ان الانتخابات التي نتحدث عنها وندعو اليها مطلوب منها ان تكون مقدمة لعملية اوسع وهي اعادة بناء الدولة واقامة الدولة الحضارية الحديثة على اسس المواطنة والديمقراطية والمؤسسات والقانون والعلم الحديث، وهذا يتطلب، من بين امور اخرى، الغاء المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وهذا لن يتم الا بتغيير مطبخ بناء الدولة...

مهما كان رئيس الوزراء الجديد، فان عليه ان يعرف ان مهمته مرحلية وأنها تكاد تنحصر بمهمة واحدة هي اجراء الانتخابات المبكرة، وهذا ما على الشعب ان يتمسك به ويطالب به. المسالة لم تعد محصورة الاستجابة بما يسمى "مطالب المتظاهرين"، ولا ينبغي ان تكون كذلك، لأنها اوسع وأعمق وابعد مدى من هذا المصطلح؛ فهي مسالة الاصلاح السياسي المطلوب منذ سقوط النظام الدكتاتوري حتى الان. سقط النظام عام ٢٠٠٣ لا بفعل ثورة شعبية وانما بفعل تدخل أجنبي، وكان هذا من اهم الاسباب التي جعلت العملية السياسية اللاحقة قاصرة على اعادة بناء الدولة العراقية برؤية حضارية حديثة.

واليوم، وقد ادت التظاهرات الاحتجاجية، برغم محدوديتها الجغرافية وقصور رؤيتها السياسية، الى هز اركان نظام المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، فان ضرورة الاصلاح السياسي الشامل تعود الى الواجهة. وهذا ما يجب ان يعيه اي رئيس وزراء جديد. فلسنا بحاجة الى برنامج حكومي مفصل وموسع نحن نعرف انه لن يكون بإمكان الحكومة تنفيذه وتطبيقه ضمن النظام السياسي الحالية وكتله الحزبية الحاكمة؛ انما نحن بحاجة الى برنامج مختصر ومكثف عنوانه الاساس العمل على اجراء الانتخابات المبكرة في أسرع وقت ممكن بموجب الحسابات العملية والواقعية، وفي ضوء متطلبات المادة ٦٤ من الدستور.

وهذا ما اشارت اليه المرجعية الدينية في ٢٠ كانون الاول الماضي حين قالت: "ان الشعب هو مصدر السلطات ومنه تستمد شرعيتها ـ كما ينص عليه الدستور ـ وعلى ذلك فإنّ أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي ـ لا سمح الله ـ هو الرجوع الى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية".

ان الانتخابات التي نتحدث عنها وندعو اليها مطلوب منها ان تكون مقدمة لعملية اوسع وهي اعادة بناء الدولة واقامة الدولة الحضارية الحديثة على اسس المواطنة والديمقراطية والمؤسسات والقانون والعلم الحديث. وهذا يتطلب، من بين امور اخرى، الغاء المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية. وهذا لن يتم الا بتغيير مطبخ بناء الدولة وهو البرلمان ذاته.

واذا كان قانون الانتخاب الفردي من اهم من مستلزمات تشكيل برلمان بهذه المواصفات، فان الاستعداد الجيد لقوى التغيير لخوض الانتخابات بنية الفوز الكبير، هو ايضا من مستلزمات نجاح الحركة الاصلاحية.

واعني بالفوز الكبير تحقيق قوى التغيير الاغلبية المطلقة في البرلمان الجديد، اي الاستحواذ على ما لا يقل عن ١٦٥ مقعدا برلمانيا الامر الذي يمكنها من تشكيل حكومة قوية ومتجانسة قادرة على قيادة عملية التغيير والاصلاح واعادة البناء.

ويتطلب تحقيق هذا الفوز الكبير دخول قوى التغيير الانتخابات بخطة محكمة تضمن لها الفوز، ويكون من ابرز معالم هذه الخطة الاستفادة من الامكانيات النسبية التي يوفرها قانون الانتخابات الجديد.

وهذا يتطلب ايضا الا تدخل قوى التغيير الانتخابات وهي مشتتة على شكل عشرات وربما مئات الاحزاب والتجمعات المتنافسة فيما بينها، بل من الضروري ان تخوض الانتخابات وهي موحدة في اطار انتخابي واحد يوزع المرشحين على الاقضية ذات النائب او النائبين او الثلاثة نواب بالدرجة الاولى، وتوجيه الناخبين المتطلعين الى الاصلاح والتغيير الى اعطاء اصواتهم تحديدا الى مرشحيهم الفرديين في هذه الاقضية او الدوائر الانتخابية.

في هذه الاثناء، لا يستحسن ان تدخل قوى التغيير والاصلاح في مسائل تفصيلية وجانبية تصرف الانتباه وتشتت الطاقات وتفرق الصفوف.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق