداخلي والإصلاح الخارجي". وكأن تلك الثنويات تشكل برنامجاً للقطيعة ومحتوى للمشاركة، في جدلية تحمل التناقض والتكامل، خصوصاً اذا افترضنا الاصلاح مصلحة عليا لكل الشعب والامة، ولا يعني فريقاً سياسياً أو فئة دون غيرها، ولذلك لا يمكن التذرع بالخصوصية، للتملّص من الاستحقاقات العالمية والآليات الدولية للاصلاح، وفي الوقت نفسه لا ينبغي التجاوز عليها بحجة العولمة والكونية.

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أننا عندما نتحدث عن الإصلاح الديمقراطي، فلا نقصد بذلك الحكومات وحدها، لأنها مهما حاولت وسعت، رغم أنها المسؤولة الأساسية، إلاّ أنها لا يمكن أن تتصدىّ لهذه المهمة الطويلة والمعقّدة بمفردها فقط . الحكومات بحاجة إلى شراكات حقيقية من مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية والمهنية، للاضطلاع بدورها في عملية الإصلاح الديمقراطي، وهي مسؤولة أيضاً عن نجاح أو أخفاق عملية الإصلاح وان كانت بدرجات أدنى، سواءاً في علاقاتها مع مؤسسات الدولة أو علاقاتها مع بعضها أو في أنظمتها وممارساتها الداخلية.

ولأن الإصلاح شاملاً، فإنه تعبير في اللحظة التاريخية عن مسار كوني وسياق عالمي وتاريخي، لا يمكن عزل هذا البلد أو تلك الدولة عنه، خصوصاً في ظل العولمة وثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتحوّل العالم إلى " قرية كونية " والتفاعل والتداخل والتشابك بين أجزائه المختلفه، فالتلفزيون والكومبيوتر والانترنت، وتكنولوجيا المعلومات، أصبحت وسائل تدخل البيوت بدون أي استئذان أو ترخيص وتؤثر في العقول والاتجاهات والأنظمة والمجتمعات على نحو عاصف!!

ولهذا السبب أيضاً لا يمكن اليوم، التضحية بقضية الإصلاح أو مقايضة الديمقراطية والتنمية تحت أي حجة، لأن ذلك سيؤدي إلى تبرير وتسويغ وجود واستمرار النُظم المستبدّة والمعادية للديمقراطية والإصلاح، مثلما لا ينبغي بحجة الإصلاح إرتهان الإرادة الوطنية وإخضاع المصالح الوطنية والقومية للقوى الخارجية وللمشاريع الأجنبية، أي قبول منطق الإستتباع والهيمنة والتعويل عليها.

أن المعادلة الصحيحة، التي على الجميع أن يدركها وأن يتعلم دروسها جيداً، هي ان الشروع بالإصلاح واعتماد الديمقراطية والتوّجه نحو التنمية يضعف فرص التداخل الخارجي " الجراحي" أو الحربي، ويحول دون إعطاء مبررات إضافية " للتدخل " المفروض من الخارج بحجة الاصلاح والديمقراطية، والعكس صحيح أيضاً.

ولا يمكن اختطاف التضحيات الجسام ولسنوات طويلة للمطالبة بالاصلاح من جانب قوى ومنظمات وشخصيات اصلاحية فكرية وثقافية وسياسية منذ آواخر القرن التاسع عشر، لمجرد أن بعض القوى الخارجية دعت اليه، حتى وإن كانت هذه الدعوة لأهدافها الخاصة، فالاصلاح ليس مؤامرة مريبة أو تواطئاً مشبوهاً، بل هو حاجة ضرورية خصوصاً بعد أن وصلت الكثيرمن أوضاعنا العربية الى طريق مسدود.

ويمكن أن يلعب المجتمع المدني دوره كقوة اقتراح وليس قوة احتجاج حسب، أي قوة تشاركية ومسؤولة، بدلاً من اعتباره قوة إعتراض أو ممانعة حسب، وذلك من خلال تقديمه مشاريع قوانين أو لوائح للبرلمان أو أنظمة وقواعد عمل أو برامج خاصة، كما يمكنه الإسهام في التدريب والتأهيل.

إن لم يأتِ الإصلاح تدرجيّاً سلمياً تراكمياً سيأتي عاصفاً ومدوّياً.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق