تنمية الاقتصاد العراقي وتجاوز تحدياته الانية والمستقبلية تكون في الاستفادة وتوظيف الفرصة المواتية في ظل الوفرة التي احدثتها ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة عبر انشاء الصناديق السيادية التي تكون عوائدها من النفط والسياحة على اقل تقدير في هذه المرحلة، لوضع الخطط لتطوير المشاريع المتوسطة والصغيرة...

أطلق وزير المالية في العراق السيد علي عبد الأمير علاوي مع نهاية عام 2021 تحذيرات جديدة عن الانسداد المالي تضاف الى مخاوف سبق وان حذرت منها المالية العراقية وخبراء في المالية والاقتصاد، ومن الواضح ان وزير المالية المعروف عنه بتصريحاته وقراراته الصريحة والجازمة وأحيانا تكون غير منسجمة مع ما تريده الكتل السياسية وحتى الشارع العراقي.

تقول التحذيرات الجديدة من قبل اعلى قمة في وزارة المالية: ان العراق بعد عشر سنوات قد يضطر الى تسريح موظفيه بسبب عدم قدرته على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين! مما اثارت التحذيرات جملة من المخاوف، وردود الأفعال، فقد حاول البعض ان يصف التحذيرات بانها مبالغ فيها ومضخمة، فيما وصف البعض الاخر بانها تحذيرات غير دقيقة، فيما ذهب اخرون الى واقعية تحذيرات وزير المالية التي نقدت ايضا لكونها لم تضع الحلول كونها صادرة عن جهة تنفيذية عليها ان تضع الحلول بقدر ما تشخص الازمات، الى جانب النقد الذي يوجه الى سياسات وزارة المالية وخططها خصوصا فيما يعرف بورقتها البيضاء التي لم تحدث أي تغيير ملموس في تنوع الاقتصاد العراقي منذ تسنم الوزير في نهاية عام 2019 والتي هي الآن في مرحلة تشكيل وزارة جديدة بعد انتخابات تشرين 2021.

لنترك الردود ونذهب لمعطيات الواقع العراقي بعد التغيير السياسي الذي حدث بعد سقوط النظام الاستبدادي السابق، فقد اعتمد العراق بعد التغيير في اقتصاده على النفط بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت قد فرضت على النظام السياسي العراقي السابق عقب غزوه للكويت، ودخل العراق بمرحلة الحصار الاقتصادي، وحظر التعامل مع العراق سياسيا واقتصاديا، وكان في مقدمة تلك العقوبات حظر تصدير النفط من قبل العراق، واستيراده من قبل الدول الأخرى، فاعتمد العراق آنذاك على الإنتاج المحلي في إمكانيات متواضعة مثل: الزراعة، وتطوير القطاعات الصناعية بحدود معينة.

بعد التغيير كان من المفترض ان يعزز الاقتصاد غير النفطي الى جانب استغلال الطفرة النفطية الناجمة عن تصدير النفط بكميات كبيرة بعد التغيير السياسي لكن الذي حدث انهارت كل الاقتصاديات في العراق من اقتصاد الزراعة، والصناعة، والسياحة، بصورة مخيفة، وتحول القطاع الزراعي الى عشوائيات سكنية، وانتقل المزارعون من الزراعة الى موظفين ومنتسبين لدى الحكومات الاتحادية والمحلية الخ، فيما تم تدمير الاقتصاديات الصناعية بقصد عبر تعطيل المصانع إضافة الى عدم التفكير حتى بوضع خطط استراتيجية في تطوير الاقتصاد الصناعي.

فتحول العراق منذ التغيير السياسي والى غاية تحذيرات وزير المالية في أواخر عام 2021 الى اقتصاد معتمد كلياً على النفط أي تحول الاقتصاد من الاقتصاد الناشئ المعتمد على الاقتصاد المتنوع الى الاقتصاد المعتمد على النفط او ما يعرف بالاقتصاد الريعي، ويقدر نسبة الاعتماد على النفط بحوالي ما نسبته اكثر من 95 بالمائة، طبعا من مضار الاقتصاد الريعي انه يعتمد على مصدر واحد للإيرادات الحكومية والموازنة الاتحادية واذا ما حدثت مشكلة محددة تغذي هذا الاقتصاد سينهار كل شيء في البلد خصوصا وان القطاعات والقوى العاملة تعتمد على الاقتصاد الريعي بصورة مباشر، والذين يقدرون بأكثر من سبعة ملايين ما بين موظف ومتقاعد.

فهذا التحذير من قبل وزير المالية في محله، ولنتذكر قبل فترة زمنية ليس ببعيدة وبالتحديد قبل خمسة أعوام عندما انهارت أسعار النفط العالمية حينما لم تعد الحكومة الاتحادية في العراق قادرة على سد جزء من نفقات موظفيها فضلاً عن تعطيل كل أوجه الصرف في مختلف المجالات خاصة تلك التي تتعلق في مجالات التنمية والاعمار رغم شبه انعدامها بفعل الفساد المستشري، وسوء الإدارة، والسبب في ذلك ان كل الإيرادات المالية التي تغذي مختلف القطاعات معتمدة على النفط، والتي تتحول الى رواتب، وصرف على مؤسسات الدولة المترهلة خاصة في مؤسسات الرئاسات الثلاث والوزارات وشاغلي الدرجات الخاصة>

ومن المعروف أيضا ان أسعار النفط مسألة دولية تخضع لحسابات سياسية وبالتالي هي غير محسومة، وغير مستقرة، ومتوقعة التغيير في أي لحظة اذا ما كانت هناك ضغوط دولية او حروب واوبئة او ما شابه الى جانب التحول العالمي في مجالات استخدام الطاقة الى مجالات أخرى منها ما يعرف بالطاقة المتجددة كالاعتماد على الطاقة الكهربائية، والطاقة الشمسية، واستخدامات التكنولوجية الالكترونية وما الى ذلك التي ستزداد حضوراً في الأعوام القادمة مما سيقلل باي طريقة في استخدامات المواد النفطية في السنوات القليلة القادمة.

استنتاجاً لما تقدم ما العمل؟

الحل أتصور بسيط لكنه يحتاج الى إرادة سياسية وإدارة قادرة على احداث اختراق في بنية النظام السياسي والاقتصادي، من دون شك هناك جهات داخلية وخارجية مستفيدة من خيار الاقتصاد الريعي وحياة البلد المستهلك، وتعطل مشاريع التنمية الاقتصادية والزراعية والصناعية، الحل يكون بوضع الخطط قصيرة وطويلة الأمد ليكون لدينا اقتصاد متنوع بدل الاقتصاد الأحادي الجانب او الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط، والان حتى الدول التي صعدت في العقود الأخيرة على الاقتصاد الريعي النفطي تحولت في السنوات الأخيرة الى الاقتصاد المتنوع من هذه الأمثلة دول الخليج الغنية بالنفط على الامارات والسعودية وقطر وغيرها، فالسعودية وضعت الخطط الاقتصادية بالرغم انها من اكبر الدول المصدرة للنفط في العالم طويلة الأمد ما يعرف 2030 والتي وصلت الى مراحل متقدمة وتحولت نسبة الاعتماد على الاقتصاديات الأخرى يصل الى ما نسبته 25% وهكذا الامارات التي يصل الاعتماد على الاقتصاديات السياحية والزراعية والاستثمارية ما نسبته40%.

لذا فان تنمية الاقتصاد العراقي وتجاوز تحدياته الانية والمستقبلية تكون في الاستفادة وتوظيف الفرصة المواتية في ظل الوفرة التي احدثتها ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة عبر انشاء الصناديق السيادية التي تكون عوائدها من النفط والسياحة على اقل تقدير في هذه المرحلة، لوضع الخطط لتطوير المشاريع المتوسطة والصغيرة والقطاعات الصناعية التي من المعروف عنها انها تحتاج الى وقت وصبر حتى تتطور لأحداث طفرة في اقتصاديات الصناعة والاقتصاديات الأخرى التي هي اقل صعوبة في الانتاج مثل اقتصاديات الزراعة والسياحة، مما سيعود ذلك بالنفع على تنمية القدرات المحلية، وتقليل البطالة، والتحول بدل التفكير بالوظائف الحكومية الى القطاع الخاص.

ومن الفوائد الاخرى تنمية ورفع قيمة العملة المحلية بدل ان تهدر في عمليات الاستيراد التي من دون شك تتحول أموال النفط عبر الرواتب والمصروفات والاستثمارات الخارجية التي يقوم بها كبار السياسيين والمسؤولين في العراق تتحول الى عمليات صعبة وتتحول الى اقتصاديات الدول الأخرى.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001–2022 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق