الخروج من هذه المآزق الفادحة‮ ‬يتطلب وقفة ونيّة جادة من الحكومة الحالية أو من الحكومات القادمة في‮ ‬وضع خارطة طريق جديدة ورسم خطط تنموية حقيقية تتضمن توقيتات زمنية دقيقة للإسراع بالنهوض بالقطاع العام والقطاع الخاص والمختلط واعادة الحياة للقطاع الصناعي‮ ‬والزراعي‮ ‬والسياحي‮ ‬ومن الممكن الاستعانة بالاستثمار الأجنبي‮ ‬والمحلي...

كما عودتنا الطبقة السياسية في‮ ‬تفضيل مصالحها الشخصية دائماً‮ ‬على مصلحة البلد والمواطن تمت مصادقة قانون موازنة عام‮ ‬2020‮ ‬من قبل الحكومة بعد مرور تسعة أشهر على موعدها المقرر ودفعت بها الى قبة البرلمان لتدخل في‮ ‬دهاليز الخلافات والمصالح والصفقات السياسية المريبة والخلافات الأزلية مع الاقليم لغرض المصادقة عليها رسمياً‮ ‬لتصبح نافذة المفعول والتنفيذ، وهذا ليس‮ ‬غريباً‮ ‬علينا ففي‮ ‬كل عام تتكرر مهزلة تأخير اقرار قانون الموازنة ونشهد المهاترات والخلافات السياسية وتتسرب أخبار الصفقات المريبة خلف الأبواب المغلقة بين الكتل السياسية لغرض الحصول على المكاسب‮ ‬غير المشروعة والتي‮ ‬تكون دائماً‮ ‬على حساب الوطن والمواطن‮.‬

السيد الكاظمي‮ ‬رئيس مجلس الوزراء اضطر الى المصادقة على الموازنة والاسراع بدفعها الى البرلمان ولم‮ ‬يترك الأمر كما حدث في‮ ‬عام‮ ‬2014‮ ‬لعدة أسباب أولها لضمان ديمومة رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية للأشهر الثلاثة المتبقية وثانياً‮ ‬للحصول على‮ ‬غطاء قانوني‮ ‬للاقتراض بمبلغ‮ ‬سبعة وعشرون تريليون دينار لتغطية نفقات الموازنة الضرورية وثالثاً‮ ‬لضمان الايفاء بوعوده التي‮ ‬قطعها للشعب وأهمها الدرجات الوظيفية لبعض الشرائح التي‮ ‬وعدهم بالتعيين أمام وسائل الاعلام.

وبدون المصادقة على الموازنة لن‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يعين مواطن واحد في‮ ‬هذا العام، ورابعاً‮ ‬لكي‮ ‬تتمكن حكومته من العمل بحرية تحت‮ ‬غطاء قانوني‮ ‬ومالي‮ ‬لاجراء التغييرات المختلفة التي‮ ‬أعلن عنها في‮ ‬عدة مناسبات‮. ‬اقرار موازنة عام‮ ‬2020‮ ‬أثبتت حقيقة دامغة وهي‮ ‬فشل الحكومات التي‮ ‬تعاقبت على العراق منذ عام‮ ‬2003‮ ‬وحتى الآن في‮ ‬ادارة البلد وخاصة الملف الاقتصادي‮ ‬وأثبتت عجزها وفشلها في‮ ‬اخراج الاقتصاد العراقي‮ ‬من عباءة الاعتماد الكلي‮ ‬على النفط في‮ ‬تمويل موازنة البلد وفشلها في‮ ‬النهوض بالقطاعات الاقتصادية الأخرى والتي‮ ‬بالامكان الاعتماد عليها في‮ ‬تعظيم موارد الموازنة وتقليل الاعتماد على النفط وخاصة القطاع الصناعي‮ ‬والزراعي‮ ‬والتجاري‮ ‬والسياحي‮.

‬جاءت أرقام الموازنة مخيبة للآمال ومقلقة حيث بلغت حجم النفقات الكلية‮ ‬148‮ ‬تريليون دينار فيما بلغت حجم الواردات الكلية‮ ‬67 تريليون دينار وبذلك أصبح العجز أكثر من‮ ‬ 81تريليون دينار وهو أعلى رقم بلغه العجز بتاريخ البلاد، ومن الطبيعي‮ ‬أن تكون الموازنة خالية من أية تخصيصات استثمارية بسبب الظروف الاقتصادية التي‮ ‬يمر بها البلد نتيجة انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا‮.

‬التحديات الاقتصادية القادمة على البلد خطيرة جداً‮ ‬وحجم المشاكل الرئيسية‮ ‬يتضاعف ومعدلات الفقر والبطالة والأمية تتضاعف بشكل مقلق والنقص في‮ ‬كل الخدمات الرئيسية لازال قائماً‮ ‬والقدرة الشرائية للمواطن العراقي‮ ‬في‮ ‬هبوط مستمر وعجلة الاستثمار والبناء متوقفة وحجم الديون الخارجية والداخلية وفوائدها في‮ ‬صعود مقلق‮.

‬الخروج من هذه المآزق الفادحة‮ ‬يتطلب وقفة ونيّة جادة من الحكومة الحالية أو من الحكومات القادمة في‮ ‬وضع خارطة طريق جديدة ورسم خطط تنموية حقيقية تتضمن توقيتات زمنية دقيقة للاسراع بالنهوض بالقطاع العام والقطاع الخاص والمختلط واعادة الحياة للقطاع الصناعي‮ ‬والزراعي‮ ‬والسياحي‮ ‬ومن الممكن الاستعانة بالاستثمار الأجنبي‮ ‬والمحلي‮ ‬ووضع أسس حقيقية للاستثمار وتوفير الحماية الكاملة للمستثمرين من الفساد والتهديد وتقديم كافة التسهيلات في‮ ‬المعاملات الاستثمارية.

وكذلك التأكيد على مبدأ احتضان القطاع الخاص العراقي‮ ‬بشكل حقيقي‮ ‬وتذليل كافة العقبات والصعوبات أمامه وفسح المجال له لأخذ دوره الحقيقي‮ ‬في‮ ‬بناء البلد وتحريك الاقتصاد العراقي‮ ‬واستيعاب جيوش العاطلين من الشباب‮. ‬

أخيراً‮ ‬أقول بأن البلد مقبل على هاوية الانهيار الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي، والشعارات والتصريحات الاعلامية الرنانة لن تنقذ البلد من الخطر،بل نحتاج من حكوماتنا وبرلماناتنا الى نيّة حقيقية وولاء حقيقي‮ ‬للوطن وتخطيط علمي‮ ‬سليم وضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين لكي‮ ‬ننقذ بلدنا الحبيب وشعبنا المسكين الذي‮ ‬أثقلته الهموم والمعاناة وبدأ صبره بالنفاد‮.‬

.........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق