لم تعد الموصل والرمادي فقط هي المحافظات المنكوبة فقط بفعل إحتلالها من قبل جماعات التكفير ووحوش الانسانية؛ كلا فمحافظات عديدة ابتلت أما بالفقر او بالفساد الذي اطاحت بأحلام أبناءها بتطوير محافظاتهم، فالمحافظات الجنوبية منكوبة ايضاً بفعل إرتفاع نسبة الفقر الى أكثر من 30% من مجموع سكانها وتلك النسبة هي حددتها وزارة التخطيط الحكومية.. لا نعلم النسبة الحقيقية الواقعية للفقر هناك، والبصرة لوحدها نكبتها غريبة حيث لم تستطع أي حكومة "وطنية" مركزية كانت أو محلية من حل أزمتها الكبيرة مع مياه الشرب مما جعل من الأمراض المعوية مرتعاً لأجسادهم منذ زمان بعيد.

اليوم أعلن مجلس محافظة البصرة أن المحافظة منكوبة بسبب ملوحة المياه حين وصلت في شط العرب الى 17 ألف جزء في المليون وهو ما يجعلها غير صالحة للإستخدام البشري كالزراعة والبناء والاستخدامات المنزلية وتلك الملوحة تعادل نصف ملوحة مياه البحر التي تقدر بـ 34 ألف جزء في المليون.

فالاهوار التي كانت بمساحة 20000 كم2، مايقارب الـ 17% من مساحة العراق، في طريقها الى الزوال بعد استمرار موجات التجفيف المتعمد لها والغير متعمدة بفعل سياسات دول الجوار، الاهوار ذات المياه العذبة تحولت اليوم الى أرض قاحلة تجف على سطوحها الاسماك، وتعمى من ملوحة ما تبقى من مياهها الحيوانات وبعدما كانت تعج بألذ انواع الاسماك، اصبح اليوم الجفاف يهدد ثروة حيوانية هائلة كانت تمثل جزءاً كبيراً من متطلبات الامن الغذائي العراقي حينما كانت طاقة الاهوار الانتاجية من الاسماك تقارب الـ 60% من الاحتياج الكلي للعراق خلال ثمانينات القرن الماضي، ومع انتشار القصب والبردي الذي يمثل علف للحيوانات ومادة اولية لصناعة الورق.

وحتى جاءت الكارثة الانسانية الكبرى في تجفيف الأهوار، حين تعاون عليها النظام السابق قبل 2003 ودول الجوار بعد 2003، حين ضعفت إرادة الدولة العراقي في المطالبة الحقيقية الوطنية لدول الجوار بالاطلاقات المائية المتفق عليها بموجب القوانين والأنظمة المتعارف عليها والتي تحكم الدول المتشاطئة بالانهر، وحدها تركيا كانت لنا معها معاهدات ومواثيق عقدت وامتدت منذ عام 1923 حين وقعت اتفاقيات لوزان ومعاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة عام 1946 وملحقها الذي نصت المادة الخامسة منه على " توافق تركيا على اطلاع العراق على اية مشاريع خاصة قد تقرر انشاءها على نهري دجلة والفرات او روافدههما وذلك لغرض جعل الاعمال التي تخدم على قدر الامكان مصلحة العراق كما تخدم مصلحة تركيا " ! وبروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين الدولتين الموقع في عام 1971 وبروتوكول عام 1989 والذي تعهدت تركيا بموجبه بتمرير حصة لكل من سورية والعراق وعدم الاضرار بالدولتين وقد صدق هذا البروتوكول لدى الجامعة العربية في عام 2007 وكذلك الاجتماع الوزاري الثلاثي بين تركيا وسوريا والعراق في انطاليا عام 2007 حين تعهد بموجبه الجانب التركي بعدم الاضرار بالعراق جراء انشاء سد اليسو وتطبيق نظام تشغيلي للسد والمحطة الكهربائية.

وهذا الأمر ينطبق على إيران أيضاً التي باشرت ببناء 9 سدود على نهر سيروان وبالفعل اكتملت عدد من تلك السدود ناهيك عن مياه البزل التي أدت الى خسائر مادية كبيرة بفعل زحف الملوحة بنسبتها العالية الى مياه شط العرب وإتلافها لآلاف الهكتارات من الأراض الزراعية.

العراق اليوم يخوض معارك عدة وحدها القوات الامنية والحشد الشعبي والبيشمركة ومقاتلو العشائر يخوضون اشرسها على جبهات القتال، ومعارك أخرى يجب ان تخوضها بقية الوزارات العراقية في الدفاع عن حقوق ابناء شعبنا، على الوزارات غير المعنية بالقتال الحربي أن تمارس معركتها الحقيقية تجاه من تجاوز على حقوق العراق المائية في حصوله على نسبة المياه المقررة له بموجب المواثيق الدولية وان تحدّ سلاح وطنيتها في ذلك وأن لا تأخذها في حق أبناء شعبنا أي طائفية.

بعد ستة سنوات من إعلان وزير الموارد المائية السابق مهند السعدي عن البدء بتشكيل المجلس الأعلى للمياه الذي لايعرف مصيره في أروقة البرلمان ونذكر أنه كان مشغولاً حينها، في ذات الفترة، بمسؤولية أهم وهي جمع التواقيع لإقالة الحكومة ! واليوم بعد تلك السنوات أين أصبح مصير إقرار قانون هذا المجلس والتساؤل اليوم لأهميته في دعم الحلول لمشاكل العراق المائية.

الاهوار تحتضر إذا لم تكن قد ماتت منذ زمن بعيد وبدأت موجة النزوح التدريجي لسكانها الاصليين، حيث يقدر النزوح بـ 250 الف عائلة كانت تمتهن الصناعات اليدوية والانتاج الحيواني والسمكي لتضيف تلك الهجرة هماً أخر لأبناء شعبنا.

وزارة الخارجية ووزارة الموارد المائية وأي وزارة أخرى معنية عليها أن تطلق فوراً حملتها الدولية لإستعادة الحق المطلوب لأبناء شعبنا وبموجب القوانين الدولية وان لا ندع احد يتجاوز على حقوق العراقيين في العيش على أرضهم بأمان وأن لا نضع اعتباراً لأي شيء إلا مصلحة الشعب فوق كل إعتبار، مثلما تضع دول الجوار مصالحها الاقتصادية لتدوس على احلام العراقيين بالحصول على المياه النقية، ما أصعب ذلك علينا ونحن نساوم على كل شيء حتى على عطش أبناء شعبنا، الويل لنا من صولة الحق الشعبية الكبرى إذاما اشتعل أتونها.. ولتضيع فيه رؤوس الفاسدين.. حفظ الله العراق.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق