لا اتذكر بالضبط متى طرقت سمعي هذه العبارة، لكن المؤكد انها خلال دراستي الابتدائية، وتكرست مطلع السبعينيات عندما عرفنا أن كتبنا ودفاترنا واقلامنا ستكون كلها (على حساب الحكومة) ولم نعرف بعد معنى كلمة مجاناً التي قرأناها لاحقا على الكتب والدفاتر، وفهمنا انها تعطي المعنى ذاته...

لا اتذكر بالضبط متى طرقت سمعي هذه العبارة، لكن المؤكد انها خلال دراستي الابتدائية، وتكرست مطلع السبعينيات عندما عرفنا أن كتبنا ودفاترنا واقلامنا ستكون كلها (على حساب الحكومة) ولم نعرف بعد معنى كلمة مجاناً التي قرأناها لاحقا على الكتب والدفاتر، وفهمنا انها تعطي المعنى ذاته، حكاية الحكومات وحسابها الذي يفتح للتلاميذ وغيرهم بدأ مع تأسيس الدولة العراقية مطلع العشرينيات، عندما اصبح للعراقيين.

وبعد قرون من الضياع، (جيب دولة) يصرف عليهم، ويعملون على جعله ممتلئاً من خلال مشاغلهم المتعددة، ولم يكن جيب الدولة عامرا على الدوام، لكن الناس اعتادت على وجود عيادات طبية ومستشفيات ومدارس وبلديات وغيرها من الخدمات التي تقدّم (علااحساب الحكومة)!

وهكذا تلفظها الناس، فالحكومة توظف قدرات الشعب وفقا لما تراه في مصلحته ليعود عليه بالفائدة، وعندما يبلغ الشاب العراقي سن الـ18 عاماً يسمى (ابن الحكومة) وعليه أن يؤدي الخدمة العسكرية، وحين يتسرح، عليها توظيفه، ان كان راغبا في الوظيفة، وتحبسه اذا خالف القوانين وتكرّمه اذا قام بشيء يدعو لذلك، سواء في مجال العلم او الجيش او الرياضة او الفن او غيرها، قد يتفق البعض مع الحكومة او يختلف لكن كل ما ينبغي أن يكون (علااحساب الحكومة) ظل على حاله ولو رمزيا، كما في سني الحصار.

وظلت ملامح صورة الحكومة محفوظة بهذا الشكل في اذهان الناس، قبل أن تتغير الدنيا منذ نحو ثمانية عشر عاما ويتغير شكل الحكومة وتختفي ملامحها بالتدريج، فبمرور الاعوام واعتيادهم على غيابها عن ميادينها الخدمية نسوا شكلها القديم، وصاروا يرون بدلا عنها حكومات عديدة تنشطر باستمرار كالأميبيا، وكل منها تتحدث وكأنها الحكومة، وتاهت بين هذه (الحكومات) الوظائف وتبعثرت طاقات الشباب واختفت اموال البلاد!

ثم اعتادت الناس على رؤية مسؤولي هذه الحكومات او الاحزاب، يملؤون شاشات الفضائيات كل يوم، ويتبادلون التهم، بينهم وكل جهة تقول للأخرى بانها باتت تغتني على حساب الشعب وتسرق امواله وتدمر مستقبله، وهكذا فقد المصطلح القديم القدرة على المقاومة لصالح مصطلح جديد صار يتردد على ألسنة الناس بطريقة معكوسة تماما، (علااحساب الشعب).. اي ان الشعب بات يصرف على منتسبي الاحزاب لتمويل سفراتهم ومشاريعهم الخاصة وولائمهم، ليحافظوا على مستوى حياتهم الباذخة، بعد أن تيقنت الناس انها في زمن مختلف عن السابق وثقافته الآفلة!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق