q
التداعيات الجيوسياسية اخذت تظهر الى حيز الوجود الى جانب التداعيات السياسية والاقتصادية، جل هذه العوامل أصبحت تشكل عوامل ضغط على إيران التي قوت علاقتها مع باكستان وتركيا، وعلى الرغم من ان باكستان وتركيا لا تتفقان كثيرًا مع التحولات الجارية في منطقة الخليج، فإنهما بالمقابل تفضلان التقارب مع دول الخليج على حساب العلاقة مع إيران...

طويّ الماضي وأصبح في أرشيف الذاكرة السياسية، ثلاث سنوات من الخلافات بين دولتين (السعودية وقطر) مشتركتين بالعديد من الروابط أهمها الدين واللغة والأرض، وأخيرا غُسل منحر الاختلاف وعادت المياه الى مجاريها المعروفة، اذ جاءت القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في العُلا السعودية لتضع حجر الأساس لبناء علاقات جديدة بين افراد عائلة مجلس التعاون الخليجي.

اُغلقت صفحة وفُتحت أخرى على مصارعيها، فهذا التقارب الخليجي يشكل خطرا داهما على المصالح الإيرانية في المنطقة، حيث تواصل سعيها الذي بدأته عبر ما أطلق عليه الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني بـ"الحياد الفعال" خلال أزمة دخول العراق للكويت في آب 1990، فهي الى اليوم تحاول استغلال الخلافات الخليجية لتكون منفذها الوحيد للتشبث عبر سياستها المعهودة.

قبل خطوة رفسنجاني حاولت الجمهورية الإسلامية مرات عديدة من اجل إفشال تجربة مجلس التعاون الخليجي في ثمانينيات القرن الماضي، معتبرته عنصر التهديد المباشر لأمنها، وقدمت مقترحات بديلة عبر تشكيل منظومة أمنية تشمل دول الخليج العربي وإيران، إلا إنها لم تر النور وانتهت بالفشل بدل النجاح.

ما ستواجهه المنطقة العربية من تحديات لا تحتمل مزيدا من التناحر بين أبناء الجلدة الواحدة، فلا حاجة لتوجيه أمولا طائلة واستنزاف الموارد البشرية والمادية نتيجة الدخول بحروب خاسرة لا جدوى منها مجرد الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، بينما يشهد هذا الدور تنامي واضح عبر الأراضي العربية الأخرى من بينها العراق واليمن وسوريا ولبنان.

فالأيام القادمة تحتاج الى تقييم المواقف وإعادة ترتيب أوراق البيت الخليجي، ومع مجيء إدارة الامريكية الجديدة بقيادة بايدن تبدو قضايا المنطقة، وعلى وجه التحديد، أمن الخليج العربي والبحر الأحمر والحرب في اليمن والاتفاق النووي مع إيران، ملفات ذات صلة بمنظومة الأمن الخليجي، وهو ما يستدعي توحيد الصفوف الخليجية استعدادا للأيام المقبلة، لوضع أسس ودعامات جديدة للتكامل السياسي والأمني.

ولا تترجى إيران من عملية التكامل الخليجي بأن تعود عليها بالفائدة، بل على العكس من ذلك ستأتي بنتائج سلبية تهدد امنها القومي، لذا فأنها وجدت في الخلاف العربي الذي نشب بين السعودية وقطر مدخلا لإعادة الحياة لدورها في مجال العلاقات الدولية.

ومن اجل ذلك بذلت ما بوسعها من دعم لقطر بضمنها فتح اجواءها الجوية امام الطيران القطري، كما أنها استغلت هذا الخلاف لطرح مبادرة "السلام في مضيق هرمز"، وهي مبادرة تشتمل على تشكيل منظومة إقليمية جديدة عوضًا عن مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها لم تستطع تحقيق هذا المسعى، خصوصًا أن قطر عملت على الموازنة بين علاقاتها مع إيران وارتباطها الوثيق بمجلس التعاون الخليجي.

الشرخ الذي حصل بين الدول الخليجية أحدث اشبه بالصدمة لدى حكومة البيت الأبيض، التي كرست جهودها لزيادة الضغط على حكومة طهران، لما تقوم به دور لبسط نفوذها في منطقة الخليج، لكن البيان الختامي الذي صدر، أكد على اختراق إيران القواعد الدولية في سياستها التوسعية التي انتهجتها مؤخرا.

وأشار البيان إلى أن أي اتفاق تقدم عليه إدارة بايدن المقبلة مع إيران ينبغي أن يشمل برنامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، كما أنه أكد ضرورة أن يعالج الاتفاق المقبل السلوكيات الإيرانية في الشرق الأوسط ورفض التدخلات الإيرانية.

من الأمور التي ارادت تحقيقها الدول الخليجية خلال القمة الأخيرة هو ضمان تحشيد مزيد من الدعم الدولي ضد إيران، وبالنتيجة يمكن التوقع في الأيام المقبلة وتحديدا قبل العشرين من يناير الجاري ان يوجه ترامب ضربة عسكرية أخيرة لإيران، وقبل ذلك لابد من توحيد البيت الخليجي وجعله قادر على مواجهة ردود الأفعال المتوقعة من قبل إيران في حال تمت الضربة بصورة فعلية.

ومن التداعيات المحتملة والتي من الممكن ان تواجهها إيران في المرحلة القادمة هو تشديد الخناق عليها، والتحشيد من اجل عزلها عن اصدقائها في المحيط الإقليمي، وكذلك في المجتمع الدولي.

ذلك لن يتم مالم تقوى الكفة الخليجية وغلق الفجوات التي حصلت في السنوات الأخيرة بين أحد اهم الدول في المجلس، هذا التفاهم الخليجي وابتعاد قطر عن الصديق الجديد إيران سيؤدي الى تجفيف منابع الدولار المتدفق لحكومة طهران عبر الطيران القطري، وهو ما يجعل إيران تتنفس الصعداء بعد التضييق الأمريكي لمنع الدولار من التدفق لإيران.

التداعيات الجيوسياسية اخذت تظهر الى حيز الوجود الى جانب التداعيات السياسية والاقتصادية، جل هذه العوامل أصبحت تشكل عوامل ضغط على إيران التي قوت علاقتها مع باكستان وتركيا، وعلى الرغم من ان باكستان وتركيا لا تتفقان كثيرًا مع التحولات الجارية في منطقة الخليج، فإنهما بالمقابل تفضلان التقارب مع دول الخليج على حساب العلاقة مع إيران.

ففي الفترات السابقة اتسمت العلاقات بين الدول المذكورة بالتأرجح وبذلك سيكون الموقف الجيوسياسي لإيران صعب جدًا، خصوصًا أن التوازنات الاستراتيجية التي تشكلت ستشهد تغيرات في غير صالح إيران في أكثر الاحتمالات.

الساحة الدولية وعلى المستوى السياسي حُبلى بالمتغيرات، أبرزها فوز بايدن وهبوط أسعار النفط، وختامها معاودة إيران لتخصيب اليورانيوم الذي وصفه ولي العهد السعودي بـ"سلوك إيران التخريبي"، فان جميع هذه المتغيرات ستكون الرياح التي تمشي بما تشتهيه إيران.

اضف تعليق