الخيار الاول، الدولة الحضارية الحديثة، لأنها تقطع دابر الامر من اصله وتجعل تداول السلطة سلميا وسلسا وهادئا من الميسور، الخيار الثاني، ان يبقى النزاع مستمرا مفتوحا على كل الاحتمالات مما لا تحمد عقباه، الخيار الثالث، ان تتفق الاطراف الشيعية قاطبة على تشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا...

شاءت الطائفية السياسية، او المحاصصة الطائفية، والعرف غير الدستوري ان يتم تقاسم المكوناتِ الثلاثةِ الرئاساتِ الثلاثةَ. رئاسة الجمهورية للاكراد، ورئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الحكومة للشيعة.

ويشاء حسن الحظ ان تكون الخلافات السنية-السنية، والخلافات الكردية-الكردية اقل حدة من الخلافات الشيعية- الشيعية. فهناك كتلة كردية اكبر، هي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وهناك كتلة سنية اكبر، هي حزب تقدم بقيادة الحلبوسي. والامر ليس موضوع خلاف حاد بينهم.

حسن الحظ لم يحالف الشيعة. فمع ان هناك كتلة انتخابية فائزة هي الاكبر، اعني التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، الان جمعا كبيرا من الشتات الشيعي على شكل مسميات كثيرة غير سعيدة بهذا الواقع وهي تعارض نتائج الانتخابات وتطالب باعادة فرز الاصوات يدويا، وربما طالبت باعادة الانتخابات، وهذا طلب غير معقول.

الشيعة هم اصحاب امتياز رئاسة مجلس الوزراء، وهو اخطر موقع تنفيذي في الدولة العراقية الهشة ذات الديمقراطية الهجينة او المعيوبة، بنص الدستور الذي يقول في المادة ٧٨:"رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بادارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق باقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب." ونستطيع ان نقول بعد قراءة هذه المادة ان رئيس الوزراء هو "عمود الدولة"، كما الصلاة هي عمود الدين، فان صلح الرجل صلح ما سواه، وان فسد الرجل ساء ما سواه. ولما كان هذا الرجل شيعيا، فان الشيعة هم عماد الدولة، ان صلحوا صلح كل شيء، وان فسدوا فسد كل شيء. والخلاف والصراع والتنازع على كرسي رئيس الحكومة، وكسر العظم بسببه ليس من الصلاح، بل هو الفساد بعينه. ازاء هذا لابد من حل حضاري ديمقراطي للمسألة. وهنا لدينا عدة خيارات:

الخيار الاول، الدولة الحضارية الحديثة، لانها تقطع دابر الامر من اصله وتجعل تداول السلطة سلميا وسلسا وهادئا من الميسور.

الخيار الثاني، ان يبقى النزاع مستمرا مفتوحا على كل الاحتمالات مما لا تحمد عقباه.

الخيار الثالث، ان تتفق الاطراف الشيعية قاطبة على تشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا، مع الحفاظ على حق التيار الصدري بترشيح اسم رئيس الوزراء، وتشكيل حكومة توافقية كما جرت العادة في السنوات الماضية. ويستطيع التيار الصدري ان يقترح اسما توافقيا، وليس بالضرورة "صدري قح".

الخيار الرابع، ان يسلم الجميع بنتائج الانتخابات كما هي، الامر الذي يتيح للتيار الصدري ان يرشح اسم رئيس الوزراء، بصفته الكتلة النيابية الاكثر عددا، بعد التفاهم مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم لضمان تأييد ١٦٦ صوتا في جلسة منح الثقة وايضا يستطيع التيار الصدري ان يقترح اسما توافقيا، وليس بالضرورة "صدري قح".

ويكون الباقون احرارا فيما يتصرفون، اما ان يختاروا مقاعد المعارضة الايجابية، او المعارضة السلبية، او الجلوس على التل.

ثلاثة من هذه الخيارات تضمن للعراق ان يصل الى شاطئ الامان والسلامة بعد الانتخابات، ماعدا الخيار الثاني الذي سيكون مكلفا اذا اتجه القوم اليه لا سمح الله. وقد يكون الخيار الرابع افضل الخيارات واقربها الى فكرة الدولة الحضارية الحديثة، لانه سوف يقيم الحكم على عمودين: عمود حكومة الاغلبية السياسية (وفيها عرب وكرد وتركمان، وشيعة وسنة، واقليات)، وعمود المعارضة البرلمانية (ومن الممكن ان يكون فيها عرب وكرد وتركمان، وشيعة وسنة، واقليات، كل حسب رغبته وقناعته).

فان صعب على القوم هذا الخيار، فلابد من توطين النفس على الذهاب الى الخيار الثالث، وتجنيب البلاد مخاطر ليس اقلها بقاء حكومة تصريف الاعمال لفترة اطول مع غياب السلطة التشريعية الرقابية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق